عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 12-02-2025, 09:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,033
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب المبسوط فى الفقه الحنفى محمد بن أحمد السرخسي


الكتاب: المبسوط فى الفقه الحنفى
المؤلف: محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي
(ت ٤٨٣ هـ)
عدد الأجزاء: ٣١ (الأخير فهارس)
المجلد الاول
صـــ 31 الى صـــ 40
(4)






كما ظنوا، فإن الواو لا توجب الترتيب، ومن سلم على جماعة لا يمكنه أن يرتب بالنية فيقدم الرجال على الصبيان ولكن مراده تعميم الفريقين بالنية وأكثر مشايخنا على أنه يخص بهذه النية من يشاركه في الصلاة من الرجال والنساء، فأما الحاكم الشهيد - رحمه الله - فكان يقول ينوي جميع الرجال والنساء من يشاركه، ومن لا يشاركه وهذا عندنا في سلام التشهد قال النبي - صلى الله عليه وسلم: «إذا قال العبد السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أصاب كل عبد صالح من أهل السماء والأرض»، فأما في سلام التحليل فيخاطب من بحضرته فيخصه بالنية والمقتدي ينوي كذلك فكان ابن سيرين يقول المقتدي يسلم ثلاث تسليمات إحداهن لرد سلام الإمام وهذا ضعيف، فإن مقصود الرد حاصل بالتسليمتين إذ لا فرق في الجواب بين أن يقول عليكم السلام وبين قوله السلام عليكم، فإن كان الإمام في الجانب الأيمن نواه فيهم، وإن كان في الجانب الأيسر نواه فيهم، وإن كان بحذائه نواه في الأولى عند أبي يوسف؛ لأنه لما استوى الجانبان في حقه ترجح الجانب الأيمن وقال محمد ينويه في التسليمتين؛ لأن له حظا من الجانبين.
[مكروهات الصلاة]
قال: (ويكره في الصلاة تغطية الفم) لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم: «نهى أن يغطي المصلي فاه»، ولأنه إن غطاه بيده فقد قال كفوا أيديكم في الصلاة، وإن غطاه بثوب فقد نهى عن التلثم في الصلاة، وفيه تشبه بالمجوس في عبادتهم النار.
قال: (ويكره أن يصلي، وهو معتجر) : «لنهي الرسول - عليه الصلاة والسلام - عن الاعتجار في الصلاة»، وتفسيره أن يشد العمامة حول رأسه ويبدي هامته مكشوفا كما يفعله الشطار وقيل أن يشد بعض العمامة على رأسه وبعضها على بدنه وعن محمد قال لا يكون الاعتجار إلا مع تنقب، وهو أن يلف بعض العمامة على رأسه وطرفا منه يجعله شبه المعجر للنساء، وهو أن يلفه حول وجهه.
قال: (ويكره أن يصلي، وهو عاقص) لحديث أبي رافع - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم: «نهى أن يصلي الرجل ورأسه معقوص»، وإن الحسن بن علي - رضي الله عنهما - كان يصلي، وهو عاقص شعره فقام أبو هريرة - رضي الله عنه - إلى جنبه فحله فنظر إليه شبه المغضب فقال أقبل على صلاتك يا ابن بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ينهانا عن هذا.
والعقص في اللغة الإحكام في الشد حتى قيل في تفسيره أن يجمع شعره على هامته ويشده بخيط أو بخرقة أو بصمغ ليتلبد وقيل أن يلف ذوائبه حول رأسه كما يفعله النساء في بعض أحوالهن.
قال: (ويضع ركبتيه على الأرض قبل يديه إذا انحط للسجود) وقال
ابن سيرين يضع يديه قبل ركبتيه لحديث أبي حميد أن النبي - صلى الله عليه وسلم: «كان يضع يديه قبل ركبتيه»،.
ولنا حديث وائل بن حجر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم: «كان يضع يديه قبل ركبتيه». وروى الأعرج عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم: «نهى أن يبرك المصلي بروك الإبل وقال ليضع ركبتيه قبل يديه»، يعني أن الإبل في بروكها تبدأ باليد فينبغي أن يبدأ المصلي بالرجل ولأنه يضع أولا ما كان أقرب إلى الأرض فيضع ركبتيه، ثم يديه، ثم وجهه، وفي الرفع يرفع أولا ما كان أبعد عن الأرض فيرفع وجهه، ثم يديه، ثم ركبتيه.
