عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 08-08-2024, 01:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,615
الدولة : Egypt
افتراضي فضل النبي صلى الله عليه وسلم

فضل النبي صلى الله عليه وسلم

الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمَده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يَهده الله فلا مضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [ الأحزاب: 70، 71].

أما بعد، فإن أحسنَ الكلام كلام الله سبحانه وتعالى، وأحسَن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

معاشر المؤمنين، أُوصيكم ونفسي بتقوى الله جل وعلا فإنه ما فاز إلا أهل التقى.

لا فخر إلا فخرُ أهلِ التُّقى
غدًا إذا ضمَّهم المحشرُ
ليَعلَمنَّ الناسُ أن التُّقى
والبرَّ كانا خيرَ ما يُدَّخرُ


فالله ألزَمنا بهذا الأمر العظيم، فقال سبحانه: ﴿ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾ [البقرة: 197].

فأُوصي نفسي وإخواني المؤمنين مَن أراد الهدى والرشاد في الدنيا والآخرة - أن يتحلى بهذه الشعيرة العظيمة، وأن يُجاهد الهوى بقدر الإمكان، فأشدُّ الجهاد جهادُ الهوى، وما أُكرم المرء إلا بالتُّقى[1].

معاشر المؤمنين، تأمَّلت في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم منذ بَعثه الله نبيًّا، ثم منحه الرسالة والبلاغ، فعاش حياةً مليئة بالأحداث، وكان الله قد أكمل به الدين وأتَمَّ به الملة، فقال سبحانه: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، أكمل الله به الدين وعلَّق الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة بمتابعته، فقال جل وعلا: ﴿ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ﴾ [النور: 54]، وقال سبحانه: ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾ [طه: 123]، وضمِن الله الحياة الطيبةَ والسعادة الأبدية لمن تابع الرسول، فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [الأنفال: 24].

فيا مَن أردت الحياة الطيبة لا تَذهب هنا وهناك بين يديك رسول الله صلى الله عليه وسلم،

بالشَّرق أو بالغرب لستَ بِمُقتدٍ
أنا قدوتي ما عشتُ شرعُ محمدِ
حاشاي يطويني سرابٌ خادعٌ
ومعي كتابُ الله يَسطَع في يدي
رُوحُ الحياة ونورُها وجمالُها
مَن حاد عنه ففي ظلامٍ سرمدي


فمن أراد الخير كله فإنه موجود في هذا النبي الكريم:
نفسي فداءٌ لجسمٍ أنت تَحمِله
فيه العفافُ وفيه الجُودُ والكرمُ
يا مَن تروع طيبُ القاع أعظمُه
فطاب مِن طيب ذاك القاع والأكم[2]


معاشر المؤمنين، فمن خلال التأمل خرجت بفائدة عظيمة من خلال حياته صلى الله عليه وسلم، بمجرد أن تكون له من المتابعين نعمة عظيمة، وجَب علينا أن نؤدي شكرها، ثم أمرٌ آخر بمجرد ذكره صلى الله عليه وسلم، يكون لك من الشعور والخير بمجرد ذكر اسمه والصلاة والتسليم، فما بالك بالانقياد الفعلي، فبمجرد أن تذكر محمدًا صلى الله عليه وسلم، يكون لك من الخير، فكيف إذا ذُكرت اسمه، وأردفت بالصلاة والتسليم، ثم انقدت له ظاهرًا وباطنًا، فأنت على خير عظيم، فهو أعظم رجل بُعث للبشرية في تاريخ الإنسانية على امتداد التاريخ البشري بشهادة الموافق والمخالف، والفضل ما شهِدت به الأعداء، تسمعون بعض البشارات بمجرد الذكر والدعاء له يكون لك من الخير، فكيف إذا كانت الاستجابة والمتابعة، فالله رفع اسمه.

وشقَّ له من اسمه ليُجلَّه
فذو العرش محمود وهذا محمدُ[3]




من الذي لا يعرف محمدًا صلى الله عليه وسلم؟ ولماذا أَقَضَّ مضاجع الأعداء، فطعنوا في هذه الشخصية المباركة إلا لما كان لها من التأثير؛ لأنها رسالة عالمية؛ كما قال المولى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]، يقول سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

والمراد بالنبي في هذه الآية هو محمدٌ عليه الصلاة والسلام بإجماع المفسرين والفقهاء؛ لأنه خاتم النبيين وإمام المرسلين، وسيد الأولين والآخرين، هو أفضلُ ولد آدم ولا فخر[4]، ومن قال غير ذلك فقد كذب وافترى على الله الكذب، فالله يأمُرك يا عبد الله إذا ذكرت هذا النبي أن تزيد له من الصلاة والتسليم؛ لتحظى بموافقة الله وبموافقة ملائكة الله الذين لا يُحصيهم إلا الله، ففي البيت المعمور في السماء يدخله كلَّ يوم سبعون ألف ملك، ثم لا يعودون إلى قيام الساعة[5].

