عرض مشاركة واحدة
  #517  
قديم 14-05-2025, 11:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,805
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي



من أوصى لغير وارث بمثل نصيب وارث
السؤال أشكلت علي مسألة وهي قوله: (وقع زوجة وابن تسع) كيف يكون الموصى له التسع، أليس له الثمن كحق الزوجة لأنه أقل إرثا؟
الجواب في هذه الحالة ستعطيه ثمنا مثل الزوجة، وأصل المسألة من ثمانية، فمعنى ذلك: أنك ستقسم ويكون للزوجة الثمن؛ لأنه أعطاه مثل نصيبها، فلا تستطيع أن تعطيه ثمنا آخر، لأن المسألة أصلا لا تصح على هذا الوجه، وفي هذه الحالة يكون له النصيب مثل نصيب الوارث.
وبعض العلماء -وهو مذهب آخر- يرى التشريك حتى في الزوجات، فلو قال: له مثل الزوجة، وكانت له زوجتان؛ فتصح تصح المسألة من ثمانية، ويقسم الثمن بينهما، ثم تعول لكل واحدة منهما واحد على ستة عشر، ويكون له واحد على ستة عشر، أي: جزء النصيب في الميراث، وفرق بين جزء النصيب في الميراث وبين النصيب في الإرث الذي هو الثمن، والذي يظهر هو ما اختاره المصنف أنه يكون له مثل الثمن؛ لأن الذي ذكرته أنت يكون له فيها جزء الميراث، وهذا يرده غير واحد من أهل العلم رحمهم الله، والصحيح: أنه يكون له الثمن رأسا، وتكون المسألة من تسعة؛ للزوجة تسع وله تسع، والباقي للرجل الذكر على التفصيل الذي ذكرناه، والله تعالى أعلم.

معنى قول العلماء: (لا مشاحة في الاصطلاح)

السؤال ما معنى قول العلماء رحمهم الله: لا مشاحة في الاصطلاح؟

الجواب الاصطلاح لا مشاحة فيه، بمعنى: أن لكل قوم أن يصطلحوا على تسمية الشيء باسمه كاصطلاح بينهم، فلا يأتي واحد ويخطئهم، أو يبين عوارهم في اختيار هذا، فهذا مصطلح لهم، ولا مشاحة في الاصطلاح.
وإذا اختلف اثنان، فإما أن يختلفا حقيقة أو صورة، فالخلاف ينقسم إلى: خلاف حقيقي وخلاف لفظي، فالخلاف اللفظي هو خلاف المصطلحات.
فمثلا: لو جاء شخص وسمى شيئا معينا باسم معين لا يعطيه حكم ذلك الاسم الشرعي، واصطلح مع غيره على هذه التسمية، فمثلا: لو جاء بعض العلماء وأخرجوا بيع الصرف من البيع -فإن: بعضهم يراه بيعا، والإجماع منعقد على أن الصرف يسمى بيعا- ووضع تعريفا، ورأى أن باب الصرف باب يستحق أن يفرد بكتاب، وأن يفرد بمسائل حتى يضبط أكثر ويتقن أكثر.
وذلك مثل المالكية رحمهم الله في مذهبهم حيث أفردوا الصرف بباب مستقل، وبتعريف مستقل، وميزوه عن تعريف البيع العام، وأفردوا السلم عن باب البيع، مع أنه نوع من أنواع البيع؛ لأنه رخصة وبيع للمعدوم، فأفردوا السلم والصرف باسمهما وبباب مستقل، ووضعوا لكل منهما تعريفا مستقلا.
فلما جاءوا في كتاب البيع يعرفون البيع أخرجوا هذين النوعين من البيع؛ لكنهم أخرجوهما اصطلاحا لا حقيقة؛ لأنهم في الحقيقة يسلمون أنهما نوعان من أنواع البيع؛ لكن في الظاهر جاءوا في التعريف فقالوا في البيع: عقد معاوضة على غير منافع ولا متعة لذة ذو مكايسة.
وهنا ينتهي تعريف البيع العام، ثم قالوا: أحد عوضيه غير ذهب ولا فضة، معين غير العين فيه.
