عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 29-12-2022, 04:11 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,025
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد السادس
الحلقة (437)
سُورَةُ الْأَحْزَابِ
صـ 197 إلى صـ 204



وأما إن لم ينو شيئا ، فقد قال في " المغني " : وإن أطلق ، فقال أبو بكر : هو صريح في [ ص: 197 ] الظهار ، وهو قول مالك ، ومحمد بن الحسن . وقال ابن أبي موسى : فيه روايتان ، أظهرهما : أنه ليس بظهار حتى ينويه ، وهذا قول أبي حنيفة والشافعي ; لأن هذا اللفظ يستعمل في الكرامة أكثر مما يستعمل في التحريم ، فلم ينصرف إليه بغير نية ككنايات الطلاق ، انتهى منه .

قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : وهذا القول هو الأظهر عندي ، لأن اللفظ المذكور لا يتعين لا عرفا ، ولا لغة ، إلا لقرينة تدل على قصده الظهار .

قال ابن قدامة في " المغني " : ووجه الأول يعني القول بأن ذلك ظهار أنه شبه امرأته بجملة أمه ، فكان مشبها لها بظهرها ، فيثبت الظهار ; كما لو شبهها به منفردا .

والذي يصح عندي في قياس المذهب أنه إن وجدت قرينة تدل على الظهار مثل أن يخرجه مخرج الحلف ، فيقول : إن فعلت كذا فأنت علي مثل أمي ، أو قال ذلك حال الخصومة والغضب فهو ظهار ; لأنه إذا خرج مخرج الحلف فالحلف يراد للامتناع من شيء أو الحث عليه ، وإنما يحصل ذلك بتحريمها عليه ، ولأن كونها مثل أمه في صفتها أو كرامتها لا يتعلق على شرط ، فيدل على أنه إنما أراد الظهار ، ووقوع ذلك في حال الخصومة والغضب دليل على أنه أراد به ما يتعلق بأذاها ، ويوجب اجتنابها وهو الظهار ، وإن عدم هذا فليس بظهار ; لأنه محتمل لغير الظهار احتمالا كثيرا ، فلا يتعين الظهار فيه بغير دليل ، ونحو هذا قول أبي ثور ، انتهى محل الغرض من " المغني " ، وهو الأظهر فلا ينبغي العدول عنه ، والعلم عند الله تعالى .
المسألة السابعة : أظهر أقوال أهل العلم عندي أنه إن قال : الحل علي حرام ، أو ما أحل الله علي حرام ، أو ما انقلب إليه حرام ، وكانت له امرأة أنه يكون مظاهرا ، وذلك لدخول الزوجة في عموم الصيغ المذكورة .

قال في " المغني " : نص على ذلك أحمد في الصور الثلاث ، ا هـ . وهو ظاهر .

وهذا على أقيس الأقوال وهو كون التحريم ظهارا ، وأظهر القولين عندي فيمن قال : ما أحل الله من أهل ومال حرام علي أنه يلزمه الظهار ، مع لزوم ما يلزم في تحريم ما أحل الله من مال ، وهو كفارة يمين عند من يقول بذلك ، وعليه فتلزمه كفارة ظهار وكفارة يمين .

