عرض مشاركة واحدة
  #272  
قديم 21-01-2023, 09:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,045
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب البيع)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (267)

صـــــ(1) إلى صــ(15)






النوع الثاني: أن تكون بصيغة الأمر.
النوع الثالث: أن تكون بصيغة المضارع.

أولاً: صيغة الماضي: قال له: بعتك سيارتي هذه بعشرة آلاف، يقول المشتري: اشتريتها، فقول (بعت)، و (اشتريت) كل منهما للماضي، والصيغة بالإجماع على أنها إذا وقعت بلفظ الماضي أنها أقوى أنواع الصيغ، (كبعت اشتريت رضيت) فهذه كلها ألفاظ معتبرة.
ثانياً: صيغة الأمر، كقولك: بعني سيارتك بعشرة آلاف، فيقول البائع: خذها بعشرة آلاف، فـ (بعني) صيغة أمر.
ثالثاً: صيغة المضارع، كقولك: أتبيعني سيارتك بعشرة آلاف؟ أو أبيع سيارتي بعشرة آلاف يقول البائع -مثلاً-: أبيعك سيارتي بعشرة آلاف، فقوله: (أبيعك) هذا تعبير للمستقبل، فيقول: أشتريها بعشرة آلاف، فقوله: (أشتريها) هذا تعبير للمستقبل.
ففي الحالتين الأخيرتين: الأمر والمضارع، جماهير العلماء على أن الصيغة معتبرة، لكن يختلفون في مسألة هل يلزم إعادة الإيجاب مرة ثانية وإعادة القبول؟ ولكن العبرة بما دل عليه بساط المجلس وتعارف عليه الناس.
والصيغ تنقسم إلى: صريحة، وظنية، فالصريحة: أن يصرح بالبيع، فيقول: بعتك، فتقول: اشتريت، فلما تتأمل كلمة (بعت) و (اشتريت) تجد أن لفظة (بعت) صريحة بالبيع ولفظة (اشتريت) صريحة بالشراء، وهناك ألفاظ غير صريحة، لكنها تدل بالعرف على أنه قد رضي البيع أو الشراء، قال له مثلاً: ملكتك سيارتي بعشرة آلاف، فقال: رضيت، ولم يقل: اشتريت، فهذا ضمناً كأنه قال: اشتريت، وفي بعض الأحيان، يقول له: خذ سيارتي بعشرة آلاف، قال: بارك الله لك، فـ (بارك الله لك) تدل على أنه رضي، والغالب عندنا في العرف أن هذا القول يدل على أنه رضي الكلام الذي قد قاله له.
إذاً: إن كان اللفظ صريحاً أو بالنية فإنه يدل على انعقاد البيع، ونرجع إلى كل عرف بحسبه، فلا يتقيد الأمر بـ (بعت) و (اشتريت) وإنما يشمل كل لفظ دال على الرضا من الطرفين؛ لأن الله اشترط الرضا، والرضا أمر في القلب يدل عليه الظاهر، إما قولاً وإما فعلاً.
ننتقل بعد ذلك إلى صيغة الفعل، أو دلالة الفعل على البيع، ودلالة الفعل مشكلة، أي: أن يقع فعل من البائع وفعل من المشتري يدلان على أنهما تراضيا على البيع، مثال ذلك: ما يجري الآن حينما تدخل بقالة وتجد فيها نوعاً من الطعام قد كتب عليه عشرة ريالات مثلاً، أو كتب عليه مائة ريال، فتأخذ هذا النوع وتأتي عند المحاسب أو صاحب البقالة أو العامل الذي هو وكيل عن مالك البقالة وتدفع نفس القيمة المكتوبة على السلعة، فيأخذ القيمة ولا تتكلم ولا يتكلم، فهذا بيع بالفعل، فما قال: (بعت) ولا قلت: (اشتريت)؛ لكنكما تفاهمتما عن طريق الفعل، وهذا البيع لا يمكن أن يمر يوم دون أن تفعله، خاصة في الخبز، والأشياء الحقيرة أي: التي قيمتها يسيرة سماها العلماء (المحقرات) -وستأتينا إن شاء الله- والمحقرات: هي الأشياء التي قيمتها زهيدة.
فتأتي إلى الخبز وأنت تعلم أن الرغيف مثلاً بنصف ريال فتعطيه نصف ريال وتأخذ الخبز، فلم يقل: بعت ولم تقل: اشتريت، وليست هناك صيغة أبداً، إنما جرى العرف على أنك إذا وضعت نفس هذا المبلغ، وسحبت نفس الرغيف أنك راضٍ بهذا البيع.
