وقفات ودروس من سورة البقرة (15)
ميسون عبدالرحمن النحلاوي
وفيها: تشريعات اقتصادية للمجتمع الإسلامي.
أولًا: الإنفاق في سبيل الله من زكاة وصدقة: آدابه ومصارفه:
يكاد موضوع الإنفاق في سبيل الله يكون متواجدًا في كل محور رئيسي من محاور السورة، خاصة وأنه قد تصدَّر السورة في صفات المؤمنين التي وردت في الآية الثانية من السورة؛ قال تعالى في وصفهم: ﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [البقرة: 3].
• فمع الأوامر الأولى لبني إسرائيل في الاستجابة لدعوة نبي الله محمدٍ صلى الله عليه وسلم؛ يقول تعالى: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ [البقرة: 43]؛ قال ابن كثير: "قال مقاتل: قوله تعالى لأهل الكتاب: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ﴾ [البقرة: 43] أمرَهم أن يُصلُّوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، ﴿ وَآتُوا الزَّكَاةَ ﴾ [البقرة: 43]، أمرهم أن يؤتوا الزكاة؛ أي: يدفعونها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ﴿ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ [البقرة: 43]، أمرهم أن يركعوا مع الراكعين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، يقول: كونوا منهم ومعهم، وقال مبارك بن فضالة، عن الحسن، في قوله تعالى: ﴿ وَآتُوا الزَّكَاةَ ﴾ [البقرة: 43] قال: فريضة واجبة، لا تنفع الأعمال إلا بها وبالصلاة"؛ [انتهى ابن كثير].
• وعندما تكلَّم جل في علاه عن المواثيق التي أخذها على بني إسرائيل؛ قال: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إسرائيل لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ [البقرة: 83].
• وفي توجيهه تعالى للمؤمنين في الثبات أمام محاولات أهل الكتاب في ردِّهم عن دينهم؛ ﴿ حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ ﴾ [البقرة: 109]؛ يقول لهم: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة: 110].
• وعندما عرَّف لعباده المؤمنين ما هو البِرُّ؛ قال:
﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 177]، فجمعت الآية بين صدقة التطوع والزكاة؛ قال ابن كثير: ﴿ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ﴾ [البقرة: 177]: أعطى المال على حبِّه؛ قال أكثر أهل التفسير: إنها راجعة إلى المال؛ أي: أعطى المال في حال صحته ومحبته المال، قال ابن مسعود: أن تُؤتِيَه وأنت صحيح شحيح، تأمُل الغِنى، وتخشى الفقر.
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أي الصدقة أعظم أجرًا؟ قال: أن تصدَّق وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر، وتأمُل الغِنى، ولا تُمْهِل حتى إذا بلغت الحلقوم، قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان)).
• وتسوق الآياتُ سؤالَ المؤمنين للرسول صلى الله عليه وسلم عن مصارف النفقة:
﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 215]، ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾ [البقرة: 219].
• ثم عندما تكلَّم في القتال، كانت النفقة مصاحبة له في كل المواضع، فبعد آيات القتال في الشهر الحرام؛ يقول تعالى:
﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 195].
ثم بعد قصة القوم الذين فرُّوا من قريتهم خشية الموت؛ يقول تعالى: ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [البقرة: 244، 245].
• وكذا بعد آية اختلاف الناس من بعدما جاءتهم البينات، وتفرُّقهم إلى معسكر كُفْرٍ ومعسكر إيمان؛ قال جل في علاه:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [البقرة: 254].
وفي نهاية السورة يعرض لنا الله جل في علاه الآياتِ التي تُؤطِر لنا هذه النفقة ضمن مجموعة من الآداب والشروط، التي لا تُقبَل إلا مع تحققها.
شروط النفقة وآدابها:
وتنتهي قصص آيات الله في الحياة والموت، لتبدأ جزئية الإنفاق والتشريعات المالية، وكأن الله عز وجل يقول لنا: إنها جزء هام من قصة الحياة والموت، وإن اتباعنا شرائع الله في الأمور الاقتصادية تضمن لنا الحياة الحقيقية بمعناها النفسي والروحي، وحتى المادي، وإن شذوذنا عن شرائعه جل في علاه فيه الموت الروحي والنفسي، وحتى المادي، وربما تكون مسألة الربا أوضح مثال على هذا، فكلما استغرقت الأمم في التعامل الربوي، زادت مشاكلها، وعانت من سكرات الموت المجتمعي، وهذا ما لا يخفى على بصير، وكذا الأمر على الصعيد الفردي، فلا آكل الربا يجد الراحة في حياته ولا موكلها، ولا العامل عليها، غفرانك ربي.
