عرض مشاركة واحدة
  #552  
قديم 08-05-2023, 11:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,026
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثامن
الحلقة (550)
سُورَةُ الْجُمُعَةِ
صـ 155 إلى صـ 162




وقال بعده بقليل : وكذلك ينبغي أن ينهاهم عما أحدثوه من صفة الصلاة والتسليم على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند طلوع الفجر ، وإن كانت الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - من أكبر العبادات [ ص: 155 ] وأجلها ، فينبغي أن يسلك بها مسلكها ، فلا توضع إلا في مواضعها التي جعلت لها .

وقال صاحب الإبداع في مضار الابتداع ، ما نصه : ومن البدع ما يسمى بالأولى والثانية ، أعني ما يقع قبل الزوال يوم الجمعة من الدعاء إليها بالذكر والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحو ذلك ، ولا خلاف في أن ذلك لم يكن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا عهد السلف الصالح ، وإنما النظر في ذمه واستحسانه . ا هـ .

وهذا النظر مفروغ منه في التنبيهات المتقدمة لابن حجر ، وابن الحاج ، وابن باز .

والقاعدة الأصولية الفقهية : أن العبادات مبناها على التوقيف ، وما لم يكن دينا ولا عبادة عند السلف الصالح فلا حاجة إليه اليوم ، كما قال مالك رحمه الله : لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها .

وقد ذكر صاحب الإبداع أيضا تاريخ إحداث رفع الصوت بالصلاة والتسليم على النبي - صلى الله عليه وسلم - عقب الأذان ، فقال : كان ابتداء ذلك في أيام السلطان الناصر صلاح الدين بن أيوب وبأمره في مصر وأعمالها ، لسبب مذكور في كتب التاريخ . ا هـ .

والسبب يتعلق ببدعة الفاطميين بسبب بعض الأشخاص على المنابر والمنائر ، فغير عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - ما كان على المنابر بقوله : إن الله يأمر بالعدل ، والإحسان ، وإيتاء ذي القربى ، وينهى عن الفحشاء والمنكر .

وكذلك غير صلاح الدين ما كان بعد الأذان بالصلاة والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم .

تنبيه

من أسباب تمسك بعض البلاد بهذين العملين هو ألا يؤذن قبل الجمعة ، فاعتاضوا عن الأذان بما يسمى التطليع أو بالأولى والثانية أي : التطليعة الأولى والتطليعة الثانية ، وكذلك لا يؤذنون للفجر قبل الوقت فاستعاضوا عنه بالتسبيح والتكبير وغيره .

أما الصلاة والسلام على النبي - صلى الله عليه وسلم - عقب كل أذان ، فقد قاسوا المؤذن على السامع في حديث : " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ، ثم صلوا علي ; فإن من صلى علي مرة صلى الله عليه بها عشرا " .

فقالوا : والمؤذن أيضا يصلي ويسلم ، ثم زادوا في القياس خطة وجعلوا صلاة [ ص: 156 ] المؤذن وتسليمه على النبي - صلى الله عليه وسلم - بصوت مرتفع كالأذان ، وبهذا تعلم أنه ما أميتت سنة إلا ونشأت بدعة ، وأن قياس المؤذن على السامع ليس سليما .

وتقدم لك أن محاكاة المؤذن لربط السامع بالأذان ; ليتجاوب معه في معانيه ، ولو قيل : إن للمؤذن أن يصلي ويسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - سرا بعد الفراغ من الأذان ، وأن يسأل الله الوسيلة للرسول - صلى الله عليه وسلم - ليشارك في الأجرين : أجر الأذان ، وأجر سؤال الوسيلة لكان له أجر ، والعلم عند الله تعالى .
حي على خير العمل في الأذان

اتفق الأئمة - رحمهم الله - على أنها ليست من ألفاظ الأذان ، وحكاها الشوكاني عن العترة ، وناقش مقالتهم وآثارها بأسانيدها .

ومما جاء فيها عندهم أثر عن ابن عمر ، أنه كان يؤذن بها أحيانا .

ومنها عن علي بن الحسين أنه قال : هو الأذان الأول .

ثم قال : وأجاب الجمهور عن كل ذلك بأن أحاديث ألفاظ الأذان في الصحيحين وغيرهما لم يثبت فيهما شيء من ذلك .

