عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 09-05-2024, 11:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,792
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السابع

سُورَةُ الأحقاف
الحلقة (493)
صــ 381 إلى صــ 390



قوله تعالى: وقد خلت القرون من قبلي فيه قولان . أحدهما: مضت القرون فلم يرجع منهم أحد، قاله مقاتل . والثاني: مضت القرون مكذبة بهذا، قاله أبو سليمان الدمشقي .

قوله تعالى: وهما يستغيثان الله أي: يدعوان الله له بالهدى، ويقولان له: ويلك آمن أي: صدق بالبعث، فيقول ما هذا الذي تقولان إلا أساطير الأولين وقد سبق شرحها [الأنعام: 25] .

قوله تعالى: أولئك يعنى الكفار الذين حق عليهم القول أي: وجب عليهم قضاء الله أنهم من أهل النار في أمم أي: مع أمم . فذكر الله تعالى في الآيتين قبل هذه من بر والديه وعمل بوصية الله عز وجل، ثم ذكر من لم يعمل بالوصية ولم يطع ربه ولا والديه، إنهم كانوا خاسرين وقرأ ابن السميفع، وأبو عمران: "أنهم" بفتح الهمزة .

ثم قال: ولكل درجات مما عملوا أي: منازل ومراتب بحسب ما اكتسبوه من إيمان وكفر، فيتفاضل أهل الجنة في الكرامة، وأهل النار في [ ص: 382 ] العذاب وليوفيهم أعمالهم قرأ ابن كثير، وعاصم، وأبو عمرو : "وليوفيهم" بالياء، وقرأ الباقون: بالنون; أي: جزاء أعمالهم .

قوله تعالى: ويوم يعرض المعنى: واذكر لهم يوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم أي: ويقال لهم: أذهبتم، قرأ ابن كثير: ["آذهبتم" بهمزة مطولة . وقرأ] ابن عامر: "أأذهبتم" بهمزتين . وقرأ نافع، وعاصم، وأبو عمرو ، وحمزة، والكسائي: "أذهبتم" على الخبر، وهو توبيخ لهم . قال الفراء والزجاج: [العرب] توبخ بالألف وبغير الألف، فتقول: أذهبت وفعلت كذا؟! و: ذهبت ففعلت؟! قال المفسرون: والمراد بطيباتهم: ما كانوا فيه من اللذات مشتغلين بها عن الآخرة معرضين عن شكرها . ولما وبخهم الله بذلك، آثر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والصالحون بعدهم اجتناب نعيم العيش ولذته ليتكامل أجرهم ولئلا يلهيهم عن معادهم . وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على خصفة وبعضه على التراب وتحت رأسه وسادة محشوة ليفا، فقال: يا رسول الله أنت نبي الله وصفوته، وكسرى وقيصر على سرر الذهب وفرش الديباج والحرير؟! فقال صلى الله عليه وسلم: "يا عمر، إن أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم، وهي وشيكة الانقطاع، وإنا أخرت لنا طيباتنا" . وروى جابر بن عبد الله قال: رأى عمر بن الخطاب لحما معلقا في يدي، فقال: ما هذا يا جابر؟ فقلت: اشتهيت لحما فاشتريته، فقال: أو كلما اشتهيت [ ص: 383 ] اشتريت يا جابر؟! أما تخاف هذه الآية: "أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا" . وروي عن عمر أنه قيل له: لو أمرت أن نصنع لك طعاما ألين من هذا، فقال: إني سمعت الله عير أقواما فقال: "أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا" .

قوله تعالى: تستكبرون في الأرض أي: تتكبرون عن عبادة الله والإيمان به .

واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم . قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين . قال إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به ولكني أراكم قوما تجهلون . فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم . تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين .

قوله تعالى: واذكر أخا عاد يعني هودا إذ أنذر قومه بالأحقاف قال الخليل: الأحقاف: الرمال العظام . وقال ابن قتيبة : واحد الأحقاف: حقف، وهو من الرمل: ما أشرف من كثبانه واستطال وانحنى . وقال ابن جرير: هو ما استطال من الرمل ولم يبلغ أن يكون جبلا .

واختلفوا في المكان الذي سمي بهذا الاسم على ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه جبل بالشام، قاله ابن عباس، والضحاك .

[ ص: 384 ] والثاني: أنه واد، ذكره عطية . وقال مجاهد: هي أرض . وحكى ابن جرير: أنه واد بين عمان ومهرة . وقال ابن إسحاق: كانوا ينزلون ما بين عمان وحضرموت، واليمن كله .

والثالث: أن الأحقاف: رمال مشرفة على البحر بأرض يقال لها: الشحر، قاله قتادة .

