عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 28-12-2022, 11:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,873
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد السادس
الحلقة (435)
سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ
صـ 179 إلى صـ 188



[ ص: 179 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

سُورَةُ لُقْمَانَ

قَوْلُهُ تَعَالَى : الم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ .

قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لِقَوْلِهِ : هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ ، فِي أَوَّلِ سُورَةِ " الْبَقَرَةِ " ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [ 2 \ 1 - 2 ] .
قوله تعالى : وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم .

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن الكافر إذا تتلى عليه آيات الله ، وهي هذا القرآن العظيم : ولى مستكبرا ، أي : متكبرا عن قبولها ، كأنه لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا ، أي : صمما وثقلا مانعا له من سماعها ، ثم أمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يبشره بالعذاب الأليم .

وقد أوضح جل وعلا هذا المعنى في آيات كثيرة ; كقوله تعالى : ويل لكل أفاك أثيم يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين من ورائهم جهنم ولا يغني عنهم ما كسبوا شيئا ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء ولهم عذاب عظيم [ 45 \ 7 - 10 ] ، وقد قال تعالى هنا : كأن في أذنيه وقرا ، على سبيل التشبيه ، وصرح في غير هذا الموضع أنه جعل في أذنيه الوقر بالفعل في قوله : إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا [ 18 \ 57 ] ، والظاهر أن الوقر المذكور على سبيل التشبيه بالوقر الحسي ; لأن الوقر المعنوي يشبه الوقر الحسي ، والوقر المجعول على آذانهم بالفعل ، هو الوقر المعنوي المانع من سماع الحق فقط ، دون سماع غيره ، والعلم عند الله تعالى .
[ ص: 180 ] [ ص: 180 ] قوله تعالى : خلق السماوات بغير عمد ترونها .

قد قدمنا إيضاحه بالآيات القرآنية في أول سورة " الرعد " ، في الكلام على قوله تعالى : الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها الآية [ 13 \ 2 ] .
قوله تعالى : هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه .

قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة " الرعد " ، في الكلام على قوله تعالى : أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم الآية [ 13 \ 16 ] ، وفي أول سورة " الفرقان " .
قوله تعالى : وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم . دلت هذه الآية الكريمة على أن الشرك ظلم عظيم .

وقد بين تعالى ذلك في آيات أخر ; كقوله تعالى : ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين [ 10 \ 106 ] ، وقوله تعالى : والكافرون هم الظالمون [ 2 \ 254 ] ، وقد ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه فسر الظلم في قوله تعالى : الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم [ 6 \ 82 ] ، بأنه الشرك ، وبين ذلك بقوله هنا : إن الشرك لظلم عظيم ، وقد أوضحنا هذا سابقا .
قوله تعالى : ولا تصعر خدك للناس .

معناه : لا تتكبر على الناس ، ففي الآية نهي عن التكبر على الناس ، والصعر : الميل ، والمتكبر يميل وجهه عن الناس متكبرا عليهم معرضا عنهم ، والصعر : الميل ، وأصله : داء يصيب البعير يلوي منه عنقه ، ويطلق على المتكبر يلوي عنقه ويميل خده عن الناس تكبرا عليهم ، ومنه قول عمرو بن حني التغلبي :


وكنا إذا الجبار صعر خده أقمنا له من ميله فتقوما


وقول أبي طالب :
وكنا قديما لا نقر ظلامة إذا ما ثنوا صعر الرءوس نقيمها


[ ص: 181 ] ومن إطلاق الصعر على الميل قول النمر بن تولب العلكي :
إنا أتيناك وقد طال السفر نقود خيلا ضمرا فيها صعر


وإذا علمت أن معنى قوله : ولا تصعر خدك للناس ، لا تتكبر عليهم .

فاعلم أنا قدمنا في سورة " الأعراف " في الكلام على قوله تعالى : فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين [ 7 \ 13 ] ، الآيات القرآنية الدالة على التحذير من الكبر المبينة لكثرة عواقبه السيئة ، وأوضحنا ذلك مع بعض الآيات الدالة على حسن التواضع ، وثناء الله على المتواضعين .
قوله تعالى : ولا تمش في الأرض مرحا .

