عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 06-03-2024, 08:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,469
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري

شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري(3)

-{وأتـوا البيــوت مـن أبوابـها}

اعداد: الفرقان


الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا. والحمد لله الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا. والحمد لله الذي جعل كتابه موعظة وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة ونورا للمؤمنين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، [ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
الباب الثاني: باب في قوله تعالى: {وليس البر ...}.
2124- عَنْ أَبِي إِسْحَقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولَ: كَانَتْ الْأَنْصَارُ إِذَا حَجُّوا فَرَجَعُوا لَمْ يَدْخُلُوا الْبُيُوتَ إِلا مِنْ ظُهُورِهَا، قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَدَخَلَ مِنْ بَابِهِ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةَ: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} (البقرة: 189).
الشرح :
الباب الثاني هو في تفسير قوله تعالى: {وليس البر بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا}، وهي الآية التاسعة والثمانون بعد المائة من سورة البقرة، وقد روى الإمام مسلم فيها حديث البراء رضي الله عنه : أن الأنصار كانوا إذا حجوا فرجعوا لم يدخلوا البيوت إلا من ظهورها وليس من أبوابها , فجاء رجل من الأنصار فدخل من بابه، فقيل له في ذلك، فنزلت هذه الآية: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} . وقد رواه البخاري في الحج ( 1803) وفي التفسير.
وما جاء في هذا الحديث: هو عادة كانت عند أهل الجاهلية من الأنصار، وجاء مرسلا: أن سائر العرب كانوا كذلك إلا قريشا، فروى ابن خزيمة والحاكم: عن جابر ] قال: كانت قريش تدعى الحمس، وكانوا يدخلون من الأبواب في الإحرام، وكانت الأنصار وسائر العرب لا يدخلون من الأبواب، فبينما رسول الله [ في بستان فخرج من بابه فخرج معه قطبة بن عامر الأنصاري، فقالوا: يا رسول الله، إن قطبة رجل فاجر، فإنه خرج معك من الباب، فقال: ما حملك على ذلك؟ فقال: رأيتك فعلته ففعلت كما فعلت، قال: «إني أحمسي» قال: فإن ديني دينك، فأنزل الله هذه الآية.
فهذه العادة وهي أن أحدهم إذا حج أو جاء من سفر، كما في إحدى الروايات -وهي رواية أبي داود الطيالسي – «أن الأنصار كانوا إذا قدموا من سفرهم» وهذا أعم، يعني سواء كان حجاً أم غيره من الأسفار، فإذا قدموا من سفرهم لم يدخل الرجل من جهة الباب، وإنما من الجهة الخلفية للبيت؟! فنزلت هذه الآية, التي يأمرهم الله فيها بأنهم إذا جاء أحدهم من السفر أن يدخل من الباب، ولا يدخل من ظهر البيت.
وقيل: كانوا يفعلون هذا الأمر في الحج؛ لأنهم يعتقدون أن المحرم إذا أحرم، لا يجوز أن يحول بينه وبين السماء حائل، فكانوا يتسنّمون ظهور بيوتهم، وقد ورد هذا المعنى عن جماعة من الصحابة والتابعين، كما روى ذلك الزهري وغيره عند الطبري في التفسير.
وروى عبد بن حميد بسند صحيح – كما في الفتح 3/622- عن الحسن - رحمه الله - قال: كان الرجل من الجاهلية يهم بالشيء يصنعه، فيُحبس عن ذلك، فلا يأت بيته من قبل بابه، حتى يأتي الذي كان يهم به.
قال الحافظ ابن حجر معلقا: فجَعل ذلك من باب الطيرة، وغيره جعل ذلك بسبب الإحرام انتهى.
قوله: «فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَدَخَلَ مِنْ بَابِهِ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ» أي: أنكروا عليه، لماذا لما رجع من الحج دخل من بابه ولم يدخل من ظهر البيت؟ وخالف ما كان عليه الناس في الجاهلية، فقيل له: لم تخالف؟