إذاً: الرضا بالبيع: إما أن يكون باللفظ: (بعت) و (اشتريت) أو يكون بالفعل، وهذا النوع من البيوع هو الذي يسمى ببيع المعاطاة، وسنتكلم عليه إن شاء الله ونذكر خلاف أهل العلم رحمهم الله فيه.
أما إذا وقعت الصيغة باللفظ فلا إشكال، ولكن من حقك في الصيغة أن تتدخل وتلغيها، ومن حقه هو أن يتدخل ويلغيها، بشرط ألا تفترقا عن المجلس، فمثلاً: لو قال لك: بعتك سيارتي بعشرة آلاف ريال، فقلت له: قبلت، وأعطاك العشرة آلاف، وأعطيته مفاتيح السيارة، وجلستما خمس ساعات متواصلة، ثم في آخرها قال: لا أريد، فمن حقه أن يرجع في البيع، فالصيغة وحدها لا تلزم ما لم يكن بعدها الافتراق، وهذا ما سنتكلم عليه في خيار المجلس إن شاء الله تعالى.
إذاً: انعقاد البيع يكون بالصيغة: الإيجاب والقبول، ولكن يتوقف لزوم العقد ولزوم الصيغة على الافتراق من المجلس، فلا يعتبر هذا اللفظ ملزماً إلا إذا افترقا من المجلس أو خيّر أحدهما الآخر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا)، فجعل الخيار لهما ما لم يقع الافتراق
‌‌الفاصل بين الإيجاب والقبول وحكمه
قال: [وينعقد بإيجاب وقبول بعده] (بإيجاب) هذا أول شيء، (وقبول بعده)، أي: بعد الإيجاب، فقوله: (بعده) أي: ألا يكون هناك فاصل بين الإيجاب والقبول، مثال ذلك: أن يقول له: بعتك سيارتي بعشرة آلاف، قال: قبلت، فلما قال: قبلت وقع القبول بعد الإيجاب مباشرة، فالبيع صحيح وتام؛ لكن لو فصل فاصل، نقول: الفاصل ينقسم إلى قسمين: الفاصل المتضمن للعقد.
والفاصل الخارج عن العقد، ويسمى: بالفاصل المؤثر.
أما الفاصل الذي هو داخل العقد كأن يقول له: بعتك سيارتي بعشرة آلاف، ثم قام إلى السيارة فقلبها ونظر فيها وفحصها ثم قال: قبلت، فإننا نعلم أن هذا الفاصل من الأفعال؛ لأن الفاصل يكون بالأقوال ويكون بالأفعال، فهذا الفاصل الفعلي ولو أنه طال لكنه يعتبر داخلاً ضمن مجلس العقد، وكأنه من متممات العقد، أي: كأنه انبنى عليه تمام العقد، فهذا لا يؤثر، ولا يحتاج أن يعود مرة ثانية ويقول: بعتك؛ لأنه فصل بفاصل مركب على قوله: بعتك، وكذلك أيضاً الفاصل الزمني، قال له: بعتك سيارتي بعشرة آلاف، فجلس يتفحص ثم قال: عشرة آلاف، عندي كذا وعندي كذا، فجلس يحسب نفقته ويحسب ما الذي يترتب على قبوله البيع، ثم قال: قبلت، فهنا صح البيع، وهذا الفاصل يعتبر مما يعين على تحقيق البيع وتمامه.
أما الفاصل المؤثر أن يأتي بقول أو فعل أجنبي، مثلاً: قال له: بعتك سيارتي بعشرة آلاف، قال: كيف حال فلان؟ فهذا الكلام خارج عن عقد البيع، وكلام أجنبي، ثم قال: هل خرج من المستشفى أم لا؟ قال: لم يخرج، قال: لعل الله أن يشفيه، فدخلوا في كلام خارج عن مسألة البيع، ثم قال له: قبلت، فهذا لا يصح، ولا يتركب القبول على الإيجاب الماضي؛ لأن دخول الفاصل الأجنبي كأنه يقول: لا أريد البيع، فهو بمثابة الإعراض عن البيع، ولذلك يحتاجان إلى أن يعيدا مرة ثانية ويقول: بعتك سيارتي بعشرة آلاف، حتى يقع القبول بدون وجود هذا الفاصل الأجنبي المؤثر في اعتبار الإيجاب وما يتركب عليه من قبول.
قال رحمه الله: [وقبله متراخياً عنه في مجلسه].
(وقبله) أي: أن يقع القبول قبل الإيجاب، فيصح أن يقع القبول بعد الإيجاب وقبل الإيجاب، سواء سبق البائع أو سبق المشتري؛ لأن هذا كله يدل على الرضا، إلا أن الشافعية رحمهم الله يشددون ويشترطون سبق الإيجاب للقبول، ولذلك إذا قال له: أشتري منك سيارتك بعشرة آلاف ريال، فقال: بعتكها بعشرة آلاف ريال، فلابد أن يرجع المشتري مرة ثانية ويقول: قبلت، فيرون أنه لابد أن يتأخر القبول على الإيجاب، والجمهور من حيث الجملة لا يفرقون؛ لأن الله سبحانه وتعالى اعتبر الرضا، وهذا يدل على الرضا، سواء سبق أو تأخر، فكل منهما معتبر.