قال: (ويخفي الإمام التعوذ والتسمية والتشهد وآمين وربنا لك الحمد) أما التعوذ والتسمية فقد بينا والتشهد كذلك، فإنه لم ينقل الجهر بالتشهد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والناس توارثوا الإخفاء بالتشهد من لدن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا، والتوارث كالتواتر. وأما قوله: "اللهم ربنا لك الحمد" فقد طعنوا فيه وقالوا من مذهب أبي حنيفة أن الإمام لا يقولها أصلا فكيف يستقيم جوابه أنه يخفي بها ولكنا نقول عرف أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - أن بعض الأئمة لا يأخذون بقوله لحرمة قول علي وابن مسعود - رضي الله تعالى عنهما - ففرع على قولهما أنه يخفي بها إذا كان يقولها كما فرع مسائل المزارعة على قول من يرى جوازها، فأما "آمين" فالإمام يقولها بعد الفراغ من الفاتحة إلا على قول مالك - رحمه الله -، وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - لقوله - صلى الله عليه وسلم: «إذا قال الإمام ولا الضالين فقولوا آمين»، والقسمة تقتضي أن الإمام لا يقولها.
ولنا قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إذا أمن الإمام فأمنوا، فإن الملائكة تؤمن فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه»، وفي الحديث الذي رووا زيادة، فإنه قال: «فقولوا آمين»، فإن الإمام يقولها وهذا اللفظ دليل على أن الإمام لا يجهر بها، وهو قول علمائنا ومذهب علي وابن مسعود - رضي الله تعالى عنهما -. وقال الشافعي - رضي الله تعالى عنه - يجهر بها، وهو قول ابن الزبير وأبي هريرة، واستدل بحديث وائل بن حجر أن النبي - صلى الله عليه وسلم: «كان إذا فرغ من الفاتحة في الصلاة قال آمين ومد بها صوته»، ولكنا نستدل بحديث ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم: «قال في صلاته آمين وخفض بها صوته»، وتأويل حديثهم أنه قال اتفاقا لا قصدا أو كان لتعليم الناس أن الإمام يؤمن كما يؤمن القوم، فإنه دعاء، فإن معناه على ما قال الحسن اللهم أجب، وفي قوله تعالى: قد أجيبت
دعوتكما [يونس: 89] ما يدل عليه، فإن موسى - عليه السلام - كان يدعو وهارون كان يؤمن.
والإخفاء في الدعاء أولى قال الله - تعالى: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية} [الأعراف: 55] وقال - عليه الصلاة والسلام: «خير الدعاء الخفي وخير الرزق ما يكفي»، وفي التأمين لغتان أمين بالقصر وآمين بالمد والمد يدل على ياء النداء معناه يا آمين كما يقال في الكلام أزيد يعني يا زيد.
وما كان من النفخ غير مسموع فهو تنفس لا بد للحي منه، فلا يفسد الصلاة، وإن كان مسموعا أفسدها في قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - ولم يفسدها في قول أبي يوسف إلا أن يريد به التأفيف، ثم رجع وقال صلاته تامة، وإن أراد به التأفيف، واستدل بما روي: «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في صلاة الكسوف أف أف ألم تعدني أنك لا تعذبهم وأنا فيهم»، ولأن هذا تنفس وليس بكلام فالكلام ما يجري في مخاطبات الناس وله معنى مفهوم ولهذا قال في قوله الأول إذا أراد به التأفيف، وهو في اللغة أفف يؤفف تأفيفا كان قطعا، ثم رجع فقال عينه ليس بكلام فلو بطلت صلاته إنما تبطل بمجرد النية وذلك لا يجوز وقاسه بالتنحنح والعطاس، فإنه لا يكون قطعا، وإن سمع فيه حروف مهجاة، وهو أصوب.