فلما قالوا: أحد عوضيه غير ذهب ولا فضة؛ أخرجوا بيع الصرف، ولما قالوا: معين غير العين فيه، أخرجوا بيع السلم، ولكن لم يخرجوهما من البيع حقيقة؛ لأنهم يرون أن كلا منهما بيع، لكنهم اصطلحوا في مذهبهم على إفراد هذين النوعين من البيع، وهذا مصطلح خاص بالمذهب، لكنهم في الحقيقة يرون الصرف بيعا والسلم كذلك بيعا، فهم في الحكم متفقون، وفي الاصطلاح مختلفون؛ فنقول: لا مشاحة في الاصطلاح.
فلا يأتي شخص ويقول: هذا التعريف خطأ؛ لأنه أخرج الصرف والسلم وهما من البيع، بل نقول: هذا إخراج اصطلاحي لا حقيقي فلا يؤثر؛ لأنه لا مشاحة في الاصطلاح.
مثال آخر: الواجب والفرض، فبعض العلماء يرى أن الخلاف بين الحنفية رحمهم الله وبين الجمهور في الواجب والفرض خلاف لفظي؛ لأن الحنفية يرون أن الفرض ما ثبت بدليل قطعي، وإذا كان ثابتا بدلالته بدليل قطعي، ودلالته قطعية وثبوته قطعي، فيكفر جاحده، ويعطونه أحكام الفرض من حيث أنه يثاب فاعله ويعاقب تاركه.
والجمهور عندهم أن ما ثبت من الواجبات بدليل قطعي، وصار معلوما عند الإنسان ثبوته ثبوتا ودلالة أنه قطعي، وعلم وقامت عليه الحجة، بإجماع الجمهور أنه يكفر إذا جحده، فمثلا: الصلاة عند الحنفية فرض، وعند الجمهور تسمى فرضا وتسمى واجبا، والحنفية لا يطلقون الواجب إلا على الذي ثبت بدليل ظني، فإذا أنكر شخص الصلاة، وقال: الصلاة ليست واجبة، فعند الجمهور وعند الحنفية أنه يكفر، فالنتيجة واحدة، فالخلاف اللفظي والاصطلاحي نتيجته واحدة، ولكن من حيث الاصطلاح يختلف، فلكل مذهب اصطلاحه.
ولو أن أناسا داخل البيت اصطلحوا على تسمية شيء باسم، مثل البئر، فالبئر معروف، ومصطلح الناس العام في البئر معروف، ولكن لو كان عندك داخل البيت حوض صغير، وتقول دائما لأولادك: ضعوها في البئر، اطرحوها في البئر، فيأتي شخص ويقول لك: لماذا سميت هذا الحوض بئرا؟ فتقول له: هذا مصطلح بيني وبين أولادي، ولكن لو جاء شخص من الخارج وقال: ارم هذا في البئر، فذهب ووضعه في حوض؛ فنقول: هذا خالف الاصطلاح العام، فلا يمكن أن يحمل لفظه على مصطلح خاص، لكن أنت فيما بينك وبين أولادك لكم مصطلح خاص، ولا مشاحة في الاصطلاح.
ولو وصى شخص بحفر بئر فلا نحفر حوضا؛ لأن هذا خارج عن الاصطلاح العام، ففي الأحكام هذا شيء آخر، ولكن من ناحية التعارف اللفظي واتفاق الناس لكل قوم ما اصطلحوا عليه، فهم يصطلحون على ما شاءوا عليه، ولكن في الحقائق والأحكام لا يعرف إلا ما ثبت؛ إما بدليل الشرع، أو الطبع الذي هو الحقيقة الوضعية أو اللغة، والله تعالى أعلم.

حكم ترك الصلاة أو بعضها لمن كبر سنه
السؤال والدي كبير في السن، ومريض، ويترك بعض الصلوات، فهل يقضيها؟ ومتى تسقط عنه الصلاة؟
الجواب هذا السؤال فيه تفصيل، فإذا كان الوالد حين تركه للصلاة مدركا عاقلا؛ فحرام عليه أن يترك فريضة الله التي فرض عليه، ولا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها إلا لمن رخص الله له بالتأخير.
أما إن كان مريضا فيصلي على حاله، ولا يجوز له أن يؤخر الصلاة عن وقتها حتى ولو كان مريضا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ عمران بن الحصين رضي الله عنهما: (صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب) ، والله تعالى يقول: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} [البقرة:286] .
