الموضوع: مودة ورحمة
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 17-04-2025, 10:52 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,734
الدولة : Egypt
افتراضي مودة ورحمة

مودة ورحمة

محمد بن إبراهيم السبر


الْأُسْرَةُ هِيَ اللَّبَنَةُ الْأوْلَى فِي بِنَاءِ الْمُجْتَمَعِ، وَعَلَى قَدْرِ مَا تَكَوُّنِ اللَّبَنَاتِ قُوِّيَّةَ يَكْوُنَّ الْبِنَاءُ رَاسِخَاً مَنِيعًا، وَمِنْ هُنَا كَانَتْ عِنَايَةُ الْإِسْلَامِ بِالزَّوَاج، فَوَضْعَ لَهُ نِظَامَاً كَامِلَاً مُحْكَمَاً تَنْشَأُ فِي ظِلِّهِ الْحَيَاةُ الزَّوْجِيَّةُ عَلَى أَسَاسٍ مِنَ الْمَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ وَالسِّكِينَةِ.

وَتَحْقِيقَا لِهَذِهِ الْغَايَةِ النَّبِيلَةِ حَثَّ الشَّارِعُ الْحَكِيمُ عَلَى الزَّوَاجِ؛ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «يَا مَعْشَرِ الشَّبَابِ مَنْ اِسْتَطَاعَ مِنْكُمِ الْبَاءَةَ فَلَيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُ لِلْبَصَرَ وَأَحْصِنُ لِلْفَرَجِ». (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

وَالزَّوَاجُ هُوَ الْعَلَاَقَةُ النَّاشِئَةُ بَيْنَ زَوْجَيْنِ بِعَقْدٍ شَرْعِيٍّ مُسْتَوفٍ شَرَائِطَهُ وَأَرْكَانَهُ كَالْوَلِيِّ وَالصَّدَاقِ وَشَاهِدِيِّ الْعَدْلِ وَيُتْمُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ.

وَلَقَدْ تَكَفُّلَ الْإِسْلَامُ بِبَيَانِ مَرَاحِلِ الزَّوَاجِ مِنْ أَوَلِهَا إِلَى آخِرِهَا وَتَوَلَّى عَمَلِيَّةَ التَوْجِيهِ مَنَ اللَّحْظَةِ الْأوْلَى الَّتِي يُفَكِّرُ بِهَا الشَّابُّ أَوْ الْفَتَاةُ بِهَذَا الْأَمْرِ. وَأَوَّلُ مَا عُنِيَ بِهِ الْإِسْلَامُ اِخْتِيَارُ الشَّرِيكِ الصَّالِحِ، فَأَوَّلُ صِفَاتِ الزَّوْجَةِ الَّتِي يَنْبَغِي الَحْرَصُ عَلَيْهَا: الدِّينُ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «تُنْكِحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالَهَا وَلِجَمَالِهَا وَلِحَسْبُهَا وَلَدَيِنِهَا فَاِظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرَبَّتْ يَدَاكَ». (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

وَأَوَّلُ صِفَاتِ الزَّوْجِ أَنْ يَكْوُنَ ذَا دِينٍ وَخُلْقٍ حَسْنٍ؛ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ» (أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ). وَمِنْ صِفَاتِهِ أَنْ يَكْوُنَ حَافِظَاً لِشَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ؛ فَقَدْ زَوَّجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلَاً بِمَا مَعَهُ مِنَ الْقُرْآنِ.

وَقَدْ نَدَبَتِ الشَّرِيعَةُ إِلَى رُؤْيَةِ الْخَاطِبِ لِمَخْطُوبَتَهِ؛ فَإِذَا عَزْمَ عَلَى خِطْبَةِ اِمْرَأَةٍ أُبِيحَ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا بِحُضُورِ مَحَرَمِهَا، وَدُونَ خَلْوَةٍ بِهَا، وَمِنْ غَيْرِ تَدْلِيسٍ فِي زِيْنَةٍ أَوْ تَجَمُّلٍ، قَالَ صلى الله عليه وسلم لِلْمُغَيِّرَةِ رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ: «اُنْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحَرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا» (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَاِبْنُ مَاجَه).