(ولنا) حديث ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما: «أن النبي - عليه الصلاة والسلام - مر بمولى له يقال له رباح، وهو ينفخ التراب من موضع سجوده فقال: أما علمت أن من نفخ في صلاته فقد تكلم»، ولأن قوله "أف" من جنس كلام الناس؛ لأنه حروف مهجاة وله معنى مفهوم يذكر لمقصود قال الله - تعالى: {فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما} [الإسراء: 23] فجعله من القول والقائل يقول
أفا وتفا لمن مودته ... إن غبت عنه سويعة زالت
وإن مالت الريح هكذا وكذا ... مال مع الريح أينما مالت.
والكلام مفسد للصلاة بخلاف التنحنح، فإنه لإصلاح الحلق ليتمكن به من القراءة. والعطاس مما لا يمكنه الامتناع منه فكان عفوا بخلاف التأفيف، فإنه بمنزلة ما لو قال في الصلاة هر ونحوه وتأويل حديث الكسوف أنه كان في وقت كان الكلام في الصلاة مباحا، ثم انتسخ.
ولا بأس بأن يصلي الرجل في ثوب واحد متوشحا به لما روي في حديث أم هانئ - رضي الله تعالى عنها: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى يوم الفتح ثمان ركعات في ثوب واحد متوشحا به»، وسأل ثوبان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة في ثوب واحد: «فقال يا ثوبان أولكلكم ثوبان أو قال أوكلكم يجد ثوبين».
(وصفة) التوشح أن يفعل بالثوب ما يفعله القصار في المقصرة
إذا لف الكرباس على نفسه، جاء في الحديث: «إذا كان ثوبك واسعا فاتشح به، وإن كان ضيقا فاتزر به»، وإنما يجوز هذا إذا كان الثوب صفيقا يحصل به ستر العورة، وإن كان رقيقا يصف ما تحته لا يحصل به ستر العورة، فلا تجوز صلاته وكذلك الصلاة في قميص واحد.
(وذكر) ابن شجاع - رحمه الله تعالى - أنه إن لم يزره ينظر إن كان بحيث يقع بصره على عورته في الركوع والسجود لا تجوز صلاته، وإن كان ملتحفا لا يقع بصره على عورته تجوز صلاته والحاصل أنه تكره الصلاة في إزار واحد لحديث: «نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يصلي الرجل في ثوب واحد ليس على عاتقه منه شيء»، وسأل رجل ابن عمر - رضي الله عنهما - عن الصلاة في ثوب واحد فقال أرأيت لو أرسلتك في حاجة كنت منطلقا في ثوب واحد؟ فقال: لا. فقال: الله أحق أن تتزين له. وروى الحسن عن أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - أن الصلاة في إزار واحد فعل أهل الجفاء، وفي ثوب واحد متوشحا به أبعد عن الجفاء، وفي إزار ورداء من أخلاق الكرام.
(ويكره للمصلي أن يرفع ثيابه أو يكفها أو يرفع شعره) لحديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال النبي - صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء وأن لا أكف ثوبا ولا شعرا»: وقال «إذا طول أحدكم شعره فليدعه يسجد معه»، قال ابن مسعود - رضي الله عنه - له أجر بكل شعرة، ثم كفه الثوب والشعر لكي لا يتترب نوع تجبر ويكره للمصلي ما هو من أخلاق الجبابرة.
ويسجد على جبهته وأنفه واظب على هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفيه تمام السجود، فإن سجد على الجبهة دون الأنف جاز عندنا وعند الشافعي لا يجوز، وإن سجد على الأنف دون الجبهة جاز عند أبي حنيفة - رحمه الله - ويكره ولم يجز عند أبي يوسف ومحمد - رحمة الله عليهما - وهو رواية أسيد بن عمرو عن أبي حنيفة - رحمه الله -. أما الشافعي استدل بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من لم يمس أنفه الأرض في سجوده كما يمس جبهته، فلا سجود له»، والمراد بهذا عندنا نفي الكمال لا نفي الجواز.
