عرض مشاركة واحدة
  #384  
قديم 26-11-2022, 08:01 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,301
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الخامس

سُورَةُ طَه
الحلقة (384)
صــ 324 إلى صــ 331




قوله تعالى : " يومئذ لا تنفع الشفاعة " يعني : لا تنفع أحدا ، " إلا من أذن له الرحمن " ; أي : إلا شفاعة من أذن له الرحمن ; أي : أذن أن يشفع له ، " ورضي له قولا " ; أي : ورضي للمشفوع فيه قولا ، وهو الذي كان في الدنيا من أهل لا إله إلا الله . " يعلم ما بين أيديهم " الكناية راجعة إلى الذين يتبعون الداعي . وقد شرحنا هذه الآية في سورة ( البقرة : 255 ) .

وفي هاء " به " قولان :

أحدهما : أنها ترجع إلى الله تعالى ، قاله مقاتل . والثاني : إلى " ما بين أيديهم وما خلفهم " ، قاله ابن السائب . [ ص: 324 ]

قوله تعالى : " وعنت الوجوه " قال الزجاج : عنت في اللغة : خضعت ، يقال : عنا يعنو : إذا خضع ، ومنه قيل : أخذت البلاد عنوة : إذا أخذت غلبة ، وأخذت بخضوع من أهلها . والمفسرون على أن هذا في يوم القيامة ، إلا ما روي عن طلق بن حبيب : هو وضع الجبهة والأنف ، والكفين والركبتين ، وأطراف القدمين على الأرض للسجود ، وقد شرحنا في آية الكرسي معنى الحي القيوم [ البقرة : 255 ] .

قوله تعالى : " وقد خاب من حمل ظلما " قال ابن عباس : خسر من أشرك بالله .

قوله تعالى : " ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن " : " من " هاهنا للجنس ، وإنما شرط الإيمان ; لأن غير المؤمن لا يقبل عمله ولا يكون صالحا ، " فلا يخاف " ; أي : فهو لا يخاف . وقرأ ابن كثير : ( فلا يخف ) على النهي .

قوله تعالى : " ظلما ولا هضما " فيه أربعة أقوال :

أحدها : لا يخاف أن يظلم فيزاد في سيئاته ، ولا أن يهضم من حسناته ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس .

والثاني : لا يخاف أن يظلم فيزاد من ذنب غيره ، ولا أن يهضم من حسناته ، قاله قتادة .

والثالث : أن لا يخاف أن يؤاخذ بما لم يعمل ، ولا ينتقص من عمله الصالح ، قاله الضحاك .

والرابع : لا يخاف أن لا يجزى بعمله ، ولا أن ينقص من حقه ، قاله ابن زيد . قال اللغويون : الهضم : النقص ، تقول العرب : هضمت لك من حقي ; أي : حططت ، ومنه : فلان هضيم الكشحين ; أي : ضامر الجنبين ، [ ص: 325 ] ويقال : هذا شيء يهضم الطعام ; أي : ينقص ثقله . وفرق بعض المفسرين بين الظلم والهضم ، فقال : الظلم : منع الحق كله ، والهضم : منع البعض ، وإن كان ظلما أيضا .

قوله تعالى : " وكذلك أنزلناه " ; أي : وكما بينا في هذه السورة ، " أنزلناه " ; أي : أنزلنا هذا الكتاب ، " قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد " ; أي : بينا فيه ضروب الوعيد . قال قتادة : يعني : وقائعه في الأمم المكذبة .

قوله تعالى : " لعلهم يتقون " ; أي : ليكون سببا لاتقائهم الشرك بالاتعاظ بمن قبلهم ، " أو يحدث لهم " ; أي : يجدد لهم القرآن ، وقيل : الوعيد . " ذكرا " ; أي : اعتبارا ، فيتذكروا به عقاب الأمم فيعتبروا . وقرأ ابن مسعود وعاصم الجحدري : ( أو نحدث ) بنون مرفوعة .

قوله تعالى : " فتعالى الله " ; أي : جل عن إلحاد الملحدين ، وقول المشركين في صفاته ، " الملك " الذي بيده كل شيء ، " الحق " وقد ذكرناه في ( يونس : 32 ) .