وَعَقَدُ الزَّوَاج عَقَدٌ اِخْتِيَارِيٌّ لَا يَجُوزُ فِيهِ الْإكْرَاهُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِحَيَاةِ الزَّوْجَيْنِ وَمُسْتَقْبَلِهِمَا؛ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرِ تَسْتَأْذِنُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا سُكُوتُهَا». (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

وَلَا بَدَّ مِنْ وُجُودِ الْوَلِيِّ أَوْ مَنْ يُوكِلُهُ، قَالَ صلى الله عليه وسلم: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّوَشَاهِدِيِّ عَدْلِ». رَوَاهُ أَبُودَاوُدَ وَغَيْرَهُ، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «أَيَّمَا اِمْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذَنْ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ -ثَلَاثَ مَرَّاتٍ-». (رَوَاهُ أَبُودَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَاِبْنُ مَاجِه).

فَلَا يَحُلْ أَنَّ تَتَزَوَّج الِمْرَأَةُ مِنْ غَيْرِ إِذَنْ وَلِيَهَا؛ فَالْإِسْلَامُ يَحْمِي الْمَرْأَةَ وَيَقِيهَا مِنْ قَالَةِ السُّوءِ، وَهيَ بِطَبْعِهَا عَاطِفِيَّةٌ، قَدْ تُوَافِقُ عَلَى رَجُلٍ لَا مَصْلَحَةَ لَهَا فِي الزَّوَاجِ مِنْهُ.

وَلَا بَدَّ مِنْ تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ، وَهُوَ الصَّدَاقُ الَّذِي يَقْدَمُهُ الرَّجُلُ للمَرأَةِ تَطْييبَاً لخَاطِرِهَا، وَهُوَ مُلْكٌ لَهَا تَتَصَرَّفُ فِيهِ كَيْفَ تَشَاءُ، قَالَ تَعَالَى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4].

وَالشَّرِيعَةُ رَغِبَتْ فِي الْاِقْتِصَادِ فِي الْمُهُورِ؛ فَقَدْ «كَانَ صَدَاقُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِزَوْجَاتِهِ ثنتِي عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنِصْفَاً» كَمَا فِي صَحِيحٍ مُسْلِمٍ، وَيُسُرُّ الْمَهْرُ مِمَّا يَجْلِبُ الْبَرَكَةَ وَالْيَمَنَ، وَالْمَحَبَّةَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ.

وَالْمُغَالَاةُ فِي الْمُهُورِ سَبَبٌ لِعُزُوفِ كَثِيرٍ مِنَ الشَّبَابِ عَنِ الزَّوَاجِ، وَقَدْ يَلْجَأُ ضِعَافُ الْإيمَانِ إِلَى الحَرَامِ لِعَدَمَ القُدْرَةِ عَليِهِ.

وَالْمَشْرُوعُ الضَّرْبُ بِالدُّفِّ لِلنِّسَاءِ؛ لِإعْلَاَنِ النِّكَاحِ وَتَمْييزِهِ عَنِ السَّفَاحِ، مَعَ الْكَلَاَمِ الْحَسَنِ الْمُبَاحِ؛ َقَالَ صلى الله عليه وسلم: «فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَرَامِ وَالْحَلَالِ الضَّرِبُ بِالدُّفُوفِ وَالصَّوْتِ» (رَوَاهُ أَحَمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ).

ومِنَ الْمُحَرَّمَاتِ وَالشُّرُورِ فِي إعْلَاَنِ النِّكَاحِ الْمَعَازِفُ، أوْ دُخُولُ الرجَالِ عَلَى النِّسَاءِ، أوْ تَعْرِيهِنَّ أَمَامَ النِّسَاءِ، وَتَصْوِيرُ الْأَعْرَاسِ وَالْحَفْلَاتِ وَبَثُّهَا فِي وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ.

وَالسَّنَةُ فِي حَقِ الرَّجُلِ أَنَّ يُولِمْ بِمَا تَيَسَّرَ؛ فَقَدْ أَوَلَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى نِسَائِهِ، وَحَثَّ أَصْحَابُهُ عَلَى الْوَلِيمَةِ؛ فَقَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: «أَوْلَمْ وَلَوْ بِشَاةٍ».

وَالْإِسْرَافُ فِي الْوَلَاَئِمِ مَنَهِيٌ عَنهُ؛ وَالْوَاجِبُ تهِيِئَةُ الطَّعَامِ عَلَى قَدْرِ الْحُضُورِ، وَبَعْضَهُمْ يَرْمِي مَا فَضُلَ مِنَ الطَّعَامِ فِي الْقُمَامَةِ أَوْ عَلَى حَافَّاتِ الطُّرُقِ؛ وَهَذَا نُكْرَانٌ لِلنَّعَمِ، وَالتَّصَدُّقُ بِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ أُوْلَى مِنْ رَمّيِّهِ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ.
__________________________________________________ ___________

[1] للشيخ محمد السبر https://t.me/alsaberm








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.42 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.79 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.23%)]