عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 26-01-2025, 03:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,689
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة شرح الأربعين النووية

سلسلة شرح الأربعين النووية

عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت




سِلْسِلَةُ شَرح الأَربَعِينَ النَّوَويَّةِ

الحديث 20: ((إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ...))


عناصر الخطبة:
رواية الحديث.

المعنى الإجمالي للحديث.

المستفادات من الحديث والربط بالواقع.

الخطبةالأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله، فلا مضلَّ له، ومن يضلل، فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]؛ أما بعد:
فإن أصدقَ الحديث كتابُ الله، وأحسنَ الهَدْيِ هَدْيُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحْدَثاتُها، وكلَّ مُحْدَثَةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أعاذني الله وإياكم من النار.

عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تَسْتَحِ فاصنع ما شئت))[1].

عباد الله: هذا الحديث له أهمية عظيمة؛ لأنه من جوامع كَلِمِه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يدعو إلى خُلُق الحياء، الذي هو خلق الأنبياء، وهو خلق عظيم يبعث على ترك القبيح، والتحلي بالفضائل، وعدم التقصير في أداء الحقوق، والأمر هنا ليس للوجوب بمعنى: اصنع ما تريد من الشرور والآثام إذا لم تستحِ، ولكنه خرج مخرج التهديد والوعيد، بمعنى: إذا لم يكن عندك حياء، فاعمل ما شئت؛ فإنك معاقَب على صنيعك؛ كقوله تعالى: ﴿ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [فصلت: 40]، فليس المعنى: اعمل ما شئت، ولكن تهديد ووعيد.

وقد يقصد بالأمر هنا الإباحة؛ أي: إذا أردت فِعْلَ أمرٍ ولم تستحِ في فعله من الله ولا رسوله، ولا الناس، لجوازه؛ فافْعَلْه.

فما هي الفوائد التي نستفيدها من هذا الحديث؟

نستفيد من الحديث لواقعنا ما يلي:
1- إرث الأنبياء قبلنا يُستفاد منه: لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى...))، فاستدل النبي صلى الله عليه وسلم بما كانت عليه النبوة الأولى من أمر الحياء، فبقِيَ إلى قيام الساعة، ويعبِّر عنه العلماء بشرع مَن قبلنا، وينبغي أن يُعلَم أن ما ثبت في شريعة من الشرائع، فهو من شريعة الإسلام في أمور ثلاثة:
في العقائد: قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36]، فالدعوة إلى عبادة الله دعوةُ كلِّ الرسل، وهكذا في باقي المعتقدات.

في الأخلاق: قال صلى الله عليه وسلم: ((إنما بُعِثْتُ لأُتمِّمَ صالح الأخلاق))[2]، فالأخلاق الصالحة كالصدق والأمانة والحياء أمَرَ بها الأنبياء، وضدها الكذب والخيانة نهى عنها الأنبياء.

في الأخبار: كالإخبار عن الدَّجَّال؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((ما بُعِث نبيٌّ إلا أنذر أُمَّتَه الأعورَ الكذَّاب، ألَا إنه أعور، وإن ربَّكم ليس بأعورَ، وإن بين عينيه مكتوب كافر))[3]، أو إخبار الرسل بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم قبله، فعدمُ التصديق تكذيبٌ للأنبياء.

2- الحياء كله خير ومن الإيمان: قال صلى الله عليه وسلم: ((الحياء لا يأتي إلا بخير))[4]، وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: ((مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم على رجلٍ، وهو يعاتب أخاه في الحياء، يقول: إنك لَتستحيي، حتى كأنه يقول: قد أضرَّ بك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دَعْهُ؛ فإن الحياء من الإيمان))[5]، فمدح النبي صلى الله عليه وسلم خُلُقَ الحياء، الذي يجب أن يتحلَّى به الرجال والنساء على السواء؛ لأنه يمنع المرء من الوقوع في الآثام، وفي الحديث أن: ((الحياء شعبة من الإيمان))[6] ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أشدَّ حياءً من العذراء في خِدرْها))[7] ، وكان موسى عليه السلام ((رجلًا حَيِيًّا ستِّيرًا، لا يُرى من جِلْدِهِ شيءٌ استحياءً منه، فآذاه مَن آذاه من بني إسرائيل، فقالوا: ما يستتر هذا التستُّر، إلا من عَيبٍ بجلده))[8].