فلا يجوز أن يترك الإنسان الصلاة، وأما إذا كان الوالد -لا قدر الله- عنده خلل يغيب تارة ويرجع إليه عقله تارة، فإذا رجع إليه عقله خوطب بالصلاة، وإذا غيب فإنه لا يخاطب بها، وليس بملزم بالصلاة؛ لأنه في حكم المجنون الذي رفع عنه القلم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة -وذكر منهم-: المجنون حتى يفيق) ، فدل هذا على أنه لا يخاطب إذا غيب وذهب عنه عقله، والله تعالى أعلم.
الجد من جهة الأم محرم للزوجة
السؤال هل الجد من جهة الأم محرم للزوجة؟
الجواب جد الزوج هم آباؤه من جهة أبيه، وآباؤه من جهة أمه، وهم محارم للزوجة؛ لأن الله تعالى قال: {وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم} [النساء:23] ، فذكر من المحرمات حليلة الابن، وحليلة الابن هي زوجة الابن، سواء كان مباشرا أو كان بواسطة، ولا شك أن الجد من جهة الأم زوجة ابن بنته تعتبر حليلة ابنه؛ لأن البنت ابن، قال صلى الله عليه وسلم عن الحسن: (إن ابني هذا سيد) ، وقد قال الله تعالى: {وحلائل أبنائكم} [النساء:23] ، فدل دليل السنة على أن ابن البنت ابن للجد، وإذا كان ابنا للجد؛ فدليل القرآن يقول في المحرمات {وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم} [النساء:23] ، فجد الزوج من أمه، وجده من أبيه، وجد جده وإن علا منهما، يعتبر محرما لزوجة ابن بنته وإن نزل، وهذا بإجماع العلماء رحمهم الله، بدليل ظاهر كتاب الله عز وجل، وظاهر السنة، والله تعالى أعلم.




من اعتمر في أشهر الحج ثم عاد إلى بلده وأحرم بالحج فليس متمتعا
السؤال من اعتمر في أشهر الحج ثم رجع إلى بلده وحج من عامه، فهل يعتبر متمتعا؟
الجواب هذه المسألة بإجماع العلماء على أنه ليس يتمتع، فمن كان من أهل المدينة وجاء بعمرة في شوال أو في ذي القعدة أو في أول ذي الحجة، ثم رجع، ثم أحرم بالحج من ذي الحليفة، فالإجماع على أنه ليس بمتمتع؛ لأن الله يقول: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي} [البقرة:196] .
ولذلك قال الأئمة كما أشار الإمام ابن المنذر وغيره: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج} [البقرة:196] أي: لم يسافر بعد عمرته، بمعنى: لم يرجع إلى بلده، وهذا لم يتمتع بعمرته الأولى؛ لأنه لما أدى العمرة رجع إلى بلده، وإنما يكون متمتعا لو أنه بقي بمكة وأنشأ الحج منها، فقد تمتع بسفر العمرة الأول فلزمه الدم، ولذلك لم يلزم أهل مكة؛ لأنهم أحرموا بالنسكين من موضع الإحرام وهو مكة.
أما بالنسبة لمن قال: يعتبر متمتعا، فهذا مذهب شاذ، وهو قول طاوس بن كيسان تلميذ ابن عباس، ولذلك قال الإمام ابن رشد في بداية المجتهد: وشذ طاوس فقال: هو متمتع وإن رجع إلى بلده! والقول الشاذ لا يفتى ولا يعمل به، فهو قول مهجور عند الأئمة سلفا وخلفا، فمن أدى العمرة في أشهر الحج ثم رجع إلى بلده، ثم أحرم بالحج من بلده فليس بمتمتع بإجماع العلماء، ومن عده متمتعا فقول شاذ يحفظ ولا يعول عليه، والله تعالى أعلم.
حكم الطواف من داخل الحجر
السؤال رجل اعتمر، وفي الشوط السابع من الطواف أراد أن يختصره فدخل من الحجر وأتم عمرته، فهل عليه شيء؟
الجواب هذه عمرة مختصرة، والله يقول: {وأتموا الحج والعمرة} [البقرة:196] ، فلا يصح هذا، والطواف لابد أن يتم بالبيت، ولذلك جمهور العلماء على أنه إذا دخل بين الحجر وبين البيت لم يصح ذلك الشوط الذي دخل فيه، والدليل على هذا: قوله تعالى: {وليطوفوا بالبيت العتيق} [الحج:29] ، و (العتيق) : القديم، والمراد به ما كان على قواعد إبراهيم، وقواعد إبراهيم فيها شيء من الحجر كما هو معلوم، فالخمسة الأذرع إلى الستة الأذرع -كما في الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام- تابع للبيت؛ فإذا دخل بين الحجر وبين البيت، فقد اقتطع جزءا من البيت ولم يستتم الطواف بالبيت.