واستدل أبو يوسف ومحمد - رحمة الله عليهما - بقول النبي - صلى الله عليه وسلم: «السجود على الجبهة فريضة وعلى الأنف تطوع» فإذا ترك ما هو الفرض لا يجزئه، ثم الأنف تبع للجبهة في السجود كما أن الأذن تبع للرأس في المسح، ولو اكتفى بمسح الأذن عن مسح الرأس لا يجزئه فهذا مثله وأبو حنيفة احتج بقول ابن عمر - رضي الله عنه: فإن زيد بن ركانة كان يصلي وعليه برنس فكان إذا سجد سقط على جبهته فناداه ابن عمر
رضي الله عنهما - إذا أمسست أنفك الأرض أجزأك، ولأن المأمور به السجود على الوجه كما فسر الأعضاء السبعة في الحديث المعروف الوجه واليدان والركبتان والقدمان. ووسط الوجه الأنف فبالسجود عليه يكون ممتثلا للأمر، وهو أحد أطراف الجبهة، فإن عظم الجبهة مثلث والسجود على أحد أطرافه كالسجود على الطرف الآخر، ولأن الأنف مسجد حتى إذا كان بجبهته عذر يلزمه السجود على الأنف وما ليس بمسجد لا يصير مسجدا بالعذر في المسجد كالخد والذقن، وإذا ثبت أنه مسجد فبالسجود عليه يحصل امتثال الأمر وقال الله - تعالى: {يخرون للأذقان سجدا} [الإسراء: 107] والمراد ما يقرب من الذقن، والأنف أقرب إلى الذقن من الجبهة، فهو أولى بأن يكون مسجدا، والله أعلم.
[باب افتتاح الصلاة]
قال: (وإذا انتهى الرجل إلى الإمام، وقد سبقه بركعتين، وهو قاعد - يكبر تكبيرة الافتتاح ليدخل بها في صلاته، ثم كبر أخرى ويقعد بها) ؛ لأنه التزم متابعة الإمام، وهو قاعد والانتقال من القيام إلى القعود يكون بالتكبيرة، والحاصل أنه يبدأ بما أدرك مع الإمام لقوله - صلى الله عليه وسلم: «إذا أتيتم الصلاة فأتوها وأنتم تمشون ولا تأتوها وأنتم تسعون، عليكم بالسكينة والوقار ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا»، وكان الحكم في الابتداء أن المسبوق يبدأ بقضاء ما فاته حتى أن معاذا - رضي الله عنه - جاء يوما، وقد سبقه النبي - صلى الله عليه وسلم - ببعض الصلاة فتابعه فيما بقي، ثم قضى ما فاته فقال - عليه الصلاة والسلام: «ما حملك على ما صنعت يا معاذ؟ فقال: وجدتك على حال فكرهت أن أخالفك عليه فقال - عليه الصلاة والسلام - سن لكم معاذ سنة حسنة فاستنوا بها»، ثم لا خلاف أن المسبوق يتابع الإمام في التشهد ولا يقوم للقضاء حتى يسلم الإمام وتكلموا أن بعد الفراغ من التشهد ماذا يصنع؟ فكان ابن شجاع - رحمه الله - يقول يكرر التشهد وأبو بكر الرازي يقول يسكت؛ لأن الدعاء مؤخر إلى آخر الصلاة والأصح أنه يأتي بالدعاء متابعة للإمام؛ لأن المصلي إنما لا يشتغل بالدعاء في خلال الصلاة لما فيه من تأخير الأركان وهذا المعنى لا يوجد هنا؛ لأنه لا يمكنه أن يقوم قبل سلام الإمام.
