الموضوع: فقه الصيام
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 09-03-2024, 03:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,463
الدولة : Egypt
افتراضي فقه الصيام

فقه الصيام (1) التعريف - الأركان - الأنواع
عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت

الخطبةالأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]،أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أعاذني الله وإياكم من النار.

عبادالله، قبل حلول رمضان لا بد من معرفة أحكام الصيام، حتى نعبد الله عز وجل عن علم وبينة، وسنشرع بحول الله في تبسيط فقه الصيام عن طريق السؤال والجواب، مقتصرين على الأجوبة التي تدعو الحاجة إليها كثيرًا، أو يكثر السؤال عنها، ومن أراد الاستزادة فعليه بالكتب التي تتناول أحكام الصيام- إن كان يحسن القراءة والفهم- وإلَّا فعليه سؤال أهل العلم، قال تعالى: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنبياء: 7]، ونشرع بحول الله في المقصود.

السؤال الأول: ما معنى الصيام؟
الصوم إمساك عن الطعام والشراب والجماع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، مع اقتران النيات به [1].
فهمنا من هذا التعريف أمرين:
الأول: أنه لابد من الإمساك عن جميع المفطرات من طلوع الفجرإلى غروب الشمس.


والثاني: لا بد من النية، وهذه النية لا يُتلفَّظ بها؛ فهي عزم القلب على الصوم، فأنت حينما تستحضر في ذهنك أنك تريد الصوم فهذه نية، أو حينما تقوم ببعض الأفعال الدالَّة على ذلك؛ كإعداد مائدة السحور من الليل، أو ضبط المنبه ليوقظك للسحور فهذه نية وقصد للصوم، والأمران السابقان: النية والإمساك؛ هما ركناالصوم، فلا يُتصوَّر صوم بدونهما، قال تعالى: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ﴾ [البقرة: 187].


السؤال الثاني: هل تكفي نية واحدة في رمضان أم لا بُدَّ من تجديد النية لكل ليلة؟ من جدَّد كل ليلة فحسن، ومن لم يجدد فلا بأس؛ فقد ورد هذا وهذا عند المالكية؛ لكن المشهور عندهم أنهم لا يشترطون تجديد نية الصيام كل ليلة خلافًا للجمهور، وعليه تكفي نية واحدة من أول رمضان، ودليلهم أن رمضان كله كيوم واحد، وأنالصوم كالصلاة، فكما أن المصلي لا يجدد النية عند كل ركن منها؛ بل تكفي النية أول الصلاة، فكذلك تكفي أول الصوم [2].


السؤال الثالث: ما هي أنواع الصيام؟


الصوم أربعة أقسام: واجب، ومستحب، وحرام، ومكروه.


القسم الأول: الواجب أو المفروض؛ كصيام رمضان، وهو فرض عيني لمن تحققت فيه الشروط وانتفت الموانع، ودليل وجوبه قوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ ﴾ [البقرة: 183، 184]، وقال صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان"[3]، وصيام النذر، مثلًا شخص قال: لله عليَّ إن شفاني الله، أو نجحت في الامتحان، سأصوم ثلاثة أيام، فهذا يسمى نذر يجب عليه متى تحقق الطلب أن يصوم، ومن الصوم الواجب صوم القضاء؛ كمن سافر أو كان مريضًا فأفطر أيامًا في رمضان، فإنه يجب عليه بعد رمضان وحصول الشفاء قضاء الأيام التي أفطرها، قال تعالى: ﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ [البقرة: 184]، والمرأة كذلك إذا حاضت أو كانت نفساء فإنها لا تصوم، وتقضي ما أفطرته من أيام دون الصلاة فإنها لا تقضيها، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: "كنا نحيض عند النبي صلى الله عليه وسلم، فيأمرنا بقضاء الصوم"[4]، ومن الصوم الواجب صوم الكفَّارات؛كمن تعمد وطء زوجته في رمضان فإنه يصوم شهرين متتابعين؛ لأنه يكفر عن انتهاك حرمة الصيام، أو صوم كفارة القتل الخطأ، قال تعالى: ﴿ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 92]،فهذه أمثلة الصوم الواجب الذي يُثاب فاعله ويُعاقَب تاركه.

القسم الثاني: المستحب أو صوم التطوع؛وهو الذي يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه، كالإكثار من الصوم في شعبان، وصوم الاثنين والخميس، وصوم يوم عرفة وعاشوراء، وصوم ستة أيام من شوال، وصيام الأيام البيضوهي اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر قمري، وما ذكرناه له أدلته من سنة رسول اللهصلى الله عليه وسلم في الحث على التطوع بالصوم فيها، لتحصيل الأجر وزيادة الحسنات. ومنها قول أبي هريرة رضي الله عنه: "أوصاني خليلي‏ صلى الله عليه وسلم ‏ ‏بثلاث: بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أرقد"[5].

فاللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم على عبده المصطفى، وآله وصحبه، ومن اقتفى، أما بعد:
القسم الثالث: الصوم المحرم؛ كصوم يوم عيد الفطر أو عيد الأضحى أو أيام التشريق؛ لأنها أيام عيد وأكل وشرب، قالصلى الله عليه وسلم: "أيام التشريق أيام أكل وشرب"[6]، فمن صامها يأثم.

القسم الرابع: الصوم المكروه؛ كإفراد يوم الجمعة أو السبت أو الأحد بالصوم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تصوموا يوم الجمعة؛ فإنه يوم عيد، إلا أن تصلوه بأيام"[7]، ولإزالة الكراهة صم الخميس والجمعة أو الجمعة والسبت، أو السبت والأحد، أو الأحد والاثنين، والعلة في المنع أن الجمعة يوم عيد، والسبت والأحد أعياد لغير المسلمين، وسدًّا لذريعة التشبه بهم؛ لكن إن صادف أحد الأيام السابقة ما عهد صيامه؛ كصيام يوم عرفة أو يوم عاشوراء، فلا يكره صيامه. ويكره صيام الوصال؛ وهو أن يستمر الفرد في صومه مكملًا له إلى ما بعد غروب الشمس، ويوصله باليوم الذي بعده، بمعنى يصوم يومين متتابعين بدون أكل، وهذا منهي عنه؛ لأنه يضعف الإنسان، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم واصل في رمضان، فواصل الناس، فنهاهم، قيل له: أنت تواصل؟ قالصلى الله عليه وسلم: "إني لست مثلكم؛ إني أطعم وأسقى"[8]، ويكره صيام الدهر؛ ويقصد به أن يصوم الفرد دائمًا وأبدًا ولا يقطع، وهذا تشدد في الدين ومخالفة لوسطية الإسلام، فقد كان صلى الله عليه وسلم يصوم ويفطر، وهو القائل: "لا صام من صام الأبد، لا صام من صام الأبد، لا صام من صام الأبد"[9].

فاللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه، آمين. (تتمة الدعاء).

[1] المقدمات الممهدات، ابن رشد: 1/ 237.

[2] انظر: المقدمات الممهدات، ابن رشد:1/ 246. روضة المستبين في شرح كتاب التلقين، ابن بزيزة: 1/ 510.

[3] رواه مسلم، برقم: 16.

[4] رواه ابن ماجه، رقم: 1670.

[5] رواه الترمذي برقم: 747.

[6] رواه مسلم، رقم:1141.

[7] رواه ابن حبان، رقم: 3610.

[8] رواه مسلم، رقم: 1102.

[9] رواه مسلم، رقم: 1159.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.54 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.92 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.67%)]