عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 12-02-2025, 10:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,935
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب المبسوط فى الفقه الحنفى محمد بن أحمد السرخسي


الكتاب: المبسوط فى الفقه الحنفى
المؤلف: محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي
(ت ٤٨٣ هـ)
عدد الأجزاء: ٣١ (الأخير فهارس)
المجلد الاول
صـــ 61 الى صـــ 70
(7)







السفر كانوا يترامون بالجلة فلو كانت نجسة لم يمسوها، وقال؛ لأنه وقود أهل المدينة يستعملونه استعمال الحطب.
(ولنا) ما روي «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طلب من ابن مسعود أحجارا للاستنجاء ليلة الجن فأتاه بحجرين، وروثة فأخذ الحجرين، ورمى بالروثة، وقال أنها ركس أي نجس».
وقيل لمحمد - رحمه الله - لم قلت بطهارة بول ما يؤكل لحمه، ولم تقل بطهارة روثه قال: لما قلت بطهارته أجزت شربه فلو قلت بطهارة روثه لأجزت أكله، وأحد لا يقول بهذا، ثم التقدير فيه عند أبي حنيفة - رحمه الله - بالدرهم، وعند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - بالكثير الفاحش، وقال زفر في روث ما يؤكل لحمه ما لم يكن كثيرا فاحشا لم يمنع، وفي روث ما لا يؤكل لحمه الجواب ما قال أبو حنيفة - رحمه الله -، واعتبر الروث بالبول فقال في بول ما يؤكل لحمه التقدير بالكثير الفاحش لكونه مختلفا في نجاسته فكذلك في روثه وأبو يوسف ومحمد رحمهما الله قالا في الأرواث بلوى، وضرورة خصوصا لسائر الدواب، وللبلوى تأثير في تخفيف حكم النجاسة فكان التقدير فيه بالكثير الفاحش وأبو حنيفة - رحمه الله - يقول: الروث منصوص على نجاسته كما روينا في حديث ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - فتتغلظ نجاسته، ولا يعفى عنه أكثر من قدر الدرهم كالخمر، والبلوى لا تعتبر في موضع النص فإن البلوى للآدمي في بوله أكثر، وكذا في بول الحمار فإنه يترشش فيصيب الثياب، ومع ذلك لا يعفى عنه من قدر الدرهم لأنه منصوص على نجاسته، وروي عن محمد - رحمه الله تعالى - قال في الروث، وإن كان فاحشا لا يمنع جواز الصلاة، وهذا آخر أقاويله حين كان بالري، وكان الخليفة بها فرأى الطرق، والخانات مملوءة من الأرواث، وللناس فيه بلوى عظيمة فاختار هذا القول لهذا.
قال (، وأدنى ما ينبغي أن يكون بين البئر، والبالوعة خمسة أذرع في رواية أبي سليمان، والنوادر، والأمالي) ، وفي رواية أبي حفص سبعة أذرع، والحاصل أنه ليس فيه تقدير لازم بشيء إنما الشرط أن لا يخلص من البالوعة، والبئر شيء، وذلك يختلف باختلاف الأراضي في الصلابة، والرخاوة ألا ترى أنه قال فإن كان بينهما خمسة أذرع فوجد في الماء ريح البول، أو طعمه فلا خير فيه، وإن لم يوجد شيء من ذلك فلا بأس به، وإن كان بينهما أقل من خمسة أذرع فعرفنا أن المعتبر هو الخلوص.
(ولا بأس بأن يغتسل الرجل، والمرأة في إناء، واحد) لحديث عائشة - رضي الله تعالى عنها -، وقد رويناه فإذا جاز أن يفعلا معا فكذلك أحدهما بعد الآخر.
جاء في الحديث أن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -
اغتسلت من إناء فأراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتوضأ منه فقالت إني كنت جنبا فقال - عليه الصلاة والسلام - «الماء لا يجنب»، والذي روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - «نهى أن يتوضأ الرجل بفضل وضوء المرأة، والمرأة بفضل وضوء الرجل» شاذ فيما تعم به البلوى فلا يكون حجة.
