عرض مشاركة واحدة
  #454  
قديم 13-02-2025, 10:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,001
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي


الأسئلة



المرأة الصالحة من متاع الدنيا
السؤال كنت من الشباب المتحمسين لطلب العلم والدعوة، فلما تزوجت بامرأة ليست بملتزمة هبطت معنوياتي، وانعدمت أعمالي في الدعوة، وانصرفت عن طلب العلم؛ لأني انشغلت بأمور زوجتي، وأكثر شيء انشغلت به هو انشغالي في هم الديون بسبب الزواج فكانت أيامي كلها مشاكل ومصائب بين زوجتي وبين أصحابي، وحصلت أمور الفراق بيني وبين والدي ووالدتي وإخواني، وعشت في مشاكل لا تنتهي، وأنا الآن أبحث عن الحلول والخروج من هذه المشاكل، وأتمنى أن أرجع إلى طريقتي الأولى، على أن مشاكلي مع زوجتي بسبب المصاريف، ومشاكلي مع الشباب في أمور نفسية من الاستفزاز والغلظة في النصح، وفقكم الله أرشدوني إلى ما يصلح حالي بيني وبين زوجتي، والرجوع إلى طريق العلم والدعوة، وجزاكم الله خيرا؟
الجواب باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد: فأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يهيئ لنا ولك الرشد، وأن يعيذنا وإياك ومن حضر ومن سمع من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، فإن هذا الزواج فتنة ومحنة عليك، وهو من أسوأ أنواع الفتن وهي فتنة الدين، وليس من ذات الزواج فالزواج ليس بفتنة إنما هو خير وبركة على الإنسان، وإنما جاءتك الفتنة حينما لم تظفر بذات الدين، وحينما تساهلت في أمور دينك، وأخذت امرأة وتركت ما هو خير منها في دينها واستقامتها، وقد زكاها الله عز وجل من فوق سبع سماوات: {ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم} [البقرة:221] فأنت لو اتقيت الله عز وجل في أول أمرك لما حدث لك هذا، فإنه من يتق الله يجعل له فرجا ومخرجا.
أما الأمر الثاني: فإنه ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن الشؤم في المرأة) والشؤم الذي في المرأة إذا تزوجها الرجل فتح الله عليه أبواب البلاء، فمن النساء من هن بعيدات عن الله عز وجل، والشؤم فيهن ظاهر، وهذا أمر ثبت به النص ودل عليه، ولذلك يتزوج الرجل المرأة الصالحة فيفتح الله عليه أبواب الرزق، ويفتح الله عليه أبواب السرور وأبواب الخير والبركة في ماله وأهله وولده، ويتزوج من هي بخلاف ذلك فتكسد تجارته، وتسوء أحواله حتى مع ربه والعياذ بالله، ومما حدث في بعض من نعرفهم أنه كان من ألزم الناس للصفوف الأول في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وأحرصهم على ذكر الله عز وجل، وكان طالب علم، وكان في أيامه في نشوة عظيمة في طلب العلم، فأراد أن يتزوج فكان يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الجمال وهو عندي أهم شيء، أهم ما ينبغي الجمال، فكان ينصحه إخوانه ويقولون له: اتق الله! الدين أهم، عليك أن تتقي الله عز وجل، فتزوج امرأة جميلة سيئة في دينها، فكان أول ما ابتدأت به أن أصبح لا يشهد الصفوف الأول، ثم بعد ذلك أصبح يتخلف عن الجماعة، ثم بعد ذلك -نسأل الله السلامة والعافية- انقطع عن الصلاة مع الجماعة إلا قليلا، ثم بعد ذلك -والعياذ بالله- تغيرت هيئته ومنظره وحلق لحيته وانتكس والعياذ بالله.
