عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 05-05-2025, 08:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,201
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الفرائض
شرح سنن أبي داود [344]
الحلقة (376)





شرح سنن أبي داود [344]

من أحكام المواريث التي نسخها الإسلام: ما كان عليه أهل الجاهلية من توارث بسبب التحالف، وكذا ما كان في أول الإسلام من توارث بين المهاجرين والأنصار دون أهل البادية، وقد ورد النهي عن التحالف الذي يسبب الميراث، أو يكون على باطل أو يدعو إلى باطل.

ما جاء في بيع الولاء


شرح حديث (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء وعن هبته)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في بيع الولاء. حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن بيع الولاء، وعن هبته) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب في بيع الولاء] أي: في حكمه، وأنه لا يجوز، وسبقت ترجمة في إثبات الولاء، وأنه حق متعلق بالمعتق وبعصبته من بعده، وهذه الترجمة فيها: أن ذلك الحق الذي للمعتق وعصبته ليس شيئاً يدخل فيه البيع والهبة والشراء، وإنما هي صلة وقرابة بين المعتق والمعتق لا يدخلها بيع ولا هبة، وهو شبيه بالنسب، وكما أن النسب لا بيع فيه ولا هبة، فكذلك الولاء لا بيع فيه ولا هبة، وسبق أن مر حديث عائشة في قصة بريرة ، وأن أهلها أرادوا أن يكون لهم الولاء، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال لها: (إنما الولاء لمن أعتق)، وهذا الحق جاء بسبب النعمة على العتيق بالعتق، وهذه الصلة خاصة ولازمة في حق المعتق وعصبته، ولا يمكن أن توهب، ولا يمكن أن تباع؛ لأنها شبيهة بالنسب. وقد أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء وعن هبته)، يعني: أن ذلك لا يجوز ولا يسوغ، وإنما هو حق للمعتق ولعصبته الذين من بعده، وهو كالنسب لا يباع ولا يوهب.

تراجم رجال إسناد حديث (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء وعن هبته)

قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ]. حفص بن عمر ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن دينار ]. عبد الله بن دينار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم. هذا الإسناد من رباعيات أبي داود ؛ لأن أعلى الأسانيد عند أبي داود هي الرباعيات؛ لأن بين أبي داود وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص، وهم: حفص بن عمر و شعبة و عبد الله بن دينار و عبد الله بن عمر.

ما جاء في المولود يستهل ثم يموت


شرح حديث (إذا استهل المولود ورث)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في المولود يستهل ثم يموت. حدثنا حسين بن معاذ حدثنا عبد الأعلى حدثنا محمد -يعني: ابن إسحاق - عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذ استهل المولود وُرَّث) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: [ باب في المولود يستهل ثم يموت ] يعني: يصيح ويظهر منه صياح عند نزوله من بطن أمه. هذا هو الاستهلال، والمقصود من ذلك: أنه إذا ولد حياً حياة مستقرة يستدل عليها بالاستهلال الذي هو رفع الصوت بالبكاء والصياح؛ فإنه يكون وارثاً من جملة الورثة، يعني: إذا مات أبوه وهو في بطن أمه، ثم خرج حياً حياة مستقرة؛ فإنه من جملة الورثة، وإن خرج ميتاً فإنه لا يرث. وهنا أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (إذا استهل المولود ورث)، وفسر الاستهلال بأنه الصياح، وقيل: بأن يوجد منه حياة مستقرة كالعطاس وغير ذلك؛ فإنه في هذه الحالة يرث، وإن خرج ميتاً وسقط ميتاً فإنه لا يرث، وهذا فيه دلالة على أن الحمل يمكن أن يرث، وإذا قسمت التركة قبل الولادة يوقف ما يستحقه، وإن انتظر حتى يولد فإن سقط ميتاً فإنه لا يرث، وإن ولد حياً حياة مستقرة ثم مات أو عاش فإنه يكون وارثاً.

