الموضوع: وقفات رمضانية
عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 08-04-2024, 11:38 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات رمضانية

وقفات رمضانية (7) الموسم الرابع

د. عبدالسلام حمود غالب

حديثنا اليوم عن الأحكام التالية:
صوم المجنون، وصوم الصبي، وصوم المغمى عليه، وصوم السكران، وصوم الصغير، وصوم النائم طوال اليوم، وصوم قاطع الصلاة، وصوم المريض والمسافر.

ملاحظة: يمكن النقل والنشر للموضوعات مع الإشارة للناقل، وبالتوفيق للجميع.
وصومًا مقبولًا وذنبًا مغفورًا.

- حكم صوم المجنون:
المجنون ليس من المكلفين، فلا تجب عليه عبادة.

وإذا جُنَّ المسلم جميع النهار في رمضان من قبل الفجر أو بعد الفجر إلى غروب الشمس، فلا يصح صومه، ولا يلزمه القضاء؛ لأنه ليس أهلًا للعبادة وغير مكلف.

- حكم صوم المغمى عليه:
مذهب الإمامين الشافعي وأحمد أن من أصيب بإغماء في رمضان لا يخلو من حالين:
الأولى: أن يستوعب الإغماء جميع النهار، بمعنى أنه يغمى عليه قبل الفجر ولا يفيق إلا بعد غروب الشمس، فهذا لا يصح صومه، وعليه قضاء هذا اليوم بعد رمضان.

والدليل على عدم صحة صومه أن الصوم إمساك عن المفطرات مع النية؛ لقول الله تعالى في الحديث القدسي عن الصائم: ((يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي))؛ رواه البخاري (1894)، ومسلم (1151).

فأضاف الترك إلى الصائم، والمغمى عليه لا يُضاف إليه الترك.

وأما الدليل على وجوب القضاء عليه فقول الله تعالى: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة: 185].

الثانية: أن يفيق جزءًا من النهار- ولو لحظة- فهذا يصح صيامه، سواء أفاق من أول النهار أو آخره أو وسطه.

قال النووي رحمه الله وهو يذكر اختلاف العلماء في هذه المسألة:
وأصحُّ الأقوال: يشترط الإفاقة في جزءٍ منه؛ ا هـ.
أي: يشترط لصحة صوم المغمى عليه أن يفيق جزءًا من النهار.

والدليل على صحة صومه إذا أفاق جزءًا من النهار أنه قد وجد منه الإمساك عن المفطرات في الجملة؛ انظر: "حاشية ابن قاسم على الروض المربع "(3/381).

والخلاصة:
أن الرجل إذا أغمي عليه جميع النهار-أي من طلوع الفجر إلى غروب الشمس- لم يصح صومه، وعليه القضاء.

وإذا أفاق في أي جزء من النهار صحَّ صومه. وهذا هو مذهب الشافعي وأحمد واختاره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله؛ انظر: المجموع (6/346)، والمغني (4/344)، الشرح الممتع (6/365).

صيام السكران:
يحرم تناول المسكر في رمضان وغيره، وهو في رمضان أشد حرمة.

ويصح الصوم إذا نواه من الليل، وأفاق جزءًا من النهار، فإذا لم يفق النهار كله لم يصحَّ صومُه ولزمه القضاء.

قال زكريا الأنصاري في "شرح منهج الطلاب مع حاشية البجيرمي" (2/ 76): (وشرطه إسلام وعقل ونقاء) عن نحو حيض (كل اليوم)، فلا يصح صوم من اتَّصف بضد شيء منها في بعضه؛ كالصلاة.

(ولا يضر نومه)؛ أي: نوم كل اليوم، (و) لا (إغماء، أو سكر بعضه) بخلاف إغماء، أو سكر كله؛ لأن الإغماء والسكر يخرجان الشخص عن أهلية الخطاب، بخلاف النوم؛ إذ يجب قضاء الصلاة الفائتة به، دون الفائتة بالإغماء والسكر في الجملة.

وذكْر السكر من زيادتي، فمن شرب مسكرًا ليلًا، وصحا في بعض النهار صحَّ صومه"؛ انتهى.

وقال سليمان الجمل في حاشيته على "شرح المنهج"(2/ 334): "والحاصل: أن كلًّا من الإغماء والسكر بتعدٍّ أو دونه، إن استغرق النهار، وجب القضاء، وإلا بأن لم يستغرق، وقد نوى ليلًا، أجزأه"؛ انتهى.

- حكم صوم النائم:
إذا تسحَّر المسلم ثم نام ولم يستيقظ إلا بعد غروب الشمس:
فإن كان معذورًا بمرض أو إرهاق،فصومه صحيح، ولا قضاء عليه.