نسأل الله العظيم أن يدفع عنا الشرور والشؤم كله، فالشؤم كله في معصية الله وفي أهل المعاصي، فالقرب منهم شر، ولذلك: لما أراد الرجل التوبة في آخر عمره وقد قتل مائة نفس آخرها عابد جاء إلى عالم فسأله: هل لي من توبة؟ قال: وما يمنعك منها ولكن قريتك قرية سوء فاذهب إلى قرية كذا فإن فيها قوما صالحين، فخرج إلى القرية الصالحة فأدركه الموت في الطريق -في القصة المشهورة المعروفة- فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فأرسل الله إليهم ملكا أن قيسوا ما بين القريتين وفي رواية: (أن الله رمى بصدره إلى قرية الصالحين) يقول بعض العلماء: أتعجب من هذا الحديث؟ فإن الله جعل الصالحين الذين هم مستقيمون على طاعة الله ومرضاته خيرا للإنسان حتى في حسن الخاتمة؛ لأنه خرج وهو يحبهم، وخرج وهو يريد أن يكون معهم وفي زمرتهم فما خيبه الله جل جلاله.
فالإنسان إذا كان هذا حاله في رفقة الناس الذين قد لا يرافقهم إلا في العشية أو الضحى فكيف بامرأة لا يفارقها إلا قليلا؟ فعلى المسلم أن يحرص في اختياره للزوجة التي تخاف الله عز وجل، فإذا ساءت أو تغيرت أو تنكبت قال لها: اتق الله، فرعدت فرائصها من خشية الله عز وجل.
الدين كله خير، ومن ظن أن الدين شر فإنه -والعياذ بالله- يصير شقيا طريدا من رحمة الله، الدين كله خير: خير لك في زوجتك خير لك في ولدك في أهلك، وانظر إلى الناس منذ عهد قبل ثلاثين سنة أو أربعين سنة كانوا ينشئون أبناءهم على الدين، وأهم شيء عندهم الدين، فكانت هذه حياة الناس وهم في أشد الفقر، ومع ذلك ما وجدنا أحدا مات من الجوع، وجدناهم في عزة وكرامة، وتجد الرجل حافي القدمين عاري الجسد إذا استنصره أخوه نصره، وإذا استعان به بعد الله أعانه، وتجد فيه كمال النخوة والأخوة والشيمة والوفاء، حتى وهو فقير يذهب يتدين من أجل أن يقري ضيفه ويذبح له، هذه كلها معان كانت موجودة عندما كنا نحس أن الدين لنا ولأبنائنا.
ثم نشأت ناشئة يقولون: إن الدين تعقيد للولد وللذرية، ولا أريد امرأة متدينة، فهي تعقدني وتضيق علي، فتزوج التي لا دين عندها فدمرت حياته وأشقته، وتنكب بها عن صراط الله عز وجل، فقفلت عنه -والعياذ بالله- أبواب الخير؛ لأن أبواب الخير كلها لا تأتي إلا من طاعة الله عز وجل، فالمرأة العاصية البعيدة عن طاعة الله كلها بلاء وشر، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ونعوذ بالله من شرور أنفسنا) الشر يأتي من العصيان، فالمرأة التي تخاف الله وتراقبه كلها خير.
فلما أصبح الناس يخافون من الدين وأصبحوا يتغربون عنه، فيقول قائلهم: ما أريد امرأة متدينة، ما أريد أولادي يتدينون، حتى جاء اليوم الذي يقف فيه الابن على والده فيهزأ حتى من ثوبه، وجاء اليوم الذي يرى فيه الأب ابنه مكشوف الساقين فيموت كمدا وغيظا أن ولده الذي كان يعرفه برجولته وفحولته أشبه بالمرأة في ضياعه وتكسره، نسأل الله السلامة والعافية.
كل من انصرف عن الدين وظن بالدين ظن السوء فإن الله يخذله ويبتليه من حيث ظن؛ لأن الله عظيم، ومن يكابر الله فإن الله يهلكه ويمقته، فعلى الإنسان أن يتقي الله عز وجل إذا أراد أن يختار امرأة فيختار المرأة الصالحة.
أما هذه المرأة إن كانت سببا في بعدك عن والديك، وبعدك عن طاعة الله فإما أن تأمرها بطاعة الله وتلتزم وتعطيها ثلاثة أيام أو أسبوعا بالكثير تلتزم فيه إلتزاما صادقا، تتأدب فيه مع والديك وأهلك، وتقيم فيه حق الله عز وجل وحق أهلك وإلا فطلقها، وأسأل الله أن يبدلك خيرا منها، فهذه المرأة لا خير فيها، وهي شؤم عليك، وما دامت بهذه المثابة بعيدة عن الله عز وجل وعن طاعته، فوالله لا تجني منها خيرا، وعلى هذا إذا أردت النجاة بنفسك فانج، وإذا أردت أن تستمر فيما أنت عليه فأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يعافينا من هذا البلاء، فإنه من أعظم البلاء أن يرى الإنسان النار أمام عينيه ويتقحمها على بصيرة، وهذه المرأة شقاء لك في دينك ودنياك وآخرتك.