قد قدمنا إيضاحه وتفسير الآية في سورة " بني إسرائيل " ، في الكلام على قوله تعالى : ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا [ 17 \ 37 ] .
قوله تعالى : واقصد في مشيك .

قد قدمنا الآيات الموضحة له في مواضع ; كقوله : وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا الآية [ 25 \ 63 ] ، وقوله تعالى : ولا تمش في الأرض مرحا [ 17 \ 37 ] .
قوله تعالى : ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ( 20 ) قد قدمنا إيضاحه في أول سورة " الحج " .
وكذلك قوله تعالى : أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير ( 21 ) قدمنا الآيات الموضحة له أيضا في أول سورة " الحج " ، في الكلام على قوله تعالى : كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير [ 22 \ 4 ] .
قوله تعالى : ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون ( 25 ) قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة " بني إسرائيل " في الكلام على قوله تعالى : إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم [ 17 \ 9 ] .
[ ص: 182 ] قوله تعالى : ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله .

قد قدمنا إيضاحه في سورة " الكهف " ، في الكلام على قوله تعالى : قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي الآية [ 18 \ 109 ] .
قوله تعالى : ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة .

قد قدمنا إيضاحه في أول سورة " البقرة " ، في الكلام على قوله تعالى : كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته الآية [ 2 \ 73 ] .
قوله تعالى : وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين .

قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة " بني إسرائيل " ، في الكلام على قوله تعالى : وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه الآية [ 17 \ 67 ] ، وفي " الأنعام " ، في الكلام على قوله تعالى : قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين بل إياه تدعون الآية [ 6 \ 40 - 41 ] ، وفي غير ذلك .
قوله تعالى : إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير ( 34 ) .

قد قدمنا في سورة " الأنعام " ، أن هذه الخمسة المذكورة في خاتمة سورة " لقمان " ، أنها هي مفاتح الغيب المذكورة في قوله تعالى : وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو [ 6 \ 59 ] ، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوضح ذلك بالسنة الصحيحة .
[ ص: 183 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

سُورَةُ السَّجْدَةِ

قَوْلُهُ تَعَالَى : أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ قَدْ قَدَّمْنَا إِيضَاحَهُ فِي سُورَةِ " بَنِي إِسْرَائِيلَ " ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [ 17 \ 15 ] .
قوله تعالى : يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ( 5 ) .

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ، وأنه يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة .

وأشار تعالى إلى هذا المعنى في قوله : الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن [ 65 \ 12 ] ، وقد بين في سورة " الحج " ، أن اليوم عنده تعالى كألف سنة مما يعده الناس ، وذلك في قوله تعالى : وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون [ 22 \ 47 ] ، وقد قال تعالى في سورة " سأل سائل " : تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة [ 70 \ 4 ] .

وقد ذكرنا في كتابنا " دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب " الجمع بين هذه الآيات من وجهين :

الأول : هو ما أخرجه ابن أبي حاتم ، من طريق سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس من أن يوم الألف في سورة " الحج " ، هو أحد الأيام الستة التي خلق الله فيها السماوات والأرض ، ويوم الألف في سورة " السجدة " ، هو مقدار سير الأمر وعروجه إليه تعالى ، ويوم الخمسين ألفا هو يوم القيامة .

[ ص: 184 ] الوجه الثاني : أن المراد بجميعها يوم القيامة ، وأن الاختلاف باعتبار حال المؤمن والكافر ، ويدل لهذا الوجه قوله تعالى : فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير [ 74 \ 9 - 10 ] ، وقوله تعالى : يقول الكافرون هذا يوم عسر [ 54 \ 8 ] .

وقد أوضحنا هذا الوجه في سورة " الفرقان " ، في الكلام على قوله تعالى : أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا [ 25 \ 24 ] ، وقد ذكرنا في " دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب " : أن أبا عبيدة روى عن إسماعيل بن إبراهيم ، عن أيوب ، عن ابن أبي مليكة أنه حضر كلا من ابن عباس وسعيد بن المسيب سئل عن هذه الآيات ، فلم يدر ما يقول فيها ، ويقول : لا أدري .
قوله تعالى : قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم .

