
09-09-2023, 05:58 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 154,795
الدولة :
|
|
وسواسي القهري دمر حياتي
وسواسي القهري دمر حياتي
أ. هنا أحمد
السؤال:
♦ ملخص السؤال: شابٌّ في بداية العشرينيات من عمره، يشكو الوسواس القهري الذي دمَّر حياته، وجعله لا ينجز شيئًا في حياته، لا في دين ولا دراسة ولا في شيء، ويسأل: هل يستطيع أن يجدد حياته أو إنه تأخر؟
♦ تفاصيل السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا في بداية العشرينيات من العمر، منذ ست سنوات وحتى اليوم لم أكن بخيرٍ ولو ليوم واحد، عندي أعراض كثيرة غريبة؛ منها الوسواس القهري في الدين بل وفي كل شيء، لكنَّه كان في الدين أشد وأعنف، وكنت إذا تأكدت لي حرمةُ أمرٍ، فإن قلبي لم يكن يطمئن بل يُقنعني بأنه ليس حرامًا، وكنت أتقيَّأ كثيرًا في فترات مختلفة، عندي فطريات في القدمين واليدين، تظهر وتختفي بالحقن والأدوية، ومنذ سبع سنوات وأنا أعاني النحافة المزمنة وفقر الدم، ومن خدر في أعلى ظهري أسفل الكتف وفي أطرافي، أنا لا أصلي إلا نادرًا، وفي رمضان لا أصوم جميع الأيام، لم أحقق أي إنجاز في حياتي، لا في دراسة ولا في أي شيء، وسواسي المدمر في الفترة الأخيرة هو أنه ليس واجبًا عليَّ أن أبنيَ عادات ومهارات جيدة في نفسي، وليس واجبًا أن أتعلم أو أن أعمل وأتحمل المسؤولية، أريد أن أخمد هذه المصيبة التي تدور في رأسي بجواب مقنع: هل يجب على الإنسان أن يتعلم كل ما هو مفيد؛ مثل: تحمل المسؤولية، وبناء وتعلم كل عادة مفيدة منذ الصغر منذ سن 13 أو 14 عامًا، وكلما كبر فإن مسؤوليته تزداد، فإذا وصل لمرحلة الثانوية، توجب عليه العمل، وتطوير الذات، والقراءة، وغيرها، أو إن هذه الأمور مجرد أمور مستحبة؟ وهل من المفترض – وأنا في هذه السن – أن أكون قد أنجزت كل هذه الأشياء الطبيعية؛ كالتفوق في الدراسة، واكتساب مهارات مفيدة، هل كان واجبًا عليَّ أن أبدأ، وأخطأت حين سوَّفت أو أنني يمكنني أن أبدأ وأجدد حياتي وأنا ما أزال صغيرًا؟ أرجو الرد، وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فحلُّ مشكلتك قد يبدو يسيرًا ها هنا في هذه السطور، وهو فعلًا يسير على من كان عنده العزيمة والإصرار، لكنه صعبٌ وعسير على من استسلم للشيطان، ووقع عبدًا وأسيرًا لشهوات نفسه.
1- أول خطوة هي أن يصحَّ بدنك بالعلاج، وهذا لا بد منه؛ فإن الجسد السقيم يؤثر على العقل وعلى قدرة الإنسان على التفكير والعمل، وعلى عزيمته في القيام بواجباته؛ فاذهب إلى طبيب لعلاج فقر الدم والنحافة والأمراض الجلدية.
2- وكن حريصًا على تناول الغذاء الصحي، والبعد عن الأطعمة الجاهزة والسريعة، ليس بالضرورة أن يكون الغذاء الصحي مُكلفًا بحيث تعجز عنه، فكوب من اللبن كل يوم مع البيض في غذائك المعتاد سوف يضيف لطعامك قيمة غذائية كبيرة.
3- فإن كنت فقيرًا وغير قادر على طلب العلاج والغذاء، ولا حيلة لك، فلا يلزمك أن تكمل دراستك الآن؛ لأنك لن تستطيع إكمالها على أي حال بشكل مُرضي، وابحث عن عمل يساعدك في توفير العلاج والغذاء مهما كان دخله قليلًا، والله لا يكلف نفسًا إلا وسعها، وإنسان سليم البدن معافًى وقد فاته شيئًا من التعليم والشهادات المدرسية والجامعية أفضل من مريض حصل على شهادة ضعيفة، وقد يهلك قبل أن يستفيد من شهادته.
4- مع تحسن الصحة ابدأ فورًا بممارسة شيء من الرياضة: المشي والعدو وبعض التمارين الخفيفة، ثم انتقل إلى مستوى أعلى من تدريبات القوة البدنية، وليس بالضرورة أن تنتسب إلى صالة للألعاب الرياضية، فيمكن أن تتمرن بالوسائل المتاحة في منزلك؛ مثل: صعود الدرج مرات كثيرة، وحمل أوزان مما هو متاح في بيتك.