(وإذا نسي المضمضة، والاستنشاق في الجنابة حتى صلى لم يجزه)، وهو عندنا المضمضة، والاستنشاق فرضان في الجنابة سنتان في الوضوء، وقال الشافعي - رضي الله تعالى عنه - سنتان فيهما، وقال أهل الحديث فرضان فيهما، ومنهم من أوجب الاستنشاق دون المضمضة، واستدلوا بمواظبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليها في الوضوء، ولكنا نقول كان يواظب في العبادات على ما فيه تحصيل الكمال كما يواظب على الأركان.
وفي كتاب الله تعالى أمر بتطهير أعضاء مخصوصة، والزيادة على النص لا تجوز إلا بما يثبت به النسخ، وعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأعرابي الوضوء، ولم يذكرهما فيه. والشافعي - رحمه الله تعالى - استدل بقوله تعالى {وإن كنتم جنبا فاطهروا} [المائدة: 6] ، والإطهار إمرار الطهور على الظواهر من البدن، والفم في حكم الباطن بدليل أن الصائم إذا ابتلع بزاقه لم يضره، وبدليل الوضوء فالفم، والأنف موضعهما الوجه، والغسل فرض فيهما.
وبدليل غسل الميت فإنه ليس فيه مضمضة، ولا استنشاق، وإمامنا في المسألة ابن عباس - رضي الله عنهما - فإنه قال: هما فرضان في الجنابة سنتان في الوضوء، وقال - صلى الله عليه وسلم - «تحت كل شعرة جنابة ألا فبلوا الشعر، وأنقوا البشرة»، وفي الفم بشرة.
قال ابن الأعرابي البشرة الجلدة التي تقي اللحم من الأذى، وقال - صلى الله عليه وسلم - «من ترك موضع شعرة في الجنابة عذبه الله بالنار» كذا قال علي - رضي الله تعالى عنه - فمن ثم عاديت شعري، وفي الأنف شعرات، والمعنى أن للفم حكمين حكم الظاهر من وجه حتى إذا أخذ الصائم الماء بفيه لم يضره، وحكم الباطن من وجه كما قال ففيما يعم جميع الظاهر ألحقناه بالظاهر، وفيما يخص بعضه ألحقناه بالباطن؛ لأنه لما جعل بعض ما هو ظاهر من كل وجه عفوا فما هو باطن من وجه أولى، ولأن الجنابة تحل الفم، والأنف بدليل أن الجنب ممنوع عن قراءة القرآن.
والحدث لا يحلهما بدليل أن المحدث لا يمنع من قراءة القرآن، وفي غسل الميت سقوط المضمضة، والاستنشاق للتعذر؛ لأنه لا يمكنه كبه حتى يخرج الماء من فيه، وبدونه يكون سقيا لا مضمضة.
إذا ثبت هذا فنقول في كل موضع ترك شيئا من الفرائض لم يصح شروعه في الصلاة حتى إذا قهقه لا يلزمه إعادة الوضوء
لأنه لم يصادف حرمة الصلاة في كل موضع ترك شيئا من المسنون صح شروعه في الصلاة فإذا قهقه فعليه إعادة الوضوء، وإن كان متنقلا فعليه إعادة الصلاة، وإن مسح رأسه بماء أخذه من لحيته لم يجزه؛ لأنه مسح بالماء المستعمل فإن الماء إذا فارق عضوه يصير مستعملا، وذلك مروي عن علي وابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -، والذي روي «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ الماء من لحيته، واستعمله في لمعة رآها» تأويله في الجنابة، وجميع البدن في الجنابة كعضو، واحد، وإن كان في كفه بلل فمسحه به أجزأه؛ لأن الماء الذي بقي في كفه غير مستعمل فهو كالباقي في إنائه، وقال الحاكم، وهذا إذا لم يكن استعمله في شيء من أعضائه، وهو غلط منه فإنه إذا استعمله في شيء من المغسولات لم يضره؛ لأن فرض الغسل تأدى بما جرى على عضوه لا بالبلة الباقية في كفه إلا أن يكون استعمله في المسح بالخف، وحينئذ الأمر على ما قاله الحاكم؛ لأن فرض المسح يتأدى بالبلة.