وإذا تزوجت المرأة راقبها في دينك، وراقبها في أهلك وولدك وبالأخص في الوالدين، وراقبها مع قرابتك كأخواتك، فامرأة تحببك في والديك وتأمرك ببرهما، وتحثك وتحضك على الوفاء لهما والإحسان إليهما وإكرام صحبتهما فإنها المرأة الصالحة، والمرأة التي تأمرك بإخوانك أن تصلهم ولا تقطعهم، وأن تحسن إليهم ولا تسيء، وأن تصلهم ببرك وحنانك وإحسانك وتكون معهم في الشدائد فإنها نعم المرأة والله، ونعم الفراش للإنسان، هذه هي المرأة التي ينبغي أن يحرص عليها الإنسان وأن يعض عليها، وإذا وجدها يكرمها ويحسن إليها حتى تثبت على طاعة الله، وتكون خيرا له في دينه ودنياه وآخرته.
أما إذا وجدتها تبعدك عن والديك وتحتقر والديك وتسبهما في حضرتك، أو تنزع ثقتك من والديك، أو تسيء ظنونك بوالديك، أو تبعدك عن إخوانك وأخواتك وأهلك وقرابتك فذكرها بالله، فإن التزمت بطاعة الله وإلا فبادر بفراقها؛ لأن هذه المرأة سينتقل بلاؤها إليك، وستؤثر عليك يوما من الأيام، أو على الأقل -وليس بقليل- ستؤثر على أولادك فينشئون عاقين لك والعياذ بالله، فكما أمرتك بالعقوق فستأمر من تحتها وتحثهم على ذلك وتحضهم، وعلى الإنسان أن يتقي الله: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا} [الطلاق:2] ، {ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا} [الطلاق:4] ومن يتق الله فإن الله يجعل له من كل ضيق فرجا ومخرجا، فعلينا أن نتقي الله عز وجل، وكل شيء علمنا أن فيه خيارا بين الدين والدنيا فلنقدم الدين على كل شيء، ومن كان لله كان الله له، ومن حسنت نيته حسنت عاقبته، وأصلح الله له في أموره كلها، ويسر له الخير حيثما توجه.
ولذلك جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يريد السفر فقال: (يا رسول الله! إني أريد السفر فزودني، قال: زودك الله التقوى، قال: زدني، قال: وغفر ذنبك، قال: زدني، قال: ويسر لك الخير حيثما توجهت) والخير لا يتيسر للعبد حيثما توجه إلا إذا كان كل من حوله يعينه على الخير ويثبته عليه، ومن ذلك المرأة تكون صالحة دينة تخاف الله، والصالحة التي زكاها الله عز وجل من فوق سبع سماوات: {فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله} [النساء:34] تأمنها على دينك تأمنها على صلاتك تأمنها على طاعتك لربك، إذا نمت عن الصلاة أيقظتك، وإذا أردت أن تزكي مالك ذكرتك بالزكاة وحثتك عليها وخوفتك من ربك، كذلك أيضا تأمنها على أهلك وولدك وقرابتك، وعلى الناس أجمعين، فمثل هذه المرأة إذا ظفر بها الإنسان فليحسن إليها، وليكن عونا لها على طاعة الله، وليشكر ما يكون منها من الخير.
