عرض مشاركة واحدة
  #400  
قديم 30-12-2022, 05:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,332
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الخامس

سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ
الحلقة (400)
صــ 452 إلى صــ 459






فالجواب : أنه ليس هاهنا مثل ، وإنما المعنى : يا أيها الناس ضرب لي مثل ; أي : شبهت بي الأوثان ، " فاستمعوا " لهذا المثل . وتأويل الآية : جعل المشركون الأصنام شركائي فعبدوها معي ، فاستمعوا حالها ، ثم بين ذلك بقوله : " إن الذين تدعون " ; أي : تعبدون ، " من دون الله " وقرأ ابن عباس ، وأبو رزين ، وابن أبي عبلة : ( يدعون ) بالياء المفتوحة . وقرأ ابن السميفع ، وأبو رجاء ، وعاصم الجحدري : ( يدعون ) بضم الياء وفتح العين ، يعني : الأصنام . " لن يخلقوا ذبابا " والذباب واحد ، والجمع القليل : أذبة ، والكثير : الذبان ، مثل : [ ص: 452 ] غراب وأغربة وغربان . وقيل : إنما خص الذباب لمهانته واستقذاره وكثرته . " ولو اجتمعوا " يعني : الأصنام ، " له " ; أي : لخلقه ، " وإن يسلبهم " يعني : الأصنام . قال ابن عباس : كانوا يطلون أصنامهم بالزعفران فيجف ، فيأتي الذباب فيختلسه . وقال ابن جريج : كانوا إذا طيبوا أصنامهم عجنوا طيبهم بشيء من الحلواء ، كالعسل ونحوه ، فيقع عليه الذباب فيسلبها إياه ، فلا تستطيع الآلهة ولا من عبدها أن يمنعه ذلك . وقال السدي : كانوا يجعلون للآلهة طعاما ، فيقع الذباب عليه فيأكل منه . قال ثعلب : وإنما قال : " لا يستنقذوه منه " فجعل أفعال الآلهة كأفعال الآدميين ; إذ كانوا يعظمونها ويذبحون لها وتخاطب ، كقوله : يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم [ النمل : 18 ] ، لما خاطبهم جعلهم كالآدميين ، ومثله : رأيتهم لي ساجدين [ يوسف : 40 ] ، وقد بينا هذا المعنى في ( الأعراف : 191 ) عند قوله تعالى : وهم يخلقون .

قوله تعالى : " ضعف الطالب والمطلوب " فيه ثلاثة أقوال :

أحدها : أن الطالب : الصنم ، والمطلوب : الذباب ، رواه عطاء عن ابن عباس .

والثاني : الطالب : الذباب يطلب ما يسلبه من الطيب الذي على الصنم ، والمطلوب : الصنم يطلب الذباب منه سلب ما عليه ، روي عن ابن عباس أيضا .

والثالث : الطالب : عابد الصنم يطلب التقرب بعبادته ، والمطلوب : الصنم ، هذا معنى قول الضحاك والسدي . [ ص: 453 ]

قوله تعالى : " ما قدروا الله حق قدره " ; أي : ما عظموه حق عظمته ; إذ جعلوا هذه الأصنام شركاء له ، " إن الله لقوي " لا يقهر ، " عزيز " لا يرام .
الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم وإلى الله ترجع الأمور .
قوله تعالى : " الله يصطفي من الملائكة رسلا " كجبريل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، وملك الموت . " ومن الناس " الأنبياء المرسلين ، " إن الله سميع " لمقالة العباد ، " بصير " بمن يتخذه رسولا . وزعم مقاتل أن هذه الآية نزلت حين قالوا : أأنزل عليه الذكر من بيننا [ ص : 8 ] .
قوله تعالى : " يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم " الإشارة إلى الذين اصطفاهم ، وقد بينا معنى ذلك في آية الكرسي [ البقرة : 255 ] .
يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير [ ص: 454 ]

قوله تعالى : " اركعوا واسجدوا " قال المفسرون : المراد : صلوا ; لأن الصلاة لا تكون إلا بالركوع والسجود . " واعبدوا ربكم " ; أي : وحدوه ، " وافعلوا الخير " يريد : أبواب المعروف ، " لعلكم تفلحون " ; أي : لكي تسعدوا وتبقوا في الجنة .

