عرض مشاركة واحدة
  #515  
قديم 14-05-2025, 07:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,685
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي





إذا أوصى بثلث ماله ثم طرأ مال جديد
قال رحمه الله: [وإذا أوصى بثلثه فاستحدث مالا ولو دية دخل في الوصية] .
يقول رحمه الله: (وإذا أوصى بثلثه فاستحدث مالا) أي: طرأ المال بعد الوصية، وهذا هو المراد بالاستحداث، وصورة المسألة ومثالها: شخص وصى بمليون، وهو يملك مليونين، فالمليون يعادل النصف، فاستحدث مالا، أي: طرأ مال بعد الوصية، فأصبح يملك ستة ملايين، فأصبح المليون دون الثلث، فإذا حدث شيء بعد الوصية وعند الموت، كان الذي أوصى به دون الثلث، ونفذت الوصية ومضت، وفائدة هذه المسألة أيضا في النسب والتقديرات، فإنه لم يوص بمبلغ معين -وفي الصورة الأولى أوصى بمبلغ معين- فاستحدث مالا في الأنصبة، وهذا مراد المصنف، كأن يقول: أوصيت بثلث مالي، وهو يملك ستة ملايين، فمعناه: أنه سيكون للموصى له مليونان، والمليونان تعادلان ثلث الستة ملايين، وبعدما انتهت الوصية ملك -مثلا- ستة ملايين أخرى، فحينئذ تنتقل الوصية من المليونين إلى أربعة ملايين، فالنسب تدخل في المستحدثات، فكلما حدث من زيادة فإن النسبة تدخل عليه؛ لأنه قال: بثلث مالي.
والعبرة بماله عند وفاته، والعكس بالعكس، فلو حدث نقص فإنه حينئذ يؤثر، فلو قال مثلا: أوصيت بثلث مالي، وكان يملك ستة ملايين، فقلنا: الأصل أن الموصى له يأخذ مليونين، ثم حدث انكسار وعجز، فأصبح يملك ثلاثة ملايين؛ فإنه يعطى مليونا واحدا، فيحتمل الغرم والغنم.
مسألة دخول الدية في الإرث والوصية
وقوله رحمه الله: (ولو دية) (لو) : إشارة إلى خلاف مذهبي، فإن للعلماء في الدية خلاف، والصحيح: لو أن شخصا وصى وقال مثلا: وصيت بثلث مالي لمحمد، ومحمد هذا من قرابته غير الوارثين، ثم قتل خطأ -الذي هو الموصي- فمعنى ذلك: أنه سيرتفع نصيبه بالدية، فهل تدخل الدية في الإرث أو لا تدخل؟ الذي عليه العمل عند الأئمة والعلماء أن الدية موروثة وتدخل في الإرث، ولذلك قال الإمام أبو عبد الله إمام أهل السنة رحمه الله أحمد بن حنبل: (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية في الإرث) ، يعني: أنها تدخل في الميراث.
فالمرأة ترث من دية زوجها، ويرث الزوج من دية زوجته، فالدية تابعة للإرث، وهذا قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ذكره الإمام أحمد رحمه الله وغيره من أئمة الإسلام.
وعلى هذا فقوله: (ولو دية) إشارة إلى خلاف، فبعض العلماء يقول: إن الدية لا يدخل فيها الوصية، ولا ترفع نصيب الموصى له؛ لأن الدية -مثلا- لو كانت مائة ألف لرفعت نصيب الموصى له.
فلو قال مثلا: وصيت بثلث مالي، وعنده عشرون ألف ريال؛ فثلث المال سيكون دون السبعة آلاف بكسر؛ لكن لو أدخلنا الدية، والدية مائة ألف، فسيكون ثلث ماله أربعين ألفا، فيأخذ أربعين ألفا؛ لأنه يصبح الذي تركه الموصي مائة وعشرين ألفا، مائة من الدية، والعشرين من أصل المال، فيصبح تاركا لمائة وعشرين، فيأخذ ثلثها وهو أربعون ألفا، وعلى كل حال: فإن الوصية تدخل وتحتسب من الدية، والدية تورث.

بطلان الوصية بتلف المعين الموصى بها
قال رحمه الله: [ومن أوصي له بمعين فتلف بطلت] .
عند العلماء: المعين والموصوف في الذمة، وهذا من أروع ما تميزت به هذه الشريعة الإسلامية، التي جاءت بتشريعات وأحكام ومسائل وافية شاملة عامة كاملة، وهذا من أعجب ما يكون، أن الشريعة دخلت حتى في تفصيلات العقود، فتفرق بين التعيين والوصف في الذمة.
والعلماء يقسمون الأشياء في العقود إلى: معين، وموصوف في الذمة.