قال، ولا يجزئ مسح الرأس بأصبع، ولا بأصبعين، ويجزئه بثلاثة أصابع، والكلام هنا في فصول: أحدهما في قدر المفروض من مسح الرأس ففي الأصل ذكر قدر ثلاثة أصابع، وفي موضع الناصية، وفي موضع ربع الرأس، وقال الشافعي - رحمه الله - أدنى ما يتناوله الاسم، ولو ثلاث شعرات، وقال مالك - رحمه الله تعالى - المفروض مسح جميع الرأس.
وقال الحسن - رحمه الله تعالى - أكثر الرأس، واستدل مالك «بفعل رسول - صلى الله عليه وسلم - فإنه مسح رأسه بيديه كلتيهما أقبل بهما، وأدبر»، وبه استدل الحسن - رضي الله تعالى عنه - إلا أنه قال: الأكثر يقوم مقام الكل، وقد بينا أن فعله - صلى الله عليه وسلم - لا يدل على الركنية فقد يكون ذلك لإكمال الفريضة، واعتبر الممسوح بالمغسول، وهو فاسد فإن المسح بني على التخفيف، وفي كتاب الله تعالى ما يدل على التبعيض في المسح، وهو حرف الباء في قوله تعالى {وامسحوا برءوسكم} [المائدة: 6] فهو إشارة إلى البعض كما يقال كتبت بالقلم، وضربت بالسيف أي بطرف منه.
ولهذا قال الشافعي يتأدى بأدنى ما يتناوله الاسم، ولكنا نقول: من مسح ثلاث شعرات لا يقال إنه مسح برأسه عادة، وفي الآية ما يدل على البعض، وهو مجمل في مقدار ذلك البعض بيانه في فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما رواه المغيرة - رضي الله تعالى عنه - «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ فحسر العمامة عن رأسه، ومسح على ناصيته»، وذلك الربع فإن الرأس ناصية، وقذال، وفودان، ولأن الربع بمنزلة الكمال فإن من رأى وجه إنسان يستجيز له أن يقول رأيت فلانا، وإنما رأى أحد
جوانبه الأربعة.
إذا عرفنا هذا فنقول: ذكر في نوادر ابن رستم أنه إذا وضع ثلاثة أصابع، ولم يمرها جاز في قول محمد - رحمه الله تعالى - في الرأس والخف، ولم يجز في قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله تعالى - حتى يمرها بقدر ما تصيب البلة مقدار ربع الرأس فهما اعتبرا الممسوح عليه ومحمد - رحمه الله تعالى - اعتبر الممسوح به، وهو عشرة أصابع، وربعها أصبعان، ونصف إلا أن الأصبع الواحد لا يتجزأ فجعل المفروض ثلاثة أصابع لهذا، وإن مسح بأصبع، أو بأصبعين لم يجزه عندنا.
وقال زفر - رحمه الله تعالى - يجوز إذا مسح به مقدار ربع الرأس قال؛ لأن المعتبر إصابة البلة دون الأصابع حتى لو أصاب رأسه ماء المطر أجزأه عن المسح.
(ولنا) أنه كلما وضع الأصابع صار مستعملا فلا يجوز إقامة الفرض به بالإمرار فإن قيل إذا وضع ثلاثة أصابع، ومسح بها جميع رأسه جاز، وكما لا يجوز إقامة الفرض بالماء المستعمل فكذلك إقامة السنة بالممسوح. قلنا: الرأس تفارق المغسولات في المفروض دون المسنون.
(ألا ترى) أن في المسنون يستوعب الحكم جميع الرأس كما في المغسولات فكما أن في المغسولات الماء في العضو لا يصير مستعملا فكذلك في حكم إقامة السنة في الممسوح، إلى هذا الطريق يشير محمد - رحمه الله تعالى - حتى قال في نوادر ابن رستم لو أعاد الأصبع إلى الماء ثلاث مرات يجوز، وهكذا قال محمد بن سلمة - رحمه الله تعالى - لو مسح بأصبعه بجوانبه الأربعة يجوز، والأصح عندي أنه لا يجوز، وأن الطريقة غير هذا فقد ذكر في التيمم أنه إذا مسح بأصبع، أو بأصبعين لا يجوز فالاستيعاب هناك فرض، وليس هناك شيء يصير مستعملا، ولكن الوجه الصحيح أن المفروض هو المسح باليد فأكثر الأصابع يقوم مقام الكل فإذا استعمل في مسح الرأس، أو الخف، أو التيمم ثلاثة أصابع كان كالماسح بجميع يده فيجوز، وإلا فلا.
