الموضوع: وقفات رمضانية
عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 08-04-2024, 11:36 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,945
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات رمضانية

وقفات رمضانية (6)

الموسم الرابع

د. عبدالسلام حمود غالب

حديثنا اليوم عن أحكام متعلقة بالهلال؛ حكم طلب الرؤية، والعدد المعتبر للرؤية، واستخدام الوسائل الحديثة في رؤية الهلال، واختلاف المطالع واتحادها، وحكم استخدام الحساب الفلكي.

أحكام متعلقة برؤية الهلال:
حكم طلب رؤية الهلال:
ترائي الهلال ليلة الثلاثين من شعبان فرضٌ على الكفاية؛ نصَّ على ذلك الحنفية وغيرهم؛ [(فتح القدير) للكمال بن الهمام (2/ 313)، وينظر: (المسالك في شرح موطأ مالك) لابن العربي (4/ 165)، (حاشية البجيرمي على شرح المنهج)ومن الأدلة:
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غُبِيَ عليكم، فأكْمِلُوا عِدَّةَ شعبانَ ثلاثين)).

2- عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحفَّظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره، ثم يصوم لرؤية رمضان، فإن غُمَّ عليه، عدَّ ثلاثين يومًا ثم صام)).

3- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((تراءى الناسُ الهلالَ، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته، فصامه، وأمر الناس بصيامه)).

4- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((كنا مع عمرَ بين مكة والمدينة، فتراءينا الهلالَ، وكنت رجلًا حديدَ البصر، فرأيته وليس أحدٌ يزعم أنه رآه غيري قال: فجعلت أقول لعمر: أمَا تراه؟ فجعل لا يراه، قال: يقول عمر: سأراه وأنا مستلقٍ على فراشي)).

قد حرص أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد وفاته على رؤية هلال رمضان، فكانوا يتراءَونه؛ قال ابن عثيمين: "ترائي الهلال: هلال رمضان، أو هلال شوال، أمر معهود في عهد الصحابة رضي الله عنهم... ولا شكَّ أن هَدْيَ الصحابة رضي الله عنهم أكملُ الهَدْيِ وأتمُّه"؛ [مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (19/ 37)].

فإذا ثبت رؤية الهلال يجب صيام رمضان؛ عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: ((تراءى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته، فصامه، وأمر الناس بصيامه)).

ونقل الإجماع على ذلك ابن حزم؛ قال ابن حزم: "وأجمعوا على أن الكافة إذا أخبرت برؤية الهلال، أن الصيام والإفطار بذلك واجبان"؛ [مراتب الإجماع (ص: 40)]، وقال ابن قدامة: "وجملة ذلك أنه يُستحَبُّ للناس ترائي الهلال ليلة الثلاثين من شعبان، وتطلُّبه؛ ليحتاطوا بذلك لصيامهم، ويسلموا من الاختلاف، وقد روى الترمذي، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أحصوا هلالَ شعبان لرمضان))، فإذا رأوه، وجب عليهم الصيام إجماعًا"؛ [المغني (3/ 106)]، وقال الزركشي: "أي: طلب الناس الهلال، فإن رأوه وجب صيامه، وهذا إجماع"؛ [شرح الزركشي على مختصر الخرقي (2/ 550)].
العدد المعتبر في الرؤية:
يكفي في ثبوت دخول رمضان شهادة عدل واحد، وهو مذهب الشافعية، والحنابلة؛ قال ابن قدامة: "وهو قول عمر، وعلي، وابن عمر، وابن المبارك"؛ [المغني (3/ 164)]، وطائفة من السلف؛ [الفروع لابن مفلح (4/ 416)، وينظر: المغني لابن قدامة (3/ 164)]، وهو اختيار ابن باز؛ قال ابن باز: "والهلال يثبت بشاهد واحد في دخول رمضان، شاهد عدل، عند جمهور أهل العلم"؛ [مجموع فتاوى ابن باز (15/ 61)، وابن عثيمين، الشرح الممتع لابن عثيمين].

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((تراءى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته، فصامه، وأمر الناس بصيامه)).

وكذلك قياسًا على الأذان، فالناس يُفطِرون بأذان الواحد، ويُمسِكون بأذان الواحد؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن بلالًا يؤذِّن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذِّن ابن أم مكتوم)).

من رأى الهلال وحده: من رأى هلال رمضان وحده، ولم يشهد برؤيته، أو شهِد ولم تُقبَل شهادته.

