الموضوع: الفاتحة
عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 24-10-2024, 05:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,236
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفاتحة






أبَى أن يستجيب للمغريات والشهوات والملذات، رأى عليه السلام أن هذه الدنيا إنما هي أيام وأنها إلى الزوال، فأكرَمه رب العالمين بزواج تلك المرأة، وأن يكون عزيزًا على أهل مصر كما قال الله تعالى: ﴿ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 90].

المراقبون الذين راقبوه في السراء والضراء، وهكذا يا أيها المسلم، أي نبي دخل في التاريخ من أوسع أبوابه من باب النبوة، الشهادة الرسالة الصديقية، العمل الصالح إلى قيام الساعة، فأنت تسأل من ربك هداية التوفيق والإلهام وهداية الدلالة والإرشاد في هذه الآية المباركة أن يجعلك تطرق طريقَه، وتسلك سبيله، فلابد أن تكون واعيًا لما تقرأه ولما تكرِّره على مسامع نفسك، وما تسمعه من إمامك لتعطي الآية اهتمامًا، لتكون من الذين عناهم الله: ﴿ فَبِشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 18]، ثم بعد ذلك تدعو الله ثانية ألا يجعلك تسلك طريقة اليهود والنصارى في باب الاعتقادات، في باب العبادات، في باب الأخلاق والسلوك والقيم، لكن واقع الكثير من المسلمين هو خلاف هذا، وربما نظر إلى أعداء الله نظرة إعزاز وإكرام، ونسي هذا العبد المفرط المسلم المسكين أنه أعظم وأكرَم عند الله من هذا اليهودي أو من ذلك النصراني، وإن كان في هذا الزمان حصل نظرة إعجاب باليهود والنصارى، ونظرة ازدراء واحتقار للمسلمين، لكن هكذا الليالي والأيام فالأيام دول.
لكل شيء إذا ما تَم نقصان
فلا يُغر بطيب العيش إنسان
هي الحياة كما شاهتها دولٌ
من سره زمن ساءَته أزمان


إنما هي دول، ولو نظرت في التاريخ الإسلامي، لنظرت ما هو أشد من هذا، فإن الإسلام ينتصر ويرتفع ارتفاعًا عظيمًا، ثم يكون ابتلاء واختبار لأصحابه، فهذا من الابتلاء والاختبار، وإلا فالدنيا دار هوان ودار زوال.




فعليك عبد الله أن تعلم أن الله أكرمك بالإسلام، وأكرمك في أن تكون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فإياك أن تنخدع بالسراب الذي يَحسبه الظمآن ماءً، إياك أن تنخدع بالشعارات، أو أنك إذا نظرت إلى المسلمين وعندهم شيء من التخلف في باب الحضارة الدنيوية، مثلًا حصل عندك انقباض وانطواء، فليس العيب في الإسلام، إنما هو عيب المسلمين، وإلا فالإسلام هو الإسلام الذي تركنا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الغر الميامين، وهكذا الليالي والأيام، إنما هي هي، ولكن العيوب هي فينا يا عباد الله.
نَعيب زماننا والعيب فينا
وما لزماننا عيب سوانا
ونهجو ذا الزمان بغير حقٍّ
ولو نطق الزمان لنا هجانا


فحصل عندنا شيء من التكالب على الدنيا، ومن اقتراف الذنوب والمعاصي، واستقبال ما جاءنا من بنات الهوى، ومن المنكرات من الفضائيات والأقمار، وما إلى ذلك فاستقبلنا ذلك فأُشْربته عقولنا وقلوبنا، وفتحنا له بيوتًا عياذًا بالله، فذهبنا مسرعين وراء ما يَحكيه أعداء الملة الإسلامية من اليهود والنصارى، فحصل عندنا شيء من الضعف، وشيء من الوهن؛ كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: يوشك الأمم أن تتداعى عليكم كما تتداعى على القصعة أكلتُها، قيل أو من قلة نحن يومئذ؟ قال: لا بل أنتم أكثر، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعنَّ الله المهابة منكم، وليقذِفنَّ في قلوبكم الوهن، قلنا: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال حب الدنيا وكراهية الموت)، هذا هو داء المسلمين الذين أُصيبوا به في هذا الزمان، فنسأل الله أن يفك ويرفَع هذا الوهن الحاصل في صفوف المسلمين حتى تتبدل هذه النظرة، نظرة تفاؤل وأن يعتقد المسلم عقيدة خير في دينه وصلاحه ومستقبله، وأنه أكرم من اليهود والنصارى، ومن أرفعهم عند الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85].

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، هذا ما قلته لكم، وأستغفر الله لي ولكم، إنه هو الغفور الرحيم، فاستغفروه يغفر لكم.

الخطبة الثانية
الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

عباد الله، اتَّقوا الله تعالى واعلموا أننا في دار ابتلاء واختبار، وأننا في دار عمل، وغدًا منقلبون من هذه الدار إلى دار الآخرة، فوجب على المسلم اللبيب أن يحتاط لنفسه، وأن يأخذ الحذر؛ يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ * لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الحشر: 18 - 24].

يا عباد الله، إننا أمة القرآن وأمة الإسلام، شرَّفنا الله بهذا الدين وأعلى منزلتنا في هذه الدنيا، وفي الآخرة حينما كنا متمسكين بشرع الله القويم، فنحن أعلى أمة على مرور العصور والدهور:
بشرى لنا معشر الإسلام أن لنا
من العناية ركنًا غير منهدم
لما دعا الله داعينا لطاعته
بأكرم الرسل كنا أكرم الأمم


ولكن عباد الله بسبب الذنوب والمعاصي، وبسبب نسيان الموت، والتكالب على الدنيا، حصل ضعف لهذه القلوب، فقد آن لهذه القلوب المريضة أن تفيق من سباتها ورقدتها، وأن تكون هذه القلوب متدبرة لكلام الله علام الغيوب، فوجب على هذه الأجسام التي تحمل هذه القلوب أن تنعش قلوبها، فإنما أنت بقلب لا بجسمك.
يا خادمَ الجسم كم تسعى لخدمته
أتطلُب الربح مما فيه خسران
أقبِل على الروح فاستكمِل فضائلها
فأنت بالرُّوح لا بالجسم إنسان


فإذا صلَحت هذه القلوب، فوالله ولو كنا على فقرٍ وعلى ضعف مادي، أو في مجال الحضارة والصناعة والتقدم، ما كان ذلك كله ليكسب المسلم في قلبه ضعفًا وركونًا وركودًا ونظرة عالية خفاقة فيما عند الشرق أو الغرب؛ ليغتر بما عندهم من الصناعة والحضارة، على أننا نقول: لا بد أن يكون المسلم قويًّا في دينه، قويًّا في عقيدته، قويًّا في مادته، وأن يكون له مشاركات في كل فنون الحياة في جانب الطب والهندسة، وهكذا كل الفنون وجب على المسلمين أن يكونوا أعلى وأرقى من كل الأمم، لكن إن لم يحصل هذا فاعلم أن رأس مالك هو الدين.
الدين رأسُ الأمر فاستمسِك به
فضياعُه من أعظم الخسران




أسأل الله بمنِّه وكرمه وبأسمائه الحسنى وبصفاته العلى أن يجعلنا هداة مهتدين، وأن يرينا الحق حقًّا، فيرزُقنا اتباعه والباطل باطلًا فيرزقنا اجتنابه، إنه على كل شيء قدير.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.96 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.34 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.73%)]