[ ص: 198 ] وهذا الذي استظهرنا هو الذي اختاره ابن عقيل ، خلافا لما نقله في " المغني " عن أحمد ونصره من أنه يكفي فيه كفارة الظهار عن كفارة اليمين ، والعلم عند الله تعالى .
المسألة الثامنة : أظهر أقوال أهل العلم عندي ، فيمن قال لامرأته : أنت علي حرام كظهر أمي ، أو أنت علي كظهر أمي حرام أنه يكون مظاهرا مطلقا ، ولا ينصرف للطلاق ، ولو نواه ; لأن الصيغة صريحة في الظهار .
المسألة التاسعة : أظهر أقوال أهل العلم عندي ، فيمن قال لامرأته : أنت طالق كظهر أمي ، أن الطلاق إن كان بائنا بانت به ، ولا يقع ظهار بقوله : كظهر أمي ; لأن تلفظه بذلك وقع ، وهي أجنبية فهو كالظهار من الأجنبية ، وإن كان الطلاق رجعيا ، ونوى بقوله : كظهر أمي ، الظهار كان مظاهرا ; لأن الرجعية زوجة يلحقها الظهار والطلاق ، وإن لم ينو به الظهار ، فلا يكون ظهارا ، لأنه أتى بصريح الطلاق أولا ، وجعل قوله : كظهر أمي ، صفة له ، وصريح الطلاق لا ينصرف إلى الظهار . ونقل في " المغني " هذا الذي استظهرنا عن القاضي وقال : وهو مذهب الشافعي . وأما لو قدم الظهار على الطلاق ، فقال : أنت علي كظهر أمي طالق ، فالأظهر وقوع الظهار والطلاق معا ، سواء كان الطلاق بائنا أو رجعيا ; لأن الظهار لا يرفع الزوجية ، ولا تحصل به البينونة ، لأن الكفارة ترفع حكمه ، فلا يمنع وقوع الطلاق على المظاهر منها ، والعلم عند الله تعالى .
المسألة العاشرة : أظهر أقوال أهل العلم عندي أنه إن شبه أي عضو من امرأته بظهر أمه ، أو بأي عضو من أعضائها ، فهو مظاهر لحصول معنى تحريم الزوجة بذلك . وسواء كان عضو الأم يجوز له النظر إليه كرأسها ويدها أو لا يجوز له كفرجها وفخذها ، وهذا قول مالك ، والشافعي ، وإحدى الروايتين عن أحمد ، ورواية أخرى : أنه لا يكون مظاهرا حتى يشبه جملة امرأته ; لأنه لو حلف بالله لا يمس عضوا معينا منها لم يسر إلى غيره من أعضائها ، فكذلك المظاهرة ، ولأن هذا ليس بمنصوص عليه ، ولا هو في معنى المنصوص ، وعن أبي حنيفة : إن شبهها بما يحرم النظر إليه من الأم كالفخذ والفرج فهو ظهار ، وإن شبهها بما يجوز النظر إليه ، كاليد والرأس فليس بظهار ; لأن التشبيه بعضو يحل النظر إليه كالتشبيه بعضو زوجة له أخرى ، فلا يحصل به الظهار ، وإنما استظهرنا أنه ظهار مطلقا ; لأن معنى التحريم حاصل به ، فهو في معنى صريح الظهار ، فقولهم : ولا هو في معنى المنصوص ليس بمسلم ، بل هو في معناه ، وقياسه على حلفه بالله لا يمس عضوا [ ص: 199 ] معينا منها ظاهر السقوط ; لأن معنى التحريم يحصل ببعض ، والحلف عن بعض لا يسري إلى بعض آخر ، كما ترى . وقول أبي حنيفة : إن العضو الذي يحل النظر إليه لا يحصل الظهار بالتشبيه به غير مسلم أيضا ; لأنه وإن جاز النظر إليه فإن التلذذ به حرام ، والتلذذ هو المستفاد من عقد النكاح ، فالتشبيه به مستلزم للتحريم ، والظهار هو نفس التحريم بواسطة التشبيه بعضو الأم المحرم .

