عرض مشاركة واحدة
  #508  
قديم 03-11-2024, 11:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,740
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء التاسع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ النِّسَاءُ
الحلقة (508)
صــ 201 إلى صــ 215




وقوله : " وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة " ، يقول : ومن فضل الله عليك ، يا محمد ، مع سائر ما تفضل به عليك من نعمه ، أنه أنزل عليك الكتاب وهو القرآن الذي فيه بيان كل شيء وهدى وموعظة والحكمة يعني : وأنزل عليك مع الكتاب الحكمة ، وهي ما كان في الكتاب مجملا ذكره ، من حلاله وحرامه ، وأمره ونهيه ، وأحكامه ، ووعده ووعيده " وعلمك ما لم تكن تعلم " من خبر الأولين والآخرين ، وما كان وما هو كائن ، فكل ذلك من فضل الله عليك ، يا محمد ، مذ خلقك ، فاشكره على ما أولاك من إحسانه إليك ، بالتمسك بطاعته ، [ ص: 201 ] والمسارعة إلى رضاه ومحبته ، ولزوم العمل بما أنزل إليك في كتابه وحكمته ، ومخالفة من حاول إضلالك عن طريقه ومنهاج دينه ، فإن الله هو الذي يتولاك بفضله ، ويكفيك غائلة من أرادك بسوء وحاول صدك عن سبيله ، كما كفاك أمر الطائفة التي همت أن تضلك عن سبيله في أمر هذا الخائن . ولا أحد دونه ينقذك من سوء إن أراد بك ، إن أنت خالفته في شيء من أمره ونهيه ، واتبعت هوى من حاول صدك عن سبيله .

وهذه الآية تنبيه من الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم على موضع خطئه ، وتذكير منه له الواجب عليه من حقه .
القول في تأويل قوله ( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما ( 114 ) )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : " لا خير في كثير من نجواهم " لا خير في كثير من نجوى الناس جميعا إلا من أمر بصدقة أو معروف و "المعروف" ، هو كل ما أمر الله به أو ندب إليه من أعمال البر والخير ، " أو إصلاح بين الناس " ، وهو الإصلاح بين المتباينين أو المختصمين ، بما أباح الله الإصلاح بينهما ، [ ص: 202 ] ليتراجعا إلى ما فيه الألفة واجتماع الكلمة ، على ما أذن الله وأمر به .

ثم أخبر جل ثناؤه بما وعد من فعل ذلك فقال : " ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما " ، يقول : ومن يأمر بصدقة أو معروف من الأمر ، أو يصلح بين الناس " ابتغاء مرضاة الله " ، يعني : طلب رضا الله بفعله ذلك " فسوف نؤتيه أجرا عظيما " ، يقول : فسوف نعطيه جزاء لما فعل من ذلك عظيما ، ولا حد لمبلغ ما سمى الله "عظيما" يعلمه سواه .

واختلف أهل العربية في معنى قوله : " لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة " . فقال بعض نحويي البصرة : معنى ذلك : لا خير في كثير من نجواهم ، إلا في نجوى من أمر بصدقة ، كأنه عطف ب "من" على "الهاء والميم" التي في "نجواهم" . وذلك خطأ عند أهل العربية ، لأن "إلا" لا تعطف على "الهاء والميم" في مثل هذا الموضع ، من أجل أنه لم ينله الجحد .

وقال بعض نحويي الكوفة : قد تكون "من" في موضع خفض ونصب . أما الخفض ، فعلى قولك : لا خير في كثير من نجواهم إلا فيمن أمر بصدقة . فتكون "النجوى" على هذا التأويل ، هم الرجال المناجون ، كما قال جل ثناؤه : ( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ) [ سورة المجادلة : 7 ] ، وكما قال ( وإذ هم نجوى ) [ سورة الإسراء : 47 ] . [ ص: 203 ]

وأما النصب ، فعلى أن تجعل "النجوى" فعلا فيكون نصبا ، لأنه حينئذ يكون استثناء منقطعا ، لأن "من" خلاف "النجوى" ، فيكون ذلك نظير قول الشاعر .


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . وما بالربع من أحد إلا أواري لأيا ما أبينها
. . . . . . . . . . . . . . .


وقد يحتمل "من" على هذا التأويل أن يكون رفعا ، كما قال الشاعر :
وبلدة ليس بها أنيس إلا اليعافير وإلا العيس
[ ص: 204 ]

قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصواب في ذلك ، أن تجعل "من" في موضع خفض ، بالرد على "النجوى" وتكون "النجوى" بمعنى جمع المتناجين ، خرج مخرج "السكرى" و "الجرحى" و "المرضى" . وذلك أن ذلك أظهر معانيه .

