الهدى والضلال ـ 4 ـ
الشيخ مجد مكي
استعداد الإنسان للهدى والضلال
إنَّ مشيئة الله عزَّ وجل تجري في هذا الإنسان، فقد خلق الله فيه استعداداً مزدوجاً للهدى والضلال مع إعطائه العقل المميز للضلال والهدى، ومع إرسال الرسل بالبيِّنات لإيقاظ الفطرة إذا تعطلَّت وهداية العقل إذا ضل...
وقضت حكمة الله تعالى أن يكون في الناس مؤمن وكافر، وطائع وعاص، ومهتدٍ وضال، وشقيٌ وسعيد.
قال الله تعالى:[وَلَوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ القَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ] {السجدة:13}. فالله سبحانه لم يشأ أن يخلق الإنسان مجبوراً على الطاعة كما خَلَق الملائكة مهديين كما لا يختار أن يخلقَ النفوس مجبورةً على الضلالة ، ولكن تمَّت حكمته بأن يهبَ الأنفس الاختيار الحر ، والقدرةَ على الكسب ضمن دائرة التكليف ، وقد ثبت القول الصَّادر منه : لأملأنَّ جهنم من كفار الجن والإنس أجمعين الذين اختاروا طريق الضلالة..
ويستحقُّ أهل الجنة دخول الجنة لاختيارهم الإيمان والطاعة،ويستحقُّ أهل النار دخول النار لاختيارهم الكفر والعصيان...
روى البخاري (2969)،ومسلم (4781)عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: حدَّثنا رسول الله صلى الله عليه و سلم، وهو الصادق المصدوق: ( إنَّ أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يُرسل الملك، فينفخ فيه الروح، ويُؤْمر بأربع كلمات: بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد، فوالذي لا إله غيره إنَّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإنَّ أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها).
وفي رواية: قالوا: أفلا نَتَّكل على كتابنا وندع العمل ؟ قال: (اعملوا فَكُلٌّ مُيَسَّر لما خُلِق له، أما من كان من أهل السعادة فييسَّر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاء فييسَّر لعمل أهل الشقاوة). ثم قرأ: [فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى] {الليل:7} . فالله سبحانه يُهيِّئ مَنْ أنفق ماله في سبيل الله ، واتَّقى عذابَ الله ، وأيقنَ بالشريعة الحُسْنى ـ ويعطيه من المعونات والإمدادات بالقوى الجسديَّة والنفسيَّة ما يُهوِّن عليه سلوك الصراط المستقيم الذي يستحق به الأمور اليُسْرى ، في الحياة الدنيا والآخرة ، وينال الجزاء الأوفى في جنَّات النعيم.
فلا يسع المؤمن إلا أن يكون خائفاً من الله، راجياً في رحمته، وأن يسأل الله سبحانه وتعالى حُسْن الخاتمة، ويستعيذ بالله تعالى من سُوء الخاتمة وشرِّ العاقبة.