فالوصف بالتعتيق جاء لحكمة في كتاب الله عز وجل، ولذلك لم يقل: (وليطوفوا بالبيت) فقط؛ لأنه لو قال: (وليطوفوا بالبيت) فقط؛ لكان بالإمكان أن يحسب ذلك الشوط، والحنفية يتهربون من هذا الإشكال، ويقولون: العتيق؛ لأن الله عتقه من الجبابرة، وليس المراد بالعتيق القديم.
والصحيح: أن البيت العتيق المراد به: ما كان على قواعد إبراهيم عليه السلام، فلا يصح الطواف بين الحجر وبين البيت على أصح قولي العلماء وهم الجمهور، وعلى هذا: فيلزمه أن يعيد طوافه، وإن قيل بعدم صحة السعي إلا بعد الطواف فيلزمه إعادة الطواف والسعي، ثم يتحلل بعد ذلك، والله تعالى أعلم.

حكم الخصم الجزائي على الموظف
السؤال في بعض الأحيان يكون غياب العامل ساعة أو أقل أو أكثر يضر بمصلحة العمل، فنخصم عليه نصف يوم تأديبا وردعا لغيره، فهل يجوز ذلك؟
الجواب يقول صلى الله عليه وسلم: (قال الله عز وجل: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، ومن كنت خصمه خصمته: رجل أعطى بي ثم غدر) ، أي: يجيء شخص فيقول له: أمني، فأعطاه الأمان بالله على أنه لا يفعل به شيئا، فإذا مكنه من نفسه غدر به وأضر به، أو أعطى عهده على أنه على بيعته للإمام أو ولي أمره ثم غدر، فهذا خصمه الله عز وجل، ومن كان خصمه الله فقد خصمه.
وأما الثاني: (ورجل باع حرا فأكل ثمنه) .
وأما الثالث: (ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه أجره) .
وهذا رجل عمل عندك إحدى عشرة ساعة، فعليك أن تعطيه أجرة إحدى عشرة ساعة كاملة غير ناقصة، وإن غاب ساعة فتخصم عليه ساعة، لا تزيد ولا تنقص، وهذا هو القسط الذي أمرك الله به، والله تعالى يقول: {ولا تبخسوا الناس أشياءهم} [الأعراف:85] ، وهذا ظلم، فإذا كان قد عمل يوما ثم اخترم من اليوم جزءا فتأتي وتأكل من ماله، وهو من عرقه وتعبه ونصبه، بدون حق على سبيل التأديب، فهذا ليس بوارد وليس بصحيح.
وبعض المتأخرين من العلماء اجتهد في هذه المسألة وقال: إنه يجوز من باب التعزير.
ولكن هذا ليس بصحيح، فإن هذه نصوص واضحة، والنصوص الواضحة لا اجتهاد فيها، فالأجير له أجره كاملا، فلا يجوز أن ينقص من أجره شيئا، وإذا أردت أن تؤدبه فقل له: ما دمت بهذه المثابة فلا تعمل عندي، والواجب علينا أن ننظر بالعدل والإنصاف، فالعامل إذا غاب ساعة فانظر إن كانت عنده ظروف، وأنت تعرفه بالجد والاجتهاد والمحافظة، فاعلم أنه إن غاب وقصر فذلك بدون اختياره، وإذا قصر مرة فليسعه حلمك، والوفي الكريم هو الذي لا ينسى الفضل، والشخص الذي يحاسب الناس بهذه الدقة سيشدد الله عليه كما شدد على الناس، فينبغي على الإنسان أن يكون بعيد النظر، وخاصة مع هؤلاء الضعفاء المستأجرين المستخدمين، ولذلك فإن الله تولى أمرهم؛ لأن الغالب في الأجير أنه يكون ضعيفا، ولذلك قال: (أنا خصمه) ، فالله سبحانه هو خصيم هؤلاء، فعلى المسلم أن يتقي الله عز وجل.