قال رحمه الله: [فإن اشتغلا بما يقطعه بطل].
(فإن اشتغلا بما يقطعه) أي: من القول أو الفعل، (بطل) أي: بطل الإيجاب، ولم يتركب القبول بعده على الإيجاب.
[وهي الصيغة القولية].
أي: هذا الذي قدمته لك وذكرته لك صيغة البيع القولية: (بعت) و (اشتريت)، كما ذكرنا، وبعد ذلك سينتقل إلى الصيغة الفعلية
‌‌بيع المعاطاة وحكمه
قال رحمه الله: [وبمعاطاة وهي الفعلية] أي: وينعقد -وهذا أصل التقدير فالواو للعطف- البيع بالمعاطاة، والمعاطاة مأخوذة من قولهم: أعطى الشيء يعطيه إعطاءً، فهذا النوع من البيع -كما قلنا- يقوم على الأفعال، كأن تأتي إلى البقالة وتعطي المال ثم تأخذ السلعة، دون أن يحصل بينكما إيجاب أو قبول، وهذا النوع من البيع اختلف فيه العلماء على ثلاثة أقوال: القول الأول: ذهب جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والحنابلة وبعض أصحاب الشافعي كـ البغوي وغيره رحمهم الله إلى أن بيع المعاطاة يصح مطلقاً.
ما معنى قولهم: يصح مطلقاً؟ معناه: يصح في الأشياء الحقيرة والأشياء الغالية، فلو أنك جئت ورأيت بائع الخبز يبيع الرغيف بنصف ريال ووضعت النصف ريال وأخذت الرغيف، صح البيع عندهم، ولو أنك مررت على صاحب ذهب ورأيت عقد الذهب بعشرة آلاف ريال فجئت وسحبت العقد دون أن يقول لك: بعت، ودون أن تقول: اشتريت، ودفعت العشرة آلاف وأخذت العقد صح البيع، وهذا في الغالي والكثير، والأول في اليسير والحقير، والبيع عندهم صحيح، المهم عندهم أن يحصل شيء يدل على الرضا، ولا يقيدونه بالقول، فأي فعل يدل على الرضا فالبيع عندهم صحيح، وهذا مذهب الجمهور.
- وذهب الشافعية رحمهم الله إلى عدم صحة بيع المعاطاة مطلقاً، وأنك إذا اشتريت خبزاً بنصف ريال أو بربع ريال فلا يصح، حتى يقول لك: بعت، وتقول: اشتريت، أي: حتى يقع الإيجاب والقبول، فلا يصح هنا البيع بالأفعال، بل لا بد من القول.
- وذهب الحنفية في رواية، والإمام أحمد أيضاً في رواية، وهو قول عند الشافعية إلى التفريق، فقالوا: يصح بيع المعاطاة في اليسير والحقير، ولا يصح في الكثير والجليل أي: الشيء الذي له قيمة لا يصح بيع المعاطاة فيه، والشيء اليسير الذي قيمته يسيرة يصح البيع فيه، ففرقوا بين القليل والكثير.
أما الذين صححوا البيع وهم جمهور العلماء رحمهم الله فاحتجوا بدليل الكتاب والسنة والإجماع: أما دليلهم من الكتاب فقوله سبحانه وتعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة:275] فالله عز وجل بيّن في هذه الآية صحة البيع دون أن يفرق بين بيع قائم على القول أو قائم على الفعل، فما فرق بين بيع وآخر.
ثانياً: قوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء:29] ووجه الدلالة من هذه الآية الكريمة: أن الرضا أمر متعلق بالقلب يدل عليه الظاهر بالفعل كما يدل عليه بالقول، فأنت الآن حينما تأتي وترى على السلعة قيمة عشرة ريالات وتأتي وتدفعها له وتأخذ السلعة، ما معناه؟ معناه أنك راضٍ ببذل هذه العشرة مقابل هذه السلعة، كما أنك تقول له: بعت ويقول: اشتريت، فحينما دفعت المال لا فرق بينهما، هذا بالنسبة لدليل الكتاب.
أما دليل السنة: فحديث ابن حبان في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما البيع عن تراض) قالوا: إن الرضا -كما في دليل الكتاب- يدل عليه الفعل كما يدل عليه القول.