ويجوز افتتاح الصلاة بالتسبيح والتهليل والتحميد في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله، وفي قول أبي يوسف - رحمه الله - إذا كان يحسن التكبير ويعلم أن الصلاة تفتتح بالتكبير لا يصير شارعا بغيره، وإن كان لا يحسنه أجزأه، وألفاظ التكبير عنده أربعة: الله أكبر، الله الأكبر،
الله الكبير، الله كبير. وعند الشافعي - رضي الله تعالى عنه - لا يصير شارعا إلا بلفظتي الله أكبر، الله الأكبر. وعند مالك - رحمه الله - لا يصير شارعا إلا بقوله الله أكبر، واستدل بقوله - صلى الله عليه وسلم: «لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه ويستقبل القبلة ويقول الله أكبر»، وبهذا احتج الشافعي ولكنه يقول الله الأكبر أبلغ في الثناء بإدخال الألف واللام فيه فهو أولى وأبو يوسف استدل بقوله - صلى الله عليه وسلم: «وتحريمها التكبير»، فلا بد من لفظة التكبير، وفي العبادات البدنية يعتبر المنصوص عليه ولا يشتغل بالتعليل حتى لا يقام السجود على الخد والذقن مقام السجود على الجبهة والأنف والأذان لا ينادى بغير لفظ التكبير فالتحريم للصلاة أولى وأبو حنيفة - رحمه الله - ومحمد - رحمه الله - استدلا بحديث مجاهد - رضي الله عنه - قال: «كان الأنبياء - صلوات الله عليهم - يفتتحون الصلاة بلا إله إلا الله»، ولأن الركن ذكر الله - تعالى - على سبيل التعظيم، وهو الثابت بالنص قال الله - تعالى: {وذكر اسم ربه فصلى} [الأعلى: 15] ، وإذا قال الله أعظم أو الله أجل فقد وجد ما هو الركن، فأما لفظ التكبير وردت به الأخبار فيوجب العمل به حتى يكره افتتاح الصلاة بغيره لمن يحسنه ولكن الركن ما هو الثابت بالنص، ثم من قال الرحمن أكبر فقد أتى بالتكبير قال الله تعالى: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن} [الإسراء: 110] الآية. والتكبير بمعنى التعظيم قال الله تعالى: {فلما رأينه أكبرنه} [يوسف: 31] أي عظمنه: {وربك فكبر} [المدثر: 3] أي فعظم والتعظيم حصل بقوله الله أعظم.
(فأما) الأذان فالمقصود منه الإعلام وبتغيير اللفظ يفوت ما هو المقصود، فإن الناس لا يعلمون أنه أذان، فإن قال الله لا يصير شارعا بهذا اللفظ عند محمد - رحمه الله -؛ لأن تمام التعظيم بذكر الاسم والصفة وعند أبي حنيفة - رحمه الله - يصير شارعا؛ لأن في هذا الاسم معنى التعظيم، فإنه مشتق من التأله، وهو التحير، وإن قال اللهم اغفر لي لا يصير شارعا؛ لأن هذا سؤال والسؤال غير الذكر «قال - عليه الصلاة والسلام - فيما يؤثر عن ربه - عز وجل - من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين»، فإن قال اللهم فالبصريون من أهل النحو قالوا الميم بدل عن ياء النداء فهو كقولك يا الله فيصير شارعا عند أبي حنيفة والكوفيون قالوا الميم بمعنى السؤال أي يا الله آمنا بخير، فلا يصير شارعا به.
ولو كبر بالفارسية جاز عند أبي حنيفة - رحمه الله - بناء على أصله أن المقصود هو الذكر وذلك حاصل بكل لسان
ولا يجوز عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله إلا أن لا يحسن العربية فأبو يوسف - رحمه الله تعالى - مر على أصله في مراعاة المنصوص عليه ومحمد فرق فقال للعربية من الفضيلة
ما ليس لغيرها من الألسنة فإذا عبر إلى لفظ آخر من العربية جاز، وإذا عبر إلى الفارسية لا يجوز.
وأصل هذه المسألة إذا قرأ في صلاته بالفارسية جاز عند أبي حنيفة - رحمه الله - ويكره، وعندهما لا يجوز إذا كان يحسن العربية، وإذا كان لا يحسنها يجوز وعند الشافعي - رضي الله عنه - لا تجوز القراءة بالفارسية بحال ولكنه إن كان لا يحسن العربية، وهو أمي يصلي بغير قراءة.