قوله تعالى : " ولا تعجل بالقرآن " في سبب نزولها قولان :

أحدهما : أن جبريل كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم بالسورة والآي فيتلوها عليه ، فلا يفرغ جبريل من آخرها حتى يتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأولها مخافة أن ينساها ، فنزلت هذه الآية ، رواه أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني : أن رجلا لطم امرأته ، فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تطلب القصاص ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما القصاص ، فنزلت هذه الآية ، فوقف [ ص: 326 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل قوله تعالى: الرجال قوامون على النساء [ النساء : 34 ] ، قاله الحسن البصري .

قوله تعالى : " من قبل أن يقضى إليك وحيه " وقرأ ابن مسعود ، والحسن ، ويعقوب : ( نقضي ) بالنون وكسر الضاد وفتح الياء ، ( وحيه ) بنصب الياء .

وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال :

أحدها : لا تعجل بتلاوته قبل أن يفرغ جبريل من تلاوته ، تخاف نسيانه ، هذا على القول الأول .

والثاني : لا تقرئ أصحابك حتى نبين لك معانيه ، قاله مجاهد وقتادة .

والثالث : لا تسأل إنزاله قبل أن يأتيك الوحي ، ذكره الماوردي .

قوله تعالى : " وقل رب زدني علما " فيه ثلاثة أقوال : [ ص: 327 ]

أحدها : زدني قرآنا ، قاله مقاتل . والثاني : فهما . والثالث : حفظا ، ذكرهما الثعلبي .
ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى .

قوله تعالى : " ولقد عهدنا إلى آدم " ; أي : أمرناه وأوصيناه أن لا يأكل من الشجرة ، " من قبل " ; أي : من قبل هؤلاء الذين نقضوا عهدي وتركوا [ ص: 328 ] الإيمان بي ، وهم الذين ذكرهم في قوله : " لعلهم يتقون " ، والمعنى : أنهم إن نقضوا العهد ، فإن آدم قد عهدنا إليه فنسي .

وفي هذا النسيان قولان :

أحدهما : أنه الترك ، قاله ابن عباس ومجاهد ، والمعنى : ترك ما أمر به .

والثاني : أنه من النسيان الذي يخالف الذكر ، حكاه الماوردي .

وقرأ معاذ القارئ ، وعاصم الجحدري ، وابن السميفع : ( فنسي ) برفع النون وتشديد السين .

قوله تعالى : " ولم نجد له عزما " العزم في اللغة : توطين النفس على الفعل . وفي المعنى أربعة أقوال :

أحدها : لم نجد له حفظا ، رواه العوفي عن ابن عباس ، والمعنى : لم يحفظ ما أمر به .

والثاني : صبرا ، قاله قتادة ومقاتل ، والمعنى : لم يصبر عما نهي عنه .

والثالث : حزما ، قاله ابن السائب . قال ابن الأنباري : وهذا لا يخرج آدم من أولي العزم ، وإنما لم يكن له عزم في الأكل فحسب .

والرابع : عزما في العود إلى الذنب ، ذكره الماوردي . وما بعد هذا قد تقدم تفسيره [ البقرة : 34 ] إلى قوله تعالى : " فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى " . قال المفسرون : المراد به : نصب الدنيا وتعبها من تكلف الحرث والزرع ، والعجن والخبز ، وغير ذلك . قال سعيد بن جبير : أهبط إلى آدم ثور أحمر ، فكان يعتمل عليه ويمسح العرق عن جبينه ، فذلك شقاؤه . قال العلماء : والمعنى : فتشقيا ، وإنما لم يقل : فتشقيا ; لوجهين : [ ص: 329 ]

أحدهما : أن آدم هو المخاطب ، فاكتفي به ، ومثله : عن اليمين وعن الشمال قعيد [ ق : 17 ] ، قاله الفراء .

والثاني : أنه لما كان آدم هو الكاسب ، كان التعب في حقه أكثر ، ذكره الماوردي .

قوله تعالى : " إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى " قرأ أبي بن كعب : ( لا تجاع ولا تعرى ) بالتاء المضمومة والألف . " وأنك لا تظمأ " قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم : ( وأنك ) مفتوحة الألف . وقرأ نافع وأبو بكر عن عاصم : ( وإنك ) بكسر الألف . قال أبو علي : من فتح حمله على أن لك أن لا تجوع ، وأن لك أن لا تظمأ ، ومن كسر استأنف .