والدليل من الإجماع: هذا الإجماع نقله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وله بحث نفيس حبذا لو يرجع إليه في كتابه النفيس (القواعد النورانية) فقد تكلم على هذه المسألة كلاماً نفيساً، وقرر أن الشرع لا يقيدنا بالألفاظ وأن العبرة بالرضا، سواء كان بالقول أو بالفعل، ونقل كلاماً نفيساً عن السلف، وأنهم كانوا ينزلون دلالة الأفعال منزلة دلالة الأقوال، فيقول في معرض كلامه: ألا ترى الرجل يبني المسجد ثم يفتح أبواب المسجد، ولا يصيح للناس: أيها الناس! قد أوقفت هذا المسجد لله أو كذا، فنفهم أنه حينما فتح باب المسجد أنه يقصد وجه الله عز وجل، أو يريد وقفه للطاعة والصلاة فيه، فلا يحتاج الداخل ولا يحتاج المصلي إلى استئذان، كذلك لو مررت على سبيل ماء وتجد صاحبه -كما ذكر رحمه الله- يشرع للناس الماء، ويضع كئوس الماء، تفهم من هذا أنه سبيل ووقف يراد به الخير، فتشرب ولا تنتظر من صاحبه أن يقول: أذنت لك أن تشرب، فجعل إخراجه (لصنبور) الماء خارج داره وإبرازه منزلاً منزلة الإذن باللفظ، وذكر على هذا أشياء كثيرة، وأن السلف رحمهم الله كانوا على هذا، وعليه قال: إننا نعرف من إجماع السلف وهديهم رحمهم الله أنه لا فرق بين دلالة الفعل ودلالة القول.
وأما الذين منعوا بيع المعاطاة فيحتجون بقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء:29] قالوا: إن الرضا أمر غيبي ولا نستطيع أن نعلمه إلا إذا صرح بدليل لفظه أنه راضٍ.
واستدلوا أيضاً بالقياس، فقالوا: لا يصح البيع بالأفعال كما لا يصح النكاح بالأفعال، أي: كما أن النكاح يجب فيه الصيغة باللفظ، كذلك البيع تجب فيه الصيغة باللفظ.
وأما الذين فرقوا بين القليل والكثير، فعندهم دليل الاستحسان، فيستدلون بدليل الشافعية على المنع ويستثنون اليسير من باب الاستحسان، والاستحسان: هو الاستثناء من الأصل العام بدليل ينقدح في نفس المجتهد.
والذي يترجح -ختاماً- في هذه المسألة هو القول بصحة بيع المعاطاة في القليل والكثير أولاً: بدلالة الكتاب والسنة.
ثانياً: أن قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاض} [النساء:29] دليل لنا؛ لأن الله لم يفرق بين رضاً وآخر، وأن الرضا كما يستفاد بالأقوال يستفاد كذلك بالأفعال.
وأما القياس فإننا نقول: إن هناك فرقاً بين النكاح والبيع، ففي النكاح شدد الشرع أكثر من البيع؛ لأن النكاح يحتاط فيه للفروج، ولذلك ليس في النكاح خيار مجلس، ولكن البيع فيه خيار المجلس، فرخص الشرع في البيع أكثر من ترخيصه في النكاح، وشدد في النكاح واعتبرت الصيغة، ولأن الفرق بين النكاح والسفاح -الحلال والحرام- يحتاج إلى صيغة، فتقيد بالصيغة، وهذا بخلاف البيع، ومن هنا يترجح القول بصحة بيع المعاطاة، وهناك بعض العلماء يحتج بدليل عزيز غريب، وهو في الحقيقة أنفس ما استدل به في هذا الباب، وهو قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة:111] قال: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى} [التوبة:111] وقال بعد ذلك: {فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ} [التوبة:111] فسماه بيعاً، مع أنه لا يقول: بعت ولا يقول: اشتريت، ولكن نزلت الأفعال -من خوضه في سبيل الله مقبلاً غير مدبر يحتسب الأجر عند الله- منزلة صريح القول، فقالوا: وهذا يدل على صحة بيع المعاطاة
‌‌الأسئلة
‌‌صور البيع