فالله يُخبر أنه يصلي على النبي وأردف الملائكة، ثم طلب الله منا آمرًا، فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

فرسول الله إذا ذُكر في أي موطن سوى ما كان موطن امتهان كدورات المياه وما أشبهها، فلا ينبغي أن يذكر في موضع فيه استهجان واستهوان، أما في بقية الأماكن، فيذكر صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فالبخيل من ذكر رسول الله ولم يصلِّ عليه؛ كما في الحديث الصحيح: (البخيل من ذكرت عنده، فلم يصلِّ عليه)[6]، وفي حديث آخر: (من ذكرت عنده فخَطِئَ الصلاة عليَّ، خَطِئَ طريق الجنة)[7].

ثم في كل موطن جلست فيه تجلس مع الناس، فلا بد أن تبتدئ بالصلاة والتسليم، وأن يكون له ذكر في كل مجلس؛ ليكون تاج هذا المجلس الصلاة والتسليم على رسول الله، وإلا كانت الخسارة في هذا المجلس، ففي حديث صحيح عنه صلى الله عليه وسلم قال: (ما جلس قوم مجلسًا لم يذكروا الله تعالى فيه، ولم يصلُّوا على نبيهم، إلا كان عليهم ترة، فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم)[8]، ومعنى ترة؛ أي خسارة.

ومن أعظم المواطن التي يُذكر فيها صلى الله عليه وسلم في مثل هذا اليوم الشريف؛ روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أوس بن أوس رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خُلق آدم، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي، فقال رجل: يا رسول الله، كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت يعني بليت؟ فقال: (إن الله قد حرَّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء)[9].

فرسول الله في قبره لا زال كما هو في حياته، لم تتأثر شعرة من شعيرات رأسه على مرِّ العصور والدهور، حفِظه الله سبحانه وتعالى، وهكذا جميع الأنبياء والمرسلين، ثم إذا صليت عليه صلى الله عليه وسلم، فمعنى ذلك أنك تطلُب له من الله زيادة الثناء، تطلب من الله زيادة الثناء لهذا النبي، فأنت إذا صليت عليه مرة كان لك من الفضل والثواب أن يُثني عليك الله عشر مرات؛ لما جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا)[10].

عشر مرات يذكرك الله بمجرد أن تصلي مرة واحدة، ومن الفضائل: أن الله يكفيك الهم والغم، ويُقضى عنك الدين، ويُغفر لك الذنب، وتذهب الكروب والأحزان بمجرد ذكره صلى الله عليه وسلم، واسمعوا إلى هذا الحديث المبارك الذي رواه أبي بن كعب الصحابي الجليل أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلثا الليل، قام فقال يا أيها الناس، اذكروا الله اذكروا الله، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه، قال أُبي: قلت يا رسول الله، إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال ما شئت قال قلت الربع قال ما شئت، فإن زدت فهو خير لك، قلت النصف قال ما شئت، فإن زدت فهو خير لك، قال قلت فالثلثين قال ما شئت، فإن زدت فهو خير لك، قلت أجعل لك صلاتي كلها قال إذا تُكفى همك ويُغفر لك ذنبك)[11].

بمجرد أن يكون لهذا الرجل مجلسٌ في الليل، فيذكره صلى الله عليه وسلم مائة مرة أو أكثر من ذلك ما وجد فراغًا من الوقت، فيذكره صلى الله عليه وسلم، فلو تأملنا في أحوالنا اليوم، شُغلنا في ليلنا، وشُغلنا في نهارنا، أما في النهار ففي الدنيا، وأما في الليل مع تلك الأجهزة، أو كان أحدنا نائمًا إن لم يكن في معصية عياذًا بالله، فلقد كان سلفنا رضوان الله عليهم يجلس الواحد مجلسًا، فيذكر الله ألف مرة، ويصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلها أو دون ذلك، كانت حياتهم عامرة بالذكر: ﴿ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 35].