واعلم أن القول بأن الظهار يحصل بقوله : شعرك ، أو ريقك ، أو كلامك علي كظهر أمي ، له وجه قوي من النظر ; لأن الشعر من محاسن النساء التي يتلذذ بها الأزواج كما بيناه في سورة " الحج " ، وكذلك الريق فإن الزوج يمصه ويتلذذ به من امرأته ، وكذلك الكلام ، كما هو معروف . وأما لو قال لها : سعالك أو بصاقك ، أو نحو ذلك علي كظهر أمي ، فالظاهر أن ذلك ليس بشيء ; لأن السعال والبصاق وما يجري مجراهما ، كالدمع ليس مما يتمتع به عادة ، والعلم عند الله تعالى .
المسألة الحادية عشرة : اختلف العلماء فيمن قال لأمته : أنت علي كظهر أمي ، أو قال ذلك لأم ولده ، فقال بعض أهل العلم : لا يصح الظهار من المملوكة ، وهو مروي عن ابن عمر ، وعبد الله بن عمرو ، وسعيد بن المسيب ، ومجاهد ، والشعبي ، وربيعة ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأبي حنيفة وأصحابه ، وأحمد . وقال بعضهم : يصح الظهار من الأمة أم ولد كانت أو غيرها ، وهو مذهب مالك ، وهو مروي أيضا عن الحسن ، وعكرمة ، والنخعي ، وعمرو بن دينار ، وسليمان بن يسار ، والزهري ، والحكم ، والثوري ، وقتادة ، وهو رواية عن أحمد ، وعن الحسن ، والأوزاعي : إن كان يطؤها فهو ظهار ، وإلا فلا . وعن عطاء : إن ظاهر من أمته ، فعليه نصف كفارة الظهار من الحرة .

واحتج الذين قالوا : إن الأمة لا يصح الظهار منها ، بأدلة : منها أنهم زعموا أن قوله : يظاهرون من نسائهم ، يختص بالأزواج دون الإماء .

ومنها أن الظهار لفظ يتعلق به تحريم الزوجة ، فلا تدخل فيه الأمة قياسا على الطلاق .

ومنها أن الظهار كان طلاقا في الجاهلية ، فنقل حكمه وبقي محله ، ومحل الطلاق الأزواج دون الإماء .

[ ص: 200 ] ومنها أن تحريم الأمة تحريم لمباح من ماله ، فكانت فيه كفارة يمين كتحريم سائر ماله عند من يقول : بأن تحريم المال فيه كفارة يمين ، كما تقدم في سورة " الحج " .

قالوا : ومنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حرم جاريته مارية ، فلم يلزمه ظهار بل كفارة يمين ; كما قال تعالى في تحريمه إياها : ياأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك [ 66 \ 1 ] ، ثم قال : قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم الآية [ 66 \ 2 ] .

واحتج القائلون بصحة الظهار من الأمة ، بدخولها في عموم قوله تعالى : والذين يظاهرون من نسائهم ، قالوا : وإماؤهم من نسائهم ; لأن تمتعهم بإمائهم من تمتعهم بنسائهم ، قالوا : ولأن الأمة يباح وطؤها ، كالزوجة فصح الظهار منها كالزوجة ، قالوا : وقوله تعالى : ياأيها النبي لم تحرم ، نزلت في تحريمه - صلى الله عليه وسلم - شرب العسل في القصة المشهورة ، لا في تحريم الجارية .

وحجة الحسن والأوزاعي ، وحجة عطاء كلتاهما واضحة ، كما تقدم .

وقال ابن العربي المالكي في قول مالك وأصحابه : بصحة الظهار من الأمة ، وهي مسألة عسيرة علينا ; لأن مالكا يقول : إذا قال لأمته أنت علي حرام لا يلزم ، فكيف يبطل فيها صريح التحريم وتصح كنايته ؟ ولكن تدخل الأمة في عموم قوله : من نسائهم ; لأنه أراد من محللاتهم .

والمعنى فيه : أنه لفظ يتعلق بالبضع دون رفع العقد ، فصح في الأمة أصله الحلف بالله تعالى ، ا هـ منه ، بواسطة نقل القرطبي .

قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : لا يبعد بمقتضى الصناعة الأصولية ، والمقرر في علوم القرآن : أن يكون هناك فرق بين تحريم الأمة وتحريم الزوجة .