فأنت إذا بعت، أو أجرت، أو وهبت، فإما أن يقع عقدك على معين، أو موصوف في الذمة، فالمعين كأن تقول له: بعني بهذه العشرة، فهذا معين، فلو تلفت العشرة فسد البيع، ولا يقام غيره إذا كان المبيع على معين يفوت بفواته، هذا إذا تم التعاقد على معين يفوت بفواته، وفي الإجارة على مركوب معين، فلو قال: استأجر امرأة لترضع طفلا معينا، ثم أصيب هذا الطفل بمرض وتعذر إرضاعه؛ انفسخت الإجارة.
وكذلك لو استأجر دارا وقال: أؤجرك هذه العمارة، وهذه كلها معينات، وبناء على ذلك: لو جئت تشتري كتابا، وقلت له: بكم تبيعني هذا الكتاب؟ فقال: بعشرة ريال، ثم دفعت العشرة الريال وخرجت من المكتبة فوجدت الكتاب قد طمست منه صفحة أو صفحتان، فرجعت إليه، وقلت له: هذا الكتاب فيه صفحة مطموسة أو صفحتان، وهذا عيب يؤثر، فرد لي العشرة، فقال: لن أرد العشرة ولكن سأعطيك بدلا منه؛ فهنا ليس من حقه أن يعطيك بدلا منه؛ لأن البيع وقع على معين يفوت بفواته، لكن لو قلت له: أعطني نسخة من بداية المجتهد، أو من زاد المستنقع، فقال لك: بعشرة ريال، فجاءك بنسخة ووجدت فيها عيبا، ولو كانت كلها مطموسة الصفحات، فقلت له: أعطني العشرة، فهنا لا تملك إلزامه؛ لأن البيع كان على موصوف في الذمة، ومن حقه أن يأتي ببديل عن الذي اشتريته.
إذا: العقود إما أن تكون على شيء معين يفوت العقد بفواته، وإما أن تكون على موصوف في الذمة.
وهنا في الوصية يبحث العلماء في محل الوصية في المعين والموصوف، فحينما يقول: أوصيت بعمارة، وذكر أوصافها، فهذا وصف يصدق على كل عمارة تتحقق فيها هذه الأوصاف التي ذكرها الموصي، أما لو قال: وصيت بهذه السيارة، وهذه السيارة دون الثلث، ثم شاء الله عز وجل عندما توفي أن تلفت السيارة؛ فعند ذلك تبطل الوصية، وإن قال: وصيت بهذه الشاة، فلما توفي ماتت الشاة، فحينئذ تبطل الوصية؛ لأنه يستحيل تنفيذ الوصية؛ فحينئذ تبطل وتفوت بفواته، وهذا هو معنى قوله: (بمعين) .
وهذه المسألة قد حكي الإجماع عليها، وممن حكى الإجماع عليها الإمام ابن المنذر رحمه الله، ونقل هذا عن الإمام ابن قدامة رحمه الله، وغيرهم من الأئمة، حيث قال: أجمع كل من نحفظ عنه العلم -يعني: من الأئمة والعلماء رحمهم الله جميعا برحمته الواسعة- أن الوصية بالمعين إذا تلف فاتت بفواته.
أي: يحكم ببطلانها.
قال رحمه الله: [وإن أتلف المال غيره فهو للموصى له إن خرج من ثلث المال الحاصل للورثة] .
يعني: إذا وصى بسيارة لمعين صحت الوصية، وإذا تلفت هذه السيارة فاتت الوصية بفواتها.
وفائدة هذه المسألة الأولى التي ذكرنا فيها الإجماع: أنه لو تلفت السيارة وقال الموصى له: أريد بدلا عنها؛ لأن الميت وصى لي، وقد تلفت السيارة، فأعطوني بدلا عنها؛ لم يكن من حقه ذلك؛ لأنه وصى له بمعين فات بفواته.
والعكس: فلو وصى له بسيارة، وكانت السيارة دون الثلث أثناء الوصية، ثم لما توفي الموصي أو قبل وفاة الموصي، وهناك أموال غير السيارة، فشاء الله عز وجل أنه توفي عن مزرعة والسيارة، فالسيارة قيمتها تعادل الثلث من المال، فمثلا: قيمة المزرعة مائة ألف، والسيارة قيمتها خمسون ألفا، فالسيارة تعادل ثلث المال، فعند ذلك صحت الوصية ومضت؛ لكن أراد الله عز وجل أن احترقت المزرعة أو تلفت، فأصبحت قيمتها عشرة آلاف ريال، أو تلفت بالكلية فلم تساو شيئا، فأصبح حينئذ لا يوجد إلا السيارة، فحينئذ يكون له ثلثها، ولا يدخل عليه الضرر -من حيث الأصل-، لكن لا يؤثر فوات المال من غيره على الموصى به، فلا يفوت الوصية كلها؛ لأن تلف غيرها ليس تلفا لها بعينها، وحينئذ تبقى الوصية في المعين كما هي.