فيكون تأويل الكلام : لا خير في كثير من المتناجين ، يا محمد ، من الناس ، إلا فيمن أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ، فإن أولئك فيهم الخير .
القول في تأويل قوله ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ( 115 ) )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : " ومن يشاقق الرسول " ، ومن يباين الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم ، معاديا له ، فيفارقه على العداوة له " من بعد ما تبين له الهدى " ، يعني : من بعد ما تبين له أنه رسول الله ، وأن ما جاء به من عند الله يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم " ويتبع غير سبيل المؤمنين " ، يقول : ويتبع طريقا غير طريق أهل التصديق ، ويسلك منهاجا غير [ ص: 205 ] منهاجهم ، وذلك هو الكفر بالله ، لأن الكفر بالله ورسوله غير سبيل المؤمنين وغير منهاجهم " نوله ما تولى " ، يقول : نجعل ناصره ما استنصره واستعان به من الأوثان والأصنام ، وهي لا تغنيه ولا تدفع عنه من عذاب الله شيئا ، ولا تنفعه ، كما : -

10427 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " نوله ما تولى " ، قال : من آلهة الباطل .

10428 - حدثني ابن المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

" ونصله جهنم " ، يقول : ونجعله صلاء نار جهنم ، يعني : نحرقه بها .

وقد بينا معنى "الصلى" فيما مضى قبل ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

" وساءت مصيرا " ، يقول وساءت جهنم "مصيرا" ، موضعا يصير إليه من صار إليه .

ونزلت هذه الآية في الخائنين الذين ذكرهم الله في قوله : " ولا تكن للخائنين خصيما " ، لما أبى التوبة من أبى منهم ، وهو طعمة بن الأبيرق ، ولحق بالمشركين من عبدة الأوثان بمكة مرتدا ، مفارقا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ودينه .
[ ص: 206 ] القول في تأويل قوله ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا ( 116 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : إن الله لا يغفر لطعمة إذ أشرك ومات على شركه بالله ، ولا لغيره من خلقه بشركهم وكفرهم به " ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " ، يقول : ويغفر ما دون الشرك بالله من الذنوب لمن يشاء . يعني بذلك جل ثناؤه : أن طعمة لولا أنه أشرك بالله ومات على شركه ، لكان في مشيئة الله على ما سلف من خيانته ومعصيته ، وكان إلى الله أمره في عذابه والعفو عنه وكذلك حكم كل من اجترم جرما ، فإلى الله أمره ، إلا أن يكون جرمه شركا بالله وكفرا ، فإنه ممن حتم عليه أنه من أهل النار إذا مات على شركه ، فأما إذا مات على شركه ، فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار .

وقال السدي في ذلك بما : -

10429 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " ، يقول : من يجتنب الكبائر من المسلمين .

وأما قوله : " ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا " ، فإنه يعني : ومن يجعل لله في عبادته شريكا ، فقد ذهب عن طريق الحق وزال عن قصد السبيل ، [ ص: 207 ] ذهابا بعيدا وزوالا شديدا ، وذلك أنه بإشراكه بالله في عبادته قد أطاع الشيطان وسلك طريقه ، وترك طاعة الله ومنهاج دينه . فذاك هو الضلال البعيد والخسران المبين .
القول في تأويل قوله ( إن يدعون من دونه إلا إناثا )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .

فقال بعضهم : معنى ذلك : إن يدعون من دونه إلا اللات والعزى ومناة ، فسماهن الله "إناثا" ، بتسمية المشركين إياهن بتسمية الإناث .

ذكر من قال ذلك :

10430 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال أخبرنا حصين ، عن أبي مالك في قوله : " إن يدعون من دونه إلا إناثا " ، قال : اللات والعزى ومناة ، كلها مؤنث .

10431 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال : حدثنا هشيم ، عن حصين ، عن أبي مالك بنحوه إلا أنه قال : كلهن مؤنث .

10432 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " إن يدعون من دونه إلا إناثا " ، يقول : يسمونهم "إناثا" : لات ومناة وعزى .

10433 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " إن يدعون من دونه إلا إناثا " ، قال : آلهتهم ، اللات والعزى ويساف [ ص: 208 ] ونائلة ، إناث ، يدعونهم من دون الله . وقرأ : " وإن يدعون إلا شيطانا مريدا " .

وقال آخرون : معنى ذلك : إن يدعون من دونه إلا مواتا لا روح فيه .

ذكر من قال ذلك :

10434 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " إن يدعون من دونه إلا إناثا " ، يقول : ميتا .