قالوا : وإذا صح ما روي أنه الأذان الأول فهو منسوخ بأحاديث الأذان لعدم ذكره فيها .

وقد أورد البيهقي حديثا في نسخ ذلك ، ولكن من طريق لا يثبت النسخ بمثله . اهـ . ملخصا .

وقد ذكر صاحب جمع الفوائد حديثا عن بلال - رضي الله عنه - أنه كان يؤذن للصبح فيقول : حي على خير العمل ، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجعل مكانها الصلاة خير من النوم ، وترك حي على خير العمل ، وقال : رواه الطبراني في الكبير بضعف . اهـ .

ولا يبعد أن يكون أثر بلال هذا هو الذي عناه علي بن الحسين ، وعلى كل فهذا الأثر وإن كان ضعيفا فإنه مرفوع ، وفيه التصريح بالمنع منها ، وعليه الأئمة الأربعة وغيرهم إلا ما عليه الشيعة فقط .

ومن جهة المعنى ، فإن معناها لا يستقيم مع بقية النصوص الصحيحة الصريحة ، [ ص: 157 ] وذلك أنه ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن خير العمل أمر نسبي ، وأن خير جميع الأعمال كلها هو أولا وقبل كل شيء الإيمان بالله ، وذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - سئل : أي الأعمال أفضل يا رسول الله ؟ قال : " إيمان بالله " ، قيل : ثم ماذا ؟ فقال مرة : " الجهاد في سبيل الله " ، وقال مرة : " الصلاة على أول وقتها " ، وقال مرة : " بر الوالدين " وفي كل مرة يقدم إيمانا بالله .

فعليه الإيمان بالله هو خير العمل ، وليست الصلاة ، ثم بعد الإيمان بالله فهو بحسب حال السائل وحالة كل شخص ، فمن كان قويا وليس عليه حق لوالديه ، فالجهاد أفضل الأعمال في حقه مع الحفاظ على الصلاة ، فإن كان ذا والدين ، فبرهما مقدم على كل عمل ، ولم لا ! فإن الصلاة على أول وقتها لغير هؤلاء ، فإطلاق القول بالصلاة خير العمل في حق جميع الناس لا يصح مع هذه الأحاديث ، ولهذا منع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالا أن يقولها ، وجعلها : خيرا من النوم ، وهذا لا نزاع فيه ولا بالنسبة لأي أحد من الناس ، والله تعالى أعلم .
الصلاة بين أذان عثمان رضي الله عنه والأذان الذي بين يدي الإمام

تعود الناس في جميع الأمصار صلاة ركعتين عند الأذان الأول ، والذي يقع الآن قبل الوقت وقبل جلوس الإمام على المنبر ، وهو المسمى عند الفقهاء بأذان عثمان ، وقد تساءل الناس عن هذه الصلاة ، أهي سنة أم لا ؟ ويتجدد هذا السؤال من حين إلى آخر ، وأجمع ما رأيت فيه هو كلام ابن تيمية في رسالة خاصة ، جوابا على سؤال وجه إليه هذا نصه :

هل الصلاة بعد الأذان الأول يوم الجمعة فعلها النبي - صلى الله عليه وسلم - أو أحد من أصحابه أو التابعين أو الأئمة ، أم لا ؟ وهل هو منصوص في مذهب من مذاهب الأئمة المتفق عليهم ، وقوله صلى الله عليه وسلم : بين كل أذانين صلاة ، هل هو مخصوص بيوم الجمعة ، أم هو عام في جميع الأوقات ؟ فأجاب بقوله :

أما النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه لم يكن يصلي قبل الجمعة بعد الأذان شيئا ، ولا نقل هذا عن أحد ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يؤذن على عهده إلا إذا قعد على المنبر ، ويؤذن بلال ثم يخطب النبي - صلى الله عليه وسلم - الخطبتين ، ثم يقيم بلال فيصلي بالناس ، فما كان يمكن أن يصلي بعد الأذان لا هو ولا أحد من المسلمين الذين يصلون معه - صلى الله عليه وسلم - ولا نقل عن أحد أنه صلى في بيته قبل الخروج يوم الجمعة ، ولا وقت بقوله : " صلاة مقدرة قبل الجمعة " بل ألفاظه فيها الترغيب [ ص: 158 ] في الصلاة إذا قدم الرجل المسجد يوم الجمعة من غير توقيت كقوله : " من بكر وابتكر ، ومشى ولم يركب ، وصلى ما كتب له " . . . الحديث .

