عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 29-02-2024, 10:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,342
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأربعــون الوقفيــة

الأربعون الوقفية(6)




جرياً على نهج السلف في جمع نخبة من الأحاديث النبوية التي تخص باب علم مستقل، وإحياء لسنة الوقف – الصدقة الجارية- فقد جمعت أربعين حديثاً نبوياً في الأعمال الوقفية، ورتبت ما جاء فيها من أحكام وفوائد من كتب السنن وشروحها، وكتب الفقه وغيرها، وأفردت شرحاً متوسطاً لكل حديث، حوى أحكاماً وفوائد جمة عظيمة للواقفين من المتصدقين، وللقائمين على المؤسسات والمشاريع الوقفية، ونظار الوقف، والهيئات والمؤسسات المكلفة برعاية الأصول الوقفية ونمائها, أسأل الله أن يجعل هذا العمل إحياء لسنة الوقف والصدقة الجارية, وينفع به قولاً وعملا, ويكتب لنا أجر ذلك في صحائفنا.
والحديث السادس، دليل من الأدلة الخاصة على مشروعية الإشهاد في الوقف والصدقة، وانتفاع الميت بصدقة الحي، وأن الإشهاد هو أحد الطرق الشرعية في توثيق الوقف, وأن من البر بالوالدين بعد موتهما: التصدق عنهما.
الإشهاد في الوقف
عن عبد الله بن عباس، أن سعد بن عبادة رضي الله عنه – أخا بني ساعدة - توفيت أمه وهو غائب عنها، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال :«يا رسول الله، إن أمي توفيت وأنا غائب عنها، فهل ينفعها شيء إن تصدقت به عنها؟ قال : «نعم». قال : فإني أشهدك أن حائطي المخراف صدقةٌ عليها»(1).
بوّب البخاري لهذا الحديث بقوله: “باب الإشهاد في الوقف والصدقة”، وقد ألحق الوقف بالصدقة، وروى نحوه أبو داود والترمذي والنسائي، بالسند إلى ابن عباس :“ أن رجلا قال: يا رسول الله إن أمي توفيت أفينفعها إن تصدقت عنها؟ فقال: نعم ، قال: فإن لي مخرفا وإني أشهدك أني قد تصدقت به عنها”(2).
قال المنذري : وهذا الرجل هو سعد بن عبادة ](3).
والحديث مفاده: كان لسعد بن عبادة ] حائط (4) مخراف (5): أي بستان، وسأل النبي صلى الله عليه وسلم يستفتيه إن كان ينفع أمه التصدق ببستانه عنها، وكانت توفيت في غيابه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : «نعم» تصدق عنها، فأشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بستانه المخراف صدقة على أمه، ووثق صدقته بالإشهاد عليه، وقوله: «أخا بني ساعدة» أي: واحدا منهم، والغرض أنه أيضا أنصاري ساعدي.
وفي إشهاد سعد، ذكر ابن حجر أن قوله: «أشهدك» يحتمل إرادة الإشهاد المعتبر, ويحتمل أن يكون معناه الإعلام، واستدل المهلب للإشهاد في الوقف بقوله تعالى: {وأشهدوا إذا تبايعتم} ( سورة البقرة/282)، قال: فإذا أمر بالإشهاد في البيع وله عوض فلأن يشرع في الوقف الذي لا عوض له أولى.
وقال ابن المنير : كأن البخاري أراد دفع التوهم عمن يظن أن الوقف من أعمال البر فيندب إخفاؤه، فبين أنه يشرع إظهاره لأنه بصدد أن ينازع فيه ولا سيما من الورثة”6.
ووقف عمر لأرض خيبر ثبت بداية بالإشهاد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومع ذلك كتب عمر ] كتاب وثيقته وأشهد عليه في وصيته التي كتبها في خلافته، ودعا نفرا من المهاجرين والأنصار فأحضرهم ذلك وأشهدهم عليه، فانتشر خبرها.
وعثمان أشهد النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة على وقفه عندما أعلن وقفه لبئر رومة سقاية للمسلمين، وسمع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، وكل من حضر من الصحابة، وذلك إثبات بالشهادة، وكرر هذا الإثبات عندما كان خليفة، باستشهاد جمع غفير من الصحابة.
ودل على مشروعية التوثيق بالشهادة: الكتاب، والسنة، والإجماع، وفعل الصحابة رضوان الله عليهم.
وقد استدل بعض أهل العلم على مشروعية توثيق الوقف بالشهادة بقوله تعالى: {وأشهدوا إذا تبايعتم}(7)، ووجّه الاستدلال به بقوله : «فإذا أمر بالإشهاد في البيع وله عوض، فلأن يشرع في الوقف الذي لا عوض له أولى» (8)، ومما يدل لذلك عمل بعض خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في توثيق أوقافهم بالإشهاد عليها، كعمر وعثمان وسعد رضي الله عنهم وأرضاهم.
جاء في الموسوعة الفقهية : “ الشهود على التصرفات وسيلة لتوثيقها، واحتياط للمتعاملين عند التجاحد، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم؛ لأن الحاجة داعية إلى الشهادة لحصول التجاحد بين الناس فوجب الرجوع إليها”(9)، وفي حكم الإشهاد، قال ابن هبيرة: “ واتفقوا على أن الإشهاد مستحب وليس بواجب” (10) ، وهذا يعم الإشهاد على العقود وغيرها، سواء كتبت أم لم تكتب (11).
فالمقرر شرعاً أن الشهادة إحدى طرق إثبات الوقفية، وفي الفقه الإسلامي لم يشترط الإشهاد على الوقف بوصفه شرطاً لصحته، ألا أنه في العهود المتأخرة أدرجت بعض الدول الإسلامية بنودا قانونية لإثبات الوقف كاشتراط صدور إشهاد رسمي ممن يملكه، أمام الجهة المختصة بسماعه، وبناء على هذه النصوص عُدّ الإشهاد شرطا لصحة الوقف، واستثني وقف المسجد فهو لا يزال على حكمه الفقهي الذي اتفق عليه الفقهاء على صحة الوقف على المسجد وتوابعه سواء تم الإشهاد أم لا(12).
وفي بيان الشهادة التي تقبل في الوقف، قال الخصاف: «إن شهد الشهود أن فلاناً أقر عندنا أنه وقف هذه الأرض وقفاً صحيحاً وحددها، وأنه كان مالكها في وقت ما وقفها، قضينا بأنها وقف من قبل الواقف وأخرجناها من يدي الذي هي في يديه»(13).
وذكر الخصاف حكم الوقف إذا انقطع ثبوته فقال: إن الأوقاف التي تقادم أمرها، ومات شهودها، فما كان لها من رسوم في دواوين القضاة، وهي في أيديهم، أجريت على رسومها الموجودة في دواوينهم استحساناً إذا تنازع أهلها فيها، وما لم يكن لها رسوم في دواوين القضاة، فمن أثبت حقاً فيها عند التنازع حكم له به (15).