ولتكن هذه القصة عبرة لكل ملتزم، فإن الإنسان الصالح الذي وفقه الله لزوجة صالحة عليه أن يحمد الله على العافية، وبمثل هذه الحوادث يحس كل ملتزم عنده امرأة صالحة أنها أعظم من الجوهرة النفيسة وأغلى والله، والمرأة الصالحة في زمان الفتن
جواز الائتمام بالمأموم إذا لم يدرك مع إمامه ركعة فأكثر

السؤال ما حكم من صلى خلف مأموم قام ليكمل صلاته بعد انتهاء الصلاة مع الجماعة، فهل صلاته صحيحة وجزاكم الله خيرا؟
الجواب المأموم تبعا لإمامه وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به) فهو تابع وغير متبوع، ولو قلنا: إن المأموم يصير إماما، فإن هذا لا يتحقق بوصف الحديث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الصلاة بين المأموم والإمام، والقسمة لا تقتضي التشريك، فدل على أن المأموم لا يكون إماما ومؤموما في وقت واحد، وبناء على ذلك نص العلماء على أنه لا يقتدى بالمأموم لا في حال متابعته للإمام، ولا في حال إتمامه، بشرط أن يكون قد أدرك مع الإمام ركعة فأكثر، أما لو أنه أدرك الإمام في التشهد الأخير أو أدركه بعد الرفع من الركوع الأخير فإنه في حكم المنفرد، وهناك فرق بين إدراك فضيلة الإمامة وإدراك حكم الإتمام، ولذلك إذا أدرك الإمام بعد رفعه من الركعة الثانية يوم الجمعة يتمها ظهرا، فدل على أنه غير مرتبط بالإمام؛ لأنه لو كانت مرتبطة بالإمام لأتمها جمعة ولصلى ركعتين.
فبناء على ذلك قال جمهور العلماء: هناك فرق بين إدراك الجماعة حكما وبين إدراكها فضلا، فهو بإدراكه ولو قبل تسليمة الإمام بلحظة واحدة فقد أدرك فضيلة الجماعة؛ ولذلك لا يجوز له أن ينتظر حتى يسلم الإمام ما دام داخل المسجد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أدركتم فصلوا) فنهى عن الشذوذ والخروج عن جماعة المسلمين، ولذلك قال للرجلين لما رآهما لم يصليا: (ألستما بمسلمين؟) وأمر المأموم أن يتابع الإمام وأن لا يرفع رأسه قبله، كل هذا لكي لا يحدث شذوذ عن جماعة المسلمين مادام وأنهم في مسجد واحد، وأمر من صلى في بيته أن يعيد الجماعة، كل هذا يؤكد أهمية الجماعة نفسها خلافا لما قاله بعض أهل الرأي من بعض فقهاء الحنفية وغيرهم أنه يجوز له إذا لم يدرك الركوع الأخير أن يبقى حتى يسلم الإمام أو يحدث جماعة ثانية، ولذلك من قال بهذا القول لو قلنا له: يحدث جماعة ثانية، فالإجماع على أنه لا يجوز إحداث جماعة ثانية مادامت جماعة المسجد منعقدة، وهذا هو المحفوظ في كلام العلماء والأئمة رحمهم الله.
فإذا كان لا يجوز إحداث الجماعة الثانية فمعنى ذلك أن الحق للجماعة الأولى، والجماعة الأولى لا تنتهي إلا بالتسليم، أضف إلى نص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (ما أدركتم فصلوا) فدل على أن من أدرك الإمام ولو قبل التسليم بلحظة يجب عليه أن يصلي، وكذلك من الخطأ لو أدرك الإمام وهو ساجد أن يقف، فتجد بعض الناس يقف وينتظر حتى يرفع الإمام من السجود وهذا من الخطأ؛ لأن هذه السجدة يرفعك الله بها درجات، وأقرب ما يكون العبد من ربه إذا كان ساجدا، وتكفر بها الخطيئات، وقمن أن يستجاب للعبد، كل هذه الفضائل يتركها الإنسان من تخذيل الشيطان له.
ولذلك نقول: إن المأموم ملزم بمتابعة إمامه وصلاته بصلاة الإمام، فإذا سلم الإمام ولم يدرك معه شيئا إلا التشهد أو السجدة الأخيرة أو السجدتين أو الرفع من الركوع فإنه يجوز حينئذ أن يصير إماما؛ لأنه منفرد، ولذلك بالإجماع يكون في حكم المنفرد، ويقوم ويصلي الصلاة وهي تامة، وتكون الركعة الأولى ركعة أولى لصلاته؛ لأنه لم يدرك مع الإمام شيئا، فلو دخلت مع رجل بعد رفع الإمام من الركوع الأخير، فإذا سلم الإمام ائتم بك وصحت لكما جماعة، ولكن وقعت الجماعة بعد تسليم الإمام وحصلتم على الفضيلة؛ لأن الشرع رغب في صلاة المسلم جماعة أكثر من صلاته منفردا، وحث عليه كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفرد بسبع وعشرين -وفي رواية بخمس وعشرين- درجة) وبناء على ذلك فإنه يجوز للمأموم أن يأتم بالمأموم إذا لم يدرك مع إمامه شيئا كركعة فأكثر، أما لو أدرك الركعة فأكثر فإنه لا يجوز أن يأتم به، والله تعالى أعلم.