‌‌السؤال
ذكرتم -حفظكم الله- أن هناك ثلاث صور من صور البيع التسع محرمة عند العلماء، فما هي الثانية والثالثة؟ أثابكم الله.


‌‌الجواب
باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد: فنحن قلنا: عندنا بيع العين بالعين، والذمة بالذمة، والعين بالذمة، هذه ثلاث، وكل واحدة من هذه الثلاث تنقسم إلى ثلاثة أقسام: ناجزاً من الطرفين، ونسيئة من الطرفين، وناجزاً من أحدهما نسيئة من الآخر، فأصبح المجموع (3×3) تسع صور، ففي كل واحدة من هذه الثلاث نسيئة من الطرفين: عين بعين نسيئة من الطرفين، وذمة بذمة نسيئة من الطرفين، وعين بذمة نسيئة من الطرفين، فإذا جئت تحصرها تقسم البيع، وتجعله ثلاثة أقسام: عين بعين، وذمة بذمة، وعين بذمة، هذه الثلاثة الأقسام الرئيسية، ثم كل واحدة من هذه الثلاث تجعل تحتها ثلاثة أقسام: ناجزاً من الطرفين، ونسيئة منهما، وناجزاً من أحدهما نسيئة من الآخر، فجميع الصور التسع فيها ثلاث صور كقولك: العين بالعين نسيئة من الطرفين، والذمة بالذمة نسيئة من الطرفين، والعين بالذمة نسيئة من الطرفين، وصيغة العين بالعين نسيئة من الطرفين أن تقول: بعتك هذا الكتاب بهذا الكتاب أعطيك غداً وتعطيني غداً، فهذا نسيئة من الطرفين ولا يجوز.
وصيغة الذمة بالذمة نسيئة من الطرفين أن تقول: أبيعك ساعة من نوع كذا وكذا بساعة من نوع كذا وكذا أو بمائة ريال أو بمائتين، فهذا يعتبر ذمة بذمة، وتقول: أعطيك غداً وتعطيني غداً، فهذا نسيئة من الطرفين، ذمة بذمة.
وصيغة العين بالذمة نسيئة من الطرفين أن تأتي بواحد من الأول وواحد من الثاني فتقول: أبيعك هذه الساعة بمائة ريال، على أن أعطيك غداً وتعطيني غداً، فهي نسيئة من الطرفين في صورة عين بذمة، فهذا بالنسبة لمسألة الثلاث الصور.
إذاً: أصبحت هناك ست صور: عين بعين، وذمة بذمة، وعين بذمة، فهذه ثلاث تضربها في القسمين الباقيين: ناجزاً منهما، ناجزاً من أحدهما نسيئة من الآخر، فهذه الست فيها بحث وفيها تفصيل وفيها أحكام، وأما الثلاث الأولى فللعلماء كلمة واحدة أنها لا تصح، وأنها من بيع الدين بالدين المنهي عنه شرعاً، وأجمع العلماء على عدم صحته واعتباره.
والله تعالى أعلم
‌‌تعريف الثمن