فائدة: من رأى هلال رمضان وحده، وهو في مكان ناءٍ ليس فيه أحد، فإنه يصوم، ويبني على رؤيته؛ [ينظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (25/ 117، 118)، مجموع فتاوى ابن باز (15/ 73)، مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (19/ 74 - 75)]، وقد اختلف أهل العلم في صيامه على قولين:
القول الأول: يصوم بناءً على رؤيته، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، وهو قول الظاهرية، وعليه أكثر أهل العلم؛ [ينظر: التمهيد لابن عبدالبر (14/ 355)، المجموع للنووي (6/ 280)، الفروع لابن مفلح (4/ 421)]؛ قال ابن عبدالبر: "لم يختلف العلماء فيمن رأى هلال رمضان وحده، فلم تُقبَل شهادته أنه يصوم؛ لأنه متعبد بنفسه لا بغيره، وعلى هذا أكثر العلماء، لا خلاف في ذلك إلا شذوذ لا يُشتغَل به"؛ [التمهيد (14/ 355)]، ودليلهم عموم قوله تعالى: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ [البقرة: 185]، وعموم حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا رأيتم الهلال فصوموا)).

أنه قد أمر بالصيام عند رؤية الهلال، ومن رآه وحده داخل في عموم الأمر بذلك؛ لأن يقين نفسه أبلغُ من الظن الحاصل بالبيِّنة.

القول الثاني: يصوم مع الناس، إذا صاموا، ولا يبني على رؤيته؛ وهذا قول لبعض السلف، ورواية عن أحمد، وقال ابن المنذر: هذا القول عن عطاء، وإسحاق؛ [الإشراف (3/ 114)، المغني لابن قدامة (3/ 163)].

قال ابن تيمية: "والثالث - أي من الأقوال - يصوم مع الناس ويُفطر مع الناس، وهذا أظهر الأقوال"؛ [مجموع الفتاوى (25/ 114)]، قال ابن باز: "وإذا رأى الهلال شخص واحد، ولم تُقبَل شهادته لم يَصُمْ وحده، ولم يُفطِر وحده، في أصح قولي العلماء، بل عليه أن يصوم مع الناس، ويُفطِر مع الناس"؛ [مجموع فتاوى ابن باز (15/ 64)]، ودليل القول الثاني حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الصوم يوم تصومون، والفِطْرُ يوم تُفطرون، والأضحى يوم تضحُّون))؛ لأن الهلال هو ما هلَّ واشتهر بين الناس، لا ما رُئِيَ، وأن المعتبر في الصيام أو الإفطار هو الذي يثبت عند الناس، والشاهد الواحد إذا رأى الهلال ولم يحكم القاضي بشهادته، لا يكون هذا صومًا له، كما لم يكن للناس.

إكمال شعبان ثلاثين يومًا إذا لم تَثْبُتِ الرؤية في التاسع والعشرين:
إذا لم تثبت رؤية هلال رمضان في التاسع والعشرين من شعبان، فإننا نكمل شعبان ثلاثين يومًا، سواء كانت السماء مصحيةً أو مغيمةً؛ وهذا مذهب الجمهور من: الحنفية، والمالكية، والشافعية، ورواية عن أحمد؛ [تحفة الفقهاء للسمرقندي (1/ 345)].

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غُبِيَ عليكم، فأكملوا عدة شعبان ثلاثين)).