ظاهر هذه الآية الكريمة أن الذي يقبض أرواح الناس ملك واحد معين ، وهذا هو المشهور ، وقد جاء في بعض الآثار أن اسمه عزرائيل .

وقد بين تعالى في آيات أخر أن الناس تتوفاهم ملائكة لا ملك واحد ; كقوله تعالى : إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم الآية [ 4 \ 97 ] ، وقوله تعالى : فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم [ 47 \ 27 ] ، وقوله تعالى : ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم الآية [ 6 \ 93 ] ، وقوله تعالى : حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون [ 6 \ 61 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .

وإيضاح هذا عند أهل العلم : أن الموكل بقبض الأرواح ملك واحد هو المذكور هنا ، ولكن له أعوان يعملون بأمره ينتزعون الروح إلى الحلقوم ، فيأخذها ملك الموت ، أو يعينونه إعانة غير ذلك .

وقد جاء في حديث البراء بن عازب الطويل المشهور : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر فيه : " أن ملك الموت إذا أخذ روح الميت أخذها من يده بسرعة ملائكة فصعدوا بها إلى السماء " ، وقد بين فيه - صلى الله عليه وسلم - ما تعامل به روح المؤمن وروح الكافر بعد أخذ الملائكة له من ملك الموت حين يأخذها من البدن ، وحديث البراء المذكور صححه غير واحد ، وأوضح ابن القيم في كتاب " الروح " بطلان تضعيف ابن حزم له .

[ ص: 185 ] والحاصل : أن حديث البراء المذكور دل على أن مع ملك الموت ملائكة آخرين يأخذون من يده الروح ، حين يأخذه من بدن الميت . وأما قوله تعالى : الله يتوفى الأنفس حين موتها [ 39 \ 42 ] فلا إشكال فيه ; لأن الملائكة لا يقدرون أن يتوفوا أحدا إلا بمشيئته جل وعلا : وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا [ 3 \ 145 ] .

فتحصل أن إسناد التوفي إلى ملك الموت في قوله هنا : قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم [ 32 \ 11 ] ، لأنه هو المأمور بقبض الأرواح ، وأن إسناده للملائكة في قوله تعالى : فكيف إذا توفتهم الملائكة الآية [ 47 \ 27 ] ، ونحوها من الآيات ; لأن لملك الموت أعوانا يعملون بأمره ، وأن إسناده إلى الله في قوله تعالى : الله يتوفى الأنفس حين موتها [ 39 \ 42 ] ، لأن كل شيء كائنا ما كان لا يكون إلا بقضاء الله وقدره ، والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى : ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون ( 12 ) .

قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة " الأعراف " ، في الكلام على قوله تعالى : يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء الآية [ 7 \ 53 ] ، وفي سورة " مريم " ، في الكلام على قوله تعالى : أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا الآية [ 19 \ 38 ] .
قوله تعالى : ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ( 13 ) .

قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة " يونس " في الكلام على قوله تعالى : ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا [ 10 \ 99 ] .
قوله تعالى : ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون ( 22 ) .

قد قدمنا الآيات الموضحة له مع بيان الآيات الدالة على العواقب السيئة الناشئة عن الإعراض ، عن التذكير بآيات الله في سورة " الكهف " ، في الكلام على قوله تعالى : [ ص: 186 ] ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه [ 18 \ 57 ] .
قوله تعالى : أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم .

قد قدمنا بعض الآيات الموضحة له في آخر سورة " مريم " ، في الكلام على قوله تعالى : وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا [ 19 \ 98 ] .
قوله تعالى : أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون ( 27 ) .

قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة " طه " ، في الكلام على قوله تعالى : الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك لآيات لأولي النهى [ 20 \ 53 - 54 ] ، وقد أوضحنا تفسير الأرض الجرز مع بعض الشواهد العربية في سورة " الكهف " ، في الكلام على قوله تعالى : وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا [ 18 \ 8 ] .
قوله تعالى : ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين ( 28 ) قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون ( 29 ) .