ومن الفضائل أنك إذا صليت؛ أي: أثنيت على الرسول، بلغ أحد الملائكة هذا الثناء إلى مدينة طيبة مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، فالله يعيد الحياة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليرد عليك السلام، ولو كنت فقيرًا وضيعًا لا يُعبَأ بك، لكن الميزان عند رب العالمين، والاتباع لرسول الله، ففي حديث صحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من أحدٍ يسلم عليَّ إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام)[12].

أحد العلماء في دولة عربية أراد الحج إلى بيت الله الحرام، فقال له بعض المسؤولين في الجوازات: أريد أن أرسل تسليمات لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أُعلمك ما هو أسرع مني ومن أي بريد على وجه الأرض، تسلِّم وتصلي على رسول الله مِن على كرسيك، فإن الله هيَّأ ملائكة تحمل هذا الدعاء والسلام، فيرد الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا رد الرسول صلى الله عليه وسلم عليك، فدعاؤه مقبول، بمعنى اللهم زِده ثناءً، وسلِّم، تدعو له بالسلامة من كل آفة، فهو يقول: وعليك الصلاة وعليك السلام، بمعنى أنه يدعو الله لك أن يثني عليك ويدعو لك بالسلامة؛ مثل أن تقول لرجل: السلام عليكم فيقول: وعليكم السلام، فأنت تدعو له بالسلامة وهو كذلك أيضًا، وهذا دعاء المعصوم صلى الله عليه وسلم.

ومن فضائل الصلاة والسلام أنك تحظى بالشفاعة العظمى يوم أن يتنصل عنها الأنبياء والرسل، لا سيما أولي العزم، وعلى رأسهم أبونا آدم عليه الصلاة والسلام، إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يقول بعضهم لبعض: انظروا إلى من يشفع لكم عند الله، فيأتون آدم فيمتنع عن الشفاعة، ويقول: نفسي نفسي، ولكن ائتوا نوحًا فإذا ما جاؤوا نوحًا النبي الأول صلى الله عليه وسلم، تنصل واعتذر، فيحيلهم إلى إبراهيم، وإبراهيم يحيلهم على موسى، ثم عيسى عليهم الصلاة والسلام، فيحيلهم روح الله عيسى ابن مريم على محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فيقول: ائتوا محمدًا عبد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيقول صلى الله عليه وسلم: (أنا لها، فأستأذن على ربي فيؤذن لي، ويلهمني محامد أحمَده بها لا تحضُرني الآن، فأحمده بتلك المحامد وأَخِرُّ له ساجدًا، فيقال يا محمد، ارفع رأسك وقلْ يُسمع لك، وسلْ تُعط، واشفع تشفع، فأقول: يا رب أمي أمتي)[13]، فيشفع للناس لإراحتهم من الموقف.

وهناك شفاعات أخرى يقول عليه الصلاة والسلام: (من صلى عليَّ حين يصبح عشرًا، وحين يمسي عشرًا، أدركته شفاعتي يوم القيامة)[14].

ففي صبيحة يومك بعد الفجر تُصلي وتسلِّم عشر مرات على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا في المساء، ما الفائدة من ذلك؟ توجب لك شفاعة محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة.

ومن الفضائل وهي كثيرة: إجابة الدعاء، فإن الدعاء محجوب بين السماء والأرض، حتى يُصلَّى على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن أراد أن تُستجاب دعوته وأن يُرفع دعاؤه إذا مدَّ يديه إلى رب العالمين، فلا بد أن يَتَمَلَّقَ إلى الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 180].

ثم يصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الدعاء محجوب حتى يصلَّى على رسول الله صلى الله عليه وسلم[15].