الأسئلة




علة إذن الشرع بالرجوع في الوصية دون الهبة
السؤال أشكل علي أن الوصية تشابه الهبة في وجوه وتختلف في وجوه أخرى؛ فمثلا: يجوز الرجوع في الوصية، ولا يجوز في الهبة، فما توضيح ذلك؟
الجواب الوصية يجوز الرجوع فيها لحكم وأسرار عظيمة، وقد نبه العلماء رحمهم الله على جملة من هذه الحكم ومنهم: الإمام القرافي في كتابه النفيس: الذخيرة.
ومن أعظم هذه الحكم: أولا: أن الشريعة لما أذنت بالرجوع في الوصية فتحت باب الوصية، وشجعت الناس على أن يوصوا؛ لأن الإنسان لو علم أنه لا يملك أن يرجع في وصيته لخاف من الوصية؛ لأنها ستكون إلزاما، ولا يستطيع أن يعدل أو أن يبدل أو يغير.
ثانيا: أن الوصية مترتبة على الموت، فهي تصرف مضاف إلى ما بعد الموت، والإنسان لا يعلم متى أجله، وكم من مريض مد الله في عمره فعاش أكثر من الصحيح! وكم من صحيح اغتر بحاله فمات في طرفة عين! فالآجال لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، فلا يضمن الإنسان أن يمد له في عمره، وينسأ له في أجله، وأيضا: لا يضمن أن يأتيه الأجل فجأة، فجمعت الشريعة بين الاثنين: خوف إتيان الموت فجأة، فتكتب الوصية بناء على هذه الحالة.
وإن مد في العمر وطرأت أمور، فمثلا: قد أوصي لأجنبي وليس عندي أحد من أولادي، ثم يشاء الله أن يأتيني بولد، فأغير وأبدل تلافيا لما جد وطرأ، فهذا عين الحكمة، وعين العدل، وعين المصلحة، فقد جاءت الوصية على الصفة التي تحقق الهدف منها.
وقد يوصي الإنسان وليس عنده أولاد، ثم بعد ذلك يطرأ له أولاد، وقد يوصي بالقليل وعنده أولاد، ثم بعد ذلك قد يموت أولاده قبله، ففتحت الشريعة باب الرجوع تحقيقا للمصالح ودرءا للمفاسد، وتداركا لما يمكن أن يفوت لو حكم بعدم الرجوع.
هذا بالنسبة لإذن الشريعة بالرجوع في الوصية.
وقد منعت الشريعة من الرجوع في الهبة، وهذا ما يقوله العلماء: أن الشريعة تجمع بين المتضادين في حكم، وتفرق بين المتماثلين في حكم، فهنا منعت من الرجوع في الهبة وأجازته في الوصية؛ لأن المقصود من الوصية: إيصال الحقوق إلى أهلها، وحصول البر للموصين بها من الأجر والمثوبة والصلة، فهو بوصيته إذا أمكنه الرجوع تتحقق هذه المصالح، أما في الهبة فالأصل في مشروعية الهبة إنما هو طلب المحبة والمودة والصلة بين الناس، ويدل على هذا: حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تهادوا تحابوا) ، فالمقصود من الهبة: حصول المحبة والألفة وتقوية أواصر الأخوة بين المسلمين؛ فإذا حصل الرجوع وقعت الضغينة والشحناء، وتقطعت أواصر المحبة، وهذا عكس ما تريده الشريعة من الهبة، فيصبح الرجوع على العكس تماما، ولذلك ما سمح بالرجوع عن الهبة إلا في حالة خاصة، وهي رجوع الوالد في هبته لولده؛ لأن المقصود من الهبة الصلة والبر، فحينما يأتي الوالد ويعطي بعض ولده ويحرم البعض، فحينئذ يحصل عكس المقصود؛ فأذن الشرع هنا بالرجوع.
أما الرجوع لغير الوالد مع ولده، مثل أن يهب صديقه ويرجع، فإن ذلك يؤدي إلى أن يحقد عليه صديقه أو يتألم، وعلى الأقل -وليس بالقليل- أن صديقه يقول: لابد أن فلانا قد تغير قلبه نحوي، ثم تحدث القطيعة.
لكن الوالد مع ولده لو أعطى ولدا وحرم الآخر؛ فإن الواجب عليه: أن يعدل، فصارت الهبة هنا لا تحقق البر والصلة، وإنما تحقق الشحناء بين الأبناء بعضهم على بعض، وجاء الأمر بعكس ما هو موجود في الهبة نفسها، فجاءت الهبة مصادمة للشريعة، وقد قال صلى الله عليه وسلم مشيرا إلى هذا المعنى في حديث النعمان: (أكل ولدك نحلته مثل هذا؟ قال: لا يا رسول الله! قال: أشهد على هذا غيري، فإني لا أشهد على جور) ، وفي رواية: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) ، فجعل الهبة لبعض الولد دون البعض ظلما وجورا لا يحقق العدل، فأمره بالرجوع، والأمر قد جاء ضمنا بأن هذا جور، والجور لا يجوز، فمعنى كلام النبي صلى الله عليه وسلم: (جور) أي: ارجع عن هبتك.