10435 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " إن يدعون من دونه إلا إناثا " ، أي : إلا ميتا لا روح فيه .

10436 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج قال : حدثنا مبارك بن فضالة ، عن الحسن : " إن يدعون من دونه إلا إناثا " ، قال : و "الإناث" كل شيء ميت ليس فيه روح : خشبة يابسة أو حجر يابس ، قال الله تعالى : " وإن يدعون إلا شيطانا مريدا " إلى قوله : "فليبتكن آذان الأنعام" .

وقال آخرون : عنى بذلك أن المشركين كانوا يقولون : "الملائكة بنات الله" .

ذكر من قال ذلك :

10437 - حدثني يحيى بن أبي طالب قال : أخبرنا يزيد قال : أخبرنا [ ص: 209 ] جويبر ، عن الضحاك في قوله : " إن يدعون من دونه إلا إناثا " ، قال : الملائكة ، يزعمون أنهم بنات الله .

وقال آخرون : معنى ذلك : أن أهل الأوثان كانوا يسمون أوثانهم "إناثا" ، فأنزل الله ذلك كذلك .

ذكر من قال ذلك :

10438 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا يزيد بن هارون ، عن نوح بن قيس ، عن أبي رجاء ، عن الحسن قال : كان لكل حي من أحياء العرب صنم ، يسمونها "أنثى بني فلان" ، فأنزل الله " إن يدعون من دونه إلا إناثا " .

10439 - حدثني المثنى قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم قال : حدثنا نوح بن قيس قال : حدثنا محمد بن سيف أبو رجاء الحداني قال : سمعت الحسن يقول : كان لكل حي من العرب ، فذكر نحوه .

وقال آخرون : "الإناث" في هذا الموضع ، الأوثان .

ذكر من قال ذلك :

10440 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "إناثا" قال : أوثانا . [ ص: 210 ]

10441 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

10442 - حدثنا سفيان قال : حدثنا أبو أسامة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال : كان في مصحف عائشة : "إن يدعون من دونه إلا أوثانا" .

قال أبو جعفر : روي عن ابن عباس أنه كان يقرؤها : "إن يدعون من دونه إلا أثنا" بمعنى جمع "وثن" فكأنه جمع "وثنا" "وثنا" ، ثم قلب الواو همزة مضمومة ، كما قيل : "ما أحسن هذه الأجوه" ، بمعنى الوجوه وكما قيل : ( وإذا الرسل أقتت ) [ سورة المرسلات : 11 ] ، بمعنى : وقتت .

وذكر عن بعضهم أنه كان يقرأ ذلك : "إن يدعون من دونه إلا أنثا" كأنه أراد جمع "الإناث" فجمعها "أنثا" ، كما تجمع "الثمار" "ثمرا" .

قال أبو جعفر : والقراءة التي لا نستجيز القراءة بغيرها ، قراءة من قرأ : ( إن يدعون من دونه إلا إناثا ) ، بمعنى جمع "أنثى" ، لأنها كذلك في مصاحف المسلمين ، ولإجماع الحجة على قراءة ذلك كذلك .

قال أبو جعفر : وأولى التأويلات التي ذكرت بتأويل ذلك ، إذ كان الصواب عندنا من القراءة ما وصفت ، تأويل من قال : عني بذلك الآلهة التي كان مشركو العرب يعبدونها من دون الله ويسمونها الإناث من الأسماء ، كاللات والعزى ونائلة ومناة ، وما أشبه ذلك . [ ص: 211 ]

وإنما قلنا ذلك أولى بتأويل الآية ، لأن الأظهر من معاني "الإناث" في كلام العرب ، ما عرف بالتأنيث دون غيره . فإذ كان ذلك كذلك ، فالواجب توجيه تأويله إلى الأشهر من معانيه .

وإذ كان ذلك كذلك ، فتأويل الآية : " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا إن يدعون من دونه إلا إناثا " ، يقول : ما يدعو الذين يشاقون الرسول ويتبعون غير سبيل المؤمنين شيئا من دون الله بعد الله وسواه ، إلا إناثا يعني : إلا ما سموه بأسماء الإناث كاللات والعزى وما أشبه ذلك . يقول جل ثناؤه : فحسب هؤلاء الذين أشركوا بالله ، وعبدوا ما عبدوا من دونه من الأوثان والأنداد ، حجة عليهم في ضلالتهم وكفرهم وذهابهم عن قصد السبيل ، أنهم يعبدون إناثا ويدعونها آلهة وأربابا ، والإناث من كل شيء أخسه ، فهم يقرون للخسيس من الأشياء بالعبودة ، على علم منهم بخساسته ، ويمتنعون من إخلاص العبودة للذي له ملك كل شيء ، وبيده الخلق والأمر .
القول في تأويل قوله ( وإن يدعون إلا شيطانا مريدا ( 117 ) )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : " وإن يدعون إلا شيطانا مريدا " ، وما يدعو هؤلاء الذين يدعون هذه الأوثان الإناث من دون الله بدعائهم إياها [ ص: 212 ] " إلا شيطانا مريدا " ، يعني : متمردا على الله في خلافه فيما أمره به ، وفيما نهاه عنه ، كما : -