ومن فوائد الحديث: يشرع إظهار الوقف والإشهاد فيه، حتى يحفظ من الضياع والمنازعة والتعدي عليه ولاسيما من الورثة أو غيرهم، وفيه أن الوقف يطلق عليه مسمى الصدقة؛ فكل وقف صدقة، وكل صدقة ليست وقفاً.
وفيه دليل من الأدلة الخاصة على مشروعية الإشهاد في الوقف والصدقة، وفيه أن الإشهاد في الوقف مع كتابته مستحب عند الفقهاء في توثيق الأوقاف، ويُعد ذلك حجة في صحته. وفيه أن الإشهاد هو أحد الطرق الشرعية في توثيق الوقف، وقد دلت النصوص على مشروعية ثبوت الوقف، إما بالإقرار أو الكتابة أو الشهادة مفردة أو مجتمعة.
وفيه دليل على انتفاع الميت بصدقة الحي، أي انتفاع الأموات بسعي الأحياء، وفيه أن التصدق للوالدين باب من أبواب برهما حتى بعد موتهما وهو من الأعمال التي يصل ثوابها للميت، وفيه أن الصدقة من أعمال الإحياء المالية التي ينتفع بها الميت، وفيه استعجال التصدق والبذل للميت، ولاسيما إن كان أباً أو أماً فهما أولى الناس بالبر والإحسان، وفيه دليل واضح على أن الصدقة تلحق الوالدين بعد موتهما إذا كانا مسلمين، دون وصية منهما.
وهذا من فضل الله تبارك وتعالى الواسع على عباده أنه إذا مات الإنسان وأفضى إلى ما قدم، جعل الله عز وجل له بابين لاستمرار الأجر والثواب: الباب الأول في حياته: وذلك بأن يعمل الإنسان من الأعمال ما يستمر أجره بعد موته، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثةٍ: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»(15).
وكذلك الأجر الذي يناله الإنسان من هدايته غيره، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ دَعَا إِلَى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا يَنقص ذلك مِن أجورهم شيئا» (16).

الهوامش
1 - أخرجه البخاري في الوصايا، باب الإشهاد في الوقف والصدقة ، برقم 2762.
2 - سنن أبي داود، برقم ( 2882)، وسنن الترمذي برقم (669)، وصحيح النسائي برقم ( 3657).
3 - انظر: عون المعبود (8/63).
4 - الحائط: البستان من النخل إذا كان عليه حائط أي جدار، ويجمع على: حوائط.
5 - المخراف : أي البستان، جاء في معجم البلدان للحموي (5/71) : المخراف : وهو من المخارف، واحدها مَخْرَف، وهو جني النخل، وإنما سمي مخرافاً: لأنه يخترف منه.
6 - فتح الباري ( 6/717).
7 - سورة البقرة ، آية 282.
8 - فتح الباري، ( 6/717).
9 - الموسوعة الفقهية، (14/ 139-140).
10 - الإفصاح ( 2/356).
11 - توثيق الوقف ( المعوقات والحلول )، د.عبد الرحمن الطريقي، بحث منشور.
12- نصت المادة الأولى من قانون الوقف المصري رقم (48 لسنة 1952) على اشتراط إشهاد رسمي من الواقف، أمام إحدى المحاكم الشرعية التي بدائرتها أعيان الوقف كلها أو أكثرها؛ سداً للباب أمام الدعاوى الباطلة لإثبات الوقفيات بشهادات الزور، وهذا يتفق مع الحكم القانوني الذي يشترط التسجيل في السجل العقاري لكل تصرف واقع على العقار، أياً كان العقار، وأياً كان التصرف الواقع عليه. انظر : الفقه الإسلامي وأدلته ، د. وهبة الزحيلي، (8/215).
13 - أحكام الأوقاف، للخصاف، ص 210.
14- الفقه الإسلامي وأدلته، د. وهبة الزحيلي، (8/215).
(15) أخرجه مسلم ، برقم (1631).
16 - أخرجه مسلم، برقم (2674).


اعداد: عيسى القدومي




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.44 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.81 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.68%)]