حكم صوم يوم الثلاثين من شعبان احتياطًا لرمضان:
يحرُم صوم يوم الثلاثين من شعبان (يوم الشك)؛ خوفًا من أن يكون من رمضان، أو احتياطًا.
اتفاق المطالع واختلافها:
إذا رأى أهلُ بلدٍ الهلالَ، فقد اختلف أهل العلم في وجوب الصيام على بقية أهل البلاد الأخرى بناءً على رؤية هذا البلد، على أقوال؛ أقواها قولان:
القول الأول: إذا رأى أهل بلد الهلال، فإنه يجب الصوم على الجميع مطلقًا؛ وهو مذهب الجمهور: الحنفية، والمالكية، والحنابلة؛ [حاشية ابن عابدين (2/ 393)، وينظر: بدائع الصنائع للكاساني (2/ 83)]، ودليلهم عموم قوله تعالى: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ [البقرة: 185]، أن الخطاب يشمل جميع الأمة، فإذا ثبت دخول الشهر في بلد، وجب على الجميع صومه، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صوموا لرؤيته))؛ فدلَّ الحديث أن الصوم بمطلق الرؤية لجميع المسلمين، دون تحديد ذلك بمكان معين.
القول الثاني: إذا رأى أهل بلد الهلال، فإنه لا يجب الصوم على الجميع مع اختلاف المطالع، وإنما يجب على من رآه أو كان في حكمهم؛ وهو الصحيح من مذهب الشافعية، وهو قول طائفة من السلف، واختاره الصنعاني، وابن عثيمين، ونقل ابن المنذر هذا القول عن عكرمة، وإسحاق، والقاسم، وسالم؛ [الإشراف (3/ 112)]؛ قال الصنعاني: "في المسألة أقوال ليس على أحدها دليلٌ ناهض، والأقرب لزوم أهل بلد الرؤية وما يتصل بها من الجهات التي على سِمَتِها"؛ [سبل السلام (2/ 151)]؛ قال ابن عثيمين: "وهذا القول هو القول الراجح، وهو الذي تدل عليه الأدلة"؛ [الشرح الممتع]، ودليلهم عموم قوله تعالى: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ [البقرة: 185]، أن الذين لا يوافقون في المطالع من شاهده، لا يُقال: إنهم شاهدوه حقيقةً ولا حكمًا، والله تعالى أوجب الصوم على من شاهده.

1- عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته))، ونلاحظ أن النبي صلى الله عليه وسلم علَّل الأمر في الصوم بالرؤية، ومن يخالف مَن رآه في المطالع، لا يُقال: إنه رآه لا حقيقةً ولا حكمًا.

2- عن كريب ((أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام، قال: فقدِمتُ الشامَ فقضيتُ حاجتها، واستهلَّ عليَّ رمضان وأنا بالشام، فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر، فسألني عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، ثم ذكر الهلال، فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة، فقال: أنت رأيته؟ فقلت: نعم، ورآه الناس وصاموا وصام معاوية، فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه، فقلت: أو لا تكتفي - شكَّ يحيى بن يحيى أحد رواة الحديث في: نكتفي أو تكتفي - برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم)).

فكما أن المسلمين مختلفون في الإفطار والإمساك اليومي، فلا بد أن يختلفوا كذلك في الإمساك والإفطار الشهري.
حكم الرؤية عبر الوسائل الحديثة:
أولًا: حكم الاعتماد على الأقمار الصناعية في رؤية الهلال:
لا يجوز الاعتماد على الأقمار الصناعية في رؤية الهلال؛ وهذا قول ابن عثيمين؛ وذلك لأن الأقمار الصناعية تكون مرتفعةً عن الأرض التي هي محل ترائي الهلال.
ثانيًا: حكم استعمال المراصد الفلكية لرؤية الهلال:
يجوز استعمال المراصد الفلكية لرؤية الهلال كالدربيل، وهو الْمِنْظار الْمُقَرَّب، ولكنه ليس بواجب، فلو رأى الهلال عبرها مَن يُوثَق به، فإنه يعمل بهذه الرؤية؛ وهو اختيار ابن باز وابن عثيمين، وبه صَدَرَ قرار هيئة كبار العلماء، وهو قرار مجمع الفقه الإسلامي؛ قال ابن باز: "أما الآلات فظاهر الأدلة الشرعية عدم تكليف الناس بالتماس الهلال بها، بل تكفي رؤية العين، ولكن مَن طالَعَ الهلال بها وجزم بأنه رآه بواسطتها بعد غروب الشمس وهو مسلِمٌ عَدْلٌ، فلا أعلم مانعًا من العمل برؤيته الهلال؛ لأنها من رؤية العين لا من الحساب"؛ [مجموع فتاوى ابن باز (15/ 69)]، قال ابن عثيمين: "ولا بأس أن نتوصَّل إلى رؤية الهلال بالمنظار، أو المراصد"؛ [مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (19/ 62)]، وقال ابن عثيمين أيضًا: "وقد كان الناس قديمًا يستعملون ذلك لمَّا كانوا يصعَدون المنائر في ليلة الثلاثين من شعبان، أو ليلة الثلاثين من رمضان، فيتراءونه بواسطة هذا المنظار"؛ [مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (19/ 36)]، وهذا أيضًا من قرارات مجمع الفقه الإسلامي الدولي في دورته الثانية التي عقدت في جدة عام (1985م)، ودورته الثالثة التي عُقِدت في عمان عام (1986م)؛ [موقع مجمع الفقه الإسلامي الدولي]، وذلك بجواز استخدام المراصد.
ضوابط استخدام المنظار والمراصد:
١- الاستعانة بها، لا الاعتماد عليها، وجعلها معيارًا للرؤية، فلا تثبت الرؤية إلا إذا شهِدت لها المراصد.

