عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 28-08-2023, 05:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,976
الدولة : Egypt
افتراضي رد: صلتان للفعل "تمتع يتمتع تمتعا": الباء ومن وبلاغة القرآن الكريم في اختيار الصلات


ونفسٌ تقول: استحي من طلب العصا
ونفسك لا تطرح على من يُهيمُها[9]
وعندما نمعن النظر في هذه الشواهد نجد أنّ صلة "الباء" لا تدخل إلا على المفعول الذي يستفيد منه المرء بتمامه.

وأما التمتع من الشيء فيعني الانتفاع القليل به كما قال امرؤ القيس:
تمتّع من الدنيا فإنك فانٍ
من النشوات والنساء الحسان
من البيض كالآرام والأدم كالدمى
حواضنُها والبرقاتُ روان[10]


وقال أيضًا:
وبيضة خدرٍ لا يرام خباؤها***تمتّعتُ من لهوٍ بها غيرَ مُعجَل[11]
وقال أوس بن حجر:
تمتعنَ من ذاتِ الشُقوق بشَربةٍ ***ووازنَّ من أعلى جَفافَ بمَخرم[12]
وقال الشاعر الحماسي:
تمتّع من شميمِ عرارِ نجد***فما بعد العشية من عرار[13]
وقال جميل بثينة:
تمتّعتُ منها، يوم بانوا، بنظرة ***وهل عاشقٌ من نظرة يتمتع[14]
وقال قيس بن الملوّح:
تمتع من ذرى هضباتِ نجد ***فإنك موشكٌ أنْ لا تراها[15]
وقال الأقيشر الأسدي:
تمتّعْ من شبابٍ ليس يبقى***وصِلْ بعرَى الصبوح عرَى الغبوق[16]
وقال قبيصة بن النصراني:
فقلتُ له لمّا بلوتُ بلاءَه***وأنّى بمتعٍ من خليلٍ مُفارق[17]
فـ"الدنيا" في بيت امرئ القيس لن يمكن لأحد أنْ ينتفع بها تمامًا. وهكذا الحال مع النساء البيض، وذات الشقوق، وشميم عرار نجد، والنظرة الواحدة، وذرى الهضبات، والشباب الفاني، والخليل المفارق.

مجيء فعل التمتع بدون الصلة: وبجانب الصلتين، استخدم الشعراء الفعل (تَمَتَّعَ يَتَمَتَّعُ) بدون الصلة كما استخدموها بدون المفعول. وحينذاك يمكن فيه كلا الأمرين. فقال امرؤ القيس:
فقلت لها يا دارَ سلمى وما الذي ***تمتّعتُ لا بُدِّلتُ يا دارُ بالبدل[18]
وقال عمرو بن معديكرب الزبيدي:
تمتّعتُ ذاك وكنت امرءًا ***أصُدّ عن الخُلُق الفاحش[19]
وقال نصيب بن رباح:
فيا لك من ليل تمتّعتُ طولَه***وهل طائفٌ من نائمٍ متمتّع[20]
وتارة يأتي بدون المفعول فقال روبة بن العجاج:
ما كالتقى زادٌ لمن تمتّعا[21]
وقال مشعّث العامري:
تمتّعْ يا مشعّثُ إنّ شيئًا***سبقتَ به الوفاةَ هو المتاع[22]
والقرآن أيضًا أورده بدون المفعول فقال تعالى: ﴿ وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ * فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ﴾ [هود: 64، 65]

وجاء في سورة النحل:
﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ * ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ * لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 53-55].


بلاغة القرآن الكريم في الاختيار بينهما: أورد القرآن الكريم صلة الباء ولم يورد صلة (مِنْ) فقال الله تعالى:
﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [البقرة: 196]

وقال في سورة الزمر:
﴿ وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ﴾ [الزمر: 8].

فالسبب في اختيار القرآن الكريم صلة (الباء) مقابل (مِنْ) هو أنّ العمرة ينتفع بها المرء تمامًا فلا يفوته شيء منها وهكذا الأمر مع الكفر فينتفع به المرء بتمامه مادام في حالة الكفر. وعلى هذا حينما أراد القرآن تقليل الانتفاع قيّده بـ"قَلِيلًا".

ملخص القول:
ظهر مما سردناه من شواهد كلام العرب وآيات القرآن الكريم أنّ الفعل (تَمَتَّعَ يَتَمَتَّعُ تَمَتُّعًا) تأتي له صلتان وهما الباء ومِنْ، فالأولى تفيد الانتفاع بكل ما يحويه الشيء ويلزمه بينما الأخرى لا تدخل إلا على المفعول الذي لا يمكن للمرء أنْ ينتفع بكل ما يملكه أو يتصف به. والقرآن الكريم قد راعى هذا الجانب البلاغي لصلتي الفعل ففضّل صلة (الباء) على صلة (مِنْ).