أظهر أقوال أهل العلم عندي هو أن الفتح في هذه الآية الكريمة هو الحكم والقضاء ، وقد قدمنا أن الفتاح : القاضي ، وهي لغة حميرية قديمة ، والفتاحة : الحكم والقضاء ، ومنه قوله :

ألا من مبلغ عمرا رسولا بأني عن فتاحتكم غني .

وقد جاءت آيات تدل على أن الفتح الحكم ; كقوله تعالى عن نبيه شعيب : على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين [ 7 \ 89 ] ، أي : احكم بيننا بالحق ، وأنت خير الحاكمين .

وقوله تعالى عن نبيه نوح : قال رب إن قومي كذبون فافتح بيني وبينهم فتحا الآية [ 26 \ 117 - 118 ] ، أي : احكم بيني وبينهم حكما ، وقوله تعالى : قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم [ 34 \ 26 ] ، وقوله تعالى : [ ص: 187 ] إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح [ 8 \ 19 ] ، أي : إن تطلبوا الحكم بهلاك الظالم منكم ومن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد جاءكم الفتح ، أي : الحكم بهلاك الظالم وهو هلاكهم يوم بدر ; كما قاله غير واحد . وقد ذكروا أنهم لما أرادوا الخروج إلى بدر ، جاء أبو جهل وتعلق بأستار الكعبة ، وقال : اللهم إنا قطان بيتك نسقي الحجيج ، ونفعل ونفعل ، وإن محمدا قطع الرحم وفرق الجماعة ، وعاب الدين ، وشتم الآلهة ، وسفه أحلام الآباء ، اللهم أهلك الظالم منا ومنه ، فطلب الحكم على الظالم ، فجاءهم الحكم على الظالم فقتلوا ببدر ، وصاروا إلى الخلود في النار ، إلى غير ذلك من الآيات .

وعلى قول من قال من أهل العلم : إن المراد بالفتح في الآية الحكم والقضاء بينهم يوم القيامة ، فلا إشكال في قوله تعالى : قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ، وعلى القول بأن المراد بالفتح في الآية الحكم بينهم في الدنيا بهلاك الكفار ، كما وقع يوم بدر . فالظاهر أن معنى قوله تعالى : قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ، أي : إذا عاينوا الموت وشاهدوا القتل ، بدليل قوله تعالى : فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون [ 40 \ 84 - 85 ] ، وقوله تعالى : وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن الآية [ 4 \ 18 ] ، وقوله تعالى في فرعون : حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين [ 10 \ 90 - 91 ] . ولا يخفى أن قول من قال من أهل العلم : إن الفتح في هذه الآية فتح مكة أنه غير صواب ، بدليل قوله تعالى : قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ومعلوم أن فتح مكة لا يمنع انتفاع المؤمن في وقته بإيمانه ، كما لا يخفى .
قوله تعالى : وانتظر إنهم منتظرون جاء معناه موضحا في آيات أخر ; كقوله تعالى : أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون قل تربصوا فإني معكم من المتربصين [ 52 \ 30 - 31 ] ، ومعلوم أن التربص هو الانتظار . وقوله تعالى : قل انتظروا إنا منتظرون [ 6 \ 158 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
[ ص: 188 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

سُورَةُ الْأَحْزَابِ

قَوْلُهُ تَعَالَى : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ الْآيَةَ .

قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لِمَثَلِهِ فِي سُورَةِ " بَنِي إِسْرَائِيلَ " ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ الْآيَةَ [ 17 \ 22 ] ، وَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَةُ " الْأَحْزَابِ " هَذِهِ ، مِنْ أَنَّ الْخِطَابَ الْخَاصَّ لَفْظُهُ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَشْمَلُ حُكْمُهُ جَمِيعَ الْأُمَّةِ ، قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي سُورَةِ " الْمَائِدَةِ " ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ الْآيَةَ [ 5 \ 32 ] .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 39.45 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 38.82 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.59%)]