٢- عدم التكلف في استخدامها.

٣- تحقق الرؤية البصرية من خلالها.

٤- أن تكون بأيدي إسلامية عدلة.

٥- أن تعطي الصورة للموقع نفسه؛ إذ لو لم تكن كذلك، فقد تُعطَى صورة لموقع سابق، ودليل الجواز عموم ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((فإذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا))، وأن هذه الرؤية تحصل باستعمال المراصد الفلكية.
ثالثًا: حكم استخدام الحساب الفلكي:
القول الأول:
لا يجوز العمل بالحساب الفلكي، ولا الاعتماد عليه، في إثبات دخول رمضان تعليق إثبات الشهر القمري بالرؤية يتفق مع مقاصد الشريعة السمحة؛ لأن رؤية الهلال أمرها عامٌّ يَتَيَسَّرُ لأكثر الناس من العامة والخاصة، في الصحاري والبنيان، بخلاف ما لو عُلِّق الحكم بالحساب، فإنه يحصُل به الحرج، ويتنافى مع مقاصد الشريعة؛ لأن أغلب الأمة لا يعرف الحساب، ودعوى زوال وصف الأُمِيَّة بعلم النجوم عن الأمة غير مُسلَّمة، ولو سلِمت، فذلك لا يُغيِّرُ حُكْمُ الله؛ لأن التشريع عام للأمة في جميع الأزمنة؛ [مجموع فتاوى ابن باز (15/ 112)].

1- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غُبِيَ عليكم، فأكملوا عدة شعبان ثلاثين)).

2- عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ رمضان فقال: ((لا تصوموا حتى تَرَوا الهلال، ولا تُفْطِروا حتى تَرَوه، فإن غُمَّ عليكم، فاقدُروا له)).

ونلاحظ من الأحاديث السابقة:
1- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جَعَلَ الْحُكْمَ بالهلال مُعلَّقًا على الرؤية وحدها؛ فهي الأمر الطبيعي الظاهر الذي يستطيعه عامة الناس، فلا يحصل لَبْسٌ على أحد في أمر دينه؛ كما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنا أُمَّةٌ أُمِيَّة لا نكتب، ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا))؛ يعني: مرةً يكون تسعةً وعشرين، ومرةً يكون ثلاثين.

2- أن النبي صلى الله عليه وسلم أمَرَ المسلمين إذا كان هناك غَيمٌ ليلة الثلاثين أن يُكملوا العدة، ولم يأمر بالرجوع إلى علماء الفلك، وقد جرى العمل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الصحابة رضي الله عنهم على ذلك، ولم يرجعوا إلى علماء النجوم في التوقيت، ولو كان قولهم هو الأصل وحده، أو أصلًا آخر مع الرؤية في إثبات الشهر، لبيَّن ذلك، فلما لم يُنقَل ذلك، بل نُقِل ما يخالفه، دلَّ على أنه لا اعتبار شرعًا لما سوى الرؤية، أو إكمال العدة ثلاثين في إثبات الشهر، وأن هذا شرع مستمر إلى يوم القيامة.

3- الرؤية في الحديث متعدية إلى مفعول واحد، فكانت بصريةً لا علميةً.

4- كما أن الصحابة فهِموا أنها رؤية بالعين، وهم أعلم باللغة ومقاصد الشريعة من غيرهم.

