عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 09-01-2024, 03:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,720
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة شرح الأربعين النووية: الحديث




سلسلة شرح الأربعين النووية

الحديث3: بني الإسلام على خمس

عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت


عناصر الخطبة:
رواية الحديث.
المعنى الإجمالي للحديث.
المستفادات من الحديث والربط بالواقع.

الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله، فلا مضلَّ له، ومن يضلل، فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]؛ أما بعد:
فإن أصدقَ الحديث كتابُ الله، وأحسنَ الهَدْيِ هَدْيُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحْدَثاتُها، وكلَّ مُحْدَثَةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

عن ابن عمر، رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بُنِيَ الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان))[1].

عباد الله: هذا الحديث له أهمية عظيمة؛ لأنه تعرَّض لبيان أسس وقواعد الإسلام، التي عليها بُنِيَ، والتي بها يكون العبد مسلمًا؛ وهي الشهادتان، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان، ولم يذكر بقية الأركان؛ لأن الإيمان بالله ورسوله مستلزم لجميع المعتقدات والعبادات، كما لم يذكر الجهاد وهو فريضة عظيمة؛ لأنه فرض كفاية، ولا يتعين على الجميع إلا في بعض الحالات، ومضمون هذا الحديث سبق الإشارة إليه في حديث جبريل في الخطبة الماضية، وكرر هنا لتأكيد معناه، فيجب الاعتناء به وحفظه ونشره بين المسلمين.

فما الفوائد التي نستفيدها من هذا الحديث؟
نستفيد من الحديث لواقعنا ما يلي:
1- ضرب الأمثلة المحسوسة طريقة نبوية في التعليم، النبي صلى الله عليه وسلم شبَّه الإسلام بالبناء الذي نسكن فيه ونتقي به الحر والبرد، وأن هذه الدار بها خمسة أعمدة عليها تقوم، فلو انهدم عمود منها، انهدم البناء، أو يوشك على الانهيار، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم يقرب إلينا الفهم على أن هناك من أركان الإسلام من إذا تهدَّم، تهدم البنيان أو ضعُف، ومرد ذلك إلى الدليل، أرأيتم كيف قرب إلينا الرسول صلى الله عليه وسلم الفَهم بالمثال المحسوس؟ فما أحوج المعلمين والأساتذة والآباء إلى استثمار الأمثلة المحسوسة لتقريب الفهم إلى أبنائهم ومتعلميهم!

2- الشهادتان أعظم أركان الإسلام وعنوان التوحيد، ومعنى (شهادة أن لا إله إلا الله) عبادته وحده، والبراءة من عبادة كل ما سواه، ومعنى (وأن محمدًا رسول الله) الشهادة بأنه نبي مرسل من عند الله، تجِب محبته وطاعته، وتصديقه في كل ما أخبر به، والشهادتان متلازمتان، فلا تصح الأولى إلا بالثانية، ولا تصح الثانية إلا بالأولى، وبها يدخل الإنسان في الإسلام، ويُعصَم دمه وماله؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((أُمِرْتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوا: لا إله إلا الله، عصموا مني دماءهم، وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله؛ ثم قرأ: ﴿ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ ﴾ [الغاشية: 21، 22]))[2]، وبها الدخول إلى الجنة، والنجاة من النار؛ فاحرصوا عليها -عباد الله - وجدِّدوها دائمًا؛ تصديقًا بالقلب، ونطقًا باللسان، وعملًا بالجوارح.

3- الصلاة أعظم ركن بعد الشهادتين، وقد دلَّتِ الأدلة على أهميتها وركنيتها، وأمر الله عز وجل بها في كتابه الكريم في مواضع عديدة، وجاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث في ذلك، والغريب أن تجد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم من تَرَكَ الصلاة، ولا أقول هنا جحودًا، فهذا كافر - والعياذ بالله - ولكن تكاسلًا وغفلةً؛ فذهب جمهور العلماء ومنهم: مالك والشافعي وأبو حنيفة إلى أنه فاسق، ومن العلماء والصحابة من يكفِّره، ولكن نهمِس في أذنه قليلًا: هل تحب أن يختلف فيك العلماء بين مفسِّق ومكفِّر، فالحكمان أحلاهما مُرٌّ، اجتهِدْ ولا تتكاسل وقُمْ إلى الصلاة، تَفُزْ وتَكُنْ من المفلحين؛ قال تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 1، 2].

4- الزكاة طهارة للنفس والمال: الغنيُّ الذي مَلَكَ النِّصاب، وتحققت فيه الشروط التي ذكرها الفقهاء في كتبهم، يجب عليه كل عام إحصاء أمواله، وإخراج ما يلزمه للمستحقين، وهي بركة للمال، وطهارة لنفس الغني من الشح والبخل، ولنفس الفقير من الحقد والحسد؛ قال تعالى: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾ [التوبة: 103]، كما أنها تحقق التضامن والتعاون بين أفراد المجتمع، ومن بخِل بماله، فإنه سيُحمى عليه في نار جهنم؛ قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ﴾ [التوبة: 34، 35].

فاللهم اجعلنا من عبادك الموحِّدين المصلين المزكِّين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم على عبده المصطفى وآله وصحبه، ومن اقتفى؛ أما بعد:
فيا عباد الله، نستفيد كذلك:
5- الحج ركن وشعيرة من شعائر الإسلام، وهو واجب بشرط الاستطاعة؛ قال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ﴾ [آل عمران: 97]، والاستطاعة تشمل القدرة المالية والبدنية، وأمن الطريق، ووجود الْمَحْرَم أو الرفقة المأمونة بالنسبة للمرأة، ونضيف في زماننا الفوز بقرعة الحج، فمن له رغبة وشارك في القرعة ولم يفُزْ فيها فهو معذور، والذي نستغرب له أن تجد من توفرت فيه الاستطاعة، فلا يبادر إلى الحج فورًا، رغم أنه لا عذر له، وينشغل بالدنيا والأعمال، وقد يدركه الموت بدون حج - والعياذ بالله - قال صلى الله عليه وسلم: ((تعجَّلوا إلى الحج - يعني: الفريضة - فإن أحدكم لا يدري ما يعرِض له))[3].

6- صيام رمضان ركن وخاصية من خواص هذه الأمة، وهو فرض على المسلم البالغ العاقل المقيم - أي: غير المسافر - وعلى المرأة الطاهرة من دم الحيض والنِّفاس؛ قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]، فالمطلوب - عباد الله - تربية أبنائنا على الصيام والصلاة في رمضان وغيره، حتى إذا بلغوا أطاقوه، كما علينا الوقوف ضد منتهكي حرمة الصيام بالإفطار العلني، والدعوة إليه بدعوى أنهم أحرار، متناسين أنه بحريتهم المزعومة يسيئون إلى حرية ومشاعر ملايين المسلمين، الذين يتقربون إلى ربهم في رمضان بأداء هذا الركن العظيم؛ طاعةً لربهم، وتقربًا إليه.

فاللهم اجعلنا من الصائمين، وارزقنا الحج إلى بيتك الحرام، آمين.


(تتمة الدعاء).

[1] رواه البخاري، رقم: 8، ومسلم، رقم: 16.

[2] رواه مسلم، رقم: 21.

[3] رواه أحمد في المسند، رقم:2867.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.38 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.75 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.94%)]