‌‌السؤال
هل يمكننا أن نعرف الثمن بأنه: كل ما دخلت عليه الباء فهو ثمن؟ أثابكم الله.


‌‌الجواب
بعتك هذا الكتاب بهذا الكتاب، فـ (بعتك هذا الكتاب) مثمن، (بهذا الكتاب) مثمن، و (بعتك هذه الأرض) كذلك (بهذه الأرض) مثمن، فليس كل شيء دخلت عليه الباء ثمن؛ لأن الباء تدخل على الثمن وتدخل على المثمن، فلا ينضبط ولا يتأكد ولا يستقيم أن تقول: كل شيء دخلت عليه الباء فهو ثمن، لكن لو قيل: إنه في البيع المطلق: أبيعك السيارة بعشرة آلاف؛ لأن البيع المطلق هو بيع الثمن بالمثمن، وهو أحد الأنواع التي ذكرناها فهذا ممكن.
فالمقصود: أن وضع الباء هذا لا أعرف أنه ضابط مطرد؛ لأنه يشترط في الضوابط أن تكون مطردة، والباء تدخل على الثمن وتدخل على المثمن بلا إشكال.
والله تعالى أعلم

‌‌حكم اقتطاع مال نقدي عند بائع واستهلاكه بعد ذلك


‌‌السؤال
أنا إنسان أعطي صاحب البقالة مبلغاً وقدره مائة ريال في بداية الشهر، وأنا على مرور أيام هذا الشهر آخذ ما أريد من البقالة، وصاحب البقالة يخصم المبلغ من المائة التي عنده في بداية الشهر، فهل هذا الفعل جائز، أم أن فيه نوعاً من أنواع الربا؟ أثابكم الله.


‌‌الجواب
هذه المسألة تورع بعض العلماء فيها، واعتبرها من باب بيع الدين بالدين، والسبب في هذا: أنه لما أعطاه المائة أصبح صاحب البقالة مديناً لك بالمائة، وهذه المائة أعطيت في لقاء دين آخر وهو السلع التي تريد أن يعطيكها؛ لكن رخص فيها بعض العلماء قياساً على السلم، ففي بيع السلم يعطي الثمن عاجلاً والمثمن مؤجلاً، لكن رد هذا القياس؛ لأن السلم رخصة، وما ثبت على الرخص لا يقاس عليها، والشبهة في هذا موجودة.
لكن إذا كان من جنس المكيلات والموزونات والمعدودات فمرخص فيه؛ لأن فيه شبهة السلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم)، مثال ذلك: أن تأتي إلى بائع الحليب وتقول له: هذه مائة لعشرة أيام كل يوم آخذ منك (كيلو)، فهذا في كيل معلوم إلى أجل معلوم، وكذلك إذا كان موزوناً فإنه ينضبط، فهذا بعض العلماء يدخله في باب السلم من هذا الوجه.
والله تعالى أعلم
‌‌حكم البيع مع الضمان

‌‌السؤال
اشتريت سلعة واشترط البائع ضمانها لسنة، فهل يصح ضمانه؟ أثابكم الله.