فإذا استأجرت أجيرا أو عاملا وقام لك بعمل ولم يتمه، فأعطه حقه فيما قام به غير منقوص، وتلقى الله سبحانه وتعالى وأنت بريء من حقوق الناس.
فليس هناك أعظم من حق إخوانك عليك، فقد يتحمل الشخص ذنوبا وسيئات فيما بينه وبين الله فيغفرها الله له في طرفة عين؛ لأنها من حقوق الله، والله يتجاوز عنها؛ لكن حقوق الناس لا يتجاوز الله عنها، ولا بد أن يسامح صاحب الحق، والغالب أن الضعفاء إذا أكل كدهم ونصبهم وتعبهم أنهم لا يسامحون، فينبغي على الإنسان ألا يخرج أحدا من هؤلاء الضعفاء إلا وقد وفى له أجره.
ومسألة العقوبة بالتعزيرات هذه مسألة مقدرة بأشياء مخصوصة، منها ما ورد في الزكاة: (إنا آخذوها وشطر ماله) ، فالذين قالوا بالجواز قاسوها على الزكاة، وهذا غير صحيح؛ لأن الحديث: (إنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا) ، فهذا نص جاء يستثني الزكاة؛ لأن الله يملك الناس وأموالهم، لكن الأجير لا تملكه وماله، بل تملك عمله ومنفعته، فإذا أعطاك العمل والمنفعة ناقصة بعض الشيء فأعطه بعض الشيء.
والوقفة الأخيرة: يا أخي الكريم! ليسأل كل واحد منا نفسه، فقد يتأخر بعض الأحيان العامل وقتا يسيرا عن العمل، فيقيم صاحب العمل الدنيا ويقعدها على هذا التأخر، وقد يتأخر ابنه في شيء يرسله فيه فيحصل عند الابن بعض التساهل ويتأخر فيقيم الدنيا ويقعدها، وقد تتأخر زوجته فيقيم الدنيا ويقعدها، وهو لا ينظر إلى نفسه وهو يتأخر عن ركن من أركان دينه، وهي الصلاة، فإن الله قد فرض عليك أن تصلي مع الجماعة، فسل نفسك متى جئت وكبرت تكبيرة الإحرام مع الإمام؟ لماذا يشدد الإنسان دائما في معاملة الغير وينسى نفسه؟! أذكر ذات مرة أنه حصل ظرف مع أحد الأشخاص فتأخر بعض من يقوم عليهم، فعاقبهم عقوبة شديدة، فقلت له: يا أخي! هذا لا يجوز، وليس هذا من حقك، فقد كانت عقوبة خارجة حتى عن الأصل الذي من حقه أن يعاقب فيه، فقلت: ليس ذلك من حقك، فقال: حتى يتأدب.
فسألته: أنشدك الله ألا تتأخر عن الصلاة التي فرضها الله عليك؟ قال: بلى، فقلت: يا أخي! إذا كنت أنت تعذر نفسك في الصلاة وأنت تتأخر عنها، وأنت شبعان ريان تسمع نداء الله عز وجل، وأنت في أتم عافية، وعندك سيارة، ومع ذلك لا تدرك تكبيرة الإحرام ولا تؤدي حق الله كاملا، فتحاسب -بكل تشدد وبكل أذية- هؤلاء الضعفاء!! والله لا آمن أن يشدد الله عليك مثلما شددت عليهم.
فالإنسان عليه أن يتقي الله عز وجل، وليعلم أنه مثلما يعامل الناس سيعامله الله؛ لأنه ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن رجلا كان يدين الناس، وكان يقول لأوليائه وعماله: إذا وجدتم معسرا فتجاوزوا عنه لعل الله أن يتجاوز عنا، قال: فلقي الله فتجاوز الله عنه) ، فمثل ما تفعل فيمن تحتك يفعل الله بك.
ومما ذكره الحكماء: أنك لن تجد رجلا يرفق بالضعفاء الذين من تحته إلا وضع الله له القبول فيمن فوقه، وثق ثقة تامة أن الله عدل، وتجد الذي يعسر على من تحته منكدة أموره ممن فوقه؛ لأن الله عدل، وهذا الكون لا يظن أحد أنه سدى، بل إن أزمته ومقاليد أمره بيد جبار السموات والأرض، والقسط بيده سبحانه يخفضه ويرفعه سبحانه وتعالى.