وكذا الأمر أيضًا بالنسبة لمانع الزكاة والصدقة، حياته في قلق دائم لا يعلم مصدره، والمشاكل تحيط به من كل جانب لا يكاد يخرج من حفرة إلا وقع بأعمق منها، ولا يُنجِّيه من واقعِهِ إلا التوبة وإصلاح ما فسد، فالإنفاق "في سبيل الله" - كما تحكي لنا الآيات - حياة، وزيادة في الرزق والأجر أضعافًا لا يعلمها إلا الله؛ يقول تعالى: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 261].
فكل نفقة في سبيل الله تُضاعف سبعمائة ضعف، سواء في حجٍّ أو جهاد؛ كما قال ابن عباس، أو في طاعة الله عمومًا؛ كما قال سعيد بن جبير، أو في إعانة المستضعفين والمساكين.
وانظر إلى هذا التمثيل الرائع، فالمال أشبه بحبة من حبوب الزرع، ينمو بالنفقة، كما تنمو الحبة فتنبت سبع سنابل؛ أي: إن مقدار المال لا ينمو منه مثله، بل ينمو منه سبعة أمثاله، ثم إن كل مثل من هذه الأمثال السبعة يحمل في طيَّاته مائة ضعف، كما تحمل السنبلة مائة حبة، ولا ينتهي الأمر عند السبعمائة، بل يتعداه إلى ما لا يعلمه إلا الله من أضعاف؛ وهذا قوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 261]، فكما أننا لا نتخيل مدى سعة عطائه جل في علاه، لا يمكننا أن نتخيل مدى مضاعفة أجر الإنفاق التي قد يكتبها الله "العليم" للمنفق، سبحان الواسع العليم!
وآيات الإنفاق في هذا الجزء من السورة تستغرق ثلاث عشرة آية، نستخرج منها: شروط الصدقة وآدابها.
أولًا: شروط الصدقة:
الشرط الأول لقبول الصدقة: أن تكون في سبيل الله:
شرط قبول النفقة ومضاعفتها أن تكون "في سبيل الله"؛ أي: لوجه الله وحده بنية خالصة من كل شرك ورياء؛ يقول القرطبي في تفسيره: "وهذه الآية لفظُها بيانُ مثالٍ لشرف النفقة في سبيل الله ولحُسنها، وضمنها التحريض على ذلك، فشبَّه المتصدق بالزارع، وشبَّه الصدقة بالبذر، فيعطيه الله بكل صدقة له سبعمائة حسنة؛ ثم قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ [البقرة: 261]؛ يعني: على سبعمائة، فيكون مَثَلُ المتصدق مثل الزارع، إن كان حاذقًا في عمله، ويكون البذر جيدًا، وتكون الأرض عامرة، يكون الزرع أكثر، فكذلك المتصدق إذا كان صالحًا، والمال طيبًا، ويضعه موضعه، فيصير الثواب أكثر"؛ [انتهى].
أخرج الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كلُّ عمل ابن آدم يُضاعَف؛ الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلى ما شاء الله، يقول الله: إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به، يدَعُ طعامه وشهوته من أجلي، وللصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولَخُلُوف فيه أطيبُ عند الله من ريح المسك، الصوم جُنَّة، الصوم جُنَّة))؛ [وكذا رواه مسلم].
ويقول السعدي في تفسيره: "﴿ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ ﴾ [البقرة: 261] هذه المضاعفة ﴿ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ [البقرة: 261] أي: بحسب حال المنفق وإخلاصه، وصدقه، وبحسب حال النفقة وحلِّها، ونفعها، ووقوعها موقعَها، ويحتمل أن يكون ﴿ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ ﴾ [البقرة: 261] أكثر من هذه المضاعفة ﴿ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ [البقرة: 261]، يعطيهم أجرهم بغير حساب، ﴿ وَاللَّهُ وَاسِعٌ ﴾ [البقرة: 261] الفضل، واسع العطاء، ﴿ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 261] بمن يستحق هذه المضاعفة، ومن لا يستحقها، فيضع المضاعفة في موضعها لكمال علمه وحكمته"؛[انتهى].