وهذا المأثور عن الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا إذا أتوا المسجد يوم الجمعة يصلون من حين يدخلون ما تيسر ، منهم من يصلي ثماني ركعات ، ومنهم من يصلي أقل من ذلك ، ولهذا كان جمهور الأئمة متفقين على أنه ليس قبل الجمعة سنة مؤقتة بوقت مقدرة بعدد .

ثم قال : وهذا مذهب مالك ومذهب الشافعي وأكثر أصحابه ، وهو المشهور من مذهب أحمد .

وذهب طائفة من العلماء إلى أن قبلها سنة ، فمنهم من جعلها ركعتين ، ومنهم من جعلها أربعا تشبيها لها بسنة الظهر ، وقالوا : إن الجمعة ظهر مقصورة ، وهذا خطأ من وجهين وساقهما ، وخلاصة ما ساقه فيهما أن الجمعة لها خصائص لا توجد في الظهر فليست ظهرا مقصورة .

وكذلك أنه لم يكن - صلى الله عليه وسلم - يصلي في سفره سنة للظهر ، أي : وهي مقصورة في السفر فلا تمسك في ذلك .

أما عن حديث : " بين كل أذانين صلاة " فالصواب أنه لا يقال إن قيل الجمعة سنة راتبة مقدرة ، وأنه - صلى الله عليه وسلم - قال : " بين كل أذانين صلاة " مرتين ، وقال في الثالثة : " لمن شاء " .

وهذا يدل على أن الصلاة مشروعة قبل الأوقات الخمسة ، وأن ذلك ليس بسنة راتبة ، وقد احتج بعض الناس بهذا على الصلاة يوم الجمعة .

وعارض غيره قائلا : الأذان الذي على المنارة لم يكن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال : ويتوجه عليه أن يقال : هذا الأذان الثالث لما سنه عثمان - رضي الله عنه - واتفق عليه المسلمون صار أذانا شرعيا ، وحينئذ فتكون الصلاة بينه وبين الأذان الثاني جائزة حسنة ، وليست سنة راتبة كالصلاة قبل المغرب ، وحينئذ فمن فعل ذلك لم ينكر عليه ، ومن ترك ذلك لم ينكر عليه ، وهذا أعدل الأقوال .

وكلام أحمد يدل عليه ، وحينئذ فقد يكون تركها أفضل إذا كان الجهال يعتقدون أن هذه سنة راتبة أو واجبة ، لا سيما إذا داوم الناس عليها ، فينبغي تركها أحيانا ، كما ينبغي [ ص: 159 ] ترك قراءة السجدة يوم الجمعة أحيانا .

ثم قال : وإذا كان رجل مع قوم يصلونها ، فإن كان مطاعا إذا تركها وبين لهم السنة لم ينكروا عليه ، بل عرفوا السنة ، فتركها حسن ، وإن لم يكن مطاعا ورأى في صلاتها تأليفا لقلوبهم إلى ما هو أنفع ، أو دفعا للخصام والشر لعدم التمكن من بيان الحق لهم وقولهم له ونحو ذلك ، فهذا أيضا حسن .

فالعمل الواحد يكون مستحبا فعله تارة ، وتركه تارة ، باعتبار ما يترجح من مصلحة فعله وتركه بحسب الأدلة الشرعية .

كما ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - بناء البيت على قواعد إبراهيم إلى آخره . اهـ ملخصا .

فأنت تراه قد بين أولا أنها ليست من فعله - صلى الله عليه وسلم - لعدم وجود مكان لها في عهده ، ولا في عهد صاحبيه من بعده ، وأن فعلها بعد حديث عثمان - رضي الله عنه - يرجع إلى حال الشخص ، فإن كان عاميا التمس له مخرج من حديث : " بين كل أذانين صلاة " ، لا على أنها سنة راتبة .

أما العالم الذي يقتدى به فإن كان مطاعا فتركها أحسن .

