حل إشكالات الإنتصار
وضاح أحمد الحمادي
قال ابن الفخار رحمه الله : (مسألة : قال : روى مالك رحمه الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه ، فهي للذي يعطاها ، لا ترجع إلى الذي أعطى أبداً ؛ لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث"
قال هذا المعترض : كيف جاز لكم ترك حديث جابر في العمرى أنها تكون ملكاً للمعمر وورثته دون المعمِر ، وأرجعتموه إلى الأول المعمر بعد موت المعمر وورثته ، وخالفتم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم")
ثم قال رحمه الله : (قال محمد بن عمر : يقال له : قال الله عز وجل : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} قوله : { بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} فأخبر عز وجل أنه باللسان يصح البيان ، ويرتفع الإشكال ، وإنما علم الله آدم الأسماء كلها لأنه جعلها علامات ، لتدل على حقائق المسميات ، واختلاف المذكورات ، فلما قال صلى الله عليه وسلم : "من أعمر عمرى له ولعقبه ، فإنها للذي يعطاها ، لا ترجع إلى الذي أعطاها ، لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث" من قول أبي سلمة. فلما جاء الحديث باسم العمرى دون اسم العطية والهبة ، والصدقة ، والنحلة بالأسماء التي لا يشكل أنها تنتقل بها الأملاك من معطيها إلى معطاها ، اشتققنا الحكم من نفس الكلمة ، لأنه لم يقل : من أعطى ، ولا من وهب ، ولا من نحل ، ولا من تصدق ، إنما قال : "من أعمر عمرى" واسم العمرى مشتق من العمر ، وقد علق الملك بالعمر دون التأبيد ، فصار ملكاً إلى أجل ، وهو العمر ، فليس ملكاً مستقراً ، والملك المستقر ليس يعلق بأجل ، ولا عمر، إلا ملك مطلق، فلما رأينا أن الأمر هكذا ، وجب علينا طلب الدلالة لقوله : "لا ترجع إلى الذي أعطاها" وقول أبي سلمة : "لأنه أعطى عطاءً وقعت فيه المواريث" ما وجهه؟
فوجهنا له وجهاً يعني أن الذي فرضه الله عز وجل، قال الله عز وجل { وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ} ولم يكن ذلك على وجه المواريث ، وإنما هو أنه إنما أخذ منهم ما كان بأيديهم ، وكذلك المعمر أخذ عنه ما كان بيد المعمر ، وكذلك العقب يأخذ ذلك بعد أبيه يعطيه المعمر حقيقة الشيء لأن العمرى عند العرب إنما هي : تمليك منفعة لا تمليك رقبة ، بدليل : لو كانت أمرة لم يطأها المعمر ، ولا عقبه من بعده ، ولو كان ملك الرقبة ، لحل لهم الوطء، فإذا كان كذلك ، كان ملك الرقبة العمرى للمعمر ، ترجع إليه إذا مات المعمر أو إلى ورثته يرثونها على كتاب الله، ألا ترى في البيع والصدقة والهبة؟ فلو قال : قد بعتك شهراً .. لم يصح ، أو تصدقت بها عليك شهراً ، لم يصح ذلك متى أراد نقل الملك إلى المتصدق عليه ، وكذلك العمرى ) (الإنتصار) ص 119-122