
25-11-2022, 06:13 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,295
الدولة :
|
|
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد السادس
الحلقة (417)
سُورَةُ الْفُرْقَانِ .
صـ 35 إلى صـ 422
واعلم أن ما ذكره الزمخشري في هذه الآية ، وأطنب فيه من أن الله لا يضل أحدا [ ص: 35 ] مذهب المعتزلة ، وهو مذهب باطل وبطلانه في غاية الوضوح من كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - فإياك أن تغتر به ، وما ذكر عن الحسن البصري ، ومالك ، عن الزهري من أن معنى بورا لا خير فيهم له وجه في اللغة العربية ، ولكن التحقيق أنه ليس معنى الآية ، وأن معنى بورا هلكى كما تقدم ، والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى : فقد كذبوكم بما تقولون .
ذكر جل وعلا في هذه الآية : أن المعبودين كذبوا العابدين وذلك في قوله عنهم : قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء [ 25 \ 18 ] .
وما دلت عليه هذه الآية الكريمة من تكذيب المعبودين للعابدين ، جاء في آيات أخر كقوله تعالى : وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين [ 46 \ 6 ] وكقوله تعالى : وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون [ 16 \ 86 ] وقوله : فزيلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون [ 10 \ 28 ] وقوله تعالى : كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا [ 19 \ 82 ] والآيات بمثل ذلك كثيرة معلومة .
قوله تعالى : ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا . قال ابن كثير : ومن يظلم منكم أي يشرك بالله ، وذكره القرطبي عن ابن عباس رضي الله عنهما . وهذا التفسير تشهد له آيات من كتاب الله كقوله تعالى : والكافرون هم الظالمون [ 2 \ 254 ] وقوله تعالى : ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين [ 10 \ 106 ] وقوله تعالى : إن الشرك لظلم عظيم [ 31 \ 13 ] وقد ثبت في صحيح البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فسر الظلم في قوله تعالى : ولم يلبسوا إيمانهم بظلم [ 6 \ 82 ] فقال : أي بشرك كما قدمناه موضحا .
قوله تعالى : وجعلنا بعضكم لبعض فتنة .
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة ، أنه جعل بعض الناس فتنة لبعض .
وهذا المعنى الذي دلت عليه الآية ذكره في قوله تعالى : وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا الآية [ 6 \ 53 ] .
[ ص: 36 ] وقال القرطبي في تفسير قوله : وجعلنا بعضكم لبعض فتنة ومعنى هذا : أن كل واحد مختبر بصاحبه ، فالغني ممتحن بالفقير عليه أن يواسيه ولا يسخر منه ، والفقير ممتحن بالغني عليه أن لا يحسده ولا يأخذ منه إلا ما أعطاه ، وأن يصبر كل واحد منهما على الحق ، كما قال الضحاك في معنى : أتصبرون [ 25 \ 20 ] : أي على الحق ، وأصحاب البلايا يقولون : لم لم نعاف ؟ والأعمى يقول لم لم أجعل كالبصير ؟ وهكذا صاحب كل آفة ، والرسول المخصوص بكرامة النبوة فتنة لأشراف الناس من الكفار في عصره وكذلك العلماء ، وحكام العدل ، ألا ترى إلى قولهم : لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم [ 43 \ 31 ] فالفتنة أن يحسد المبتلى المعافى ، ويحقر المعافى المبتلى ، والصبر أن يحبس كلاهما نفسه ، هذا عن البطر ، وذلك عن الضجر . انتهى محل الغرض من كلام القرطبي .
وإذا علمت معنى كون بعضهم فتنة لبعض . فاعلم أن قوله تعالى : وكذلك فتنا بعضهم ببعض الآية [ 6 \ 53 ] . فيه فتنة أغنياء الكفار بفقراء المسلمين ، حيث احتقروهم وازدروهم ، وأنكروا أن يكون الله من عليهم دونهم لأنهم في زعمهم لفقرهم ، ورثاثة حالهم ، لا يمكن أن يرحمهم الله ويعطيهم من فضله الواسع كما قال تعالى عنهم أنهم قالوا فيهم : لو كان خيرا ما سبقونا إليه [ 46 \ 11 ] وقال : أؤنزل عليه الذكر من بيننا [ 38 \ 8 ] إلى غير ذلك من الآيات ، وسيوبخهم الله يوم القيامة على احتقارهم لهم في الدنيا كما قال تعالى : أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون [ 7 \ 49 ] وقوله تعالى : إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون وإذا مروا بهم يتغامزون . . . . إلى قوله تعالى : فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون على الأرائك ينظرون هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون [ 83 \ 29 - 36 ] وقوله تعالى : ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة [ 2 \ 212 ] وقوله تعالى : ( أتصبرون ) ، أي على الحق أم لا تصبرون . والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى : وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا .
[ ص: 37 ] ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن الذين لا يرجون لقاء الله قالوا : لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا ، ولولا في هذه الآية للتحضيض .
