عرض مشاركة واحدة
  #85  
قديم 16-05-2024, 02:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,369
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة

الحكمـة ضالـة المؤمن (86)


- اقرأ باسم ربك الذي خلق



تكرر لفظ العلم ومشتقاته في القرآن الكريم مئات المرات، مقترنا في مواضع كثيرة بالأمر بالتدبر في الآيات الكونية والشرعية؛ مما يؤكد بقوة أهمية العلم والتعليم في الإسلام، ولا أصرح دلالة على ذلك من قوله تعالى مخاطبا نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم في أول وحي نزل عليه: {قْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ.} (العلق: 1- 5).
قال ابن كثير: «فأول شيء نزل من القرآن هذه الآيات الكريمات المباركات، وهن أول رحمة رحم الله بها العباد، وأول نعمة أنعم الله بها عليهم، وفيها التنبيه على - أن من كرمه تعالى - أن علم الإنسان ما لم يعلم، فشرفه وكرمه بالعلم، وهو القدر الذي امتاز به أبو البرية آدم على الملائكة. والعلم تارة يكون في الأذهان، وتارة يكون في اللسان، وتارة يكون في الكتابة بالبنان، ذهني ولفظي ورسمي، والرسمي يستلزمهما من غير عكس، فلهذا قال: {اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم}، وفي الأثر:» قيدوا العلم بالكتابة».
وهذا الخطاب الرباني وإن كان موجها للنبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه تكليف للأمة عامة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وقوله‏:‏ ‏{‏اقْرَأْ‏}‏ وإن كان خطابًا للنبى صلى الله عليه وسلم ولا، فهو خطاب لكل أحد، سواء كان قوله‏:‏ ‏{‏‏اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ‏} هـو خطاب للإنسـان مطلقًـا، والنبى صلى الله عليه وسلم أول مـن سمع هـذا الخطاب، أو من النوع، أو هو خطاب للنبى صلى الله عليه وسلم خصوصًا، كما قد قيــل في نظائــر ذلك‏ مثل قوله‏:‏ ‏{‏‏مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} (النساء: 79)،‏‏ قيل‏:‏ خطاب له، وقيل‏:‏ خطاب للجنس، وأمثال ذلك‏.‏‏ فإنه وإن قيل‏:‏ إنه خطاب له، فقد تقرر أن ما خوطب به من أمر ونهي فالأمة مخاطبة به، ما لم يقـم دليل التخصيص‏.‏‏ فقوله في هذه السورة‏:‏ ‏{‏اقْرَأْ‏}‏، كقوله في آخرها‏:‏ ‏{وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ‏}،‏ هذا متناول لجميع الأمة‏.‏»
وللأسف فإن واقع بعض المسلمين اليوم يتنافى مع هذا الأمر الرباني، كما تؤكد ذلك الإحصائيات والتقارير، ففي صحيفة الشرق الأوسط نُشر تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2004 الذي أشرف عليه المئات من الخبراء والباحثين، ووصلوا إلى أن ثلث الرجال ونصف النساء لا يقرؤون.
وفي تقريرمنظمة اليونسكو عن القراءة في الوطن العربي يقول: إن المواطن العربي يقرأ ست دقائق في السنة، مع ملاحظة أن هذه الإحصائية محذوف فيها (قراءة الصحف والمجلات، والكتب الدراسية، وملفات العمل وقراءة التقارير، وقراءة الكتب للتسلية).
من الإحصائيات اللافتة أن كل 20 عربياً يقرؤون كتاباً واحداً في السنة، بينما يقرأ كل ألماني 7 كتب في السنة، أي يقرأ 20 ألمانياً 140 كتاباً في السنة، في حين يقرأ 20 عربياً كتاباً فقط لا غير.
ولهذا يقرر العقاد هذه الحقيقة المرة بقوله: «إن القراءة لم تزل عندنا سخرة، يساق إليها الأكثرون طلبا لوظيفة أو منفعة، ولم تزل عند أمم الحضارة حركة نفسية كحركة العضو الذي لا يطيق الجمود».