‌‌الجواب
مسألة الضمان هذه ترجع إلى أصل شرعي وهو الذي يسمى: بيع العهدة، والعهدة قضى بها الصحابة رضوان الله عليهم، وأثر عن بعض الخلفاء الراشدين أنه قضى بالعهدة، فقد كانوا يبيعون الدواب وغير الدواب أيضاً ويجعلون العهدة ثلاثة أيام، وخلال الثلاثة الأيام هذه ينكشف فيها حقيقة المبيع، ويكون المبيع من جنس المبيعات التي لا تعرف إلا بالتجربة، ولا تعرف إلا بالاستهلاك، فهذا يسمونه بيع العهدة، والضمان في الحقيقة هو تفضل من البائع للمشتري، فهو يقول له: أنا أضمن لك بقاءها خلال سنة؛ لأن هناك عيوباً لا تنكشف ولا تعرف إلا بالاستهلاك، فكونه يلتزم الضمان فيه وجه شرعي، أي: من ناحية شرعية له أصل.
وسنتكلم على هذا إن شاء الله في خيار العيب، فربما نعرج ونبين فيه بشيء من التفصيل، وبيع الضمان له وجه من العهدة، ومن أمثلة ذلك: أنهم كانوا يبيعون الرقيق به آفة وعاهة، ولا تنكشف إلا بعد شهر أو شهرين، وقد لا تنكشف إلا خلال سنة، فهذا كله يعتبره العلماء من باب ضمان حق المشتري.
والأصل فيه أيضاً حديث المصراة كما في الصحيح من حديث أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد فإنه بخير النظرين: إن شاء أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعاً من تمر)، لاحظ النهي عن الغش: (لا تصروا الإبل والغنم)؛ لأنهم كانوا إذا أرادوا بيعها وهي أنثى وفيها حليب حبسوها يومين أو ثلاثة لا يحلبونها، فينتفخ ضرعها، وعندها فلن تستطيع أن تكتشف هذا العيب إلا إذا جلست عندك، ولذلك ثبت في الرواية الأخرى: (فأمسكها ثلاثاً) أي: يمسكها ثلاثة أيام حتى ينكشف حقيقة الحليب الموجود فيها، فهذا نوع من إعطاء الضمان ثلاثة أيام، حتى ينكشف حقيقة الحليب الموجود، فأنت لا تستطيع أن تكتشف هذا العيب إلا إذا جلست ثلاثة أيام، ففي اليوم الأول تراها كثيرة الحليب، وفي اليوم الثاني ينقص وفي اليوم الثالث يرجع إلى طبيعته أو عادته أو قريباً من الطبيعة أو العادة، فحينئذٍ إن شئت أمسكت وإن شئت رددتها وصاعاً من تمر ضماناً للعيب الموجود فيها.
وعلى هذا: فإنه قد يقوى اعتبار الضمان من حيث الأصل، أما من حيث التفصيل فهذا يحتاج إلى نظر.
والله تعالى أعلم

‌‌حكم التفاضل في الأشياء التي لا يجري فيها الربا


‌‌السؤال
أريد أن أبيع ثلاجة قديمة بأخرى جديدة، مع دفع الفارق، دون قبض ثمن الأولى، فهل يصح هذا البيع؟ أثابكم الله.


‌‌الجواب
بالنسبة لمبادلة الثلاجات والغسالات والثياب والسيارات، كأن يكون عندك سيارة قديمة تبادلها بسيارة جديدة، أو أجهزة كهربائية مستعملة بأجهزة جديدة أو بأجهزة مستعملة أخرى، سواء بادلت بدون فرق أو بادلت بالفرق، فكله جائز؛ لأن الأجهزة الكهربائية كأن تبادل غسالة بغسالة فإن الغسالات ليست من جنس الأموال التي يحرم فيها التفاضل؛ لأنها ليست من الموزونات، وشرط جريان الربا في غير المطعوم أن يكون موزوناً، والغسالة لا تباع بالوزن بل تباع بالعدد، وهكذا بالنسبة للآلات الأخرى كالسيارات فإنها تباع بالعدد لا بالوزن، ولذلك كل شيء من غير الطعام إذا لم يكن موزوناً فيجوز فيه التفاضل، فيجوز أن تبيع الثلاجة بالثلاجتين، أو تبيع الثلاجة بالثلاجة وتدفع الفرق ولو كان نقوداً؛ لأنه ليس من جنس ما يمنع فيه التفاضل أو يجري فيه الربا.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 40.32 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 39.69 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.56%)]