المبطون شهيد بأي نوع من أنواع المرض
السؤال هل من يموت بمرض البطن يعتبر شهيدا من شهداء أمة محمد صلى الله عليه وسلم، كذلك مرض السرطان عافانا الله وإياكم؟
الجواب كل من مات بمرض البطن فإنه شهيد، والشهادة على مراتب ودرجات أعظمها وأفضلها وأجلها عند الله سبحانه وتعالى الشهادة في سبيل الله، من قتل وهو مقبل غير مدبر لإعلاء كلمة الله لا حمية ولا شجاعة ولا رياء ولا سمعة، فإذا قتل في سبيل الله عز وجل واستشهد فإن هذا أفضل أنواع الشهادة، ثم الشهادة في سبيل الله تختلف على مراتب، والشهداء عند الله عز وجل على مراتب، يفضل بعضهم على بعض، فأعظم ما تكون الشهادة إذا كان البلاء عظيما، وتختلف هذه الشهادة العظيمة باختلاف الأحوال، فقد يستشهد الإنسان وما في جسده موضع إلا وفيه طعنة أو ضربة في ذات الله عز وجل، وقد يستشهد وهو لا يهاب الموت.
يعني: هناك أمور تفضل بها الشهادة باطنة وظاهرة، فالأمور الباطنة ما يكون في قلبه من حب للجنة وشوق إليها، حتى إن في بعض الأحيان ربما يكون الإنسان في الجهاد ويرى موقفا فيخاف من الموت طبيعة وفطرة، ولكن إذا كمل إيمانه ووصل إلى مراتب اليقين تصبح الجنة بين عينيه كما قال الصحابي رضي الله عنه: (إني لأجد ريح الجنة دون أحد) وكان هذا وهو في الحياة، فلما كمل طلبه للجنة وبيعه لنفسه لله وفي الله قال: (والله إني لأجد ريح الجنة دون أحد) ، وهذا شيء فوق خيال الإنسان وفوق تصوره، أنه في الدنيا ولم تقبض روحه ولكن أبى الله إلا أن يبشره بالجنة قبل أن يخرج من الدنيا، (إني لأجد ريح الجنة دون أحد) وهذا كمال اليقين وكمال الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فتسلم لموعود الله مؤمنا بما عند الله عز وجل، كأن الجنة بين عينيك، وإذا كملت شهادة الإنسان عظمت منزلته وارتفعت، ثم شهادة الشهيد العالم ليس كالشهيد الذي هو دون ذلك، فإذا أراد الله أن يعظم للعبد مرتبة الشهادة جمع له بين العلم والشهادة، فيكون في أعلى المراتب التي نسأل الله بعزته وجلاله أن يجعلنا وإياكم من أهلها.
وأما بالنسبة لشهادة البطن فتكون بالأمراض التي تصيب الإنسان سواء كانت -أعاذنا الله وإياكم- من مرض السرطان أو كانت بالقرحة أو غير ذلك من الأمراض، حتى ذكر بعض العلماء أنه لو ابتلع شيئا وهو لا يعرف أن فيه الضرر ثم تسمم جوفه أو شيئا من الحديد وهو لا يدري فقطع جوفه ومات بسبب ذلك أنه يعتبر مبطونا، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما تعدون الشهيد فيكم؟ قالوا: من قتل في سبيل الله فهو شهيد، فقال عليه الصلاة والسلام: إذا شهداء أمتي قليل، ثم ذكر عليه الصلاة والسلام: من قتل في سبيل الله فهو شهيد، والمبطون شهيد، والحريق شهيد، وصاحب الهدم شهيد، والنفساء شهيد) إلى آخر الحديث، فعد عليه الصلاة والسلام من الشهداء من مات في بطنه، نسأل الله بعزته وجلاله وأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرزقنا شهادة في سبيله، وأن يتقبل ذلك خالصا لوجه الكريم، موجبا لرضوانه العظيم، والله تعالى أعلم.