وإن كان شعره طويلا فمسح ما تحت أذنيه لم يجزه، وإن مسح ما فوقهما أجزأه؛ لأن المسح على الشعر بمنزلة المسح على البشرة التي تحته، وما تحت الأذنين عنق، وما فوقهما رأس، والأفضل أن يمسح ما أقبل من أذنيه، وما أدبر مع الرأس، وإن غسل ما أقبل منهما مع الوجه جاز؛ لأن في الغسل مسحا، وزيادة، ولكن الأول أفضل؛ لأن الأذنين من الرأس، والفرض في الرأس المسح بالنص، وإنما قلنا إنهما من الرأس؛ لأنهما على الرأس، واعتبرا بآذان الكلاب، والسنانير، والفيل، ومن فغر فاه فيزول عظم اللحيين عن عظم الرأس، وتبقى الأذن مع الرأس، وعلى هذا قلنا لا يأخذ لأذنيه ماء جديدا.
وقال الشافعي - رحمه الله تعالى - يأخذ لأذنيه ماء
جديدا.، واستدل بما روى أبو أمامة الباهلي - رضي الله تعالى عنه - «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ، وأخذ لأذنيه ماء جديدا»، وقال؛ لأن الأذن مع الرأس كالفم، والأنف مع الوجه، ثم يأخذ للمضمضة، والاستنشاق ماء جديدا سوى ما يقيم به فرض غسل الوجه فهذا مثله.
(ولنا) حديث ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح برأسه، وأذنيه بماء واحد، وقال الأذنان من الرأس». فإما أن يكون المراد بيان الحقيقة، وهو مشاهد لا يحتاج فيه إلى بيانه، أو يكون المراد أنهما ممسوحان كالرأس، وهذا بعيد فاتفاق العضوين في الفرض لا يوجب إضافة أحدهما إلى الآخر فعرفنا أن المراد أنهما ممسوحان بالماء الذي مسح به الرأس، وتأويل ما رواه أنه لم يبق في كفه بلة فلهذا أخذ في أذنيه ماء جديدا.
وذكر الحاكم - رحمه الله - في المنتقى إذا أخذ غرفة من الماء فتمضمض بها، وغسل وجهه أجزأه، وبعد التسليم قلنا: المضمضة، والاستنشاق مقدمان على غسل الوجه فإذا أقامهما بماء، واحد كان المفروض تبعا للمسنون، وذلك لا يجوز، وها هنا إذا أقامهما بماء، واحد يكون المسنون تبعا للمفروض، وذلك مستقيم.
قال (وإن مسح أذنيه دون رأسه لم يجزه) ؛ لأنه ترك المفروض، والمسنون لا يقوم مقام المفروض (فإن قيل) لكم أين ذهب قولكم الأذنان من الرأس (قلنا) هما من الرأس، وليسا برأس كالثمار من الشجرة، وليست بشجرة، والواحد من العشرة، وليس بعشرة، والفقه فيه أن فرض المسح بالرأس ثابت بالنص، وكون الآذان من الرأس ثابت بخبر الواحد فلا يتأدى به ما يثبت بالنص كمن استقبل الحطيم بالصلاة فلا تجزئه، وإن كان الحطيم من البيت؛ لأن فرضية استقبال الكعبة ثابت بالنص، وكون الحطيم من البيت ثابت بخبر الواحد فلا يتأدى به ما ثبت بالنص.
(ومن توضأ، ومسح رأسه، ثم جز شعره، أو نتف إبطيه، أو قلم أظفاره، أو أخذ من شاربه لم يكن عليه أن يمس شيئا من ذلك الماء، ولا أن يجدد وضوءه)، وكان ابن جرير - رحمه الله تعالى - يقول عليه أن يتوضأ، وكان إبراهيم - رحمه الله تعالى - يقول يجب عليه إمرار الماء على ذلك الموضع، وهو فاسد؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «لا وضوء إلا من حدث»، وفعله هذا تطهير فكيف يكون حدثا، وإليه أشار علي - رضي الله تعالى عنه - لما سئل عن هذا فقال ما ازداد إلا طهرا، ونظافة.
