عرض مشاركة واحدة
  #30  
قديم 08-03-2024, 08:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,062
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأربعــون الوقفيــة




الأربعون الوقفية (30)



جرياً على نهج السلف في جمع نخبة من الأحاديث النبوية التي تخص باب علم مستقلا، وإحياء لسنة الوقف – الصدقة الجارية- فقد جمعت أربعين حديثاً نبوياً في الأعمال الوقفية، ورتبت ما جاء فيها من أحكام وفوائد من كتب السنن وشروحها، وكتب الفقه وأصوله، وأفردت شرحاً متوسطاً لكل حديث، حوى أحكاماً وفوائد جمة للواقفين من المتصدقين، وللقائمين على المؤسسات والمشاريع الوقفية، ونظار الوقف، والهيئات والمؤسسات المكلفة برعاية الأصول الوقفية ونمائها.
أسأل الله أن يجعل هذا العمل إحياء لسنة الوقف والصدقة الجارية, وينفع به قولاً وعملا, ويكتب لنا أجر ذلك في صحائفنا.



الحديث الثلاثون:
وقف المنقولات
عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن عمر حَمَلَ على فرس له في سبيل الله أعطاها رسول الله[ لهُ، فَحَملَ عليها رجلاً، فأخبر عمر أنه قد وقفها يبيعها، فسأل رسول[ أن يبتاعها فقال: «لا تبتعها ولا ترجعن في صدقتك».
الحديث أورده البخاري في باب وقف الدواب والكراع والعروض والصامت، وفيه بيان وقف المنقولات، من الدواب والأمتعة والسلاح والنقد من المال، وابتدأ البخاري الباب مستدلاً بقول الزهري على جواز وقف المنقولات: «وقال الزهري فيمن جعل ألف دينار في سبيل الله، ودفعها إلى غلام له تاجر يتجر بها، وجعل ربحه صدقة للمساكين والأقربين، هل للرجل أن يأكل من ربح ذلك الألف شيئا، وإن لم يكن جعل ربحها صدقة في المساكين؟ قال: ليس له أن يأكل منها».
وفيه قصة عمر مع فرسٍ سميّ «الورد» من جودته وجماله وقوته، أهداه تميم الداري رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم ، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلملعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وتصدق به عمر لرجل على أن يستخدمه ويركب عليه في الجهاد في سبيل الله، فأُخبر عمر بأن الرجل يعرضه للبيع. فسأل عمر رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم، أن يشتريه من الرجل الذي يريد بيعه، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم ألا تشتره، وعَدّ النبي صلى الله عليه وسلمأن الشراء رجوع في الصدقة.
«وسبيل الله»: هو الطريق الموصلة إلى الله تعالى، وتطلق على كل ما شرعه الله، قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}، كما تطلق مراداً بها الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام، كما في حديث ابن عمر، والصدقة في سبيل الله، إما تكون صدقة، أو تكون وقفاً، فإن كان قصد المتصدق حبس أصل الصدقة وتسبيل منفعتها، فهو: وقف وحبس، وإن كان قصده تمليك ذات المتصدق به أو الموهوب فهو صدقة فقط.
قال الحافظ في الفتح في معنى «وقف الدواب والكراع والعروض والصامت»: «الكراع اسم لجميع الخيل، فهو بعد الدواب من عطف الخاص على العام‏،‏ والعروض بضم المهملة جمع عَرْض وهو جميع ما عدا النقد من المال‏.‏ والصامت: الذهب والفضة‏ من النقد».
وقصة فرس عمر دالة على صحة وقف المنقولات، فيلحق به ما في معناه من المنقولات إذا وجد الشرط: وهو تحبيس العين، فلا تباع ولا توهب بل ينتفع بها، والانتفاع في كل شيء بحسبه‏، واستدل العلماء من هذا الحديث وغيره على صحة وقف المنقولات، وما كان منه تحبيساً في سبيل الله، فهو وقف لا يجوز الرجوع فيه عند الجمهور. قال ابن بطال: «ما كان من الحمل على الخيل، تمليكا للمحمول عليه، بقوله: هو لك، فهو كالصدقة، فإذا قبضها لم يجز الرجوع فيها، وما كان منه تحبيساً في سبيل الله، فهو كالوقف لا يجوز الرجوع فيه عند الجمهور».