الشرط الثاني لقبول الصدقة ومضاعفتها: خُلُّوها من المنِّ، وفيه لعِظَمِ إثمه ثلاثُ آياتٍ:
الأولى: ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 262].
وهؤلاء هم الذين ينفقون أموالهم في طاعة الله وسبيله، ولا يُتبعونها بما يَنقصها ويُفسدها من المنِّ بها على الْمُنْفَق عليه بالقلب أو باللسان، بأن يُعدِّد عليه إحسانه، ويغمِزه ويلمزه بأنه ذو فضل عليه، وأن عليه أن يعترف بهذا الفضل ويكون ممتنًّا له، بل ويدفع ضريبته بطريقة أو بأخرى، ومنهم من يؤذي مشاعر الفقير بكلمات أو عبارات ضمنها الإذلال والاستصغار، والعياذ بالله، فهؤلاء الذين لا يفعلون فعل المن، وينتهجون أساليبه، لهم أجرهم عند ربهم، ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون، يُؤمِّنهم الله من الخوف والحزن، سبحان الكريم المنان!
يقول القرطبي في تفسيره:
"لما تقدم في الآية التي قبلُ ذِكْرُ الإنفاق في سبيل الله على العموم، بيَّن في هذه الآية أن ذلك الحكم والثواب إنما هو لمن لا يُتبع إنفاقه منًّا ولا أذًى؛ لأن المنَّ والأذى مُبطلان لثواب الصدقة، كما أخبر تعالى في الآية بعد هذا، وإنما على المرء أن يريد وجه الله تعالى وثوابه بإنفاقه على المنفَق عليه، ولا يرجو منه شيئًا، ولا ينظر من أحواله في حال سوى أن يراعي استحقاقه؛ قال الله تعالى: ﴿ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ﴾ [الإنسان: 9]، ومتى أنْفَقَ ليريد من المنفَق عليه جزاءً بوجه من الوجوه، فهذا لم يُرِدْ وجه الله، فهذا إذا أخلف ظنَّه فيه منَّ بإنفاقه وآذى، وكذلك من أنفق مضطرًّا دافِعَ غُرْمٍ إما لمانَّةٍ للمنفَق عليه، أو لقرينة أخرى من اعتناء معتنٍ، فهذا لم يُرِدْ وجه الله، وإنما يقبل ما كان عطاؤه لله وأكثر قصده ابتغاء ما عند الله؛ كالذي حُكِيَ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن أعرابيًّا أتاه فقال:
يا عمرَ الخير جُزِيتَ الجنَّهْ
اكْسُ بُنيَّاتي وأُمَّهُنَّهْ
وكُنْ لنا من الزمان جُنَّهْ
أُقسم بالله لتفعلنَّه
قال عمر: إن لم أفعل، يكون ماذا؟ قال:
إذًا أبا حفص لأذهبنَّهْ
قال: إذا ذهبتَ، يكون ماذا؟ قال:
تكون عن حالي لتُسألنَّه
يومَ تكون الأُعطيات هنَّه
وموقفُ المسؤول بَيْنَهُنَّهْ
إما إلى نارٍ وإما جنَّهْ
فبكى عمر حتى اخضلَّت لحيته، ثم قال: يا غلامُ، أعْطِه قميصي هذا لذلك اليوم لا لشِعْرِهِ، والله لا أملِك غيره.
قال الماوردي: وإذا كان العطاء على هذا الوجه خاليًا من طلب جزاءٍ وشكرٍ، وعُريًا عن امتنان ونشرٍ، كان ذلك أشرفَ للباذل، وأهنأ للقابل، فأما المعطي إذا التمس بعطائه الجزاءَ، وطلب به الشكر والثناء، كان صاحب سمعة ورياء، وفي هذين من الذمِّ ما ينافي السخاء، وإن طَلَبَ الجزاء كان تاجرًا مربحًا، لا يستحق حمدًا ولا مدحًا".
يتبع