قال (ثم المسح على الشعر مثل المسح على البشرة التي تحته) لا أنه بدل عنه بدليل أن الأصبع إذا مسح على الشعر جاز، ولا يجوز المصير إلى البدل مع القدرة على الأصل فكان جز الشعر بعد المسح كتقشير
الجلد عن العضو المغسول بعد الغسل فكما لا يلزمه إمرار الماء ثمة فكذلك هنا بخلاف الماسح على الخفين إذا نزعهما فإن المسح لم يكن بمنزلة الغسل، ولكن استتار القدم بالخف يمنع سراية الحدث إلى القدم بدليل أنه لو كان رجله باديا، وقت الحدث لم يجزه المسح فبخلع الخف يسري الحدث إلى القدم.
قال (وكذلك إن مس ذكره بعد الوضوء فلا وضوء عليه، وهذا عندنا) ، وقال الشافعي - رحمه الله تعالى - إذا مس بباطن كفه من غير حائل فعليه الوضوء، والرجل، والمرأة في مس الفرج سواء عنده لحديث بسرة بنت صفوان - رضي الله تعالى عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «من مس ذكره فليتوضأ»، وسئلت عائشة - رضي الله تعالى عنها - عن امرأة مست فرجها فقالت: إن كانت ترى ماء هنالك فلتتوضأ، ولأن مس الذكر سبب لاستطلاق وكاء المذي فيجعل به كالممذي كما أن التقاء الختانين لما كان سببا لاستطلاق وكاء المني جعل به كالممني، وإقامة السبب الظاهر مقام المعنى الخفي أصل في الشرع.
(ولنا) حديث «قيس بن طلق عن أبيه طلق بن علي أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمن مس ذكره هل عليه أن يتوضأ فقال لا هل هو إلا بضعة منك، أو قال جذوة منك».
وعن جماعة من الصحابة منهم عمر وعلي وابن مسعود - رضي الله تعالى عنهم - مثل قولنا حتى قال بعضهم إن كان شيء منك نجسا فاقطعه (وقال) بعضهم ما أبالي أمسسته أم أنفي، وهو المعنى فإنه عضو من أعضائه فإما أن يكون طاهرا، أو نجسا، وليس في مس شيء من الطاهرات، ولا من النجاسات وضوء، ولو مس ما يخرج منه لم ينتقض به وضوءه، وإقامة السبب الظاهر مقام المعنى الخفي عند تعذر الوقوف على الخفي، وذلك غير موجود هنا فإن المذي يرى، ويشاهد، وهو فاسد على أصله فإن من مس ذكره غيره عنده يجب الوضوء على الماس دون الممسوس ذكره، واستطلاق وكاء المذي هنا ينبغي في حق الممسوس ذكره، وحديث بسرة لا يكاد يصح فقد قال يحيى بن معين ثلاث لا يصح فيهن حديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها هذا، وما بال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يقل هذا بين يدي كبار الصحابة حتى لم ينقله أحد منهم، وإنما قاله بين يدي بسرة، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشد حياء من العذراء في خدرها، ولو ثبت فتأويله: من بال، فجعل مس الذكر عن البول؛ لأن من يبول يمس ذكره عادة كقوله تعالى {، أو جاء أحد منكم من الغائط} [النساء: 43] ، والغائط هو المطمئن من الأرض كنى به عن الحدث؛ لأنه يكون في
مثل هذه المواضع عادة، أو المراد بالوضوء غسل اليد استحبابا كما في قوله - صلى الله عليه وسلم - «الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر، وبعده ينفي اللمم»، والمراد منه غسل اليد (قال) ، وكذلك إذا نظر إلى فرج امرأة لقول ابن عباس - رضي الله عنهما - الوضوء مما خرج، وبمجرد النظر لا يخرج منه شيء فهو، والتفكير سواء. .