وإن كان غير معذور فصومه صحيح، لكنه آثم بالنوم عن الصلوات المفروضة، وتعطيل وقت الطاعة والعمل، والإسراف في النوم؛ فعليه التوبة والاستغفار، وقضاء ما فاته من الصلوات.

- حكم من يصوم دون أن يصلي:
الصلاة ركن من أركان الإسلام، وإذا أنكرها أو جحدها، فقد يخرج من دائرة الإسلام، وإذا كان متهاونًا أو متكاسلًا أو يصلي يومًا ويومًا أو صلاة دون صلاة، فلا يخرج من دائرة الإسلام؛ ولكن قد يعزر لذلك ويؤمر بها.

وصيامه صحيح؛ لأن الصيام عبادة مستقلة، وهو ركن مستقل من أركان الإسلام.

- حكم صوم الصبي:
العبادات لا تجب إلا على البالغ العاقل، لكن ينبغي لوليِّ أمر الصغير أن يأمره بالصيام، ويرغِّبه فيه، ليعتاد عليه من الصغر ما دام مستطيعًا له.

عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالتْ: أرْسَل النبيُّ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إلى قُرَى الأنْصار: «مَنْ أصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ أصْبَحَ صَائِمًا فَليَصُمْ». قالتْ: فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا، وَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ العِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الإفْطَار؛ متفق عليه.

وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثلاثةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ المَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ»؛ أخرجه أبو داود والترمذي.

- حكم صوم رمضان بنية واحدة:
صوم رمضان عبادة واحدة مستقلة مركبة من أجزاء، وهي الأيام، كالصلاة عبادة مستقلة مركبة من أركان، وهي القيام والركوع والسجود وغيرها، فيجوز صوم رمضان بنية واحدة في أول الشهر، وكذا كل صيام متتابع كصوم كفَّارة الجِماع في نهار رمضان، وكفارة الظِّهار والقتل الخطأ ونحوها، ما لم يقطعه بسفر أو مرض، أو يصيب المرأة حيض أو نفاس، فيلزم حينئذٍ استئناف النية.

والأولى عند البعض تجديد النية يوميًّا، وقد ذكرنا الأقوال في بحث سابق حول أركان الصيام، فليُراجع.

يجب تعيين نية الصوم من واجب أو تطوُّع، فينوي ما يصوم له من أداء رمضان أو قضائه أو نذر أو كفارة أو تطوع.

عَنْ عُمَرَ بن الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إنَّمَا الأعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى دُنْيَا يُصِيبُهَا أوْ إلى امْرَأةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إلى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ»؛ متفق عليه.

- حكم من صام في بلد ثم سافر:
إذا صام المسلم في بلد ثم سافر إلى بلد آخر، فحكمه في الصيام والإفطار حكم البلد الذي انتقل إليه، فيفطر معهم إذا أفطروا.

وإن أفطر معهم لأقل من تسعة وعشرين يومًا قضى يومًا بعد العيد، ولو صام معهم أكثر من ثلاثين يومًا فلا يفطر إلا معهم.

- حكم من صام أو أفطر خطأ:
إذا أذَّن المؤذن قبل الوقت، ثم أفطر بعض المسلمين بأذانه، فعليهم قضاء ذلك اليوم، وهكذا لو تأخَّر المؤذن فلم يؤذن إلا بعد وقت طويل من طلوع الفجر، فأمسكوا بأذانه، فعليهم قضاء ذلك اليوم؛ لأن الله عز وجل حدَّ حدودًا، وجعل لكل عبادة بداية ونهاية، وأوجب على المسلم أن يصوم يومًا كاملًا من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وحق الله يجب ضمانه.

وهذا الخطأ يُسقط الإثم، ولكنه لا يُسقط الحق، فالحق ثابت، ودَيْن الله أحقُّ أن يُقضى.

إذا صام المسلمون وحال دون الشمس غيم أو قتر فأفطروا ثم طلعت الشمس، أمسكوا إلى الغروب، وصومهم صحيح، ولا قضاء عليهم.

عَنْ أسْمَاءَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَتْ: «أفْطَرْنَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ غَيْمٍ، ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ»؛ أخرجه البخاري.

- حكم الصيام في السفر:
لكل مسلم في الصلاة والصيام حكم المكان الذي هو فيه، فالصائم يمسك ويفطر في المكان الذي هو فيه، سواء كان على سطح الأرض، أو كان على سفينة في البحر، أو كان على طائرة في الجو.

- والمسافر في رمضان له ثلاث حالات:
1- إن كان الصيام والفطر بالنسبة له سواء فالصيام أولى.

2- وإن كان يشق عليه الصيام في السفر فالفطر أولى.

3- وإن كان يشق عليه الصيام في السفر مشقة شديدة فالفطر في حقه واجب، ويقضي فيما بعد.

عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: «كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى المُفْطِرِ، وَلا المُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ»؛ متفق عليه.

