عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 09-10-2024, 10:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,515
الدولة : Egypt
افتراضي تفسير قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم

تفسير قوله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ... ﴾

سعيد مصطفى دياب

قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 100، 101].

لما افتُضح كَيْدُ عَدُوِّ اللَّهِ شَاسِ بْنِ قَيْسٍ، وكفَّ اللهُ تَعَالَى شرَّهُ، حَذَّرَ اللهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُطِيعُوا أَهْلَ الْكِتَابِ، لما يضمرونه من العداوة والبغضاء والحسد لأهل الإيمان، وبيَّنَ اللهُ تَعَالَى أنَّ هَمَّ اليهود والنصارى أَنْ يَرُدُّوا الْمُؤْمِنِينَ عَنْ إِيمَانِهِم؛ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ ﴾ [الممتحنة: 2].

وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ﴾ [آل عمران: 118].

فنهى اللهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ عَنِ اتِّخَاذِ اليهودِ والنصارى بِطَانَةً، يُطْلعونهم عَلَى أَسْرَارِهِمْ، مَعَ مَا يُضْمِرُونَهُ لهُمْ مِنَ العَدَاءِ والبُغْضِ.

والمراد بالفريق في قوله: ﴿ فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ﴾، هُوَ شَاسُ بْنُ قَيْسٍ الْيَهُودِيُّ، فيكون هذا من العام الذي يرادُ به الخصوصُ.

﴿ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ﴾، قوله تعالى: ﴿ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ ﴾، سؤالٌ المرادُ منه المبالغةُ في نهي المؤمنين عن طاعة أهل الكتاب؛ لأنها تفضي بهم إلى الكفر بالله تعالى؛ يعني: كيف يتأتَّى منكم ذلك، والقرآنُ ينزل بين أيديكم غضًّا طريًّا، وتِلَاوَةُ آيَاتِه تزيدُ الْمُؤْمِنِينَ إيمانًا؛ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ ﴿ وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾ [التوبة: 124].

وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الأنفال: 2].

﴿ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ﴾؛ أي: ومقامُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينكم عِصْمَةٌ لكم مِنْ الضَلَالِ، وأَمَانٌ لكم مِنَ الفتنِ؛ لما يَعِظُكُمْ ويذكركم بهِ.

قَالَ قَتَادَةُ: ذَكَرَ فِي الْآيَةِ أَمْرَيْنِ يَمْنَعَانِ عَنِ الْوُقُوعِ فِي الْكُفْرِ، أَحَدُهُمَا: تِلَاوَةُ كِتَابِ اللَّهِ.

وَالثَّانِي: كَوْنُ الرَّسُولِ فِيهِمْ، أَمَّا الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ مَضَى إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ، وَأَمَّا الْكِتَابُ فَبَاقٍ عَلَى وَجْهِ الدَّهْرِ.

﴿ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾: الِاعْتِصَامُ فِي اللُّغَةِ: الِاسْتِمْسَاكُ بِالشَّيْءِ، وَالْمَنْعُ وَالْمُلَازَمَةُ، وَمِنْ ذَلِكَ الْعِصْمَةُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ ﴾ [يُوسُفَ: 32]؛ أي: امتنع ولجأ إلى الله ولازم العفة.

وقوله: ﴿ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلا مَنْ رَحِمَ ﴾ [هُودٍ: 43]، أي: لا عِصمةَ ولا امتناعَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلا مَنْ رَحِمَهُ اللهُ.

والمعنى: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ، وَيَسْتَمْسِكُ بِالْقُرْآنِ، فَقَدْ هُدِيَ إِلَى طَرِيقِ الْجَنَّةِ.

الأَسَالِيبُ البَلَاغِيةُ:
من الأَسَالِيبِ البَلَاغِيةِ في هاتين الآيتين: الْعامُ الْمُرَادُ به الْخُصُوصُ فِي قوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا ﴾، فإِنَّهُ خِطَابٌ لِلْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ.

وأيضًا الْعامُ الْمُرَادُ به الْخُصُوصُ فِي قوله: ﴿ إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا ﴾، فإن المرادَ بالفريق شَاسُ بْنُ قَيْسٍ الْيَهُودِيُّ.

وَالطِّبَاقُ: بينَ لفظِ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ في قوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾، و﴿ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ ﴾،

والجناس في ﴿ تَكْفُرُونَ ﴾، و ﴿ كَافِرِينَ ﴾.

وفِي قوله تعالى: ﴿ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ ﴾، سؤالٌ الْمُرَادُ بِهِ المبالغة في نهى المؤمنين عن طاعة أهل الكتاب؛ لأنها تفضي بهم إلى الكفر بالله تعالى.

وَالْحَذْفُ فِي قوله: ﴿ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ ﴾، وتقديره: وفيها الهدى لمن آمن به واتقاه، ﴿ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ﴾، يزكِّيكم ويعلِّمكم الكتاب والحكمة، وينفي عنكم شُبَهَ المبطلين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.13 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.50 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.28%)]