قال (وفي المني الغسل) لقوله - صلى الله عليه وسلم - «إنما الماء من الماء» يعني الاغتسال من المني، ومراده إذا خرج على وجه الدفق، والشهوة فإن خرج لا على هذه الصفة لحمله شيئا ثقيلا، أو سقوطه على ظهره يلزمه الاغتسال عند الشافعي - رحمه الله تعالى - لعموم الحديث، ولا يلزمه عندنا؛ لأن خروجه بصفة خروج المذي فحكمه حكم المذي في إيجاب الوضوء، ثم المعتبر عند أبي حنيفة، ومحمد - رحمهما الله تعالى - مفارقة المني عن مكانه على وجه الشهوة، والدفق، وعند أبي يوسف - رحمه الله تعالى - المعتبر ظهوره. بيانه في فصلين.: أحدهما أن من احتلم فأمسك ذكره حتى سكنت شهوته، ثم سال منه المني فعليه الغسل عندهما، ولا غسل عليه عند أبي يوسف - رحمه الله تعالى -.، والثاني أن المجامع إذا اغتسل قبل أن يبول، ثم سال منه بقية المني فعليه الاغتسال عندهما ثانيا، وليس عليه ذلك عند أبي يوسف - رحمه الله تعالى -.
قال (، وفي المذي الوضوء) لحديث «علي - رضي الله تعالى عنه - قال كنت فحلا مذاء فاستحييت أن أسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمكان ابنته تحتي فأمرت المقداد بن الأسود حتى سأله فقال كل فحل يمذي، وفيه الوضوء» وكذلك الودي فإنه الغليظ من البول فهو كالرقيق منه، ثم فسر هذه المياه فقال (المني خائر أبيض ينكسر منه الذكر) ، وذكر الشافعي - رضي الله تعالى عنه - في كتابه أن له رائحة الطلع (، والمذي رقيق يضرب إلى البياض يخرج عند ملاعبة الرجل أهله، والودي رقيق يخرج منه بعد البول) ، وتفسير هذه المياه مروي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - بهذه الصفة.
قال (ولا يجب الوضوء من القبلة، ومس المرأة بشهوة، أو غير شهوة) ، وهو قول علي وابن عباس - رضي الله تعالى عنهم -، وقال الشافعي - رحمه الله تعالى - يجب الوضوء من ذلك، وهو قول عمر وابن مسعود - رضي الله تعالى عنهما -، وهو اختلاف معتبر في الصدر الأول حتى قيل ينبغي لمن يؤم الناس أن يحتاط فيه، وقال مالك - رحمه الله - إن كان عن شهوة يجب، وإلا فلا فالشافعي - رحمه الله - استدل بقوله تعالى {، أو لامستم النساء} [النساء: 43] ، وحقيقة المس باليد قال الله تعالى {فلمسوه بأيديهم} [الأنعام: 7] ، ولا يعارض القراءة.
(ألا ترى) قوله {أو لامستم} [النساء: 43] فأكثر ما في الباب أن يثبت أن المراد بتلك القراءة الجماع
فيعمل بهما جميعا، والمعنى ما ذكرنا أن التقبيل، والمس سبب لاستطلاق وكاء المذي فيقام مقام خروج المذي حقيقة في إيجاب الوضوء أخذا بالاحتياط في باب العبادة كما فعله أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - في المباشرة الفاحشة.
(ولنا) حديث عائشة، وأم سلمة - رضي الله تعالى عنهما - «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل بعض نسائه، ثم صلى، ولم يتوضأ»، وعن عمر - رضي الله تعالى عنه - أنه انصرف يوما من صلاته فلما فرغ الناس رأوه يصلي في آخر الصفوف فقال إني توضأت فمرت بي جاريتي رومية فقبلتها فلما افتتحت الصلاة، وجدت مذيا فقلت أمضي في صلاتي حياء منكم قلت لأن أراقب الله تعالى خير لي من أن أراقبكم فانصرفت، وتوضأت فهذا دليل رجوع عمر - رضي الله تعالى عنه -؛ لأنه افتتح الصلاة بعد التقبيل حتى إذا أحس بالمذي انصرف، وتوضأ، ولأن عين المس ليس بحدث بدليل مس ذوات المحارم فبقي الحدث ما يخرج عند المس، وذلك ظاهر يوقف عليه فلا حاجة إلى إقامة السبب الظاهر مقامه، وأما الآية فقد قال ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - المراد بالمس الجماع إلا أن الله تعالى حيي يكني بالحسن عن القبيح كما كنى بالمس عن الجماع، وهو نظير قوله تعالى {، وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} [البقرة: 237] ، والمراد الجماع، وهذا؛ لأنه لو حمل على الجماع كان ذكرا للحدث الكبرى بعد ذكر الحدث الصغرى بقوله تعالى {، أو جاء أحد منكم من الغائط} [النساء: 43] فأما إذا حمل على المس باليد كان تكرارا محضا.