قوله تعالى: وقد خلت النذر أي: قد مضت الرسل من قبل هود ومن بعده بإنذار أممها ألا تعبدوا إلا الله ; والمعنى: لم يبعث رسول قبل هود ولا بعده إلا بالأمر بعبادة الله وحده . وهذا كلام اعترض بين إنذار هود وكلامه لقومه . ثم عاد إلى كلام هود فقال: إني أخاف عليكم .

قوله تعالى: لتأفكنا أي: لتصرفنا عن عبادة آلهتنا بالإفك .

قوله تعالى: إنما العلم عند الله أي: هو يعلم متى يأتيكم العذاب .

فلما رأوه يعني ما يوعدون في قوله: "بما تعدنا" عارضا أي: سحاب يعرض من ناحية السماء . قال ابن قتيبة : العارض: السحاب . قال المفسرون: كان المطر قد حبس عن عاد، فساق الله إليهم سحابة سوداء، فلما رأوها فرحوا و قالوا هذا عارض ممطرنا ، فقال لهم هود: بل هو ما استعجلتم به ، ثم بين ما هو فقال: ريح فيها عذاب أليم ، فنشأت الريح من تلك السحابة، تدمر كل شيء أي: تهلك كل شيء مرت به من الناس والدواب والأموال . قال عمرو بن ميمون: لقد كانت الريح تحتمل الظعينة فترفعها حتى ترى كأنها جرادة، فأصبحوا يعني عادا لا يرى إلا مساكنهم [ ص: 385 ] قرأ عاصم، وحمزة: "لا يرى" برفع الياء "إلا مساكنهم" برفع النون . وقرأ علي، وأبو عبد الرحمن السلمي، والحسن، وقتادة، والجحدري : "لا ترى" بتاء مضمومة . وقرأ أبو عمران، وابن السميفع: "لا ترى" بتاء مفتوحة . "إلا مسكنهم" على التوحيد . وهذا لأن السكان هلكوا، فقيل: أصبحوا وقد غطتهم الريح بالرمل فلا يرون .

ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون . ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون . فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة بل ضلوا عنهم وذلك إفكهم وما كانوا يفترون .

ثم خوف كفار مكة، فقال عز وجل: ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه في "إن" قولان .

أحدهما: أنها بمعنى "لم"، فتقديره: فيما لم نمكنكم فيه، [قاله ابن عباس، وابن قتيبة . وقال الفراء: هي بمنزلة "ما" في الجحد، فتقدير الكلام: في الذي لم نمكنكم فيه] .

والثاني: أنها زائدة; والمعنى: فيما مكناكم فيه، وحكاه ابن قتيبة أيضا .

[ ص: 386 ] ثم أخبر أنه جعل لهم آلات الفهم، فلم يتدبروا بها، ولم يتفكروا فيما يدلهم على التوحيد . قال المفسرون: والمراد بالأفئدة: القلوب; وهذه الآلات لم ترد عنهم عذاب الله .

ثم زاد كفار مكة في التخويف، فقال: ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى كديار عاد وثمود وقوم لوط وغيرهم من الأمم المهلكة وصرفنا الآيات أي: بيناها لعلهم يعني أهل القرى يرجعون عن كفرهم . وهاهنا محذوف، تقديره: فما رجعوا عن كفرهم .

فلولا أي: فهلا نصرهم أي: منعهم من عذاب الله الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة ؟! يعني الأصنام التي تقربوا بعبادتها إلى الله على زعمهم; وهذا استفهام إنكار، معناه: لم ينصروهم بل ضلوا عنهم أي: لم ينفعوهم عند نزول العذاب وذلك يعني دعاءهم الآلهة إفكهم أي: كذبهم . وقرأ سعد بن أبي وقاص، وابن يعمر، وأبو عمران: "وذلك أفكهم" بفتح الهمزة وقصرها وفتح الفاء وتشديدها ونصب الكاف . وقرأ أبي بن كعب ، وابن عباس، وأبو رزين ، والشعبي، وأبو العالية، والجحدري : "أفكهم" بفتح الهمزة وقصرها ونصب الكاف والفاء [وتخفيفها] . قال ابن جرير: أي: أضلهم . وقال الزجاج : معناها: صرفهم عن الحق فجعلهم ضلالا . وقرأ ابن مسعود، [ ص: 387 ] وأبو المتوكل: "آفكهم" بفتح الهمزة ومدها وكسر الفاء وتخفيفها ورفع الكاف، أي: مضلهم .

وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين . قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم . يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم . ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين .

قوله تعالى: وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن وبخ الله عز وجل بهذه الآية كفار قريش بما آمنت به الجن . وفي سبب صرفهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أقوال .