التجاوز عن المعسرين من أفضل الأعمال
السؤال أقرضت شخصا خمسمائة ريال، وبعد فترة طلب مني المسامحة والإعفاء فهل يجوز لي أن أسامحه وأعفيه، وهل يدخل ذلك في ربا الجاهلية؟
الجواب هذا من ربا الآخرة إذا سامحته في خمسمائة أعطاك الله أضعافها؛ لكنه ربا طيب وربا مباح وربا مشروع، والله عز وجل يربي الصدقات كما أخبر سبحانه وتعالى أي: يزيدها ويضاعفها، يتلقاها بيمينه وكلتا يدي الرحمن يمين كما في الصحيح، فيربيها وفي رواية فينميها، (فيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم فلوه -والفلو: هو صغير الخيل- حتى يجدها يوم القيامة أعظم ما تكون) ولذلك كان بعض العلماء رحمهم الله يقول: لا ينبغي للإنسان إذا نوى الصدقة أن يتأخر، يعني: ممكن أن تأتي على باب المسجد وتجد السائل وتقول: إذا خرجت أعطيه فهذا الوقت الذي أخرت فيه الصدقة لو أعطيتها السائل يضاعف الله فيه صدقتك أضعافا كثيرة لا يعلمها إلا الله، وهذا هو الربا الذي يربيه الله عز وجل في الصدقات.
وهذا مما ندب الله عز وجل إليه، ومن أفضل الصدقة وأحبها إلى الله سبحانه وتعالى الصدقة على المديون، خاصة إذا كان معسرا أو كان في ضائقة واهتم واغتم لدينك، فجئته ووقفت عليه وقلت له: إني مسامحك لوجه الله، أو إني قد عفوت عن المال أو أنت في حل من المال الذي أعطيتك، فإن هذا من أحب ما يكون، فالتجاوز عن المعسر والتسامح معه كل ذلك من القربات، والباقيات الصالحات التي يجدها الإنسان في الحياة وبعد الممات، ولذلك أخبر صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح: (كان فيمن كان قبلكم رجل يعطي الناس ماله دينا وقرضا، وكان يوصي أعوانه ويقول: إذا وجدتم معسرا فتجاوزوا عنه لعل الله أن يتجاوز عنا) .
الرحمة ما تكون في عبد إلا أصاب خير الدنيا والآخرة، هذه الرحمة التي وصف الله بها المؤمنين فقال: {رحماء بينهم} [الفتح:29] فيقول: (إذا وجدتم معسرا فتجاوزوا عنه لعل الله أن يتجاوز عنا) بخ بخ! إذا أعطى الله الدنيا للعبد فجعل الآخرة نصب عينيه، فهو الموفق السعيد وهذا العبد الصالح لما كانت التجارة بين يديه والدنيا بين يديه جعل الآخرة نصب عينيه، فهو يخاطب من تحته ويخاطب أعوانه قائلا: (إذا وجدتم معسرا فتجازوا عنه لعل الله أن يتجاوز عنا) ففي الصحيح أنه يلقى الله عز وجل يوم القيامة فيقول الله لملائكته: (نحن أحق بالتجاوز عن عبدي، تجاوزوا عن عبدي فقد غفرت له) .
فهذه من أحب الأعمال إلى الله، وأحب القربات إلى الله سبحانه وتعالى، وبالأخص إذا كانت في حق المحتاجين والمعسرين كأصحاب الأسر الفقيرة والأيتام والأرامل، فمسامحتهم والتجاوز عنهم، كل ذلك مما يؤذن برحمة الله للعبد وحصول البركة والخير في المال والولد، فإن الصدقة خيرها عظيم ونفعها عميم، نسأل الله العظيم أن يوفقنا لما يرضيه والله تعالى أعلم.