وقد جاء في الحديث الآخر في السنن: (لا يحل لأحد أن يرجع في هبته إلا الوالد فيما وهب لولده) ، فأذن للوالد أن يرجع في هبته؛ لأن هذا الرجوع يحقق العدل بين الأبناء، ويوجب المحبة، ويزيل الشحناء وحقد بعضهم على بعض، ولذلك قال: (أشهد على هذا غيري؛ فإني لا أشهد على جور) ، فأجاز الرجوع في حال ومنع الرجوع في حال، وكل ذلك مبني على تحقيق مقاصد الشريعة من حصول العدل.
وهذا مما يقوي مسلك أئمة الإسلام رحمهم الله وجمهور الفقهاء من أن الشريعة تراعي المعاني، وليس الألفاظ فقط، فما جاءت الشريعة بالألفاظ فقط، وإنما جاءت بمعان مضمونة مضمنة، وهذا هو الذي عناه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) .
فالمقصود: أن الشريعة أجازت الرجوع في الوصية، تحقيقا للمصالح، ودرءا للمفاسد، وطلبا لما يراد من شرعية الوصية، وهو تدارك ما فات، والوصول إلى الخير والبر والإحسان فيما يقصد منه البر والإحسان وصلة الرحم، إذا قصد صلة الرحم ونحو ذلك.
وأيضا: ربما أوصيت لشخص وهو فقير، ثم عند الموت صار غنيا، وربما أوصيت لشخص مديون، ثم قضي دينه فأصبح غير محتاج للوصية، فالإذن بالرجوع عنها هو تحقيق للمصالح ودرء للمفاسد.
وأما الرجوع عن الهبة فإنه يوجب الشحناء، ويزيل المحبة، ويفسد الإخاء؛ ولذلك جاز الرجوع في الوصية، وحرم الرجوع هنا، ولله الأمر فيهما، وصدق الله جل جلاله إذ يقول في كتابه {وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم} [الأنعام:115] ، والله تعالى أعلم.
متى يحكم على المسألة بأنها من قول الجمهور
السؤال في الحكم على مسألة بأنها من قول جمهور العلماء: ما هو أقل عدد يطلق عليه هذا اللفظ؟
الجواب المسائل الخلافية تنقسم إلى أقسام: القسم الأول: أن يكون الخلاف بين الأئمة أنفسهم، أي: الأئمة الأربعة، ويضاف إليهم مذهب الظاهرية.
القسم الثاني: أن يكون الخلاف بين أتباع الأئمة، بمعنى: أن المسألة جدت وطرأت، فليس لأئمة المذاهب فيها قول.
القسم الثالث: أن يكون الخلاف بين بعض الأئمة، وليس هنا نص عن الأئمة، وإنما خالف أصحاب الإمام فيها.
وتوضيح ذلك: إذا كان الخلاف بين الأربعة فالثلاثة جمهور والواحد خارج عنهم، فلا يعتبر من الجمهور، فإذا قيل: وهذه المسألة تصح على قول الجمهور خلافا للإمام أبي حنيفة، فتعلم أن الثلاثة يقولون بهذه المسألة، وإذا قيل: تصح هذه المسألة في قول الجمهور إلا الشافعي، فتفهم أن الذي خالف إنما هو الإمام الشافعي رحمه الله.
إذا: الجمهور يطلق على الثلاثة، ولا يطلق على اثنين في مقابل اثنين، فلو كانت المسألة -مثلا- بين الشافعي وأحمد من جهة، والإمام مالك وأبي حنيفة من جهة أخرى، فلا يقال فيها جمهور.
هذا بالنسبة للخلاف بين الأئمة، وبعض العلماء يعتبر المسألة فيها جمهور إذا تكافأ اثنان في مقابل اثنين، وانسحب أحد أصحاب الاثنين مع الطرف الثاني، فإذا كان أصحاب الإمام أبي حنيفة لا يوافقون إمامهم ويرجحون المذهب الشافعي والحنبلي؛ فيقال لمذهب الشافعية: جمهور؛ لكنه لا يخلو من نظر، وقد يعبر به في بعض الأحيان عند بعض طلاب العلم الذين عندهم دقة وعناية، أو يستشهد بهؤلاء تعزيزا للقول فيقال في الترجيح: حتى إن أصحاب الإمام أبي حنيفة يميلون إلى كذا.