أحدها: أنهم صرفوا إليه بسبب ما حدث من رجمهم بالشهب . روى البخاري ومسلم في "الصحيحين" من حديث ابن عباس قال: انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب، فرجعت الشياطين، فقالوا: ما لكم؟ قالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب، قالوا: ما ذاك إلا من شيء حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ما هذا الأمر، فمر النفر الذين توجهوا نحو تهامة بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو بـ "نخلة" وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا [ ص: 388 ] القرآن تسمعوا له، فقالوا: هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فهنالك رجعوا إلى قومهم فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد [الجن: 1 -2] . فأنزل الله على نبيه قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن [الجن: 1] . وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن، ولا رآهم، وإنما أتوه وهو بـ "نخلة" فسمعوا القرآن .

والثاني: أنهم صرفوا إليه لينذرهم، وأمر أن يقرأ عليهم القرآن، هذا مذهب جماعة، منهم قتادة . وفي أفراد مسلم من حديث علقمة قال: قلت لعبد الله: من كان منكم مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ فقال: ما كان منا معه أحد، فقدناه ذات ليلة ونحن بمكة، فقلنا: اغتيل رسول الله صلى الله عليه وسلم أو استطير، فانطلقنا نطلبه في الشعاب، فلقيناه مقبلا من نحو حراء، فقلنا: يا رسول الله، أين كنت؟ لقد أشفقنا عليك، وقلنا له: بتنا الليلة بشر ليلة بات بها قوم حين فقدناك، فقال: "إنه أتاني داعي الجن، فذهبت أقرئهم القرآن"، فذهب بنا، فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم . وقال قتادة: ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إني أمرت أن أقرأ على الجن، فأيكم يتبعني؟" فأطرقوا، ثم استتبعهم فأطرقوا، ثم استتبعهم الثالثة فأطرقوا، فأتبعه عبد الله بن مسعود، فدخل نبي الله صلى الله عليه وسلم شعبا يقال له: "شعب الحجون"، وخط على عبد الله خطا ليثبته به، قال: فسمعت لغطا شديدا حتى خفت على نبي الله صلى الله عليه وسلم، فلما رجع قلت: يا نبي الله، ما اللغط [ ص: 389 ] الذي سمعت؟ قال: "اجتمعوا إلي في قتيل كان بينهم، فقضيت بينهم بالحق"

والثالث: أنهم مروا به وهو يقرأ، فسمعوا القرآن . فذكر بعض المفسرين أنه لما يئس من أهل مكة أن يجيبوه، خرج إلى الطائف ليدعوهم إلى الإسلام- وقيل: ليلتمس نصرهم- وذلك بعد موت أبي طالب، فلما كان ببطن نخلة قام يقرأ القرآن في صلاة الفجر، فمر به نفر من أشراف جن نصيبين، فاستمعوا القرآن . فعلى هذا القول والقول الأول، لم يعلم بحضورهم حتى أخبره الله تعالى; وعلى القول الثاني، علم بهم حين جاءوا . وفي المكان الذي سمعوا فيه تلاوة النبي صلى الله عليه وسلم قولان . أحدهما: الحجون، وقد ذكرناه عن ابن مسعود، وبه قال قتادة . والثاني: بطن نخلة، وقد ذكرناه عن ابن عباس، وبه قال مجاهد .

وأما النفر، فقال ابن قتيبة : يقال: إن النفر ما بين الثلاثة إلى العشرة . وللمفسرين في عدد هؤلاء النفر ثلاثة أقوال .

أحدها: أنهم كانوا سبعة، قاله ابن مسعود، وزر بن حبيش، ومجاهد، ورواه عكرمة عن ابن عباس .

[ ص: 390 ] والثاني: تسعة، رواه أبو صالح عن ابن عباس .

والثالث: اثني عشر ألفا، روي عن عكرمة، ولا يصح، لأن النفر لا يطلق على الكثير .

قوله تعالى: فلما حضروه أي: حضروا استماعه، و قضي يعني: فرغ من تلاوته ولوا إلى قومهم منذرين أي: محذرين عذاب الله عز وجل إن لم يؤمنوا .

وهل أنذروا قومهم من قبل أنفسهم، أم جعلهم رسول الله رسلا إلى قومهم؟ فيه قولان .

قال عطاء: كان دين أولئك الجن اليهودية، فلذلك قالوا: من بعد موسى .

قوله تعالى: أجيبوا داعي الله يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم . وهذا يدل على أنه أرسل إلى الجن والإنس .

قوله تعالى: يغفر لكم من ذنوبكم "من" هاهنا صلة .

[ ص: 391 ] قوله تعالى: فليس بمعجز في الأرض أي: لا يعجز الله تعالى وليس له من دونه أولياء أي: أنصار يمنعونه من عذاب الله تعالى أولئك الذين لا يجيبون الرسل في ضلال مبين .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 43.73 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 43.11 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.44%)]