وتعليم الناس متعين ، وإن كان غير مطاع ويرجو نفعهم أو يخشى خصومة عليهم تضيع عليهم منفعتهم منه ، ففعلها تأليفا لقلوبهم ، فهذا حسن . اهـ ملخصا .

وهذا منه من أدق مسالك سياسة الدعوة إلى الله ، حيث ينبغي للداعي أن يراعي حالة العامة ، وأن يكون بفعله مؤثرا كتأثيره بقوله مع مراعاة الأحوال ما هو أصلح لهم فيما فيه سعة من الأمر ، كما بين أنها ليست بسنة راتبة .

وقد ساق ضمنا كلام العلماء في حكم الصلاة قبل الجمعة مطلقا ، أي عند المجئ وقبل الأذان ، وهذا كله ما عدا الداخل للمسجد وقت الخطبة فيما يتعلق بتحية المسجد .

وقال النووي في المجموع بعد مناقشة كلام المذهب ، قال :

وأما السنة قبلها فالعمدة فيها حديث عبد الله بن معقل المذكور : " بين كل أذانين صلاة " ، والقياس على الظهر ، قال : وذكر أبو عيسى الترمذي أن عبد الله بن مسعود كان يصلي قبل الجمعة أربعا ، وإليه ذهب سفيان الثوري ، وابن المبارك ، وهذا منهم على أنها [ ص: 160 ] راتبة الظهر انتقلت إلى الجمعة ، ولا علاقة لها بالأذان ، بل من حين مجيئه إلى المسجد .
قوله تعالى : من يوم الجمعة .

قال الزمخشري ونقله عنه أبو حيان : من في قوله : من يوم الجمعة بيان لإذا وتفسير له . اهـ .

يعني : إذا نودي فهي بيان لإذا الظرفية وتفسير لها .

الجمعة بضم الجيم والميم قراءة الجمهور ، وبضم الجيم وتسكين الميم قراءة عبد الله بن الزبير والأعمش وغيرهما ، وهما لغتان وجمعهما جمع وجمعات .

قال الفراء : يقال الجمعة بإسكان الميم ، والجمعة بضمها والجمعة بفتح الميم ، فتكون صفة لليوم أي يجمع الناس .

وقال ابن عباس : نزل القرآن بالتثقيل والتفخيم فاقرؤها جمعة ، يعني : بضم الميم .

وقال الفراء وأبو عبيد : والتخفيف أقيس وأحسن ، مثل غرفة وغرف وطرفة وطرف وحجرة وحجر ، وفتح الميم لغة بني عقيل ، وقيل : إنها لغة النبي - صلى الله عليه وسلم - حكاه القرطبي وغيره .

وقال الزمخشري : قرئ بهن جميعا ، وقال غيره : والأول أصح لقول ابن عباس رضي الله عنهما .

وذكر في سبب تسمية هذا اليوم عدة أسباب لا تناقض بين شيء منها .

من ذلك ما قاله ابن كثير رحمه الله : إنها مشتقة من الجمع ، وأهل الإسلام يجتمعون فيه في كل أسبوع .

ومنها : أنه تم فيه خلق جميع الخلائق ، فإنه اليوم السادس من الستة التي خلق الله فيها السماوات والأرض ، وفيه خلق آدم يعني جمع خلقه ، وفيه الحديث عن سلمان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له : " يا سلمان ، ما يوم الجمعة " ؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يوم الجمعة يوم جمع الله فيه أبواكم - أو - أبوكم " ، قال ابن كثير : وقد روي عن أبي هريرة من كلامه نحو هذا ، فالله أعلم .

والذي يظهر والله تعالى أعلم : أن ما حكاه عن أبي هريرة له حكم الرفع ، كما جاء [ ص: 161 ] في الموطأ في فضل يوم الجمعة أنه : " خير يوم تطلع فيه الشمس ، فيه خلق آدم " إلى آخر الحديث ، وسيأتي إن شاء الله عند بيان فضلها .

وقد كان يقال له في الجاهلية يوم العروبة .