تراجم رجال إسناد حديث (إذا استهل المولود ورث)


قوله: [ حدثنا حسين بن معاذ ]. حسين بن معاذ ثقة، أخرج له أبو داود . [ حدثنا عبد الأعلى ]. عبد الأعلى بن عبد الأعلى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد -يعني: ابن إسحاق - ]. محمد بن إسحاق المدني صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن يزيد بن عبد الله بن قسيط ]. يزيد بن عبد الله بن قسيط ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ما جاء في نسخ ميراث العقد بميراث الرحم



شرح أثر (كان الرجل يحالف الرجل ليس بينهما نسب...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب نسخ ميراث العقد بميراث الرحم. حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت حدثني علي بن حسين عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: وَالَّذِينَ عاقَدت أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ [النساء:33]، كان الرجل يحالف الرجل، ليس بينهما نسب، فيرث أحدهما الآخر، فنسخ ذلك الأنفال، فقال تعالى: وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ [الأنفال:75] ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: [ باب نسخ ميراث العقد بميراث الرحم ]. المقصود بالعقد: الحلف والتعاقد، وكانوا في الجاهلية يتعاقدون ويتحالفون، ويعقدون ذلك بأيمانهم، بمعنى: أنهم يتحالفون، ويكون بينهم حلف على أنه يرثه ويرثه، ويلزمه ما يلزمه، ويكون هو وإياه كالشيء الواحد، ويتوارثون بهذا الحلف. ثم كان ذلك في أول الإسلام يتوارثون به، ثم بعد ذلك نزلت: وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ [الأنفال:75]، فنسخ الميراثُ بالرحم والقرابة الميراثَ بالحلف والمعاقدة، فصار الميراث بالعقد والحلف منسوخاً، وعاد الميراث للقرابة على حسب ما جاء في الكتاب العزيز والسنة المطهرة من ذكر أصحاب الفروض، وأصحاب التعصيب، أو الأرحام بالمعنى الخاص الذي سبق أن مر عند عدم الوارث. وقد أورد أبو داود حديث ابن عباس قال: [ كان الرجل يحالف الرجل، ليس بينهما نسب، فيرث أحدهما الآخر ]. يعني: هذا من قبيلة، وهذا من قبيلة، فيكون بينهما حلف وعقد على أن يحصل التناصر والتوارث وغير ذلك بسبب هذا الحلف، فكان ذلك في الجاهلية، ثم بقي في الإسلام حتى نسخ بميراث الرحم، وأن الميراث إنما هو للقرابة، فأسباب الميراث هي: قرابة وزوجية وولاء، وأما الإرث بالتحالف فإنه قد نسخ وانتهى، ولم يبق له وجود بعد نسخه في قول الله عز وجل: وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ [الأنفال:75]، والمقصود بها القرابات عموماً، وليس المقصود بها القرابات الذين هم في اصطلاح الفرضيين من لا يرث بفرض ولا بتعصيب، ولكنه كما قال بعض أهل العلم: يشملهم ويندرجون تحته، ويشمل كل قريب، سواء كان يرث بفرض أو تعصيب، أو لا يرث بفرض ولا تعصيب، ولكنه عندما يعدم الوارثون بالفرض والتعصيب يرث ذوو الأرحام؛ كالعمة والخالة والخال وغير ذلك، وقد سبق أن مر الكلام على ميراث ذوي الأرحام في باب عقده المصنف لذلك.

تراجم رجال إسناد أثر (كان الرجل يحالف الرجل ليس بينهما نسب...)


قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت ]. أحمد بن محمد بن ثابت المروزي ثقة، أخرج له أبو داود . [ حدثني علي بن حسين ]. علي بن حسين بن واقد صدوق يهم، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. أبوه ثقة له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن يزيد النحوي ]. يزيد بن أبي سعيد النحوي وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن عكرمة ]. عكرمة مولى ابن عباس وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح أثر (كان المهاجرون حين قدموا المدينة تورث الأنصار دون ذوي رحمه...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا أبو أسامة حدثني إدريس بن يزيد حدثنا طلحة بن مصرف عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: وَالَّذِينَ عاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ [النساء:33] قال: كان المهاجرون حين قدموا المدينة تورث الأنصار دون ذوي رحمه للأخوة التي آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم، فلما نزلت هذه الآية: وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ [النساء:33] قال: نسختها وَالَّذِينَ عاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ [النساء:33] من النصر والنصيحة والرفادة، ويوصى له، وقد ذهب الميراث ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: [ وَالَّذِينَ عاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ [النساء:33] قال: كان المهاجرون حين قدموا المدينة تورث الأنصار دون ذوي رحمه للأخوة التي آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم ]. هذه الآية: (( وَالَّذِينَ عاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ ))، والقراءة الثانية: (( عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ )). لما قدم المهاجرون إلى المدينة آخى النبي عليه الصلاة والسلام بين المهاجرين والأنصار، فكان المهاجري يرث الأنصاري؛ للأخوة التي بينهما، فلما نزل: (( وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ )) صار الميراث للقرابة، ونسخ ذلك الميراث بالتعاقد أو بالحلف، فكان قوله: وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ [الأنفال:75]، وكذلك: (( وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ ))، ناسخاً لقوله: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ [النساء:33]، فقول ابن عباس رضي الله عنه: [ إنما هو من النصر والنصيحة والرفادة ويوصي له وقد ذهب الميراث ] يعني: له أن يوصي له في حدود الثلث، والميراث قد نسخ، فصار للقرابات دون تلك الصلة التي كانت بسبب التحالف. قوله: [ فلما نزلت هذه الآية: وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ [النساء:33] قال: نسختها ]. [ فلما نزلت هذه الآية: وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ [النساء:33] قال: نسختها ]. أي: نسخت: (( وَالَّذِينَ عاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ ))، فصار الحكم الباقي هو النصرة، والإحسان، والنصيحة، والرفادة التي هي العطية، والوصية له بحدود الثلث، والميراث صار بالقرابات.

تراجم رجال إسناد أثر (كان المهاجرون حين قدموا المدينة تورث الأنصار دون ذوي رحمه ...)

قوله: [ حدثنا هارون بن عبد الله ]. هارون بن عبد الله الحمال البغدادي ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا أبو أسامة ]. أبو أسامة حماد بن أسامة البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني إدريس بن يزيد ]. إدريس بن يزيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا طلحة بن مصرف ]. طلحة بن مصرف ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن جبير ]. سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس مر ذكره.

