عرض مشاركة واحدة
  #23  
قديم 06-03-2024, 08:01 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,339
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأربعــون الوقفيــة




الأربعون الوقفية (23)



جرياً على نهج السلف في جمع نخبة من الأحاديث النبوية التي تخص باب علم مستقلا، وإحياء لسنة الوقف – الصدقة الجارية- فقد جمعت أربعين حديثاً نبوياً في الأعمال الوقفية، ورتبت ما جاء فيها من أحكام وفوائد من كتب السنن وشروحها، وكتب الفقه وأصوله، وأفردت شرحاً متوسطاً لكل حديث، حوى أحكاما وفوائد جمة للواقفين من المتصدقين، وللقائمين على المؤسسات والمشاريع الوقفية، ونظار الوقف، والهيئات والمؤسسات المكلفة برعاية الأصول الوقفية ونمائها. أسأل الله أن يجعل هذا العمل إحياء لسنة الوقف والصدقة الجارية, وينفع به قولاً وعملا, ويكتب لنا أجر ذلك في صحائفنا.
الحديث الثالث والعشرون:
أوقاف النبي محمد صلى الله عليه وسلم
عن مالك بن أوس بن الحَدَثَان، قال: «كان فيما احتج به عمر أنه قال: كانت لرسول الله[ ثلاثُ صفايا: بنو النضير، وخيبر، وفدك، فأما بنو النضير فكانت حبسا لنوائبه، وأما فدك فكانت حبساً لأبناء السبيل، وأما خيبر فجزأها رسول الله[ ثلاثة أجزاء،جزأين بين المسلمين وجزءا نفقة لأهله، فما فضل عن نفقة أهله جعله بين فقراء المهاجرين».
‏ الوقف نظام إسلامي عملي، ونشأ هذا النظام أصلا من الصدقات الجارية المستمر عطاؤها، والمرجو دوام نفعها، وحديث مالك بن أوس عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، دلالة على مشروعية الوقف، واعتماد النبي محمد صلى الله عليه وسلم هذا النظام بوصفه نهجاً، حيث اختار أن تكون الأموال التي بإمرته وقفاً لله تعالى، يبقى أصلها ويدوم نفعها.
‏ والحديث مفاده أن مما استدل به عمر رضي الله عنه على أن الفيء لا يقسم، وذلك بمحضر من الصحابة، ولم ينكروا عليه ذلك القول، حينما كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث صفايا، والصفايا جمع صفية، وهي ما يصطفى ويختار. وأوضح المعنى الخطّابي بالآتي»: الصفي ما يصطفيه الإمام عن عرض الغنيمة من شيء قبل أن يقسم من عبد، أو جارية، أو فرس، أو سيف، أو غيرها», أي اختار صلى الله عليه وسلم لنفسه هذه المواضع الثلاثة: بنو النضير، وخيبر، وفدك.
‏ و(بنو النضير)‏: قبيلة من قبائل اليهود كانت تسكن في المدينة المنورة، تجرؤوا بعد معركة أحد، فأظهروا العداوة والغدر لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمسلمين، وشاركوا المنافقين والمشركين بمؤامراتهم ضد رسالة دولة الإسلام ، ووصل بهم الغدر أن تآمروا على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونزل جبريل من عند رب العالمين على رسوله ليعلمه بما هموا به، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا من المدينة، ولا يساكنوهم فيها، وحاصرهم لأيام حتى استسلموا وخرجوا منها وكان ذلك في السنة الرابعة للهجرة. وكانت أموال وديار بني النضير خالصة لرسول الله[ يضعها حيث يشاء، ولم يخمسها لأن الله أفاءها عليه.
و(خيبر): مدينة تقع شمال المدينة المنورة، وهي منذ أقدم العصور ولا تزال واحة واسعة خصبة معطاء وذات عيون ومياه غزيرة، ومن أكبر واحات النخيل في جزيرة العرب. كانت سكنى اليهود، فتحها النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه في السنة السابعة للهجرة، بعد أن أضحت منطلق المكائد على المسلمين وإقامة الأحلاف العسكرية مع أعداء الإسلام. وقسم النبي صلى الله عليه وسلم أرض خيبر ثلاثة أجزاء .
وأما (فدك): فهي قرية تقع في أطراف الحجاز قرب مدينة خيبر في شبه الجزيرة العربية، وقد قذف الله الرعب في قلوب ساكنيها من اليهود بعد فتح خيبر، فبعثوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يصالحوه على النصف من فدك، بمثل ما صالح أهل خيبر، فقبل منهم ذلك فكانت فدك لرسول الله خالصة؛ لأنه لم يوجف عليها المسلمون بخيل ولا ركاب.