قوله تعالى : " لا تظمأ فيها " ; أي : لا تعطش ، يقال : ظمئ الرجل ظمأ فهو ظمآن ; أي : عطشان . ومعنى " لا تضحى " : لا تبرز للشمس فيصيبك حرها ; لأنه ليس في الجنة شمس .

قوله تعالى : " هل أدلك على شجرة الخلد " ; أي : على شجرة من أكل منها لم يمت ، " وملك لا يبلى " جديده ولا يفنى . وما بعد هذا مفسر في [ الأعراف : 22 ] .

وفي قوله تعالى : " فغوى " قولان :

أحدهما : ضل طريق الخلود ، حيث أراده من قبل المعصية .

والثاني : فسد عليه عيشه ; لأن معنى الغي : الفساد . قال ابن الأنباري : وقد غلط بعض المفسرين ، فقال معنى " غوى " : أكثر مما أكل من الشجرة حتى بشم ، كما يقال : غوى الفصيل : إذا أكثر من لبن أمه فبشم ، فكاد يهلك ، وهذا خطأ من وجهين : [ ص: 330 ]

أحدهما : أنه لا يقال من البشم : غوى يغوي ، وإنما يقال : غوي يغوى .

والثاني : أن قوله تعالى: فلما ذاقا الشجرة [ الأعراف : 22 ] يدل على أنهما لم يكثرا ، ولم تتأخر عنهما العقوبة حتى يصلا إلى الإكثار . قال ابن قتيبة : فنحن نقول في حق آدم : عصى وغوى ، كما قال الله عز وجل ، ولا نقول : آدم عاص وغاو ، كما تقول لرجل قطع ثوبه وخاطه : قد قطعه وخاطه ، ولا نقول : هذا خياط ، حتى يكون معاودا لذلك الفعل معروفا به .

قوله تعالى : " ثم اجتباه ربه " قد بينا الاجتباء في ( الأنعام : 87 ) ، " فتاب عليه وهدى " ; أي : هداه للتوبة . " قال اهبطا " في المشار إليهما قولان :

أحدهما : آدم وإبليس ، قاله مقاتل .

والثاني : آدم وحواء ، قاله أبو سليمان الدمشقي . ومعنى قوله تعالى : " بعضكم لبعض عدو " آدم وذريته ، وإبليس وذريته ، والحية أيضا ، وقد شرحنا هذا في ( البقرة : 36 ) .

قوله تعالى : " فمن اتبع هداي " ; أي : رسولي وكتابي ، " فلا يضل ولا يشقى " قال ابن عباس : من قرأ القرآن واتبع ما فيه ، هداه الله من الضلالة ووقاه سوء الحساب ، ولقد ضمن الله لمن اتبع القرآن أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة ، ثم قرأ هذه الآية .

قوله تعالى : " ومن أعرض عن ذكري " قال عطاء : عن موعظتي . وقال ابن السائب : عن القرآن ، ولم يؤمن به ، ولم يتبعه .

قوله تعالى : " فإن له معيشة ضنكا " قال أبو عبيدة : معناه : معيشة ضيقة ، والضنك يوصف به الأنثى والذكر بغير هاء ، وكل عيش ، أو مكان ، أو منزل ضيق ، فهو ضنك ، وأنشد : [ ص: 331 ]


وإن نزلوا بضنك فانزل


وقال الزجاج : الضنك أصله في اللغة : الضيق والشدة .

وللمفسرين في المراد بهذه المعيشة خمسة أقوال :

أحدها : أنها عذاب القبر ، روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أتدرون ما المعيشة الضنك ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : عذاب الكافر في قبره ، والذي نفسي بيده إنه ليسلط عليه تسعة وتسعون تنينا ينفخون في جسمه ، ويلسعونه ويخدشونه إلى يوم القيامة " . وممن ذهب إلى أنه عذاب القبر ابن مسعود ، وأبو سعيد الخدري ، والسدي .

والثاني : أنه ضغطة القبر حتى تختلف أضلاعه فيه ، رواه عطاء عن ابن عباس .

والثالث : شدة عيشه في النار ، رواه الضحاك عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، وقتادة ، وابن زيد . قال ابن السائب : وتلك المعيشة من الضريع والزقوم .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 42.72 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 42.09 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.47%)]