شرح أثر ( (والذين عقدت أيمانكم) إنما نزلت في أبي بكر وابنه عبد الرحمن حين أبى الإسلام...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل و عبد العزيز بن يحيى المعنى قال أحمد : حدثنا محمد بن سلمة عن ابن إسحاق عن داود بن الحصين قال: كنت أقرأ على أم سعد بنت الربيع رضي الله عنها، وكانت يتيمة في حجر أبي بكر رضي الله عنه فقرأت: (( وَالَّذِينَ عاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ ))، فقالت: لا تقرأ: (( وَالَّذِينَ عاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ ))، إنما نزلت في أبي بكر وابنه عبد الرحمن حين أبى الإسلام، فحلف أبو بكر ألا يورثه، فلما أسلم أمر الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام أن يؤتيه نصيبه. زاد عبد العزيز : فما أسلم حتى حُمل على الإسلام بالسيف ]. أورد أبو داود حديث أم سعد بنت الربيع رضي الله تعالى عنها أن داود بن الحصين قرأ عليها: (( وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ ))، قالت: (( وَالَّذِينَ عاقَدَتْ ))، معناه: أنها ذكرت أنه لا يقرأ: (عقدت) وإنما (عاقدت)، وهذه القراءة هي التي تعرفها، وإلا فإن: (عقدت) و(عاقدت) كلتيهما من القراءات الثابتة، ولعلها قالت له ذلك بناءً على ما تعرف، وأن الذي تعرفه هو قراءة: (عاقدت)، وفي المصحف: (( وَالَّذِينَ عَقَدَتْ ))، وهي إحدى القراءات. قال: [ كنت أقرأ على أم سعد بنت الربيع ، وكانت يتيمة في حجر أبي بكر ، فقرأت: (( وَالَّذِينَ عاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ ))، فقالت: لا تقرأ: (( وَالَّذِينَ عاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ ))، إنما نزلت في أبي بكر وابنه عبد الرحمن حين أبى الإسلام، فحلف أبو بكر ألا يورثه، فلما أسلم أمر الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام أن يؤتيه نصيبه]. وهذا الحديث على غير ما سبق فيما يتعلق بالحلف، ونسخ الميراث بالمعاقدة والحلف بآية ذوي الأرحام، وإنما هذا يتعلق بالتوارث بين المسلم والكافر، ومعلوم أن الكافر لا يرث المسلم، وأن المسلمين يتوارثون. والحديث فيه: أن أم سعد بنت الربيع قالت: إنها نزلت في أبي بكر ، وأنه حلف ألا يرثه ابنه عبد الرحمن ، وكان كافراً، ثم إنه أسلم بعد ذلك، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤتيه نصيبه، يعني: أنه مسلم ويكون من جملة الورثة، ويكون له نصيب من الميراث. والحديث ضعفه الألباني ، وهو مخالف لما جاء في الأحاديث الأخرى الماضية التي فيها أن الميراث إنما هو بالتحالف، وأنه ليس المقصود اليمين الذي هو الحلف، وإنما المقصود من ذلك العقد الذي يكون بينهم بالنصرة والتأييد والتوارث. والحديث في إسناده محمد بن إسحاق ، وقد روى بالعنعنة وهو مدلس، والذي عيب عليه في الرواية التدليس، وهنا رواه بالعنعنة ومخالفته لما جاء في الأحاديث الأخرى الدالة على أن المقصود بما جاء في الآية: (( وَالَّذِينَ عاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ )) أنه عقد الحلف وليس عقد اليمين بأنه لا يحصل كذا ولا يحصل كذا، مثلما حصل في قصة أبي بكر في أنه حلف أنه لا يرث. [ زاد عبد العزيز : فما أسلم حتى حمل على الإسلام بالسيف ]. معناه: أنه ما أسلم إلا بعدما ظهر الإسلام، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، وليس المقصود أنه ألزم بالإسلام، وأنه هدد بالقتل، وإنما المقصود من ذلك أنه دخل مع من دخل بقوة الإسلام. [ قال أبو داود : من قال: (عقدت) جعله حلفاً، ومن قال: (عاقدت) جعله حالفاً، قال: والصواب حديث طلحة : (عاقدت) ]. كأن هنا تفريقاً بين (عقدت وعاقدت) وفي الحقيقة أن معناهما واحد، وكلها حلف، والمقصود من ذلك: أن المتعاقدين يضع كل واحد يده بيد الآخر من أجل التعاقد والحلف الذي يكون بينهما، فهذا هو المقصود بالأيمان. قوله: [ فمن قال: (عقدت) جعله حلفاً، ومن قال: (عاقدت) جعله حالفاً] يعني: من القسم واليمين، وفي الحقيقة كلاهما بمعنى الحلف. قوله: [ والصواب حديث طلحة : عاقدت ] يعني: الحديث الذي مر عن طلحة بن مصرف. وكل منهما قراءة صحيحة ثابتة (عاقدت وعقدت)، وكل منهما حلف وليس المقصود الحلف الذي هو اليمين.

تراجم رجال إسناد أثر ( (والذين عقدت أيمانكم) إنما نزلت في أبي بكر وابنه عبد الرحمن حين أبى الإسلام ...)

قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ و عبد العزيز بن يحيى ]. عبد العزيز بن يحيى صدوق ربما وهم، أخرج له أبو داود و النسائي . [ قال أحمد : حدثنا محمد بن سلمة ]. محمد بن سلمة الباهلي وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن ابن إسحاق عن داود بن الحصين ]. ابن إسحاق مر ذكره. وداود بن الحصين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أم سعد بنت الربيع ]. أم سعد بنت الربيع صحابية صغيرة، أخرج حديثها أبو داود .