وإيضاح ذلك : أن قوله تعالى : لم تحرم ما أحل الله لك ، جاء في بعض الروايات الصحيحة في السنن وغيرها ، أنه نزل في تحريم النبي - صلى الله عليه وسلم - جاريته مارية أم إبراهيم ، وإن كان جاء في الروايات الثابتة في الصحيحين : أنه نزل في تحريمه العسل الذي كان شربه عند بعض نسائه ، وقصة ذلك مشهورة صحيحة ; لأن المقرر في علوم القرآن أنه إذا ثبت نزول الآية في شيء معين ، ثم ثبت بسند آخر صحيح أنها نزلت في شيء آخر معين غير [ ص: 201 ] الأول ، وجب حملها على أنها نزلت فيهما معا ، فيكون لنزولها سببان ، كنزول آية اللعان في عويمر وهلال معا .

وبه تعلم أن ذلك يلزمه أن يقال : إن قوله تعالى : ياأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك الآية نزل في تحريمه - صلى الله عليه وسلم - العسل على نفسه ، وفي تحريمه جاريته ، وإذا علمت بذلك نزول قوله : لم تحرم ، في تحريم الجارية ، علمت أن القرآن دل على أن تحريم الجارية لا يحرمها ، ولا يكون ظهارا منها ، وأنه تلزم فيه كفارة يمين ; كما صح عن ابن عباس ومن وافقه . وقد قال ابن عباس : لما بين أن فيه كفارة يمين لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة [ 33 \ 21 ] ، ومعناه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كفر عن تحريمه جاريته كفارة يمين ; لأن الله تعالى قال : قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ، بعد تحريمه - صلى الله عليه وسلم - جاريته المذكورة في قوله : لم تحرم ما أحل الله لك ، ومن قال من أهل العلم : إن من حرم جاريته لا تلزمه كفارة يمين ، وإنما يلزمه الاستغفار فقط ، فقد احتج بقوله تعالى : والله غفور رحيم ، بعد قوله : لم تحرم ، وقال : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما حرم جاريته ، قال مع ذلك : " والله لا أعود إليها " ، وهذه اليمين هي التي نزل في شأنها : قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ، ولم تنزل في مطلق تحريم الجارية ، واليمين المذكورة مع التحريم في قصة الجارية ، قال في " نيل الأوطار " : رواها الطبراني بسند صحيح عن زيد بن أسلم التابعي المشهور ، لكنه أرسله ، اهـ . وكذلك رواه عنه ابن جرير .

وقال ابن كثير في " تفسيره " : إن الهيثم بن كليب رواه في مسنده بسند صحيح وساق السند المذكور عنه - رضي الله عنه - ، والمتن فيه التحريم واليمين كما ذكرنا ، وعلى ما ذكرنا من أن آية : لم تحرم ما أحل الله لك ، نزلت في تحريمه - صلى الله عليه وسلم - جاريته ، فالفرق بين تحريم الجارية والزوجة ظاهر ; لأن آية لم تحرم دلت على أن تحريم الجارية لا يحرمها ولا يكون ظهارا ، وآية والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة الآية ، دلت على أن تحريم الزوجة تلزم فيه كفارة الظهار المنصوص عليه في " المجادلة " ; لأن معنى : يظاهرون من نسائهم على جميع القراءات هو أن يقول أحدهم لامرأته : أنت علي كظهر أمي ، وهذا لا خلاف فيه . وقوله : أنت علي كظهر أمي ، معناه : أنت علي حرام ، كما تقدم إيضاحه .

وعلى هذا فقد دلت آية " التحريم " على حكم تحريم الأمة ، وآية " المجادلة " على حكم تحريم الزوجة ، وهما حكمان متغايران ، [ ص: 202 ] كما ترى . ومعلوم أن ابن عباس - رضي الله عنهما - لم يقل بالفرق بينهما ، بل قال : إن حكم تحريم الزوجة كحكم تحريم الجارية المنصوص في آية " التحريم " ، ونحن نقول : إن آية الظهار تدل بفحواها على أن تحريم الزوجة ظهار ; لأن " أنت علي كظهر أمي " ، و " أنت علي حرام " معناهما واحد ، كما لا يخفى . وعلى هذا الذي ذكرنا ، فلا يصح الظهار من الأمة ، وإنما يلزم في تحريمها بظهار ، أو بصريح التحريم كفارة يمين أو الاستغفار كما تقدم . وهذا أقرب لظاهر القرآن ، وإن كان كثير من العلماء على خلافه .