فصل

لم يختلف أهل العلم في السجدة الأولى من ( الحج ) ، واختلفوا في هذه السجدة الأخيرة ، فروي عن عمر ، وابن عمر ، وعمار ، وأبي الدرداء ، وأبي موسى ، وابن عباس ، أنهم قالوا : في ( الحج ) سجدتان ، وقالوا : فضلت هذه السورة على غيرها بسجدتين ، وبهذا قال أصحابنا ، وهو مذهب الشافعي رضي الله عنه . وروي عن ابن عباس أنه قال : في ( الحج ) سجدة ، وبهذا قال الحسن ، وسعيد بن المسيب ، وسعيد بن جبير ، وإبراهيم ، وجابر بن زيد ، وأبو حنيفة وأصحابه ، ومالك ; ويدل على الأول ما روى عقبة بن عامر ، قال : قلت : يا رسول الله أفي ( الحج ) سجدتان ؟ قال : " نعم ، ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما " . [ ص: 455 ]

فصل

واختلف العلماء في عدد سجود القرآن ، فروي عن أحمد روايتان : إحداهما : أنها أربع عشرة سجدة ، وبه قال الشافعي . والثانية : أنها خمس عشرة ، فزاد سجدة ( ص : 24 ) . وقال أبو حنيفة : هي أربع عشرة ، فأخرج التي في آخر ( الحج ) ، وأبدل منها سجدة ( ص : 24 ) .

فصل

وسجود التلاوة سنة ، وقال أبو حنيفة : واجب . ولا يصح سجود التلاوة إلا بتكبيرة الإحرام والسلام ، خلافا لأصحاب أبي حنيفة وبعض أصحاب الشافعي . ولا يجزئ الركوع عن سجود التلاوة ، وقال أبو حنيفة : يجزئ . ولا يسجد المستمع إذا لم يسجد التالي ، نص عليه أحمد رضي الله عنه . وتكره قراءة السجدة في صلاة الإخفات ، خلافا للشافعي .

قوله تعالى : " وجاهدوا في الله " في هذا الجهاد ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه فعل جميع الطاعات ، هذا قول الأكثرين . والثاني : أنه جهاد الكفار ، قاله الضحاك . والثالث : أنه جهاد النفس والهوى ، قاله عبد الله بن المبارك .

فأما حق الجهاد ، ففيه ثلاثة أقوال : [ ص: 456 ]

أحدها : أنه الجد في المجاهدة واستيفاء الإمكان فيها . والثاني : أنه إخلاص النية لله عز وجل . والثالث : أنه فعل ما فيه وفاء لحق الله عز وجل .

فصل

وقد زعم قوم أن هذه الآية منسوخة ، واختلفوا في ناسخها على قولين :

أحدهما : قوله : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها [ البقرة : 286 ] .

والثاني : قوله : فاتقوا الله ما استطعتم [ التغابن : 16 ] . وقال آخرون : بل هي محكمة ، ويؤكده القولان الأولان في تفسير حق الجهاد ، وهو الأصح ; لأن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها .

قوله تعالى : " هو اجتباكم " ; أي : اختاركم واصطفاكم لدينه . والحرج : الضيق ، فما من شيء وقع الإنسان فيه إلا وجد له في الشرع مخرجا بتوبة ، أو كفارة ، أو انتقال إلى رخصة ، ونحو ذلك . وروي عن ابن عباس أنه قال : الحرج : ما كان على بني إسرائيل من الإصر والشدائد ، وضعه الله عن هذه الأمة .

قوله تعالى : " ملة أبيكم " قال الفراء : المعنى : وسع عليكم كملة أبيكم ، فإذا ألقيت الكاف نصبت ، ويجوز النصب على معنى الأمر بها ; لأن أول الكلام أمر ، وهو قوله : " اركعوا واسجدوا " ، والزموا ملة أبيكم .