شرح أثر (... فكان الأعرابي لا يرث المهاجر ولا يرثه المهاجر...) وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن محمد حدثنا علي بن حسين عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا [الأنفال:72]، وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجَرُوا [الأنفال:72]، فكان الأعرابي لا يرث المهاجر ولا يرثه المهاجر، فنسختها، فقال تعالى: وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ [الأنفال:75] ]. ذكر المصنف بعد ذلك حديث ابن عباس في الآية في آخر سورة الأنفال، وقال: إنه كان الأعرابي لا يرث المهاجر، فلما نزلت: وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ [الأنفال:75] نسخت ما سبق، يعني: ذلك الذي كان من التوارث بالهجرة وعدم التوارث بعدمها، ثم صار التوارث بأولي الأرحام سواء حصلت هجرة أو ما حصلت هجرة. قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد عن علي بن حسين عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس ]. هذا الإسناد مر ذكره. وأحمد بن محمد هو: ابن ثابت الذي مر في الإسناد السابق، وكل هؤلاء الرجال مر ذكرهم في إسناد سابق.
ما جاء في الحلف


شرح حديث (لا حلف في الإسلام...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الحلف. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا محمد بن بشر و ابن نمير و أبو أسامة عن زكريا عن سعد بن إبراهيم عن أبيه عن جبير بن مطعم رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا حلف في الإسلام، وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة) ]. أورد أبو داود باباً في الحلف، وهو التعاقد والتناصر على شيء، وكان هذا في الجاهلية، وكانوا يعولون على ذلك ويعتمدون عليه، ولما جاء الإسلام وحد بين المسلمين وآخى بينهم، فصاروا بأخوتهم وتأليف الله عز وجل بين قلوبهم أغنى عن تلك الأحلاف، فصاروا إخوة متحابين متآلفين لا يحتاجون إلى ما يحتاجون إليه في الجاهلية من التحالف. فأورد أبو داود حديث جبير بن مطعم رضي الله تعالى عنه قال: (لا حلف في الإسلام)، أي كالتحالف الذي كان في الجاهلية، (وأيما حلف كان في الجاهلية) يعني: إذا كان من الأشياء المحمودة المرغوبة فإن الإسلام لا يزيدها إلا شدة؛ لأنه جاء بتقوية الصلة والروابط بين الناس، وكل ما كان في الجاهلية مذموماً فإن الإسلام قد نسخه؛ لأنهم كانوا قبل ذلك يتحالفون على أن ينصر أحدهم أخاه سواء كان ظالماً أو مظلوماً، المهم أن واحداً ينصر الآخر على جميع الأحوال، فهذا مذموم. وأما المعاقدة على النصرة والمؤازرة والإحسان فما كان في الجاهلية وهو غير مذموم، فإن الإسلام زاده شدة، يعني: أن هذه الأواصر والأمور التي كان أهل الجاهلية يتعاملون بها وهي محمودة فإن الإسلام جاء وأثبتها وزادها شدة وقوة؛ لأنه جاء بتثبيت كل ما هو محمود، ومنع كل ما هو مذموم، ولهذا جاء الإسلام وأمور الجاهلية منها ما هو محمود فأقره، ومنها ما هو مذموم فحرمه ومنع منه. والحاصل: أن قوله: (لا حلف في الإسلام) لا ينافي ما جاء في آخر الحديث؛ لأن المثبت غير المنفي، المنفي هو التحالف على أمور سيئة غير حسنة، ويترتب عليها نصرة الظالم على المظلوم بسبب الحلف والتعاقد، وأما الأمور المحمودة التي كانت في الجاهلية فالإسلام زادها تثبيتاً وزادها قوة وشدة.

تراجم رجال إسناد حديث (لا حلف في الإسلام...)