فعند ذلك ذكر للنبي [، فأنزل الله عز وجل هذه الآية: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} وهذه الآية فيها فوائد أخرى منها:
1- أن كل من تعبد بعبادة لم يشرعها الله عز وجل، فهي باطلة مردودة عليه، فأهل الجاهلية من الأنصار وغيرهم كانوا يتعبدون الله بهذا الفعل، فإذا جاء الرجل من الحج لم يدخل منزله من الباب، وإنما يدخل من خلف البيت؟! وإن لم يكن للمنزل باب آخر تسور السور، كما جاء في رواية بن أبي حاتم وغيره أن الرجل كان يتسوّر السور، إذا لم يكن للبيت إلا باب واحد. فمثل هذا التكلف وهذا الفعل الذي يربطونه جهلا بعبادة الحج أو غيرها، هو فعل لم يأذن الله تعالى به، ولا كلّف عباده به أيضا، ولهذا فهو مردود على فاعله.
فنأخذ من هذا قاعدة شرعية عظيمة، دل عليها حديث المصطفى [: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا، فهو رد» متفق عليه. أي: مردود على صاحبه؛ لأن الأصل في العبادات التحريم، ولا يجوز لإنسان أن يشرع لنفسه عبادة ما أنزل الله تعالى بها من سلطان، ولا برهان.
2- قال أهل العلم: إن هذه الآية فيها توجيه وإرشاد للخلق: أن الأمر إنما يؤتى من بابه، ولا يؤتى من المكان البعيد، فأنت إذا أردت الأمر فاته من بابه القريب، ولا تأته من بابه البعيد؟! لأن هذا أرفق بك وبمن معك، فتقصير الطريق تخفيف ورحمة وحكمة ورفق. فالإنسان إذا أراد العلم مثلا، فإنه يأتيه من أبوابه التي نبه عليها العلماء، فيتعلم العلم من أهل الاختصاص، ويقرأ عليهم الكتب العلمية النافعة، ويحرص أولا على الشيخ القريب عنده قبل البعيد، فلا يذهب إلى الشيخ البعيد عن داره أو بلده وهو قادر على القريب، ولهذا كان من هدي السلف رحمهم الله: أن الواحد منهم لا يرحل عن بلده لطلب العلم، إلا بعد أن يأخذ عن شيوخ أهل بلده جميعا، فيستنفد ما عندهم من العلوم والروايات، ثم بعد ذلك يرحل إلى البلد البعيد لاستكمال الطلب، فهذا التوجيه الرباني نافع في مثل هذا، بألا يأتي المسلم الأمر البعيد، ويترك القريب، إلا لمانع، كأن يكون علماء بلده مثلا: من أهل البدع والأهواء.
وهذا أمر دلت عليه أيضا الفطرة المستقيمة، والعقل السليم، فلا يطول الإنسان الطريق على نفسه من غير داعِ ولا حكمة ولا مصلحة، لأنه أمر ترفضه الفطرة ويرفضه العقل الصحيح.
3- قول الله عز وجل في تمام الآية: {واتقوا الله لعلكم تفلحون} أي: اتقوا الله سبحانه وتعالى، فافعلوا ما أمركم به واتركوا ما نهاكم عنه، {لعلكم تفلحون} أي: في الدنيا والآخرة، والفلاح هو الفوز بالمطلوب، والنجاة من المرهوب، فأنت إذا أخذت بقول الله، وبأحكام شريعة الله تعالى، فإنك تصيب كل خير وصلاح.
4- وأيضا: هذه الآية تدل على وجوب الالتفات إلى أمور البر، وأعمال الخير التي شرعها الله عز وجل، دون غيرها مما لم يشرع، فهذا الواجب علينا معاشر المسلمين. أما إن تعبدت الله بعباده لم يشرعها الله عز وجل، فإنك حتما ستترك ما شرع الله، وتشتغل بالبدع والمحدثات؟! وتترك السنن التي سنها الله ورسوله [ للأمة، وهذا ضلال، وإتيان للأمر البعيد الصعب، وترك للقريب السهل؟!
ولا يخفى أن في الاشتغال بما أنزل الله وبما شرع، غنية وكفاية عما أحدثه الناس من البدع والأمور المحدثة التي لا دليل عليها ولا برهان، والحمد لله الذي أتم علينا النعمة، وأكمل لنا الدين، ورضي لنا الإسلام دينا.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 26-04-2024 الساعة 09:37 PM.
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.64 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.99 كيلو بايت... تم توفير 0.66 كيلو بايت...بمعدل (3.36%)]