هذا بالنسبة لمسألة الخلاف بين الأئمة الأربعة أنفسهم، فإذا وقع الخلاف بين أصحاب الأئمة الأربعة فنفس المسألة كما تقدم، فإذا قيل: وبه يقول الإمام أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، فهذا خلاف الأئمة أنفسهم، وإذا قيل: وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، فلا يستلزم أن يكون هناك نص للإمام، فينتبه طالب العلم، إذا قيل: وهو قول الإمام أبي حنيفة ومالك، فالمسألة عن الإمام نفسه، وهي مسألة في القرون المفضلة، وإذا قيل: وهو قول الحنفية؛ فهذا لا يستلزم أن تكون في القرون المفضلة، بل ربما طرأت أو وجدت بعد القرون المفضلة.
وعلى كل حال: فإذا كان الثلاثة من المذاهب في مقابل واحد فهم جمهور، وإما إذا كان بعض الخلاف منوعا، كما لو لم يكن هناك نص عن الإمام مالك في المسألة، ولا عن الإمام الشافعي، وهناك نص عن الإمام أبي حنيفة وأحمد، فيقع الخلاف بين الإمام أبي حنيفة وأحمد مع أصحاب الشافعي ومالك، فإذا انسحب أصحاب أحدهما إلى أحد القولين فهي جمهورية، فتقول: وهو قول الإمام أحمد وأبي حنيفة وأصحاب الشافعي؛ فحينئذ تصير جمهورية، ويكون قول المالكية قولا منفردا إذا اختاروا خلاف هؤلاء الثلاثة.
وعلى كل حال: ينبغي التورع في نسبة هذه المذاهب، ولا يتناول أحد نسبة الأقوال إلى المذاهب إلا إذا درس الفقه على أئمة وعلماء لهم يد وباع في مثل هذا، ولا يقتصر على قراءة الكتب، والنسبة أمر يحتاج إلى التنبيه إليه؛ فإن الأوهام تقع في نسبة الأقوال للأئمة ونسبة الأقوال لأصحاب المذاهب، ولذلك من أصعب ما يمر على المفتي إذا كان يخاف الله عز وجل تحرير قول على مذهب.
فمن أصعب ما يقال أن يقال لك: ما قول الشافعية أو الحنابلة؟ فإنك تسأل أمام الله عز وجل عن مذهبهم كاملا، وهذا شيء تشيب فيه رءوس أئمة المذاهب أنفسهم، فضلا عن إنسان لم يحصل، فلا بد أن يكون على علم بالمصطلحات التي هي داخل المذاهب، وأن يكون على علم بالطرق والمناهج التي توصل بها إلى المذهب، من ناحية قواعده وأصول المذهب.
فهذا أمر يحتاج إلى دراسة معمقة، وهو الذي يسمى: الاجتهاد المذهبي؛ لأن الاجتهاد إما أن يكون مذهبيا داخل المذهب؛ فمثلا: شيخ الإسلام رحمه الله تجده يقول: (وهذه المسألة أصول الإمام أحمد تقتضي فيها الجواز) ، فلم يقل: إن الإمام أحمد يقول: إنها تجوز، بل قال: (أصول الإمام أحمد) .
وفي بعض الأحيان يقول: وهذه المسألة تجري على قول أصحاب الإمام أحمد، ففرق بين الإمام وبين الأصحاب؛ لأنه عايش الفقه، وبدأ فيه بالمذهب دون تعصب، وبالدليل، تقرؤه وتضبطه، ثم بعد ذلك تنظر في دليله، ثم بعد ذلك تنظر فيمن خالفه، وتتحرى الحق والصواب حتى تصل إلى ما هو أقرب وأوفق لشرع الله عز وجل وصراطه.
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يهدينا إلى الحق فيما اختلفوا فيه، وأن يرزقنا محبته والعلم به والعمل به، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والله تعالى أعلم.

حكم الزواج بزوجة أبي الزوجة بعد وفاته
السؤال زوجتي مات أبوها، فأريد أن أجمع شمل عائلتها، فهل لي أن أتزوج زوجة أبي الزوجة؟
الجواب في الأصل: أنه يجوز أن يتزوج الإنسان زوجة أبي زوجته إذا لم تكن أما لهذه الزوجة كما هو معلوم؛ لأنها أجنبية، فلو كان عند زيد -مثلا- زوجتان إحداهما لها بنات، والتي لها بنات تزوج شخص إحدى بناتها؛ فإن الزوجة الثانية ليست بمحرم له، فلا يجوز له أن يصافحها، ولا يجوز له أن يختلي بها، ويجوز له أن يتزوجها بعد وفاة زوجها، ولكن الله المستعان! لقد كانت ضرة لأمها ثم تأتي بها ضرة عليها هي! وقد يختلف هذا الأمر باختلاف البيئات والأعراف، ولكن الله المستعان! تجمع لها بين مصيبتين، إلا إذا كان تأخذ بثأر أمها فإن هذا ممكن؛ لأنها قد تكون هي أقل سنا، لكن على كل حال: إن السلامة من سلمى وجارتها ألا تمر بواد حول واديها أما من حيث الجواز فيجوز ولا بأس، لكن يتقى ما تنشأ عنه المشاكل، فإذا كان ذلك يتسبب في أضرار؛ لأن أم الزوجة ستتأثر، ولا شك أن أم الزوجة إذا أخذت ضرتها مع بنتها، فهذا من أشد ما يكون عليها، إلا إذا كان قد ماتت وصفا الجو، فهذا أمر آخر، أما أم الزوجة فلا يطاق خلافها وشرها، فهذا يفتح باب مشاكل للإنسان.