فإن قيل : هذا الخطاب للمسلمين وليس إبراهيم أبا لكلهم ؟

فالجواب : أنه إن كان خطابا عاما للمسلمين ، فهو كالأب لهم ; لأن حرمته وحقه عليهم كحق الولد ، وإن كان خطابا للعرب خاصة ، فإبراهيم أبو العرب قاطبة ، هذا قول المفسرين . والذي يقع لي أن الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ; لأن إبراهيم أبوه ، وأمة رسول الله صلى الله عليه وسلم داخلة فيما خوطب به رسول الله . [ ص: 457 ]

قوله تعالى : " هو سماكم المسلمين " في المشار إليه قولان :

أحدهما : أنه الله عز وجل ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، والجمهور ; فعلى هذا في قوله : " من قبل " قولان : أحدهما : من قبل إنزال القرآن سماكم بهذا في الكتب التي أنزلها . والثاني : " من قبل " ; أي : في أم الكتاب ، وقوله : " وفي هذا " ; أي : في القرآن .

والثاني : أنه إبراهيم عليه السلام حين قال : ومن ذريتنا أمة مسلمة لك [ البقرة : 128 ] ، فالمعنى : من قبل هذا الوقت ، وذلك في زمان إبراهيم عليه السلام ، وفي هذا الوقت حين قال : " ومن ذريتنا أمة مسلمة " ، هذا قول ابن زيد .

قوله تعالى : " ليكون الرسول " المعنى : اجتباكم وسماكم ليكون الرسول ، يعني : محمدا صلى الله عليه وسلم ، " شهيدا عليكم " يوم القيامة أنه قد بلغكم ، وقد شرحنا هذا المعنى في ( البقرة : 143 ) إلى قوله : " وآتوا الزكاة " .

قوله تعالى : " واعتصموا بالله " قال ابن عباس : سلوه أن يعصمكم من كل ما يسخط ويكره . وقال الحسن : تمسكوا بدين الله . وما بعد هذا مشروح في ( الأنفال : 40 ) .
[ ص: 458 ]

سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ .

سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ مَكِّيَّةٌ فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ .

رَوَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيْنَا عَشْرُ آيَاتٍ مَنْ أَقَامَهُنَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ ، ثُمَّ قَرَأَ : قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ إِلَى عَشْرِ آيَاتٍ " ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي " صَحِيحِهِ " . وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ [ ص: 459 ] عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَاطَ حَائِطَ الْجَنَّةِ لَبِنَةً مِنْ ذَهَبٍ وَلَبِنَةٍ مِنْ فِضَّةٍ ، وَغَرَسَ غَرْسَهَا بِيَدِهِ ، فَقَالَ لَهَا : تَكَلَّمِي ، فَقَالَتْ : قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ، فَقَالَ لَهَا : طُوبَى لَكِ مَنْزِلَ الْمُلُوكِ " . قَالَ الْفَرَّاءُ : " قَدْ " هَاهُنَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ تَأْكِيدًا لِفَلَاحِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ تَقْرِيبًا لِلْمَاضِي مِنَ الْحَالِ ; لِأَنَّ " قَدْ " تُقَرِّبُ الْمَاضِيَ مِنَ الْحَالِ حَتَّى تُلْحِقَهُ بِحُكْمِهِ ، أَلَا تَرَاهُمْ يَقُولُونَ : قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ ، قَبْلَ حَالِ قِيَامِهَا ، فَيَكُونُ مَعْنَى الْآيَةِ : إِنَّ الْفَلَّاحَ قَدْ حَصَلَ لَهُمْ ، وَإِنَّهُمْ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ . وَقَرَأَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ ، وَعِكْرِمَةُ ، وَعَاصِمٌ الْجَحْدَرِيُّ ، وَطِلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ : ( قَدْ أُفْلِحَ ) بِضَمِّ الْأَلْفِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْحَاءِ ، عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ . قَالَ الزَّجَّاجُ : وَمَعْنَى الْآيَةِ : قَدْ نَالَ الْمُؤْمِنُونَ الْبَقَاءَ الدَّائِمَ فِي الْخَيْرِ . وَمَنْ قَرَأَ : ( قَدْ أُفْلِحَ ) بِضَمِّ الْأَلْفِ ، كَانَ مَعْنَاهُ : قَدْ أُصِيرُوا إِلَى الْفَلَاحِ . وَأَصِلُ الْخُشُوعِ فِي اللُّغَةِ : الْخُضُوعُ وَالتَّوَاضُعُ .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 41.96 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 41.34 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.50%)]