10443 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " وإن يدعون إلا شيطانا مريدا " ، تمرد على معاصي الله .
القول في تأويل قوله ( لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا ( 118 ) )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : لعنه الله أخزاه وأقصاه وأبعده .

ومعنى الكلام : " وإن يدعون إلا شيطانا مريدا " ، قد لعنه الله وأبعده من كل خير .

وقال لأتخذن يعني بذلك : أن الشيطان المريد قال لربه إذ لعنه : " لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا " .

يعني ب "المفروض" ، المعلوم ، كما : -

10444 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا سفيان ، عن جويبر ، عن الضحاك : " نصيبا مفروضا " ، قال : معلوما .

فإن قال قائل : وكيف يتخذ الشيطان من عباد الله نصيبا مفروضا .

قيل : يتخذ منهم ذلك النصيب ، بإغوائه إياهم عن قصد السبيل ، ودعائه [ ص: 213 ] إياهم إلى طاعته ، وتزيينه لهم الضلال والكفر حتى يزيلهم عن منهج الطريق ، فمن أجاب دعاءه واتبع ما زينه له ، فهو من نصيبه المعلوم ، وحظه المقسوم .

وإنما أخبر جل ثناؤه في هذه الآية بما أخبر به عن الشيطان من قيله : " لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا " ، ليعلم الذين شاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى ، أنهم من نصيب الشيطان الذي لعنه الله ، المفروض ، وأنهم ممن صدق عليهم ظنه .

وقد دللنا على معنى "اللعنة" فيما مضى ، فكرهنا إعادته .
القول في تأويل قوله ( ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : مخبرا عن قيل الشيطان المريد الذي وصف صفته في هذه الآية : " ولأضلنهم " ، ولأصدن النصيب المفروض الذي أتخذه من عبادك عن محجة الهدى إلى الضلال ، ومن الإسلام إلى الكفر "ولأمنينهم" ، يقول : لأزيغنهم - بما أجعل في نفوسهم من الأماني - عن طاعتك وتوحيدك ، إلى طاعتي والشرك بك ، " ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام " ، يقول : ولآمرن النصيب المفروض لي من عبادك ، بعبادة غيرك من الأوثان والأنداد [ ص: 214 ] حتى ينسكوا له ، ويحرموا ويحللوا له ، ويشرعوا غير الذي شرعته لهم ، فيتبعوني ويخالفونك .

و "البتك" القطع ، وهو في هذا الموضع : قطع أذن البحيرة ليعلم أنها بحيرة .

وإنما أراد بذلك الخبيث أنه يدعوهم إلى البحيرة ، فيستجيبون له ، ويعملون بها طاعة له .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

10445 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " فليبتكن آذان الأنعام " ، قال : البتك في البحيرة والسائبة ، كانوا يبتكون آذانها لطواغيتهم .

10446 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : قوله : " ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام " ، أما"يبتكن آذان الأنعام" ، فيشقونها ، فيجعلونها بحيرة .

10447 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : أخبرني القاسم بن أبي بزة ، عن عكرمة : " فليبتكن آذان الأنعام " ، قال : دين شرعه لهم إبليس ، كهيئة البحائر والسيب .
[ ص: 215 ] القول في تأويل قوله ( ولآمرنهم فليغيرن خلق الله

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في معنى قوله : " فليغيرن خلق الله " .

فقال بعضهم : معنى ذلك : ولآمرنهم فليغيرن خلق الله من البهائم ، بإخصائهم إياها .

ذكر من قال ذلك :

10448 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن عمار بن أبي عمار ، عن ابن عباس : أنه كره الإخصاء وقال : فيه نزلت : " ولآمرنهم فليغيرن خلق الله " .

10449 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الله بن داود قال : حدثنا أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أنس : أنه كره الإخصاء وقال : فيه نزلت : " ولآمرنهم فليغيرن خلق الله " .

10450 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن أبي جعفر ، عن الربيع بن أنس ، عن أنس بن مالك قال : هو الإخصاء ، يعني قول الله : " ولآمرنهم فليغيرن خلق الله " .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.63 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 36.00 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.71%)]