وهذه الأمور كان الناس كبار السن يوجهون أبناءهم، لكن الله المستعان! اليوم قد يأتي الواحد ويغلب عاطفة في جانب ويغفل جوانب أخرى مهمة.
وعلى كل حال: فحكم الشريعة: الجواز، لكن تحذر من حصول المشاكل؛ لأن هذا يفتح بابا للمشاكل، وأول ما قد تأتي المشاكل مع أمها.
أما إذا كانت أم الزوجة حية، فهذا في الحقيقة في النفس منه شيء؛ لأن الغالب أنه سيجرح الرحم، وسيجرح أم الزوجة.
إلا أن الأصل في ذلك هو الجواز، والأعراف والبيئات تختلف، فإذا كان الإنسان غلب على ظنه أن في هذا مصلحة، وأن هذا يعين على الخير والبر، فلا شك أن الله سبحانه وتعالى يأمر بذلك ويحبه، والله تعالى أعلم.

الفتور بعد العبادة
السؤال عند الانتهاء من العبادة ومضي زمانها وأيامها يأتيني إرهاق وفتور في العبادة، فكيف أتخلص من هذا الفتور، خصوصا أني أخشى أن هذا من علامات عدم القبول؟
الجواب الله المستعان! نسأل الله ألا يحرمنا من فضله، وألا يحول بيننا وبين بره بسبب ما يكون من معاصينا، وهناك أمر مهم جدا، ولعل هذا السؤال متصل بأحب الشهور إلى الله، وهو شهر الصيام والقيام، والإنسان بعد رمضان لاشك أنه سيجد نوعا من الضعف على الطاعة أكثر مما كان في رمضان، والسبب في هذا واضح.
فينبغي أن يعلم كل مسلم أن الشهور التي فضلها الله عز وجل وكرمها واصطفاها واجتباها مثل شهر رمضان أن فيها من البركة والخير ما لا يعلمه إلا الله جل جلاله، ولذلك ينادى: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، وهذا يدل على أن الموسم موسم رحمة، ولذلك شتان ما بين يوم العيد وآخر أيام رمضان، ولا يظهر الفرق إلا إذا بدأ الإنسان بالابتعاد أكثر فأكثر، وذلك كالشخص الذي يكون قريبا من الجنة وقريبا من رحمة، وقريبا من مكان مؤنس تنشرح فيه الصدور وتطمئن فيه القلوب، فلا يحس بلوعة هذا الفراق إلا إذا تباعد عنه أكثر فأكثر.
وأرجو أن لا يجعلها الله دليلا على عدم القبول، فليس هناك أرحم من ربك بك، والله أكرم وأحلم سبحانه وتعالى من أن يخيب عبده، وخاصة إذا وفقه للصيام، ووفقه لقدر ما يستطيع من القيام.
لكن بالنسبة للفتور: فإن هذا الزمان زمان صعب، والفتن فيه كثيرة، والمحن فيه كثيرة، ولا يعلم مقدار غربة المسلم في هذا الزمان إلا الله وحده لا شريك له، فوالله أنه لا يستطيع أحد أن يعلم مقدار غربة المسلم في هذا الزمان -الذي بعد فيه عن عصر نبيه صلى الله عليه وسلم وعن سنته وهديه صلوات الله وسلامه عليه- إلا الله.
لقد كان الإنسان إذا خرج من بيته إلى بيت من بيوت الله جل جلاله وجد حلق الذكر، ووجد الذاكرين، ووجد المساجد ممتلئة بالمصلين والخاشعين قبل الأذان بساعات.
والآن ربما جاء ودخل المسجد وهو في آخر ركعة أو في التشهد، ويرى الناس أفواجا يقدمون إلى الصلاة، هذا إذا وجد من يصلي، وهذا في الصلاة التي هي عماد الدين، والتي شأنها في الإسلام لا يخفى، ناهيك عن الطاعات والقربات الأخرى.