ويذهب د. عبد الكريم بكار إلى أن القراءة أصبحت عبئا على بعض الناس حتى تفنن في خلق الأعذار فيقول: «لأن القراءة لا تتمتع بأي أهمية لدى الكثيرين من أبناء الأمة، فإننا نجد لدى الكثير ممن نقابلهم براعة نادرة في اختلاق الأعذار التي تجعل جفاءهم للكتب أمرا طبيعيا».
فالآية الكريمة فيها تكليف الأمة بالقراءة بأسلوب بليغ، كما نبه إليه الشيخ ابن عاشور؛ حيث قال عن افتتاح السورة بكلمة (اقرأ): «وفي هذا الافتتاح براعة استهلال للقرآن.والأمر بالقراءة مستعمل في حقيقته من الطلب لتحصيل فعل في الحال أو الاستقبال، فالمطلوب بقوله: (اقرأ) أن يفعل القراءة في الحال أو المستقبل القريب من الحال».
ومن عناية الإسلام بالقراءة أن النبي صلى الله عليه وسلم فادى بعض أسرى بدر بتعليم عدد من صبيان المدينة، فعن ابن عباس كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة. قال: فجاء يوماً غلام يبكي إلى أبيه فقال: ما شأنك؟ قال ضربني معلمي، قال: الخبيث يطلب بِذِحْل بدر(يعني: بثأر) والله لا تأتيه أبداً. أخرجه الإمام أحمد وحسنه شعيب الأرناؤوط.
والقراءة كما يعرفها الفيروزآبادي هي(الدراسة والتفقه)، فالقراءة عنده تشتمل على أمرين: تتبع الكلمات بالنظر، مع الفهم والاستيعاب.
وقد اتسع مفهوم القراءة ليصبح أداة لتنمية خبرات القارئ العلمية والثقافية، ورافدا لربط الإنسان بعالمه، ووسيلة لحل مشكلاته، وسبيلا للترفيه والاستمتاع.
فقراءة الكتب النافعة، ومطالعة المؤلفات المفيدة سبيل لتحصيل العلم، والنأي بالنفس عن الجهل، وامتثال الأمر الشرعي في قوله صلى الله عليه وسلم : «طلب العلم فريضة على كل مسلم» أخرجه ابن ماجه، وابن عبدالبر، وصححه الألباني. وتحصيل العلم يكون بسؤال أهل العلم والتفقه عليهم، وكذلك يكون بمطالعة المصنفات المفيدة المعتبرة، قال الشيخ محمد الطاهر: «تحصيل العلوم يعتمد أمورا ثلاثة: أحدها: الأخذ عن الغير بالمراجعة والمطالعة، وطريقهما الكتابة وقراءة الكتب، فإن بالكتابة أمكن للأمم تدوين آراء علماء البشر، ونقلها إلى الأقطار النائية، وفي الأجيال الآتية.والثاني: التلقي من الأفواه بالدرس والإملاء. والثالث: ما تنقدح به العقول من المستنبطات والمخترعات، وهذان داخلان تحت قوله تعالى:{علم الإنسان ما لم يعلم}».
وحري بالمسلم أن يتوجه لتحصيل العلم، وينفق أوقاته في طلبه، ليعبد الله تعالى على بصيرة، ويصحح اعتقاده وعمله وخلقه، ويتجنب الزلل والمعاصي والضلال.
ولابد من الاستعانة بالله تعالى في كل الأمور، ومنها تحصيل العلم؛ ولهذا قال عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم : {اقرأ باسم ربك}. قال ابن عاشور: «أي: قل : باسم الله، فتكون الباء للاستعانة، ومعنى الاستعانة باسم الله ذكر اسمه عند هذه القراءة.
وذكر احتمالا ثانيا، وهو أن تكون الباء للمصاحبة أي: اقرأ ما سيوحى إليك مصاحبا قراءتك اسم ربك، فالمصاحبة: مصاحبة الفهم والملاحظة لجلاله، ويكون هذا إثباتا لوحدانية الله بالإلهية، وإبطالا للنداء باسم الأصنام الذي كان يفعله المشركون، يقولون: باسم اللات، باسم العزى، فهذا أول ما جاء من قواعد الإسلام قد افتتح به أول الوحي».
وإذا حصل للمسلم العلم النافع من القراءة والمدارسة، عليه أن يتواضع لربه الذي خلقه من علقة، وعلمه ما لم يعلم، ولهذا جاءت الإشارة إلى بدء خلق الإنسان في الآية وربط العلم بتعليم الله تعالى للإنسان، حتى لا يفخر بعلمه، ولا ينسى أصله وبدء خلقه، وبالله التوفيق.


اعداد: د.وليد خالد الربيع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.07 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.44 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.13%)]