هذه الشخصية العظيمة مهما ذكرنا لها من الفضائل ومهما ذكرنا لها من الخصائص، فإننا لا نستطيع حصرها، وإن الواجب على المسلم أن يُكثر من الصلاة والتسليم الشرعي في أن يصلي صلاة مأثورة عن رسول الله أن يقول مثلًا: اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ إلى آخر ما يقرؤه في التشهد، أو يقول صلى الله عليه وسلم، أو يقول: اللهم صلِّ على محمد وعلى آله دون أن يتجاوز، فإن هناك كتابًا يباع في الأسواق بعنوان دلائل الخيرات لرجل في القرن الثامن الهجري يسمى الجزولي، ألَّف كتابًا بعنوان دلائل الخيرات، ففيه من الابتداع في هذا الباب هو ذكر الفضائل، لكنه ذكر صيغًا لم تكن واردة عن رسول الله ولا عن السلف الصالح؛ منها: اللهم صلِّ على رسول الله حتى لا يبقى من الصلاة شيء، وسلم حتى لا يبقى من السلام شيء، وترحَّم حتى لا يبقى من الرحمة شيء، على أن رحمة الله وسعت كل شيء[16]، فلا ينبغي الاعتداء في الدعاء، فالله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: ﴿ ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [الأعراف: 55]، فمن دعا الله بأمر فلا ينبغي أن يكون معتديًا، لا أن يطلب أمرًا مستحيلًا، وإنما يطلب أمرًا شرعيًّا، على أن الله قادرٌ على كل شيء أن يُعطيه للعبد، لكنه لا ينبغي أن يذكر وأن يدخل باب الاستحالات، ذكر بعض العلماء أنه سمع ابنه يقول: اللهم ارزقني القصر الأبيض عن يمين الجنة، فقال له: يا بني هذا من الاعتداء في الدعاء.

أو أن تسأل مثلًا أن يجعلك الله ملَكًا، أو أن يجعلك الله جنيًّا، أو أن يعيدك امرأة مثلًا، فإن هذا أمر لا يجوز، وإنما تسأل الله العافية، تسأله الخيرَ، وتستعيذ به من الشر، هذه زوجة من أمهات المؤمنين من زوجات نبينا صلى الله عليه وسلم، دعت بدعاءٍ قد يكون واردًا ومحبوبًا إلى النفس قالت: (اللهم متِّعني بزوجي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبأبي أبي سفيان، وبأخي معاوية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد سألت الله لآجال مضروبة وأيام معدودات، وأرزاق مقسومة، لن يعجل شيئًا قبل حِلِّه، أو يؤخر شيئًا عن حِلِّه، ولو كنت سألت الله أن يعيذك من عذاب في النار أو عذاب في القبر، كان خيرًا وأفضلَ)[17].

فهكذا لا بد أن تكون المسألة، سلْ من خير الله، فإن الله يقول: (يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنَّكم، قاموا في صعيد واحد، فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر[18]، فلو سألت الله من الخير لأعطاك، فكل شيء خزائنه بيد الله، ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ﴾ الحجر: 21].

فكل شيء بقضاء الله وقدره لكن على الإنسان أن يعلم أنه لا يجوز الاعتداء، الله قادرٌ على أن يعطيك ما أرادت، وأن يصيِّرك ما شاء هو سبحانه وتعالى، ولكن أنت مقيَّد بشرعٍ، على أن تسأل الله سبحانه وتعالى من الأمور التي تستنفع بها، فهناك بعض الناس فربما أُصيب باليأس، وذلك أن يطلب مطالب عظيمة، فالله عز وجل قد يؤخر له الدعاء، أو قد تكون هناك موانع بينه وبين قبلة السماء، لا يرفع له الدعاء، قد يكون قاطعًا للأرحام، قد يكون والعياذ بالله واقعًا في المحرمات، يشعر أو لا يشعر، فهي تحجز بينه وبين إجابة الدعاء؛ كما في حديث صحيح: (ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث؛ أما أن تعجل له دعوته، وأما أن يدَّخرها له في الآخرة، وأما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذا نُكثر قال الله أكثرُ)[19].

فأنت إذا دعوت فقد أدَّيت ما عليك، فإما أن تُعطى الدعوة، وإما أن تُدَّخر لك إلى الآخرة، وإما أن يصرف عنك من السوء مثلها، هذا إذا كنتَ قد أتيتَ بالشروط وانتفت الموانع، أما إذا وُجدت موانع، فلا تُرفع هذه الدعوة؛ كأن تكون قاطعًا لرحم، أو غارقًا في الآثام، فلا بد أولًا أن تعرض نفسك على أمر الله، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لتكون نظيفًا، ثم بعد ذلك إن دعوت قُبلت دعوتك؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186].

فكما أنك تطلب من الله مطالب، فله مطالب أيضًا، فمن أراد أن يعلم ما له عند الله من الكرامة، فلينظر أولًا ما أمَرَه الله به من واجبات، فيقوم بها من الأوامر والنواهي.

اللهم بارِك لي ولكم في القرآن العظيم، وانفَعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، هذا ما قلته لكم، وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم، فاستغفروه يغفر لكم.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.67 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.04 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.98%)]