5- انتظم في صلاتك والأمر يسير، فمن عجز عن الصلاة قائمًا، صلى قاعدًا، ومن عجز عن الصلاة قاعدًا، صلى على جنبه، ومن عجز عن تحريك أعضاء جسده، صلى وهو يحرك عينيه؛ فإن سعيَ العبد لا يصلح إلا بالصلاة.
6- أنت لم تذكر شيئًا عن استسلامك لشهوات نفسك وضعفك أمام نزواتك، ولكن هذا شيئًا متوقعًا في حالتك هذه، وقد يكون استسلامك لتلك الشهوات سببًا في ضعف جسدك وضياع صلاتك، فقاوم تلك الشهوات، والتزم بصلاتك، فإن وقعت في شيئًا من ذنوب الخلوات، ومعاصي العادات، فَتُبْ فورًا، واغتسل وصلِّ فرضك، وكلما غلبك شيطانك، فاقْهَرْهُ بالتوبة والقيام إلى الصلاة، حتى ولو غلبك في اليوم مراتٍ ومرات، فقُمْ إلى التوبة كل مرة، ولا تيأس من روح الله.
7- توقف عن التفكير في أي شيء آخر، فلا تتابع الأخبار، ولا تتعب نفسك في التفكير في المستقبل؛ فأمامك مستقبل قريب يحتاج التركيز والعمل، وهو يَسَعُ كل وقتك ومجهودك، ألَا وهو الالتزام بدينك وصلاتك، والاهتمام بصحة بدنك وشفائك، فليكن جُلُّ تركيزك في هذا.
8- اترك متابعة الفيس بوك ومواقع التواصل، ومشاهدة التلفاز، وأي شيء يحرك غرائزك ويثير شهواتك، غضَّ بصرك، فإن عجزت فلا تخرج من بيتك إلا للعمل أو للدراسة، وعُدْ إليه فورًا، والزم المسجد في وقت فراغك إن استطعت.
9- فارق أصحاب السوء، واقطع علاقتك بكل من يبعدك عن الله، أو يفسد عليك صلاتك، ويضيع مالك وصحتك.
10- أهدافك في الحياة يجب أن تكون قليلة وواضحة في هذه المرحلة، لا ترى غيرها، الدراسة أو العمل إذا لزم الأمر؛ الصلاة والعبادة، البعد عن رفاق السوء، والعلاج من الأمراض التي ذكرتها في رسالتك، والذي قد يستغرق وقتًا ليس بالقليل.
11- انسَ أي شيء آخر في هذه المرحلة، ولا تشغل بالك بأي أمور أخرى.
12- الحلال والحرام يحدده لك علماء بلدك، فتابع أحد العلماء الثقات في بلدك، واسأله عن الحلال والحرام، ولا تفكر ولا تجتهد في فهم هذه الأمور الآن، فقط تابع والزم، واعلم أنك مأجور، وليس عليك وزرٌ حتى وإن أخطأ العالِم.
13- ليس بالضرورة أن تكون مصابًا بالوسواس القهري، فلا تفترض شيئًا، وتجاهل هذه الفكرة تمامًا، واستعن بالله ولا تعجز، فإن حدثتْكَ نفسك بشيء، فلا تلتفت إليها، واجعل كل تفكيرك في تلك النقاط القليلة التي تحدثنا عنها: الالتزام بالصلاة والعبادة، والعلاج.
14- ولا تشغل نفسك بما هو واجب عليك أن تتعلمه كأي شاب في سنك، فأنت كالغريق الذي يرجو النجاة من الموت، فهذا لا يفكر في أن يصل إلى وجهته، وينجز عمله، بل يكون كل تفكيره في العثور على شيءٍ يتشبث به، ويسبح نحو برِّ الأمان وينجو بنفسه، لا يهم في هذه المرحلة أن تنجز شيئًا مما أنجزه أقرانك؛ فلكل إنسان ظروف مختلفة، ومحاولة اللحاق بهم لن تفيدك وأنت تفتقر لأهم مقومات النجاح، بل إنها سوف تُهلكك بلا شكٍّ عندما تعجز عن اللحاق بهم، أو تفشل في مجاراتهم، فهل رأيت يومًا مريضًا يشارك في سباق للعدو، أو يدخل في مصارعة ضد رجل مفتول العضلات؟! بالطبع لا، وإن فعل، فلن يفوز، وإنما سوف يُهلِك نفسه.
15- لا تفكر فيما فاتك، فهذا مما قدره الله عليك؛ وكما جاء في الحديث الشريف، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ((كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَقَالَ: يَا غُلَامُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ))؛ قال الترمذي رحمه الله: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ".
16- تفاءل بالمستقبل وأحسن الظن بالله، واعلم أن الله يحبك، وليس أدل على هذا من أنه هداك للإسلام، وجعل فيك حرصًا على معرفة الحلال والحرام.
يسَّر الله لك أمرك وهداك إلى ما يحب ويرضى.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|