وقد قدمنا أن تحريم الرجل امرأته فيه للعلماء عشرون قولا ، وسنذكرها هنا باختصار ونبين ما يظهر لنا رجحانه بالدليل منها ، إن شاء الله تعالى .

القول الأول : هو أن تحريم الرجل امرأته لغو باطل ، لا يترتب عليه شيء . قال ابن القيم في " إعلام الموقعين " : وهو إحدى الروايتين عن ابن عباس ، وبه قال مسروق ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وعطاء ، والشعبي ، وداود ، وجميع أهل الظاهر ، وأكثر أصحاب الحديث ، وهو أحد قولي المالكية ، اختاره أصبغ بن الفرج . وفي الصحيح عن سعيد بن جبير أنه سمع ابن عباس يقول : إذا حرم الرجل امرأته ، فليس بشيء لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة [ 33 \ 21 ] ، وصح عن مسروق أنه قال : ما أبالي أحرمت امرأتي أو قصعة من ثريد . وصح عن الشعبي في تحريم المرأة : لهو أهون علي من نعلي . وقال أبو سلمة : ما أبالي أحرمت امرأتي أو حرمت ماء النهر . وقال الحجاج بن منهال : إن رجلا جعل امرأته عليه حراما ، فسأل عن ذلك حميد بن عبد الرحمن ، فقال حميد : قال الله تعالى : فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب [ 94 \ 7 - 8 ] ، وأنت رجل تلعب ، فاذهب فالعب ، ا هـ منه .

واستدل أهل هذا القول بقوله تعالى : ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون [ 16 \ 116 ] ، وقوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم [ 5 \ 87 ] ، وعموم قوله تعالى : قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم [ 6 \ 150 ] ، وعموم قوله تعالى : ياأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك الآية ، وعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - : " من عمل عملا ليس عليه أمرنا ، فهو رد " ، ومعلوم أن تحريم ما أحل الله ليس من أمرنا .

[ ص: 203 ] القول الثاني : أن التحريم ثلاث تطليقات ، قال في " إعلام الموقعين " : وبه قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وزيد بن ثابت ، وابن عمر ، والحسن البصري ، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى . وقضى فيها أمير المؤمنين علي رضي الله عنه بالثلاث في عدي بن قيس الكلابي ، وقال : والذي نفسي بيده ، لئن مسستها قبل أن تتزوج غيرك لأرجمنك . وقال في " زاد المعاد " : وروي عن الحكم بن عتيبة ، ثم قال : قلت : الثابت عن زيد بن ثابت ، وابن عمر أن في ذلك كفارة يمين ، وذكر في " الزاد " أيضا : أن ابن حزم نقل عن علي الوقف في ذلك ، وحجة هذا القول بثلاث أنها لا تحرم عليه إلا بالثلاث ، فكان وقوع الثلاث من ضرورة كونها حراما عليه .

القول الثالث : أنها حرام عليه بتحريمه إياها ، قال في " إعلام الموقعين " : وصح هذا أيضا عن أبي هريرة ، والحسن ، وخلاس بن عمرو ، وجابر بن زيد ، وقتادة ، ولم يذكر هؤلاء طلاقا بل أمروه باجتنابها فقط .

وصح ذلك أيضا عن علي رضي الله عنه ، فإما أن يكون عنه روايتان ، وإما أن يكون أراد تحريم الثلاث ، وحجة هذا القول أن لفظه إنما اقتضى التحريم ، ولم يتعرض لعدد الطلاق ، فحرمت عليه بمقتضى تحريمه .