- حكم صيام الكبير والعاجز:
وقال ابن قدامة في "المغني" (4/396): "الشَّيْخُ الْكَبِير وَالْعَجُوز إذَا كَانَ يُجْهِدُهُمَا الصَّوْمُ، وَيَشُقُّ عَلَيْهِمَا مَشَقَّةً شَدِيدَةً، فَلَهُمَا أَنْ يُفْطِرَا وَيُطْعِمَا لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، فَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنِ الإِطْعَامِ أَيْضًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا، وَالْمَرِيضُ الَّذِي لا يُرْجَى بُرْؤُهُ يُفْطِرُ، وَيُطْعِمُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا؛ لأَنَّهُ فِي مَعْنَى الشَّيْخِ"؛ ا هـ باختصار.

وفي الموسوعة الفقهية (5/117): "اتَّفَقَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ يُصَارُ إلى الْفِدْيَةِ فِي الصِّيَامِ عِنْدَ الْيَأْسِ مِنْ إمْكَانِ قَضَاءِ الأَيَّامِ الَّتِي أَفْطَرَهَا لِشَيْخُوخَةٍ لا يَقْدِرُ مَعَهَا عَلَى الصِّيَامِ، أَوْ مَرَضٍ لا يُرْجَى بُرْؤُهُ؛لقوله تعالى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة: 184]، وَالْمُرَادُ مَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ الصِّيَامُ"؛ ا هـ.

وقال الشيخ ابن عثيمين في فتاوى الصيام (ص111): "لا بد أن نعرف أن المريض ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: مريض يُرجى برؤه مثل ذوي الأمراض الطارئة التي يرجى أن يشفى منها، فهذا حكمه كما قال الله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة: 184]، ليس عليه إلا أن ينتظر البرء ثم يصوم، فإذا قدر أنه استمر به المرض في هذه الحال، ومات قبل أن يشفى فإنه ليس عليه شيء؛ لأن الله إنما أوجب عليه القضاء في أيام أُخَر وقد مات قبل إدراكها، فهو كالذي يموت في شعبان قبل أن يدخل رمضان لا يقضى عنه.

القسم الثاني: أن يكون المرض ملازمًا للإنسان مثل مرض السرطان- والعياذ بالله- ومرض الكلى، ومرض السكر وما أشبهها من الأمراض الملازمة التي لا يُرجى انفكاك المريض منها، فهذه يفطر صاحبها في رمضان، ويلزمه أن يطعم عن كل يوم مسكينًا؛ كالكبير والكبيرة اللذين لا يطيقان الصيام يفطران ويطعمان عن كل يوم مسكينًا، ودليل ذلك من القرآن قوله تعالى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة: 184]؛ ا هـ.

من أفطر لكبر سِنٍّ أو مرض لا يرجى برؤه، مقيمًا كان أو مسافرًا، أطعم عن كل يوم مسكينًا، ويكفيه ذلك عن الصيام.

من أصابه الخرف والتخليط فلا صيام عليه ولا كفَّارة؛ لأنه مرفوع عنه القلم، ويسقط عنه التكليف.

قال الله تعالى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة: 184].

- صفة الإطعام:
إذا لم يستطع المسلم الصيام لكبر أو مرض لا يرجى برؤه أطعم عن كل يوم مسكينًا، وله في الإطعام طريقان:

الأول: أن يصنع طعامًا حسب طعام أوسط الناس في بلده، ويطعمه ثلاثين فقيرًا عن كامل شهر رمضان.

الثاني: أن يعطي الفقراء ستة أصواع من أرز أو بُرٍّ أو نحوهما من طعام بلده، ويقسمها على الثلاثين، ومعها اللحم الذي يكفيها أو غيره، حسب عادة بلده، ويخرجها عن كامل شهر رمضان.

والبعض يضيف قولًا ثالثًا الآن: حيث يقدر الإطعام بمبلغ مالي يُعطى للفقير عن كل يوم، فتكون قيمة وجبة متوسطة القيمة ويقدرها البعض في اليمن بنحو ألف ريال عن اليوم وقد تزيد.

وقت الإطعام:
اختلف العلماء في حكم تعجيل فدية الشيخ الفاني العاجز عن الصوم من أول الشهر أو وسطه، وإخراجها عمَّا تبقى من الشهر كله، وذلك على قولين:
القول الأول: جواز التعجيل مطلقًا في أول الشهر الفضيل، وليس قبله، وهو مذهب الحنفية، يقول ابن عابدين رحمه الله: "للشيخ الفاني العاجز عن الصوم الفطر، ويفدي وجوبًا، ولو في أول الشهر؛ أي: يخير بين دفعها في أوله وآخره"؛ انتهى من "الدر المختار وحاشية ابن عابدين " (2/ 427).

القول الثاني: لا يجوز تعجيل فدية يومين فأكثر، ويجوز تعجيل فدية يوم واحد فقط، وهو مذهب الشافعية.