فعلى الإنسان أن يدرك أن حقوق الضعفاء لا يتسلط عليها؛ بل تدفع إليهم كاملة، فإذا عمل عندي تسعة وعشرين يوما وترك يوما من الشهر أخصم عنه يوما واحدا، ولا أزيد، وإن نقصت في الخصم فجزاك الله خيرا، وإن تجاوزت عنه تجاوز الله عنك، إذا نويت وجه الله عز وجل وابتغيته.
فمثل هذه الأمور أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل فيها، وبالأخص في الأبناء والبنات والزوجات والأهلين، وكذلك العمال والخدامين والخدامات والمستأجرين من الضعفاء، فليتق الإنسان فيهم ربه ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وليضع نصب عينيه أنه تحت قدرة الله عليه.
فقد جاء في الحديث الصحيح: أن أبا مسعود قال: (كنت أجلد غلاما لي؛ فلم أشعر إلا وبرجل من وراء ظهري يقول: اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام، قال: فالتفت فإذا هو رسول الله، قال: فقلت: يا رسول الله! هو حر لوجه الله) .
لقد كان الصحابة بمجرد وعظهم يوعظون ويتركون الذنب، فقال له عليه الصلاة والسلام: (الله أقدر عليك) ، فقرن النبي صلى الله عليه وسلم بين قدرته عليه وقدرة الله، وهذا يدل على أن الله سيعامل الإنسان مثل معاملته مع الغير، فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعلنا مفاتيح للخير، وأن ييسر بنا ولا يعسر، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والله تعالى أعلم.

حكم صلاة وترين في ليلة
السؤال ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (لا وتران في ليلة) ؟
الجواب قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الثابت: (لا وتران في ليلة) يدل على مسائل: المسألة الأولى: أنه لا يجوز للمسلم أن يصلي وترين في ليلة ويقتصر عليهما؛ لأن الوتر ينبغي أن يكون آخر الصلاة حتى يكون العدد وتريا لا شفع فيه، فإذا صلى وترين في ليلة واحدة فقد شفع الوتر الأول بالوتر الثاني، وبناء على ذلك: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه فقال: (لا وتران في ليلة) .
المسألة الثانية: دل هذا الحديث على أن الوتر ينقض الوتر؛ لأنه لما نهى عن أن يوتر وترين، دل على أن الوتر الثاني مؤثر في الوتر الأول، ومن هنا أخذ جمهور العلماء رحمهم الله جواز نقض الوتر بالوتر، ثم بعد ذلك يصلي شفعا شفعا ثم يوتر، كما أثر عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فيما لو أوتر أول الليل ثم نام، ثم قام آخر الليل فإنه يصلي ركعة ينقض بها الوتر الأول؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا) ، فلما قام آخر الليل وأراد تحصيل هذه السنة التي أمر فيها النبي صلى الله عليه وسلم بجعل آخر الصلاة وترا، فإنه ينقض الوتر الأول بركعة، ثم يصلي ركعتين ركعتين ثم يوتر.
المسألة الثالثة: قوله: (لا وتران في ليلة) ، هذا محمول على الوتر النافلة، فيخرج من هذا وتر الفريضة مع النافلة؛ لأن المغرب وتر، والوتر للنوافل وتر، فصارا وتران في ليلة، فالمراد من هذا الوتر في النوافل، وإلا هناك وتران: وتر المغرب، ووتر النافلة، فقال العلماء: إن المراد بالحديث وتر النافلة، والمغرب وتر الفرائض، فجعلوا المغرب وترا للفرائض، وجعلوا الوتر الشرعي وترا للنوافل.
وفي الحقيقة: جعل المغرب وترا للفرائض محل نظر، لأنه لو كان هناك وتر للفرائض لكانت العشاء ثلاثا، لأن الوتر يكون آخرها، ومما يضعف هذا القول: أن الوتر يبتدئ بدخول وقت صلاة العشاء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله أمدكم -وفي رواية: زادكم- بصلاة هي خير لكم من حمر النعم، الوتر جعله الله لكم فيما بين صلاة العشاء إلى أن يطلع الفجر) ، فدل هذا على أن وقت الوتر يبتدئ بصلاة العشاء.