المصادر والمراجع:
1- القرآن الكريم.

2- أساس البلاغة لأبي القاسم الزمخشري، تحقيق: محمد باسل عيون السود، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1998م.

3- أقرب الموارد في فصح العربية والشوارد للعلامة سعيد الخوري الشرتوتي، دار الأسوة للطباعة والنشر، إيران، 1374هـ.

4- ديوان الأخطل، شرح: مهدي محمّد ناصر الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1994م.

5- ديوان الأصمعيات، تحقيق: أحمد محمد شاكر وعبد السلام هارون، دار المعارف بمصر، ط3.

6- ديوان الأقيشر الأسدي، صنعة: د. محمد علي دَقَّة، دار صادر، بيروت، ط1، 1997م.


7- ديوان الرماح ابن ميادة، جمع وتحقيق: د. حنا جميل حداد، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق، 1982م.

8- ديوان امرئ القيس، ضبطه وصحّحه: الأستاذ مصطفى عبد الشافي، دار الكتب العلمية، بيروت، 2004م.

9- ديوان أوس بن حجر، تحقيق وشرح: د. محمد يوسف نجم، دار بيروت للطباعة والنشر، بيروت، 1980م.

10- ديوان جميل بثينة، دار بيروت للطباعة والنشر، بيروت، 1982م.

11- ديوان قيس بن الملوّح- مجنون ليلى، دراسة وتعليق: يُسري عبد الغني، منشورات دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1999م.

12- ديوان قيس بن ذُرَيح، شرح: عبد الرحمن المصطاوي، دار المعرفة، بيروت، لبنان، ط2، 2004م.

13- ديوان كُثَيِّر عَزّة، جمع وشرح: د. إحسان عبّاس، دار الثقافة، بيروت، لبنان، 1971م.

14- شرح ديوان الحماسة للعلامة التبريزي، دار القلم، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، د.ت.

15- شرح ديوان روبة بن العجاج، تحقيق: د. ضاحي عبد الباقي محمد، جمهورية مصر العربية، مجمع اللغة العربية، ط1، 2011م.

16- شعر الراعي النميري وأخباره، جمع وتقديم وتعليق: ناصر الحاني، دمشق، 1964م.

17- شعر عمرو بن معديكرب الزبيدي، جمع وتنسيق: مطاع الطرابيشي، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق، ط2، 1985م.

18- شعر نُصَيب بن رَباح، جمع وتقديم: داود سَلّوم، مطبعة الإرشاد، بغداد، 1967م.

19- شعراء النصرانية للأب لويس شيخو اليسوعي، مطبعة الآباء المرسلين اليسوعيين، بيروت، 1890م.

20- شعرالأحوص الأنصاري، جمع وتحقيق: عادل سليمان جمال، مكتبة الخانجي بالقاهرة، ط2، 1990م.

21- الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية لإسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطّار، دار العلم للملايين، بيروت، 1956م.

22- كتاب الأشباه والنظائر للخالديين، تحقيق: د. السيد محمد يوسف، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، د.ت.

23- كتاب العين للخليل الفراهيدي، ترتيب وتحقيق: الدكتور عبد الحميد هنداوي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 2003م.

24- كتاب الوحشيات، أبو تمام الطائي، تحقيق: عبد العزيز الميمني الراجكوتي، وزيادة: محمود محمد شاكر، ط3، دار المعارف، القاهرة، مصر، 1968م.

25- لسان العرب لابن منظور الإفريقي، دار صادر، بيروت، د.ت.

26- المعجم الوسيط لمجمع اللغة العربية، مكتبة الشروق الدولية، ط4، 2004م

[1] مدير تحرير "مجلة الهند" وأستاذ مساعد، قسم اللغة العربية وآدابها، الجامعة الملية الإسلامية، نيو دلهي.

[2] شعره، ص 172.

[3] ديوانه، ص 176.

[4] شرح ديوان الحماسة، 2 / 134.

[5] شعره، ص 175-178.

[6] ديوانه، ص 151.

[7] ديوانه، ص 115.

[8] كتاب الوحشيات، ص 187.

[9] كتاب الأشباه والنظائر، 1 / 75.

[10] ديوانه، ص 166.

[11] ديوانه، ص 114.

[12] ديوانه، ص 119.

[13] شرح ديوان الحماسة، 2/ 752 ويروى هذا البيت لقيس بن الملوّح، أنظر ديوانه، ص 76.

[14] ديوانه، ص 30.

[15] ديوانه، ص 41.

[16] ديوانه، ص 98.

[17] شعراء النصرانية، 1/ 1/ 100.

[18] ديوانه، ص 146.

[19] ديوان الأصمعيات، ص 178، ديوانه، ص 135.

[20] ديوانه، ص 101.

[21] ديوانه، 1/ 227.

[22] ديوان الأصمعيات، ص 148.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 27.55 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.93 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.28%)]