ونقل الإجماع على ذلك الجصَّاص، وابن رشد، والقرطبي، وابن تيمية؛ قال الجصاص: "فالقائل باعتبار منازل القمر وحساب المنجِّمين خارج عن حكم الشريعة، وليس هذا القول مما يَسُوغ الاجتهاد فيه؛ لدلالة الكتاب ونص السنة، وإجماع الفقهاء بخلافه"؛ [أحكام القرآن (1/ 250)]، وقال ابن تيمية: "نعلم بالاضطرار من دين الإسلام أن العمل في رؤية هلال الصوم أو الحج، أو العِدَّة أو الإيلاء، أو غير ذلك من الأحكام المعلقة بالهلال بخبر الحاسب، أنه يُرى أو لا يُرى، لا يجوز، والنصوص المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كثيرة، وقد أجمع المسلمون عليه"؛ [مجموع الفتاوى (25/ 132)]، وقال أيضًا: "ولا يُعرَف فيه خلاف قديم أصلًا، ولا خلاف حديث، إلا أن بعض المتأخرين من المتفقهة الحادثين بعد المائة الثالثة، زعم أنه إذا غُمَّ الهلال جاز للحاسب أن يعمل في حق نفسه بالحساب، فإن كان الحساب دلَّ على الرؤية صام، وإلا فلا، وهذا القول - وإن كان مقيدًا بالإغمام ومختصًّا بالحاسب - فهو شاذ مسبوق بالإجماع على خلافه، فأما اتباع ذلك في الصَّحْوِ، أو تعليق عموم الحكم العام به، فما قاله مسلم"؛ [مجموع الفتاوى (25/ 132، 133)].

قال القرطبي: "وهذا لا نعلم أحدًا قال به - أي: الأخذ بالحساب وتقدير المنازل - إلا بعض أصحاب الشافعي، أنه يعتبر في ذلك بقول المنجمين، والإجماع حجة عليهم"؛ [تفسير القرطبي (2/ 293)]، وقال ابن باز: "ومن خالف في ذلك من المعاصرين، فمسبوق بإجماع من قبله، وقوله مردود؛ لأنه لا كلام لأحد مع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا مع إجماع السلف"؛ [مجموع فتاوى ابن باز (15/ 109)].
ما نُقِل عن المذاهب الأربعة في حكم في الاعتماد على الحساب الفلكي:
من أقوال المذهب الشافعي في الاعتماد على الحساب الفلكي:
في كتاب (أسنى المطالب شرح روض الطالب) للشيخ زكريا الأنصاري المتوفى سنة 925 ه، في مذهب الإمام الشافعي (ج1/ 410، المكتبة الإسلامية) ما نصه: "ولا عبرة بالمنجِّم - أي بقوله - فلا يجب به الصوم ولا يجوز، والمراد بآية: ﴿ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ﴾ [النحل: 16] الاهتداء في أدلة القِبلة وفي السفر".

من أقوال المذهب الحنفي في الاعتماد على الحساب الفلكي:
قال الفقيه الحنفي ابن عابدين المتوفى سنة 1252 ه في (حاشيته على الدر المختار)، وهي من أشهر كتب السادة الحنفية (ج3/ 354، دار الكتب العلمية، كتاب الصوم): "لا عبرة بقول المؤقِّتين أي في وجوب الصوم على الناس، بل في المعراج لا يعتبر قولهم بالإجماع، ولا يجوز للمنجم أن يعمل بحساب نفسه".

من أقوال المذهب المالكي في الاعتماد على الحساب الفلكي:
في (الدر الثمين والمورد المعين) للشيخ أبي عبدالله محمد بن أحمد ميارة المالكي المتوفى سنة 1072 ه (دار الفكر، ص327) قال ما نصه: "فرع: قال الشهاب القرافي (المتوفى سنة 684 ه) عن سند (المتوفى سنة 541 ه): ولو كان إمام يرى الحساب، فأثبت به الهلال، لم يُتَّبع لإجماع السلف على خلافه".

وفي كتاب (الشرح الكبير) للشيخ أحمد الدردير المالكي الأزهري، المتوفى سنة 1201ه (ج1/ 462) في مذهب مالك ما نصه: "ولا يثبت رمضان بمنجِّم؛ أي: بقوله في حق غيره، ولا في حق نفسه".

من أقوال المذهب الحنبلي في الاعتماد على الحساب الفلكي:
قال البهوتي الحنبلي المتوفى سنة 1051ه في (كشاف القناع ج2/ 302، دار الفكر) ما نصه: "وإن نواه - أي صوم يوم الثلاثين من شعبان - بلا مستند شرعي من رؤية هلاله، أو إكمال شعبان، أو حيلولة غيم، أو قتر، ونحوه، كأن صامه لحساب ونجوم، ولو كثرت إصابتهما، أو مع صحوٍ، فبان منه، لم يُجزئه صومه؛ لعدم استناده لِما يُعوَّل عليه شرعًا".

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.50 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.88 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.93%)]