ولو أراد الإنسان أن يتصدق بماله لوجد من يخذله، ووجد من يسفهه، ووجد من يثرب عليه، وكأنه فعل ما لا يمكن فعله من الأمور المحرمة العظيمة، فتجد الشخص تطمع نفسه أن يوقف بيتا بعد موته، أو يوصي بشيء من خصال البر والرحمة، وإذا بالنفوس الضعيفة والمفتونة تتكالب عليه من كل حدب وصوب، تلومه وتوبخه، وتثرب عليه، وقد تجده منطلقا إلى مجلس من مجالس الذكر وإلى طاعة من الطاعات، وإلى خير يريده لآخرته، أو علم ينتفع به ويتزود به إلى لقاء ربه، فإذا بأم تثبطه، أو والد يخذله، أو صديق يسفهه، وإذا به يجد من يصفه بالنقص وبالجهل بالأمور، وأن عليه أن ينطلق في الدنيا، وأن يؤمن مستقبله.
إلى غير ذلك من الفتن التي لا يعلمها إلا الله جل جلاله.
فلا يعلم مقدار غربة المسلم في هذا الزمان إلا الله، وكلما ارتقت درجته وصار إماما يصلي بالناس، فإذا بهذا يأتيه ويقول له: طول صلاتك فقد تلذذنا بالقرآن، ثم يأتيه إنسان ويقول له: يا هذا أرهقتنا وأتعبتا وأزعجتنا، ثم يأتيه الثالث ويقول له: في كل يوم وأنت تدرس، وفي كل يوم تلقي كلمة! ويأتيه الرابع ويقول له: أنت تقول كذا وتفعل كذا، فإذا بها أمور تشيب منها الرءوس، وإذا به يقبل على الإمامة بنفس منشرحة وصدر منشرح للخير والذكر والبر؛ فيجد من العوائق والعلائق ما لا يعلمه إلا الله جل جلاله.
هذا في مسجده؛ فضلا عن بيته وأهله، فقد يخرج من بيته من أجل أن ينفع أبناء المسلمين خطيبا أو مدرسا أو معلما في بيت من بيوت الله أو محاضرا، فإذا بزوجته تشتكي وتقول: أضعت أوقاتنا، وضيعت أبناءك، وفعلت وفعلت، وإذا بإخوانه يقولون له: تعرض نفسك للأسفار.
وهكذا.
فتجد غربة لا يعلم قدرها إلا الله جل جلاله، ولكن طوبى ثم طوبى لمن نصب وجهه لله، وأنس بالله إذا استوحش ممن يوحشه في سبيل طاعة وبر يرجو بها رحمة الله جل جلاله، فطوبى لمن سمت نفسه وتعلق قلبه بربه، فلم يبال بمن يخذله، فإذا سمع قول المخذلين والمثبطين ارتقت روحه إلى رحمة أرحم الراحمين، فوجد في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرة السلف الصالح ما يجعله يحتقر نفسه وهو في ذرى العلياء من الكمال والفضل والطاعة لله جل جلاله.
هذه كلها فتن تثبط الإنسان عن الطاعة والخير، فإذا كان في موسم الخير كان الأمر أهون، وكان الشر أقصر، ولكن إذا ابتعد عن زمان الطاعة والخير والبر تكالبت عليه هذه الفتن والمحن من كل حدب وصوب، فهذا الزمان زمان غربة، ولا يمكن للإنسان أن يعلم ذلك إلا إذا قرأ الكتاب والسنة وتفحص، وأعرف الناس بغربة هذا الزمان هم العلماء وأهل العلم الذين كشفوا دلائل الكتاب والسنة، وما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحاح الآثار والأخبار، فانكشفت لهم حقائق الأمور.
وعلى كل واحد يلتزم بدين الله عز وجل أن يكون قويا في التزامه، فلا يثبطه ولا يخذله شيء أبدا؛ لأنه ليس بينك وبين الجنة إلا الجد والاجتهاد في العمل الصالح بعد توفيق الله، وهذان أمران إذا حزتهما فقد أصبت الجنة وفزت برحمة الله عز وجل، فعليك بالجد والاجتهاد في طاعة الله عز وجل حتى لا تبالي بأحد لا مادحا ولا ذاما.
وأكمل ما يكون للعبد الموفق السعيد الذي يريد الله به خيرا في خاتمته أنه يكره من مدحه أكثر ممن يذمه، وهذه الهمة الصادقة التي يتجه بها العبد إلى الله جل جلاله قلبا وقالبا، وليس لنا إلا الله جل جلاله، فلا تلتفت إلى موسم، ولا إلى وقت ولا إلى زمان.
فلا يكن الإنسان ممن يعرف ربه فقط في رمضان، وإذا ابتعد عن مواسم الخير أصابه التثبيط أبدا، بل كن قوي الشكيمة والعزيمة.