قال (فإن باشرها، وليس بينهما ثوب فانتشر لها فعليه الوضوء) عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله تعالى - استحسانا، وقال محمد - رحمه الله تعالى - لا وضوء عليه، وهو القياس لقول ابن عباس - رضي الله عنهما - الوضوء مما خرج، وقد تيقن أنه لم يخرج منه شيء فهو كالتقبيل، ووجه قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله تعالى - أن الغالب من حال من بلغ في المباشرة هذا المبلغ خروج المذي منه حقيقة فيجعل كالممذي بناء للحكم على الغالب دون النادر كمن نام مضطجعا انتقض وضوءه، وإن تيقن بأنه لم يخرج منه شيء، وكذلك من عدم الماء في المصر لا يجزئه التيمم بناء على الغالب أن الماء في المصر لا يعدم، وفسر الحسن عن أبي حنيفة - رحمهما الله تعالى - المباشرة الفاحشة بأن يعانقها، وهما متجردان، ويمس ظاهر فرجه ظاهر فرجها.
قال (وإذا التقى الختانان، وغابت الحشفة، وجب الغسل أنزل، أو لم ينزل) ، وهو قول المهاجرين عمر وعلي وابن مسعود - رضي الله تعالى عنهم - فأما الأنصار كأبي سعيد وحذيفة، وزيد بن ثابت الأنصاري - رضي الله تعالى عنهم - قالوا
لا يجب الاغتسال بالإكسال ما لم ينزل، وبه أخذ سليمان الأعمش - رضي الله تعالى عنه - لظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم - «إنما الماء من الماء».
(ولنا) حديث شاذ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «إذا التقى الختانان وجب الغسل أنزل، أو لم ينزل»، وهو قول المهاجرين عمر وعلي وابن مسعود والأصح «أن عمر - رضي الله تعالى عنه - لم يسوغ للأنصار هذا الاجتهاد حتى قال لزيد أي عدو نفسك ما هذه الفتوى التي تقشعت عنك فقال سمعت عمومتي من الأنصار يقلن ذلك فجمعهن عمر، وسألهن فقلن كنا نفعل ذلك على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا نغتسل فقال عمر، أو كان يعلم به رسول الله؟ - صلى الله عليه وسلم - فقلن: لا، فقال: ليس بشيء، وبعث إلى عائشة - رضي الله تعالى عنها - فسألها فقالت فعلت ذلك مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاغتسلنا فقال عمر - رضي الله تعالى عنه - لزيد لئن عدت إلى هذا لأذيتك»، والمعنى أن هذا الفعل سبب لاستطلاق وكاء المني عادة فقام مقام خروج المني احتياطا؛ لأنه مغيب عن بصره فربما لم يقف عليه لما خرج لقلته فالموضع موضع الاحتياط من هذا الوجه.
قال (ولا يجب الغسل بالجماع فيما دون الفرج ما لم ينزل) ؛ لأن ما دون الفرج ليس نظير الفرج في استطلاق وكاء المني بمسه.
والدليل عليه حكم الحد، وإليه أشار علي - رضي الله تعالى عنه - في الإكسال فقال يوجب فيه الحد، ولا يوجب فيه صاعا من ماء.