القول الرابع : الوقف . قال في " إعلام الموقعين " : صح ذلك أيضا عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ، وهو قول الشعبي ، وحجة هذا القول : أن التحريم ليس بطلاق ، وهو لا يملك تحريم الحلال ، إنما يملك إنشاء السبب الذي يحرم به ، وهو الطلاق وهذا ليس بصريح في الطلاق ، ولا هو مما ثبت له عرف الشرع في تحريم الزوجة ، فاشتبه الأمر فيه فوجب الوقف للاشتباه .

القول الخامس : إن نوى به الطلاق فهو طلاق ، وإلا فهو يمين . قال في " الإعلام " : وهذا قول طاوس ، والزهري ، والشافعي ، ورواية عن الحسن ، ا هـ .

وحكي هذا القول أيضا عن النخعي ، وإسحاق ، وابن مسعود ، وابن عمر . وحجة هذا القول : أن التحريم كناية في الطلاق ، فإن نواه به كان طلاقا ، وإن لم ينوه كان يمينا ; لقوله تعالى : ياأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ، إلى قوله تعالى : قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم .

القول السادس : أنه إن نوى به الثلاث فثلاث ، وإن نوى واحدة فواحدة بائنة ، وإن [ ص: 204 ] نوى يمينا فهو يمين ، وإن لم ينو شيئا هو كذبة لا شيء فيها ، قاله سفيان ، وحكاه النخعي عن أصحابه ، وحجة هذا القول : أن اللفظ محتمل لما نواه من ذلك ، فيتبع نيته .

القول السابع : مثل هذا إلا أنه إن لم ينو شيئا فهو يمين يكفرها ، وهو قول الأوزاعي . وحجة هذا القول ظاهر قوله تعالى : قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم .

القول الثامن : مثل هذا أيضا ، إلا أنه إن لم ينو شيئا فواحدة بائنة إعمالا للفظ التحريم ، هكذا ذكر هذا القول في " إعلام الموقعين " ، ولم يعزه لأحد .

وقال صاحب " نيل الأوطار " : وقد حكاه ابن حزم عن إبراهيم النخعي .

القول التاسع : أن فيه كفارة الظهار . قال في " إعلام الموقعين " : وصح ذلك عن ابن عباس أيضا ، وأبي قلابة ، وسعيد بن جبير ، ووهب بن منبه ، وعثمان البتي ، وهو إحدى الروايات عن الإمام أحمد . وحجة هذا القول : أن الله تعالى جعل تشبيه المرأة بأمه المحرمة عليه ظهارا وجعله منكرا من القول وزورا ، فإذا كان التشبيه بالمحرمة يجعله مظاهرا ، فإذا صرح بتحريمها كان أولى بالظهار ، وهذا أقيس الأقوال وأفقهها . ويؤيده أن الله لم يجعل للمكلف التحريم والتحليل ، وإنما ذلك إليه تعالى ، وإنما جعل له مباشرة الأفعال والأقوال ، التي يترتب عليها التحريم والتحليل ، فالسبب إلى العبد وحكمه إلى الله تعالى ، فإذا قال : أنت علي كظهر أمي ، أو قال : أنت علي حرام ، فقد قال المنكر من القول والزور ، وقد كذب ، فإن الله لم يجعلها كظهر أمه ، ولا جعلها عليه حراما ، فأوجب عليه بهذا القول من المنكر والزور أغلظ الكفارتين ، وهي كفارة الظهار .

القول العاشر : أنه تطليقة واحدة ، وهي إحدى الروايتين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وقول حماد بن أبي سليمان شيخ أبي حنيفة ، وحجة هذا القول : أن تطليق التحريم لا يقتضي التحريم بالثلاث ، بل يصدق بأقله والواحدة متيقنة ، فحمل اللفظ عليها ; لأنها اليقين فهو نظير التحريم بانقضاء العدة .

القول الحادي عشر : أنه ينوي فيما أراد من ذلك ، فيكون له نيته في أصل الطلاق وعدده ، وإن نوى تحريما بغير طلاق ، فيمين مكفرة . قال ابن القيم : وهو قول الشافعي .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 37.35 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 36.72 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.68%)]