وكان صلى الله عليه وسلم مخصوصا بذلك مع الخُمس له خاصة وليس ذلك لواحد من الأئمة بعده، قالت عائشة رضي اللَّه عنها «كَانَتْ صَفِيَّة مِنْ الصَّفِيّ»، أي: من صَفِيّ المغنم‏.
فأما أموال بني النضير الحاصلة من عقارهم فجعلها النبي صلى الله عليه وسلم حبساً، أي موقوفة.
لنوائبه)، أي: لحوائجه وحوادثه من الضيفان والرسل وغير ذلك من السلاح والكراع، قال الطيبي: هي جمع نائبة وهي ما ينوب الإنسان، أي: ينزل به من المهمات والحوائج، فكانت أموال بني النضير خالصة لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وكان يزرع تحت النخل في أرضهم فيدخل من ذلك قوت أهله وأزواجه سنة، وما فضل جعله في الكراع والسلاح.
(وأما فدك فكانت حبسا لأبناء السبيل) أي يصرف ما يأتيه منها إلى أبناء السبيل، وقيل: يحتمل أن يكون معناه أنها كانت موقوفة لأبناء السبيل، أو معدة لوقت حاجتهم إليها وقفاً شرعياً.
(وأما خيبر فجزأها): أي قسمها وجعلها (رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أجزاء: جزأين بين المسلمين, وجزءا نفقة لأهله): في شرح السنة: إنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك؛ لأن خيبر كانت لها قرى كثيرة فتح بعضها عنوة، وكان للنبي صلى الله عليه وسلم منها خمس الخمس، وفتح بعضها صلحا من غير قتال وإيجاف خيل وركاب، فكان فيئا خالصا لرسول الله صلى الله عليه وسلم يضعه حيث أراه الله تعالى من حاجته ونوائبه ومصالح المسلمين, فاقتضت القسمة والتعديل أن يكون الجمع بينه وبين الجيش أثلاثا.
فوائد من الحديث : الوقف والحبس بمعنى واحد, وتسمى الأوقاف أحباساً، والقول: وقفت الشيء وقفاً أي حبسته، وسمي وقفاً لأن العين موقوفة، وحبساً لأن العين محبوسة. وباب الوقف في بعض كتب الفقه، يسمى باب الحبس أو الأحباس، وفي بعض الدول العربية يطلق على وزارة الأوقاف، مسمى : وزارة الأحباس والشؤون الإسلامية.
وفيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بادر بالوقف، وجعل مصارفه فيما يُصلح الدنيا، وحينما كان يحث صحابته على فعل الخير فإنه كان يسبقهم بالفعل والعمل.
وفيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان قدوة لصحابته، في تلمس حاجة ابن السبيل، وقد أسهمت هذه السنة، وهي الوقف لابن السبيل في العهود الإسلامية على تيسير طلب العلم والتنقل بين المدن والقرى، وأسهمت في نشر العلم الشرعي، وتسهيل السفر لطلبته إلى مراكز الحضارة ووجود العلماء.
وقيل: لولا هذه الموقوفات التي خصصت بأعيانها أو ريعها لابن السبيل لتعسر التنقل والسفر، ولما رأينا كتب الحديث والفقه، وكذلك كتب الرحالة، حيث عرفت في الكثير من المدن والقرى أوقاف سميت بـ: أوقاف الضيافة، جعل إنفاق ريعها في تقديم الضيافة للضيف الذي يحل على المدينة أو القرية من خارجها.
فالنبي صلى الله عليه وسلم كان من أجود الناس في بذل الخير والصدقة، وقد أفرد أصحاب كتب السير أبواباً خاصة في بيان صدقاته وإنفاقه في الخير, ورجح الكثير من أهل العلم أن أول صدقة جارية (وقف) في الإسلام هي صدقة الرسول صلى الله عليه وسلم ، قال الحافظ في الفتح: وفي مغازي الواقدي إن أول صدقة موقوفة كانت في الإسلام أراضي مخيريق التي أوصى بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوقفها النبي صلى الله عليه وسلم .
ولهذا كان الإقبال والحرص الشديدان من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في وقف أنفس ما يملكون، فحبيبهم محمد صلى الله عليه وسلم قد بادر بنفسه إلى تطبيق هذا النظام الرباني، وأوقافه معروفة مشهورة في عهده, وحثهم على الوقف والحبس لله تعالى، فبادروا وتنافسوا بالخير، وأبدعوا في رعاية أوقافهم، وأنابوا عليها من يُحسن حمايتها وديمومتها، فالخير في أمة محمد صلى الله عليه وسلم لا ولن ينقطع، فهو موصول في الأمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.



اعداد: عيسى القدومي




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.75 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.12 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.03%)]