وكذلك الخلاف فيما إذا تشهد بالفارسية أو خطب الإمام يوم الجمعة بالفارسية فالشافعي - رحمه الله - يقول إن الفارسية غير القرآن قال الله - تعالى: {إنا جعلناه قرآنا عربيا} [الزخرف: 3] وقال الله - تعالى: {ولو جعلناه قرآنا أعجميا} [فصلت: 44] الآية فالواجب قراءة القرآن، فلا يتأدى بغيره بالفارسية، والفارسية من كلام الناس فتفسد الصلاة وأبو يوسف ومحمد رحمهما الله قالا القرآن معجز والإعجاز في النظم والمعنى فإذا قدر عليهما، فلا يتأدى الواجب إلا بهما، وإذا عجز عن النظم أتى بما قدر عليه كمن عجز عن الركوع والسجود يصلي بالإيماء وأبو حنيفة - رحمه الله - استدل بما روي أن الفرس كتبوا إلى سلمان - رضي الله عنه - أن يكتب لهم الفاتحة بالفارسية فكانوا يقرءون ذلك في الصلاة حتى لانت ألسنتهم للعربية، ثم الواجب عليه قراءة المعجز والإعجاز في المعنى، فإن القرآن حجة على الناس كافة وعجز الفرس عن الإتيان بمثله إنما يظهر بلسانهم والقرآن كلام الله - تعالى - غير مخلوق ولا محدث واللغات كلها محدثة فعرفنا أنه لا يجوز أن يقال إنه قرآن بلسان مخصوص، كيف وقد قال الله تعالى: {وإنه لفي زبر الأولين} [الشعراء: 196] وقد كان بلسانهم.
ولو آمن بالفارسية كان مؤمنا وكذلك لو سمى عند الذبح بالفارسية أو لبى بالفارسية فكذلك إذا كبر وقرأ بالفارسية.
(وروى الحسن) عن أبي حنيفة رحمهما الله أنه إذا أذن بالفارسية والناس يعلمون أنه أذان جاز، وإن كانوا لا يعلمون ذلك لم يجز لأن المقصود الإعلام ولم يحصل به، ثم عند أبي حنيفة - رحمه الله - إنما يجوز إذا قرأ بالفارسية إذا كان يتيقن بأنه معنى العربية.
فأما إذا صلى بتفسير القرآن لا يجوز؛ لأنه غير مقطوع به.
إذا افتتح الصلاة قبل الإمام، ثم كبر الإمام فصلى الرجل بصلاته لا يجزئه لقوله - عليه الصلاة والسلام: «إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه»، والائتمام لا يتحقق إذا لم يكبر الإمام.
وقد اختلف عليه حين كبر قبله، فلا يجزئه إلا أن يجدد التكبير بعد تكبير الإمام بنية الدخول في صلاته وحينئذ يصير قاطعا لما كان فيه شارعا في صلاة الإمام والتكبيرة الواحدة تعمل هذين العملين كمن كان في النافلة فكبر ينوي الفريضة.
ومن غير هذا
الباب إذا باع بألف ثم جدد بيعا بألفين كان فسخا للأول وانعقاد عقد آخر وأشار في الكتاب إلى أنه قبل تكبير الإمام يصير شارعا في الصلاة؛ لأنه قال تكبيرة الثاني قطع لما كان فيه فقيل تأويله إن لم يكن نوى الاقتداء وقيل إن نوى الاقتداء صار شارعا في صلاة نفسه.
وهو قول أبي يوسف - رحمه الله - وعند محمد - رحمه الله - لا يصير شارعا في الصلاة بناء على أصل، وهو أن الجهة إذا فسدت يبقى أصل الصلاة عند أبي يوسف - رحمه الله - وعند محمد لا يبقى وعن أبي حنيفة - رحمه الله - فيه روايتان يأتي بيانه في موضعه، ثم الأفضل عند أبي حنيفة أن يكبر المقتدي مع الإمام؛ لأنه شريكه في الصلاة وحقيقة المشاركة في المقارنة وعندهما الأفضل أن يكبر بعد تكبيرة الإمام؛ لأنه تبع للإمام وظاهر قوله - عليه الصلاة والسلام: «إذا كبر الإمام فكبروا»، يشهد لهذا وكذلك سائر الأفعال.