وقد يظن بعض الناس أن الحياء منافٍ للرجولة، وأنه من طِباع النساء، وهذا فهم خاطئ؛ لأن من استحيا من الناس أن يرَوه يأتي الفجور، ويرتكب المحارم؛ عن ثوبان، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((لَأعلَمَنَّ أقوامًا من أُمَّتي يأتون يوم القيامة بحسناتٍ أمثالِ جبال تِهامة بيضًا، فيجعلها الله عز وجل هباءً منثورًا، قال ثوبان: يا رسول الله، صِفْهم لنا، جلِّهم لنا؛ ألَّا نكون منهم، ونحن لا نعلم، قال: أمَا إنهم إخوانكم، ومن جِلدتِكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خَلَوا بمحارم الله انتهكوها))[9].

والمجتمع الذي ينتشر فيه الحياء تقِلُّ فيه الشرور والمعاصي؛ قال مجاهد: "إن المسلم لو لم يُصِب من أخيه إلا أن حياءه منه يمنعه من المعاصي، لكفاه"[10].

فاللهم ارزقنا خُلُقَ الحياء والستر، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم على عبده المصطفى وآله وصحبه، ومن لآثارهم اقتفى؛ أما بعد عباد الله:
فسؤال أخير:
3- هل استحيينا من الله حقَّ الحياء؟
هذا الذي يسمع المؤذن ينادي: حي على الصلاة، حي على الفلاح، فيُسارع لاستجابة المنادي، فاز بالخير، والمتخلِّف إذا لم تكن امرأةً أو صاحبَ عذرٍ مقبول، فلا حياء له، فليسارع إلى التوبة ولزوم الجماعة، أو الشروع في الصلاة، إن كان من التاركين لها.

وهذه التي تخرج مُتبرِّجة، أو تذهب إلى الشواطئ والمسابح المختلطة بلِباس السباحة – زعموا - فيطلع الناسُ على عورتها - امرأةٌ منزوعةُ الحياء.

والذي - أو التي - يُمسك الهاتف، أو أمام شاشة التلفاز، وينظر إلى ما حرم الله من النظر إليه، بعيدٌ عن الحياء، كبُعدِ السماء عن الأرض؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ [النور: 30، 31]؛ قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "من قلَّ حياؤه قلَّ وَرَعُه، ومن قل ورعه مات قلبه"[11].

والخلاصة: أن من قصَّر في حقٍّ من الحقوق، سواء كان حقًّا لله، أو حقًّا للعباد، أو حقًّا للحيوان، أو حقًّا للبيئة، أو غيرها من الحقوق، فقد أضاع حق الحياء، ويجب علينا أن نستحي من الله حق الحياء؛ عن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((استَحْيُوا من الله حقَّ الحياء، قال: قلنا: يا رسول الله، إنا نستحيي والحمد لله، قال: ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حقَّ الحياء أن تحفظَ الرأس وما وعى، والبطنَ وما حوى، ولْتذْكُرِ الموت والبِلى، ومن أراد الآخرة تَرَكَ زينة الدنيا، فمن فعل ذلك، فقد استحيا من الله حق الحياء))[12].
فاللهم اجعلنا ممن يستحي منك حق الحياء، آمين.
(تتمة الدعاء).

[1] رواه البخاري، رقم: 6120.

[2] رواه البخاري، رقم: 7405.

[3] رواه البخاري، رقم: 7405.

[4] رواه البخاري، رقم: 6117.

[5] رواه البخاري، رقم: 6118.

[6] رواية البخاري، رقم: 9، قال: ((الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، وَالحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ)).

[7] رواه البخاري، رقم: 3562.

[8] رواه البخاري، رقم: 3404.

[9] رواه ابن ماجه، رقم: 4245.

[10] حلية الأولياء: 3/ 280.

[11] مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا: 20.

[12] رواه الترمذي، رقم: 6117.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.91 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.28 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.74%)]