وفائدة هذه المسألة: أنك لو كنت في سفر وجمعت بين المغرب والعشاء في وقت المغرب، وأردت أن تصلي الوتر فنقول: تأخر حتى يدخل وقت العشاء ثم صل الوتر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (جعله الله لكم فيما بين صلاة العشاء إلى أن يطلع الفجر) .
وقال بعض العلماء: قوله: (جعله الله لكم فيما بين صلاة العشاء) : وقوعا، وليس المراد وقتا، بحيث لو صلى العشاء متبوعة مع المغرب ثم أوتر، فقد وقع وتره ما بين عشائه وفجره، فيرخصون من هذا الوجه، والأحوط أنه ينتظر إلى دخول وقت العشاء.
المسألة الرابعة والأخيرة: في هذا الحديث فضيلة للوتر؛ لأن الله وتر ويحب الوتر، وإذا صلى الوتر مع الوتر لم يتحقق له وتره؛ فأمر بأن يقتصر على وتر واحد تحقيقا لهذا الأصل، واعتبارا لهذا الفضل، والله تعالى أعلم.

دعوة من الشيخ لدعم المسلمين في الشيشان
السؤال وردنا خطاب من مؤسسة الحرمين الخيرية حول جمع التبرعات لصالح إخواننا في الشيشان، ويأملون من فضيلتكم توجيه الحضور بالاحتساب في ذلك؟
الجواب أولا: نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يبارك جهود الإخوة في معونة المحتاجين والمنكوبين، وأن يعينهم على ذلك، وأن يرزقنا وإياهم فيه الإخلاص لوجهه، فإن الأعمال مدارها على الإخلاص لوجه الله الكريم، وإن من أحب الأعمال وأعظمها ثوابا عند ذي العزة والجلال: تفريج الكربات، وإدخال السرور على المؤمنين والمؤمنات، والاحتساب في ذلك مع وجود المشقة والعناء أجره عظيم عند الله.
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن الله أعظم من العبد صدقته، وأعظم منه إحسانه وبره حتى لربما كف النار عن وجهه بنصف تمرة، فربما ينفق نصف تمرة لوجه الله، يحتسبها عند الله، فيجعلها الله له حجابا من النار، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (اتقوا النار ولو بشق تمرة) .
وفي الحديث الصحيح: (أن امرأة دخلت على عائشة وهي تحمل بنتين، فاستطعمتها، فأطعمتها ثلاث تمرات فأعطت كل بنت تمرة ثم أخذت التمرة الثالثة تريد أكلها، فاستطعمتها إحدى بنتيها، فأطعمتها التمرة، فعجبت عائشة من صنيعها وإيثارها! فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بخبرها فقال صلى الله عليه وسلم -نزل الوحي علي من ساعته-: إن الله قد أوجب لها بها الجنة) .
فيكف إذا كان إخوانكم وهم في شدة البرد والزمهرير يعانون وطأة الحروب، وفراق الأهل والأولاد والذريات، في نكبة وفاجعة لا يعلم قدرها إلا الله؟! فاحتسبوا بارك الله فيكم في تفريج كرباتهم، ومواساتهم في مصابهم، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.
إلى الله العظيم فارج الهم كاشف الغم رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما نتوجه بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، ونسأله بعزته وقدرته على خلقه، هو الله الذي لا إله غيره ولا رب سواه، اللهم اجعل لإخواننا في الشيشان وفي كل مكان من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ومن كل بلاء عافية.
اللهم ثبت أقدامهم، اللهم سدد سهامهم، اللهم صوب آراءهم، اللهم اجمع شملهم يا حي يا قيوم! اللهم عليك بأعدائك أعداء الدين حيثما كانوا يا ذا العزة والجلال! اللهم شتت شملهم، اللهم فرق جمعهم، اللهم اجعل بأسهم بينهم، اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تغادر منهم أحدا.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت نبرأ إليك بعزتك وقدرتك، ووحدانيتك يا ذا الجلال والإكرام! نشكو إليك بغي الكفار على أوليائك وأهل دينك وطاعتك، اللهم اسلبهم عافيتك، اللهم اشدد عليهم وطأتك، اللهم أنزل بهم رجزك وعذابك يا إله الحق، لا إله إلا أنت.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 38.96 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 38.33 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.61%)]