ونقل عن الزجاج والفراء وأبي عبيدة : أن العرب العاربة كانت تسمي الأيام هكذا : السبت شبار ، الأحد أول ، الاثنين أهون ، الثلاثاء جبار ، الأربعاء دبار ، الخميس مؤنس ، الجمعة العروبة . وأول من نقل العروبة إلى الجمعة كعب بن لؤي ، نقل من بذل المجهود شرح أبي داود .

وقيل : أول من سماه بالجمعة كعب بن لؤي ، وقد كان معروفا بهذا الاسم في أول البعثة ، كما جاء في سبب أول جمعة صليت بالمدينة .

قال القرطبي : وأول من سماها جمعة : الأنصار ، ونقل عن ابن سيرين قوله : جمع أهل المدينة من قبل أن يقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة ، وقبل أن تنزل الجمعة هم الذين سموها الجمعة ، وذلك أنهم قالوا : إن لليهود يوما يجتمعون فيه في كل سبعة أيام يوم ، وهو السبت ، وللنصارى يوم مثل ذلك وهو الأحد ، فتعالوا فلنجتمع حتى نجعل يوما ، لنتذاكر الله ، ونصلي فيه ونستذكر أو كما قالوا ، فقالوا : يوم السبت لليهود ، ويوم الأحد للنصارى فاجعلوه يوم العروبة ، فاجتمعوا إلى سعد بن زرارة وهو أبو أمامة رضي الله عنه ، فصلى بهم يومئذ ركعتين ، وذكرهم فسموه يوم الجمعة حتى اجتمعوا فذبح لهم سعد شاة فتعشوا وتغدوا منها لقلتهم .

فهذه أول جمعة في الإسلام .

أما أول جمعة أقامها النبي - صلى الله عليه وسلم - فهي التي أقامها مقدمه إلى المدينة حين نزل قباء يوم الاثنين ومكث الثلاثاء والأربعاء والخميس ، وفي صبيحة الجمعة نزل إلى المدينة فأدركته الصلاة في بني سالم بن عوف في بطن واد لهم ، قد اتخذ القوم في ذلك الموضع مسجدا فجمع بهم - صلى الله عليه وسلم - وخطب ، وهو موضع معروف إلى اليوم في بني النجار ، وقد ساق القرطبي خطبته - صلى الله عليه وسلم - في ذلك اليوم ، ثم كانت الجمعة التي تلتها في الإسلام في قرية جوانا بالأحساء اليوم .

وقد خص الله المسلمين بهذا اليوم وفضله ، كما قال ابن كثير وغيره لحديث أبي [ ص: 162 ] هريرة - رضي الله عنه - عند البخاري ومسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نحن الآخرون السابقون يوم القيامة ، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا ، ثم إن هذا يومهم الذي فرض الله عليهم فاختلفوا فيه ، فهدانا الله له فالناس لنا فيه تبع ، اليهود غدا والنصارى بعد غد " ، لفظ البخاري . وفي لفظ لمسلم " أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا ، فكان لليهود يوم السبت ، وكان للنصارى يوم الأحد ، فجاء الله بنا فهدانا الله ليوم الجمعة ، فجعل الجمعة والسبت والأحد ، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة ، نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة ، المقضي بينهم قبل الخلائق " ذكره ابن كثير ، من خصائص يوم الجمعة .

كما اختصت هذه الأمة بيوم الجمعة عن سائر الأيام ، فقد اختص يوم الجمعة نفسه بخصائص عن سائر الأيام ، أجمعها ما جاء في موطأ مالك عن أبي هريرة ، أنه قال : خرجت إلى الطور فلقيت كعب الأحبار فجلست معه ، فحدثني عن التوراة ، وحدثته عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان فيما حدثته أن قلت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم ، وفيه أهبط من الجنة ، وفيه تيب عليه وفيه مات ، وفيه تقوم الساعة وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة إلا الجن والإنس ، وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه " .

قال كعب : ذلك في كل سنة ، قلت : بل في كل جمعة فقرأ كعب التوراة ، فقال : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال أبو هريرة : فلقيت بصرة بن أبي بصرة الغفاري فقال : من أين أقبلت ؟ فقلت : من الطور فقال : لو أدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجت ، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد ، إلى المسجد الحرام ، وإلى مسجدي هذا ، وإلى مسجد إيلياء - أو - بيت المقدس " يشك .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.50 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.87 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.72%)]