وأنبه على أمر أيضا: وهو أنه لو وقع الإنسان في حضيض المعاصي، ثم يكون من أشد الناس التزاما وطاعة، فقد تأتيه فتنة من الفتن.
فهذا زمان غريب، وينبغي علينا أن نعلم ونعلم الناس أنه إذا كان الإنسان في زمان الغربة فليعلم أنه سيلاقي في الفتن أكثر ممن يسير على الشوك، ولكن الموفق لا يبالي، فنحن لسنا في عصر الصحابة، ولا في عصر التابعين، ولا في القرون المفضلة؛ بل نحن في عصر القابض على دينه كالقابض على جمر، وإن لم يكن هذا الزمان فلست أدري أي زمان يكون هو! فحينئذ مهما وقع الإنسان في فتن من ضعف الطاعة، مثلما ذكر أن الإنسان قد تضعف طاعته، أو حتى لو وقع في معصية؛ فعليه أن يوجه وجهه إلى الله ويشمر عن ساعد الجد بالتوبة النصوح ولا يبالي؛ لأن الشيطان يخذل الإنسان دائما.
فإذا كنت في رمضان في خشوع وخضوع وإنابة واستكانة لله جل وعلا، ابتلاك الله عز وجل، فتسلط عليك الشيطان فجاءك وقال لك: أنت كذا أنت كذا، حتى تضعف همة الخير؛ لأن الإنسان في بعض الأحيان تكون قوته في روحه ونفسه.
فإذا جاء الشيطان وقال: لو تقبل الله طاعتك في الصيام لكنت الآن من قوامي الليل وصوامي النهار، فأنت الآن لا تقوم الليل، ولا تصوم النهار، فعندها قل: اخسأ عدو الله، فإن الله الذي أرجو رحمته في رمضان أرجوه في شعبان وفي شوال وفي كل زمان، والله الذي أرجو رحمته لو سجدت له حتى تقبض روحي ما وفيت شيئا من حقه، وكل ذلك من فضله، ولو كان من الإنسان ما كان من الطاعة فالفضل كله لله، وقل: اللهم إن قصر عملي فإني أرجو رحمتك، وكم من عبد رجا رحمة الله جل جلاله ففاز بدرجات لم يفز بها من جد واجتهد بذلك؛ لأن هذا الشعور هو التعلق بالله سبحانه وتعالى.
فتستمسك بالذي أوحي إليك، ولو حصل منك ما حصل من الفتن والشهوات وغيرها، فربما تجد العبد من أصلح خلق الله، أو طالب علم، ربما تحدث منه فتنة فيتسلط عليه الشيطان بقوله: لو كنت طالب علم بحق لما وقعت في هذه الفتن، ولو كنت طالب علم لعصمك الله من هذه الفتن.
حتى يسيء ظنه بالله؛ لأن أهم شيء يتوصل إليه عدو الله هو إساءة ظنك بالله.
ولذلك تجد في بعض الطائعين من الانتكاسة ما لا تجده عند المجرمين -والعياذ بالله- في بعض الأحيان بسب هذا الشعور؛ لأن الشيطان يعلم أن قوام المسلم في حسن ظنه بالله وكمال اعتقاده في الله، فإذا أصاب هذه الروح الزاكية المتعلقة بربها بالشكوك وإساءة الظن بالله عز وجل؛ فإنه -والعياذ بالله- سيهوي به إلى أسفل سافلين، ولكن لا تبال ولا تهتم ولا تغتم لشيء إلا لرحمة ربك: (لا يدخل أحدكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته) .
فتستمسك بالذي أوحي إليك، وتعظ على الخير والطاعة والبر، فإن وجدت خيرا حمدت الله، وإن وجدت طاعة وبرا ذكرت الله وشكرته، وإن تكالبت عليك الفتن عن يمينك وشمالك، ومن أمامك ومن وراء ظهرك، ومن فوقك ومن تحتك، فاستعن بالحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، ووجه وجهك للذي فطر السموات والأرض، وقل: اللهم ليس لي من أحد سواك، اللهم كما أرجوك طائعا فإنه عظم رجائي فيك مذنبا، وإنه لا يخيب من رجاك، ولا يحرم من سألك، وترجو رحمة الله، وتتملق لله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، فإذا بالسيئات تبدل حسنات، ومن صدق مع الله صدق الله معه.
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يدفع عنا ويصرف عنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم إنا نعوذ بك من فتن المفتونين، ومن ضلال المضلين، اللهم اهدنا ولا تضلنا، وارحمنا ولا تعذبنا، وسامحنا ولا تؤاخذنا، وزدنا ولا تنقصنا، وأعطنا ولا تحرمنا، نسألك أن تجعل خير أعمالنا أواخرها، وخير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاك، إنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، وصلى الله وسلم وبارك على البشير النذير.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 44.00 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 43.37 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.43%)]