قال (ومن احتلم، ولم ير شيئا فلا غسل عليه) ؛ لأنه تفكر في النوم فهو كالتفكر في اليقظة إذا لم يتصل به الإنزال (قال) فإن علم أنه لم يحتلم، ولكنه استيقظ فوجد على فخذه، أو فراشه مذيا فعليه الغسل عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - احتياطا (وقال) أبو يوسف لا غسل عليه؛ لأنه بات طاهرا بيقين فلا يصبح جنبا بالشك
، وخروج المذي يوجب الوضوء دون الاغتسال.، وحجتهما في ذلك ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «من أصبح فوجد ماء، ولم يتذكر شيئا فليغتسل، ومن احتلم، ثم أصبح على جفاف فلا غسل عليه»، ولسنا نوجب الاغتسال بخروج المذي إنما نوجبه بخروج المني، ولكن من طبع المني أن يرق بإصابة الهواء فالظاهر أن هذا الخارج كان منيا قد رق قبل أن يستيقظ، ومراد محمد - رحمه الله تعالى - من قوله فوجد مذيا ما يكون صورته صورة المذي لا حقيقة المذي.
ثم إن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - في هذه المسألة، ومسألة المباشرة الفاحشة، ومسألة الفأرة المنتفخة أخذ بالاحتياط وأبو يوسف - رحمه الله تعالى - وافقه في الاحتياط في مسألة المباشرة
لوجود فعل من جهته هو سبب خروج المذي، وخالفه في الفصلين الآخرين لانعدام الفعل منه ومحمد - رحمه الله - وافقه في الاحتياط في مسألة النائم؛ لأنه غافل عن نفسه فلا يحس بما يخرج منه فكان الموضع موضع الاحتياط بخلاف الفصلين الآخرين فإن المباشر ليس بغافل عن نفسه فيحس بما يخرج منه.
قال (، والمرأة كالرجل في الاحتلام) لحديث «أم سليم حين سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المرأة ترى في منامها مثل ما يرى الرجل فقال إن كان منها مثل ما يكون من الرجل فلتغتسل»، وروي عن محمد - رحمه الله تعالى - أن المرأة إذا تذكرت الاحتلام، والتلذذ، ولم تر شيئا فعليها الغسل؛ لأن منيها يتدفق في رحمها فلا يظهر، وهو ضعيف فإن وجوب الغسل متعلق بخروج المني، والمني يخرج منها عند المواقعة كما يخرج من الرجل.
قال (وإذا احتلمت المرأة، ثم أدركها الحيض فإن شاءت اغتسلت، وإن شاءت أخرت حتى تطهر من الحيض) ؛ لأن الاغتسال للتطهير حتى تتمكن به من أداء الصلاة، وهذا لا يتحقق من الحائض قبل انقطاع الدم، وإن شاءت اغتسلت؛ لأن استعمال الماء يعين على درور الدم (وكان مالك) - رحمه الله تعالى - يقول عليها أن تغتسل بناء على أصله أن الجنب ممنوع عن قراءة القرآن، والحائض لا تمنع.
قال (وإذا عرق الجنب، أو الحائض في ثوب لم يضره) لما روي «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر الحائض من نسائه بالاتزار، ثم كان يعانقها طول الليل، والحر حر الحجاز فكانا يعرقان لا محالة، ولم يتحرز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عرقها»، ولأنه ليس على بدن الإنسان الجنب، والحائض نجاسة عينية فهو وأعضاء المحدث سواء.
قال (وإذا وقعت الجيفة، أو النجاسة في الحوض فإن كان صغيرا فهو قياس الأواني والجباب يتنجس، والأصل فيه الحديث «يغسل الإناء من ولوغ الكلب سبعا»، وإن كان الحوض كبيرا فهو قياس البحر لا يتنجس) لقوله - صلى الله عليه وسلم - في البحر «هو الطهور ماؤه، والحل ميتته».
والفصل بين الصغير، والكبير يعرف بالخلوص فإذا كان بحال لو ألقى فيه الصبغ يظهر أثره في الجانب الآخر فهو صغير؛ لأنا علمنا أن النجاسة تخلص إلى الجانب الآخر كما خلص اللون هكذا حكي عن الشيخ الإمام أبي حفص الكبير - رحمه الله تعالى -، والمذهب الظاهر في تفسير الخلوص أنه إذا كان بحال لو حرك جانب منه يتحرك الجانب الآخر فهو صغير، وإن كان لا يتحرك الجانب الآخر فهو كبير.
وصفة التحريك المروي فيه عن أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - أنه اعتبر تحريك المتوضئ وأبو يوسف - رحمه الله - اعتبر تحريك
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 39.89 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 39.26 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.57%)]