والأوقاف المنقولة هي تلك الأوقاف التي تؤسس بالنقود والمنقولات والدواب وما أشبه ذلك، ووقف النقد يعني: الوقف الذي يكون فيه الموقوف مالاً نقدياً سواء أكان ذهباً أو فضة أو شيئاً فيه شيء منهما أو كان عملة معدنية أو ورقية مما يعد ثمناً للأشياء وقيماً للسلع ووسيلة للتبادل، والفقهاء اختلفوا في وقف العملة المعدنية اختلافاً كثيراً، وأرجح الأقوال: جواز وقف النقود الورقية لما يتحقق من خلال وقفها من منافع ومصالح، ولما في ذلك من فتح باب من أبواب الوقف يتحقق به غرض الواقف ومقصود الشارع ومصلحة الموقوف عليهم، والغرض من وقف النقود هو إقراضها قرضاً حسناً لمن ينتفع بها ثم يرد بدلها، أو وقفها لاستثمارها وتوزيع عوائدها الربحية على الموقوف عليهم.
وفي حكم الرجوع في الصدقة أو الهبة أو الوقف، بوب البخاري باباً أسماه: باب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته، وأورد فيه حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:» ليس لنا مثل السوء، الذي يعود في هبته كالكلب يرجع في قيئه»، أي العائد في هبته إلى الموهوب، يشابه أخس الحيوانات في أخس أحوالها؛ ولهذا ذهب جمهور العلماء إلى القول بتحريم الرجوع في الهبة بعد أن تقبض، إلا هـبة الوالد لولده.
وقال بعض أهل العلم: إن ذلك الفرس لم يكن وقفاً؛ لأن الوقف لا يباع أصله ولا يوهب، وكيف لا يُنهى بائعه أو يمنع من بيعه إن كان وقفاً؟ نقل ابن حجر في الفتح قول الإسماعيلي: «لعل معناه أن عمر جعله صدقة يعطيها من يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم إعطاءه، فأعطاها النبي صلى الله عليه وسلمالرجل المذكور فجرى منه ما ذكر، ويستفاد من التعليل المذكور أيضا أنه لو وجده مثلا يباع بأغلى من ثمنه لم يتناوله النهي.
وقيل: إن الرجل أراد بيعه لأن عمر رضي الله عنه أهداه إياه ليجاهد عليه، هبة منه، وتمليكاً للرجل؛ إذ لو أعطاه إياه حمل تحبيس لم يجز بيعه.
وقيل: بلغ إلى حالة لا يمكن الانتفاع به فيما حبس فيه. وقيل: إنه لم يحسن القيام عليه، وقصر في مؤونته وخدمته، وقيل أي لم يعرف مقداره فأراد بيعه بدون قيمته.
ومما يستفاد من الحديث: جواز وقف المنقولات التي يمكن الانتفاع بها مع بقاء أعيانها كالأسلحة والآلات والأواني، وفيه أن الصدقة والوقف لا رجوع فيهما مطلقا، ولا يجوز للواقف الرجوع عن الوقف أو فسخه؛ لأنه مؤبد، وفيه أنه متى ثبت الوقف، فإن العين لا يجوز أن تباع، ولا أن توهب، ولا أن تورث، وفيه جواز بيع الموقوف إذا بلغ غاية لا يتصور الانتفاع به فيما وقف له. ويستنبط منه جواز وقف الحلي للبس والعارية على ما ذهب إليه أكثر الفقهاء لأنها من الأعيان المباحة التي ينتفع بها مع بقاء أعيانها.
وفيه حرص الصحابة -رضي الله عنهم- على الخير، وفيه رجوعهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسؤاله واستشارته في أمور الدين، وفيه أن خطاب النبي صلى الله عليه وسلمهو خطاب للجميع ما لم يأت دليل يدل على التخصص، وفيه حُسن أدب الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه مبادرة وامتثال الصحابة رضوان الله عليهم لقول وتوجيه النبي صلى الله عليه وسلم.
وفيه حرص صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلمعلى الصدقة والوقف واختيار أنفس أموالهم وأعزها لتكون قربة إلى الله تعالى، وفيه توجيه لكافة الأمة أن على المسلم الامتثال وفعل ما يرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلممن أعمال الخير. وفيه حرص صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلمعلى البذل في الجهاد وأبوابه الذي هو ذروة سنام الإسلام.



اعداد: عيسى القدومي




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.44 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.81 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.07%)]