لزوم إطعام عشرة مساكين في كفارة اليمين
السؤال هل يجوز إعطاء المسكين الواحد كفارة خمسة أيمان أو فدية عدة محذورات؟
الجواب هذا فيه تفصيل: إذا كانت على الشخص أكثر من يمين وأراد أن يكفر عنها فالواجب في كل يمين أن يطعم عشرة مساكين، فإذا أراد أن يطعم شخصا واحدا لا يصح ولا يجزيه عن العشرة؛ لأن الله عز وجل أمر بإطعام العشرة وكسوتهم، فإذا أطعم شخصا واحدا لم يتحقق شرط الشرع ولا وصفه، بناء على ذلك يجب عليه أن يطعم عشرة مساكين، لكن لو أنه نوى اليمين الأولى فأعطى لجاره محمد كفارة وتصدق عليه في اليوم الأول، ثم أعطى تسعة من الجيران المساكين الباقية فحينئذ سقطت اليمين الأولى، فيأتي في اليوم الثاني أو يأتي بعد ساعة بعد أن فرغ بنيته من اليمين الأول شرع في التكفير عن اليمين الثانية، فأطعمه وأعطاه فلا بأس على هذا الوجه أن يكون الإطعام لمسكين واحد في أيمان متفرقة، لا أن يحسب المسكين في اليمين الواحد متعددا، فإن هذا لا يعتبر إطعاما للعشرة على الشرط الذي ذكرناه، والله تعالى أعلم.
وبالنسبة للفدية قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه: (أطعم فرقا بين ستة مساكين) وبناء على ذلك لابد وأن يكون الفرق -الفرق الذي هو ثلاثة آصع- مفرقا بين ستة مساكين، معناه: أن لكل مسكين نصف صاع، وعلى هذا لابد أن يكونوا ستة مساكين بالنص والحديث، والله تعالى أعلم.
أحكام الله عز وجل فيها المصلحة للعباد
السؤال أشكل علي أن ثبوت الشفعة قد يؤدي إلى تقاعس الناس عن الشراء لأنهم يعلمون أنهم إذا شروا ما تثبت فيه الشفعة سوف ينتزع منهم؟
الجواب باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه من والاه.
أما بعد: ينبغي في الإشكال أن يكون المستشكل دقيق النظر يعني: كون الشفعة تؤدي إلى تقاعس الناس عن الشراء ليس على عمومها، لأن الشفعة أصلا ما تقع إلا في الأشياء التي فيها شركة، وليست كل الأشياء التي تباع فيها شركة، بل لو قال قائل: إن هذا من أندر ما يكون أن يبيع الشريك نصيبه ما تقع إلا في العقارات التي فيها شركة، والغالب أن العقارات لا شركة فيها، ولذلك مسألة أن يتعطل الناس أو أن هذا يؤدي إلى فساد السوق أو إلى الإضرار بالشراء ليس بوارد، يكون واردا لو كان هذا هو الأغلب أو هو الأعم، وحينئذ يكون فيه تضييق ويكون فيه ما ذكر من كونه يعيق الناس عن الشراء.
ثانيا: أن الحالة الخاصة إذا ثبت أنها لا تقع إلا في النادر أو في القليل فإنها لا تؤثر، فإن النادر لا يضر؛ لأن النادر قليل والقليل محتمل الضرر، وعلى هذا نقول: على الله الأمر، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا الرضا والتسليم، وثق ثقة تامة أنك لن تجد عقدا شرعيا أحله الله عز وجل في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أو بهديه وتستشكل فيه شيئا إلا وجدت أضعافه إذا لم تقل بشرعيته، يعني: إذا كان مشروعية هذا العقد فيه إشكال واحد فعدم مشروعيته فيه إشكالات، وعلى هذا لا يمكن لشخص أن يجعل مثل هذا عائقا أو مشكلا يمنع من التسليم بمثل هذا الحكم، رضينا بالله ربا، ورضينا به حكما فاصلا يقص الحق وهو خير الفاصلين سبحانه وتعالى.
وبناء على ذلك لا ضرر على السوق ولا مفسدة فيه.
ثم الجواب الأخير أن نقول: إنما يكون المشتري متعرضا للشفعة إذا طالب الشريك، فلربما يرضى الشريك أو يسكت، وحينئذ أيضا هذا أمر آخر يضاف إلى ما ذكرناه وهو أنها لا تثبت إلا في أشياء نادرة، ثم أيضا لا يقع فيها إلا إذا اعترض الشريك، وقد يعترض وقد لا يعترض، وبناء على ذلك لا يكون هذا أمرا مشكلا مانعا للتسليم بحكم الله عز وجل والرضا به، والله تعالى أعلم.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.91 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.28 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.80%)]