الموضوع: العين حق
عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 24-10-2024, 05:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,434
الدولة : Egypt
افتراضي رد: العين حق

الخطبة الثانية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فبعض المسلمين يتفننون في رد العين تفننا بعيدًا عن الشرع وعن رسول الإسلام وعن التعاليم الشرعية، فبعض المسلمين إذا أنعم الله عليه نعمة من بيت أو سيارة أو حيوانات، يعض حدائد على البيت، والآخر يضع نعالات من أجل أن ترد العين، وبعضهم يجعل بعض المساحيق كالحلتيت والبسباس والملح، يظن أن هذه ترد العين، وبعض المسلمين يقوم بعملية الرقى والتعاويذ والحروز والتمائم، من أجل رد العين، هذه كلها جاهلية نهى عنها الإسلام.

ولقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كل رقية تخالف الشرع، فإذا كُتبت في هذه الرقى استعانةً بالجن، أو حروف أعجمية وما أشبه ذلك، حُرِّمت، بل لا يجوز كتابة القرآن وكتابة السنة، ثم يكون ذلك حرزًا، وإنما العلاج في ذلك ما علمنا رسول الله، فإنه ما ترك من خير إلا دلنا عليه، ولا شرًّا إلا حذرنا منه.

فمن قلد الآراء ضلَّ عن الهدى ومن قلد المعصوم في الدين يهتدي:
كان نبينا صلى الله عليه وسلم يعوِّذ الحسن والحسين ابني علي بن أبي طالب وأمهما فاطمة الزهراء، كان يعوذهم يقول: (أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة)، فالرقية الشرعية هي: العلاج النافع في هذا كله، فالاعتصام بالله والالتجاء إلى الله.
يا من ألوذ به فيما أؤمله
ومن أعوذ به مما أحاذره
لا يجبر الناس عظمًا أنت كاسره
ولا يهيضون عظمًا أنت جابره


فالرجوع إلى الله والاحتماء به، احفَظ الله يحفظك، فإذا رجعت إلى الله كان العون، وإذا طلبت ذلك من غير الله، فإنما هو اعتداء وتردٍّ وهروب وآثام والعياذ بالله.
والمستجير بعمرو عند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار.

الالتجاء إلى الله، وطلب فك الكربات من الله - سبحانه وتعالى - ولقد سُحر النبي صلى الله عليه وسلم وركزت عليه العيون، فأصابوه بإذن من الله، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من ذلك بالإخلاص والفلق والناس، وتأمل سورة الفلق: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ ﴾ [الفلق: 1]؛ أي: أعتصم وأستجير به ﴿ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ ﴾.

فيكون صدق الالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى بالاستعاذة مع حضور القلب، مع الثقة بالله سبحانه، وأن تعلم أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ثم بعد ذلك التحصينات الشرعية، أذكار النوم، والأكل، والتستر الدائم، فإن من الناس من يتستر عن الناس، لكنه لا يتستر عن الجن، وربما تكشف والجن يصيبونه والعياذ بالله؛ لذا يقول صلى الله عليه وسلم: (سترُ ما بين عورات بني آدم وأعين الجن أن يقول أحدكم إذا خلع ثوبه بسم الله)، فالأولى أن يكون العبد مستورًا، فإن كان لابد من خلع ملابسه، فلابد أن يقول (بسم الله)، حتى تكون وقاء وساترًا بين أعين الجن وبين عورة بني آدم، وهكذا يقول صلى الله عليه وسلم؛ كما في حديث ابن عباس: (إذا أتى الرجل أهله فقال: بسم الله، اللهم جنِّبنا الشيطان وجنِّب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن قدر بينهما شيء لم يصبه شيطان أبدًا)، وتأمل في مريم بنت عمران يوم أن قالت أمها: ﴿ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ [آل عمران: 36]؛ قال سبحانه: ﴿ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا المِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [آل عمران: 37].

فلابد أن يكون الالتجاء إلى الله والاعتصام به والفرار إليه، فكم من رجل صار مجنونًا، وآخر مهسترًا، وأُسَرٍ فرِّقت، كم من امرأة طُلقت، وكم من بنت سحرت عن طريق السحر والشعوذة والكهانة، وعن طريق العيون التي سلطها الكثير من المسلمين على إخوانهم، على أنك لو قلت له: لِمَ لَمْ تُسحر الكفار؟ الكفار في مأمن من سحره وكيده وعينه، لكنه استطاع لإخوانه المؤمنين على أمر حقير، بل امرأة سُحرت من أجل أمر حقير، فسممت زوجها والعياذ بالله، يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم كونوا على يقين أن نبيكم لم يمت إلا وذكر لكم علمًا في كل شيء؛ كما قال أبو ذر: (ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا طائر يطير بين السماء والأرض إلا ذكر لنا منه علمًا)، ثم على العبد أن يكون قوي الصلة بالله واثقًا بالله متوكلًا على الله.
توكل على الرحمن في الأمر كله
فما خاب حقًّا من عليه توكلا
وكن واثقًا بالله واصبر لحكمه
تَفُز بالذي ترجوه منه تفضُّلا


فليكن اعتصامك بالله وإياك أن تلجأ إلى العرافيين والمشعوذين وإلى الكهنة، وإنما عليك الالتجاء إلى الله وتأمل قول الله: ﴿ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الجِنِّ فَزَادُوَهُمْ رَهَقًا ﴾ [الجن: 6].

فالالتجاء إلى غير الله إنما هي أمراض وأوباء ومشاكل واختلاس للأموال، ولكن عليكم الفرار إلى الله، فهو الذي بيده كل شيء وأزِمَّة الأمور بيده، وإذا ابتلاك بشيء فاصبر يا عبد الله، إن أصبت بمصيبة أو بنكبة، فاصبر عبد الله.
اصبر لكل مصيبة وتجلَّد
واعلم بأن المرء غير مخلد
فإذا أتتك مصيبة تسلو بها
فاذكر مصابك بالنبي محمد


اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم لا تدع لنا ذنبًا إلا غفرته ولا همًّا إلا فرَّجته، ولا دينًا إلا قضيته، اللهم أصلح عبادك المؤمنين، اللهم أصلح لنا الظاهر والباطن يا رب العالمين.

اللهم اقسِم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتِّعنا بأسماعنا وأبصارنا وعقولنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر هَمنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلِّط علينا من لا يرحمنا.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.64 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.02 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.20%)]