وفي التسليم روايتان عن أبي حنيفة - رحمه الله: إحداهما: أنه يسلم بعد الإمام ليكون تحلله بعد تحلل الإمام. والأخرى: أنه يسلم مع الإمام كسائر الأفعال، وإذا سلم الإمام ففي الفجر والعصر يقعد في مكانه ليشتغل بالدعاء؛ لأنه لا تطوع بعدهما ولكنه ينبغي أن يستقبل القوم بوجهه ولا يجلس كما هو مستقبل القبلة، وإن كان خير المجالس ما استقبلت به القبلة للأثر المروي: «جلوس الإمام في مصلاه بعد الفراغ مستقبل القبلة بدعة» «وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى الفجر استقبل أصحابه بوجهه وقال هل رأى أحد منكم رؤيا فيه بشرى بفتح مكة»، ولأنه يفتتن الداخل بجلوسه مستقبل القبلة؛ لأنه يظنه في الصلاة فيقتدي به، وإنما يستقبلهم بوجهه إذا لم يكن بحذائه مسبوق يصلي، فإن كان فلينحرف يمنة أو يسرة؛ لأن استقبال المصلي بوجهه مكروه، لحديث عمر - رضي الله تعالى عنه - فإنه رأى رجلا يصلي إلى وجه رجل فعلاهما بالدرة وقال للمصلي أتستقبل الصورة؟ وقال للآخر أتستقبل المصلي بوجهك؟
فأما في صلاة الظهر والعشاء والمغرب يكره له المكث قاعدا؛ لأنه مندوب إلى التنفل بعد هذه الصلوات، والسنن لجبر نقصان ما يمكن في الفرائض فيشتغل بها وكراهية القعود في مكانه مروي عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عمر - رضي الله تعالى عنهم - ولا يشتغل بالتطوع في مكان الفريضة للحديث المروي: «أيعجز أحدكم إذا صلى أن يتقدم أو يتأخر بسبحته أي بنافلته»، ولأنه يفتن به الداخل أي يظنه في الفريضة فيقتدي به ولكنه يتحول إلى مكان آخر للتطوع استكثارا من شهوده، فإن مكان المصلي يشهد له يوم القيامة والأولى أن يتقدم المقتدي ويتأخر الإمام ليكون حالهما في التطوع
خلاف حالهما في الفريضة، فإن كان الإمام مع القوم في المسجد، فإني أحب لهم أن يقوموا في الصف إذا قال المؤذن حي على الفلاح، فإذا قال قد قامت الصلاة كبر الإمام والقوم جميعا في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله، وإن أخروا التكبير حتى يفرغ المؤذن من الإقامة جاز وقال أبو يوسف - رحمه الله - لا يكبر حتى يفرغ المؤذن من الإقامة وقال زفر إذا قال المؤذن مرة قد قامت الصلاة قاموا في الصف، وإذا قال ثانيا كبروا وقال: لأن الإقامة تباين الأذان بهاتين الكلمتين فتقام الصلاة عندها وأبو يوسف، احتج بحديث عمر - رضي الله تعالى عنه - فإنه بعد فراغ المؤذن من الإقامة كان يقوم في المحراب ويبعث رجالا يمنة ويسرة ليسووا الصفوف فإذا نادوا استوت كبر ولأنه لو كبر الإمام قبل فراغ المؤذن من الإقامة فات المؤذن تكبيرة الافتتاح فيؤدي إلى تقليل رغائب الناس في هذه الأمانة، وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله استدلا بحديث بلال حيث قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم: «مهما سبقتني بالتكبير، فلا تسبقني بالتأمين».
فدل على أنه كان يكبر بعد فراغه من الإقامة ولأن المؤذن بقوله قد قامت الصلاة يخبر بأن الصلاة قد أقيمت، وهو أمين فإذا لم يكبر كان كاذبا في هذا الإخبار فينبغي أن يحققوا خبره بفعلهم لتحقق أمانته وهذا إذا كان المؤذن غير الإمام، فإن كان هو الإمام لم يقوموا حتى يفرغ من الإقامة؛ لأنهم تبع للإمام وإمامهم الآن قائم للإقامة لا للصلاة وكذلك بعد فراغه من الإقامة ما لم يدخل المسجد لا يقومون فإذا اختلط بالصفوف قام كل صف جاوزهم حتى ينتهي إلى المحراب وكذلك إذا لم يكن الإمام معهم في المسجد يكره لهم أن يقوموا في الصف حتى يدخل الإمام لقوله - عليه الصلاة والسلام: «لا تقوموا في الصف حتى تروني خرجت»، وإن عليا - رضي الله تعالى عنه - دخل المسجد فرأى الناس قياما ينتظرونه فقال مالي أراكم سامدين أي واقفين متحيرين.