يقول الخطيب الشربيني رحمه الله: "وليس لهم، ولا للحامل، ولا للمرضع: تعجيل فدية يومين فأكثر، كما لا يجوز تعجيل الزكاة لعامين، بخلاف ما لو عجل مَن ذُكر فديةَ يوم فيه، أو في ليلته؛ فإنه جائز"؛ انتهى من "مغني المحتاج" (2/ 176)، وينظر: "أسنى المطالب" (1/ 430).

وأقرب القولين في ذلك: هو القول الأول الذي يجيز إخراج الفدية من أول شهر رمضان، فالفدية بدل مخفَّف يجب على الكبير والمريض المزمن، والمناسب في البدل هو التخفيف والتيسير، وليس التقييد والتشديد.

يقول الشيخ ابن باز رحمه الله: "وهذه الكفَّارة يجوز دفعها لواحد أو أكثر، في أول الشهر، أو وسطه، أو آخره"؛ انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (15/203).

وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: "يجوز دفع الصدقة عن الأيام من رمضان أو عن الأيام كلها لمن لا يستطيع الصيام لزمانة أو هرم، فإنه يجوز أن يدفع كفَّارة الأيام مقدمًا في أول الشهر، ويجوز أن يؤخِّرها في آخر الشهر، ويجوز في وسط الشهر، كما أنه يجوز أن يدفعها جملةً واحدةً، ويجوز أن يدفعها متفرقة"؛ انتهى.

ثانيًا: اختلف الفقهاء في آخر وقت تدفع فيه فدية الهرم الكبير العاجز عن الصيام، وذلك على قولين:
القول الأول: الوقت على التراخي، ولا يُحدُّ بآخر شهر رمضان، ولا حرج أن يخرج الفدية الواجبة عليه بعد شهر رمضان الفضيل؛ وذلك لقول الله عز وجل: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة: 184]. ولم يذكر وقتًا محددًا، فثبتت الفدية في الذمة واجبًا متراخيًا على السعة. لو أدَّاه فيما يتطاول من السنين بعد ذلك فلا حرج عليه، وهو ما نصَّ عليه فقهاء الحنفية والشافعية.

يقول الإمام الكاساني رحمه الله: "الكفَّارات كلها واجبة على التراخي، هو الصحيح من مذهب أصحابنا في الأمر المطلق عن الوقت، حتى لا يأثم بالتأخير عن أول أوقات الإمكان، ويكون مؤديًا لا قاضيًا.

ومعنى: (الوجوب على التراخي): هو أن يجب في جزء من عمره غير معين، وإنما يتعين بتعيينه فعلًا، أو في آخر عمره؛ بأن أخَّره إلى وقت يغلب على ظنه أنه لو لم يؤدِّ فيه لفات. فإذا أدى، فقد أدى الواجب، وإن لم يؤدِّ حتى مات، أثم لتضيُّق الوجوب عليه في آخر العمر"؛ انتهى من "بدائع الصنائع" (5/ 96).

وقد ذكر أنواعًا من الفدية في أمثلة هذه القاعدة.

ويقول العلامة زكريا الأنصاري رحمه الله: "لا شيء على الهرم لتأخير الفدية، إن أخَّر الفدية عن السنة الأولى"؛ انتهى من "أسنى المطالب" (1/ 430).

ويقول الخطيب الشربيني رحمه الله: "لا شيء على الهرم، ولا الزمن، ولا مَن اشتدت مشقة الصوم عليه لتأخير الفدية إذا أخروها عن السنة الأولى"؛ انتهى من "مغني المحتاج" (2/ 176).

ويقول الشهاب الرملي رحمه الله: "يتخير في إخراجها بين تأخيرها، وبين إخراج فدية كل يوم فيه، أو بعد فراغه"؛ انتهى من "فتاوى الرملي" (2/ 74).

ويقول الزركشي رحمه الله: "الفدية، حيث وجبت: فهي على التراخي"؛ انتهى من "المنثور في القواعد الفقهية" (3/ 22).

القول الثاني: أن الفدية واجب فوري، لا يجوز تأخيره. وهو مذهب الحنابلة.

يقول ابن مفلح رحمه الله: "ظاهر كلامهم إخراج: الإطعام على الفور، لوجوبه، وهذا أقيس"؛ انتهى من "الفروع" (4/448).

والأظهر في ذلك، إن شاء الله: هو القول الأول؛ لما تدل عليه ظاهر الآية الكريمة، والتحديد بوقت لا بد له من دليل، ولا دليل هنا على التقييد.

وبهذا يظهر أن مذهب الحنفية في هذا الباب هو الأقرب في كلتا المسألتين، وهو التوسُّع في دفع الفدية، سواء أول الشهر، أو آخره، أو بعده.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.23 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.60 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.01%)]