وقوله: (لا حلف في الإسلام) يدخل فيه الأحزاب الدعوية. قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا محمد بن بشر ]. محمد بن بشر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و ابن نمير ]. هو: عبد الله بن نمير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و أبو أسامة عن زكريا ]. أبو أسامة مر ذكره. و زكريا بن أبي زائدة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعد بن إبراهيم ]. سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. أبوه ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، له رؤية، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن جبير بن مطعم ]. جبير بن مطعم رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث (حالف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد قال: حدثنا سفيان عن عاصم الأحول قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: (حالف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين المهاجرين والأنصار في دارنا، فقيل له: أليس قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا حلف في الإسلام؟ فقال: حالف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين المهاجرين والأنصار في دارنا. مرتين أو ثلاثاً) ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (حالف رسول صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار في دارنا)، يريد بالمحالفة المؤاخاة التي حصلت عندما قدم المهاجرون ليس معهم أموال، والأنصار أهل الأموال، فآخى رسول الله عليه الصلاة والسلام بين شخص من المهاجرين وشخص من الأنصار، بحيث يكون معه يسكنه ويطعمه. ولما آخى بين عبد الرحمن بن عوف وصحابي من الأنصار قال: دلني على السوق، فذهب للسوق وجعل يبيع ويشتري، فالحلف الذي حصل هي المؤاخاة، فقال: إن ذلك كان في دارنا، ومعلوم أن هذه المؤاخاة إنما كانت لمصلحة المهاجرين؛ لأنهم جاءوا بدون أموال وليس لهم مساكن، فصاروا أضيافاً عند الأنصار، وكل واحد يكون معه واحد من المهاجرين. وقوله: (حالف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار في دارنا)، يعني: أن الذي حصل منه صلى الله عليه وسلم هي مؤاخاة لأمر اقتضى ذلك، وأما: (لا حلف في الإسلام) فالمقصود به ما كان في الجاهلية من التحالف على النصرة وأمور غير حسنة، بمعنى: أنه ينصره ولو كان ظالماً، ويكون معه في الخير والشر، والإسلام إنما جاء بتثبيت ما يكون في الخير، وأما ما حصل بين المهاجرين والأنصار فليس من قبيل ما حصل في الجاهلية، وإنما هو من قبيل شيء فيه مصلحة للمهاجرين؛ لأنهم تركوا أموالهم وأوطانهم فصاروا بدون مأوى أو مال يأكلون منه ويلبسون، فالرسول صلى الله عليه وسلم عمل هذه المؤاخاة بينهم، فهذه ثابتة أقرها الإسلام، وأما المنفي فهو غير الشيء المثبت.

تراجم رجال إسناد حديث (حالف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار ...)


قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا سفيان ]. سفيان هو ابن عيينة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عاصم الأحول ]. عاصم بن سليمان الأحول ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس بن مالك ]. أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الحديث من رباعيات أبي داود، وهي من أعلى الأسانيد عنده.

ما جاء في المرأة ترث من دية زوجها


شرح حديث ( كتب إليَّ رسول صلى الله عليه وسلم أن أورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في المرأة ترث من دية زوجها. حدثنا أحمد بن صالح حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: الدية للعاقلة، ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئاً، حتى قال له الضحاك بن سفيان رضي الله عنه: (كتب إلي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أُورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها)، فرجع عمر ]. أورد أبو داود باباً في ميراث المرأة من دية زوجها، يعني: أن الدية من جملة المال الذي يخلفه الميت، وأن حكمها حكم مال الميت، وأنها تورث كما يورث ماله، وأورد أبو داود حديث الضحاك بن سفيان رضي الله عنه، وكان عمر رضي الله عنه يقول: إن الدية للعاقلة، ولا ترث المرأة من دية زوجها، وكأنه اعتبر أن الدية إنما ثبتت الدية بعد الموت، فلم يعتبرها من قبيل المال الذي يورث؛ لأنه ليس مالاً خلفه اكتسبه، وإنما هي شيء حصل بسبب وفاته، فأخبره الضحاك بن سفيان: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلي أن أورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها)، فرجع عمر إلى السنة، وإلى ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترك ما كان رآه بالاجتهاد والقياس.

تراجم رجال إسناد حديث ( كتب إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها


قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ عن سفيان عن الزهري ]. سفيان مر ذكره. والزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد ]. هو سعيد بن المسيب وهو ثقة، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. والضحاك بن سفيان هو راوي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب السنن.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 48.94 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 48.31 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.28%)]