ومن تثاءب في الصلاة ينبغي له أن يغطي فاه لقوله - عليه الصلاة والسلام: «إذا تثاءب أحدكم في صلاته فليغط فاه، فإن الشيطان يدخل فيه»، أو قال فمه ولأن ترك تغطية الفم عند التثاؤب في المحادثة مع الناس تعد من سوء الأدب ففي مناجاة الرب أولى.
قال: (وأكره أن يكون الإمام على الدكان والقوم على الأرض) ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم: «نزل عن المنبر لصلاة الجمعة»، فلو لم يكره كون الإمام على الدكان لصلى على المنبر ليكون أشهر، وإن حذيفة - رضي الله تعالى عنه - عنه قام على دكان يصلي لأصحابه فجذبه سلمان حتى أنزله فلما فرغ قال: أما علمت أن أصحابك يكرهون
ذلك؟ قال فلهذا اتبعتك حين جذبتني، (وروي) «أن عمار بن ياسر - رضي الله تعالى عنه - قام بالمدائن على دكان يصلي بأصحابه فجذبه حذيفة - رضي الله تعالى عنه - فلما فرغ قال: أما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن هذا؟» قال لقد تذكرت ذلك حين جذبتني، وفي قيامه على الدكان تشبه باليهود وإظهار التكبر على القوم وذلك مكروه، فإن كان الإمام على الأرض والقوم على الدكان فذلك مكروه في رواية الأصل؛ لأن فيه استخفافا من القوم لأئمتهم، وفي رواية الطحاوي هذا لا يكره؛ لأنه مخالف لأهل الكتاب وكذلك إن كان مع الإمام بعض القوم لم يكره ولم يبين في الأصل حد ارتفاع الدكان (وذكر) الطحاوي أنه ما لم يجاوز القامة لا يكره؛ لأن القليل من الارتفاع عفو ففي الأرض هبوط وصعود، والكثير ليس بعفو فجعلنا الحد الفاصل أن يجاوز القامة؛ لأن القوم حينئذ يحتاجون إلى التكلف للنظر إلى الإمام وربما يشتبه عليهم حاله.
قال (ويجوز إمامة الأعمى والأعرابي والعبد وولد الزنا والفاسق. وغيرهم أحب إلي) والأصل فيه أن مكان الإمامة ميراث من النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإنه أول من تقدم للإمامة فيختار له من يكون أشبه به خلقا وخلقا، ثم هو مكان استنبط منه الخلافة، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما «أمر أبا بكر أن يصلي بالناس»، قالت الصحابة بعد موته إنه اختار أبا بكر لأمر دينكم فهو المختار لأمر دنياكم، فإنما يختار لهذا المكان من هو أعظم في الناس.
(وتكثير الجماعة مندوب إليه) قال - عليه الصلاة والسلام: «صلاة الرجل مع اثنين خير من صلاته وحده وصلاته مع الثلاثة خير من صلاته مع اثنين وكلما كثرت الجماعة فهو عند الله أفضل»، وفي تقديم المعظم تكثير الجماعة فكان أولى.
إذا ثبت هذا فنقول تقديم الفاسق للإمامة جائز عندنا ويكره وقال مالك - رضي الله تعالى عنه - عنه: لا تجوز الصلاة خلف الفاسق؛ لأنه لما ظهرت منه الخيانة في الأمور الدينية، فلا يؤتمن في أهم الأمور. ألا ترى أن الشرع أسقط شهادته لكونها أمانة؟،.
(ولنا) حديث مكحول أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الجهاد مع كل أمير والصلاة خلف كل إمام والصلاة على كل ميت»، وقال - صلى الله عليه وسلم: «صلوا خلف كل بر وفاجر»، ولأن الصحابة والتابعين كانوا لا يمنعون من الاقتداء بالحجاج في صلاة الجمعة وغيرها مع أنه كان أفسق أهل زمانه حتى قال الحسن - رحمه الله تعالى - لو جاء كل أمة بخبيثاتها ونحن جئنا بأبي محمد لغلبناهم، وإنما يكره لأن في تقديمه تقليل الجماعة وقلما يرغب الناس في الاقتداء به، وقال أبو يوسف: في

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 42.22 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 41.59 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.49%)]