والمعنى أنهم طلبوا بحث وشدة أن تنزل عليهم الملائكة أو يرون ربهم ، وهذا التعنت الذي ذكره الله عنهم هنا من طلبهم إنزال الملائكة عليهم ، أو رؤيتهم ربهم ذكره في غير هذا الموضع كقوله تعالى :أو تأتي بالله والملائكة قبيلا [ 17 \ 92 ] وقولهم : لولا أنزل علينا الملائكة قيل : فتوحى إلينا كما أوحت إليك ، وهذا القول يدل له قوله تعالى : قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله الآية [ 6 \ 124 ] وقيل : لولا أنزل علينا الملائكة فنراهم عيانا ، وهذا يدل له قوله تعالى : أو تأتي بالله والملائكة قبيلا [ 17 \ 92 ] أي معاينة على القول بذلك ، وقد قدمنا الأقوال في ذلك في سورة بني إسرائيل .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : ( لا يرجون ) قال بعض العلماء : لا يرجون أي لا يخافون لقاءنا لعدم إيمانهم بالبعث . والرجاء يطلق على الخوف كما يطلق على الطمع . قال بعض العلماء : ومنه قوله تعالى : ما لكم لا ترجون لله وقارا قال أي لا تخافون لله عظمة ، ومنه قول أبي ذؤيب الهذلي :
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها وخالفها في بيت نوب عواسل
فقوله لم يرج لسعها : أي لم يخف لسعها ، وقال بعض أهل العلم : إطلاق الرجاء على الخوف لغة تهامة ، وقال بعض العلماء : لا يرجون لقاءنا لا يأملون ، وعزاه القرطبي لابن شجرة وقال : ومنه قول الشاعر :
أترجو أمة قتلت حسينا شفاعة جده يوم الحساب
أي أتأمل أمة إلخ . والذي لا يؤمن بالبعث لا يخاف لقاء الله ، لأنه لا يصدق بالعذاب ، ولا يأمل الخير من تلقائه ، لأنه لا يؤمن بالثواب .
وقوله جل وعلا : لقد استكبروا في أنفسهم أي أضمروا التكبر عن الحق في قلوبهم ، واعتقدوه عنادا وكفرا ، ويوضح هذا المعنى قوله تعالى : إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه [ 40 \ 56 ] وقوله تعالى : وعتوا عتوا كبيرا أي تجاوزوا الحد [ ص: 38 ] في الظلم والطغيان يقال : عتا علينا فلان : أي تجاوز الحد في ظلمنا ، ووصفه تعالى عتوهم المذكور بالكبر ، يدل على أنه بالغ في إفراطه ، وأنهم بلغوا غاية الاستكبار ، وأقصى العتو ، وهذه الآية الكريمة تدل على أن تكذيب الرسل بعد دلالة المعجزات ، ووضوح الحق وعنادهم والتعنت عليهم بطلب إنزال الملائكة ، أو رؤية استكبار عن الحق عظيم وعتو كبير يستحق صاحبه النكال ، والتقريع ، ولذا شدد الله النكير على من تعنت ذلك التعنت واستكبر عن قبول الحق ، كما في قوله تعالى : أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل [ 2 \ 108 ] وقوله تعالى : يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم الآية [ 4 \ 153 ] وقوله تعالى : وإذ قلتم ياموسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون [ 2 \ 55 ] واستدلال المعتزلة بهذه الآية ، وأمثالها على أن رؤية الله مستحيلة استدلال باطل ومذهبهم والعياذ بالله من أكبر الضلال ، وأعظم الباطل ، وقول الزمخشري في كلامه على هذه الآية : إن الله لا يرى ، قول باطل ، وكلام فاسد .
والحق الذي لا شك فيه : أن المؤمنين يرون الله بأبصارهم يوم القيامة كما تواترت به الأحاديث عن الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - ، ودلت عليه الآيات القرآنية منطوقا ومفهوما . كما أوضحناه في غير هذا الموضع .
وقد قدمنا في هذه السورة وفي سورة بني إسرائيل الآيات الدالة على أن الله لو فعل لهم كل ما اقترحوا لما آمنوا ، فأغنى ذلك عن إعادته هنا .
قوله تعالى : يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا . ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن الكفار الذين طلبوا إنزال الملائكة عليهم ، أنهم يوم يرون الملائكة لا بشرى لهم ، أي لا تسرهم رؤيتهم ولا تكون لهم في ذلك الوقت بشارة بخير ، ورؤيتهم للملائكة تكون عند احتضارهم ، وتكون يوم القيامة ولا بشرى لهم في رؤيتهم في كلا الوقتين .
أما رؤيتهم الملائكة عند حضور الموت فقد دلت آيات من كتاب الله أنهم لا بشارة لهم فيها لما يلاقون من العذاب من الملائكة عند الموت ، كقوله تعالى : [ ص: 39 ] ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم الآية [ 8 \ 50 ] وقوله تعالى : ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون [ 6 \ 93 ] وقوله تعالى : فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم [ 47 \ 27 - 28 ] وأما رؤيتهم الملائكة يوم القيامة فلا بشرى لهم فيها أيضا ، ويدل لذلك قوله تعالى : ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون [ 6 \ 8 ] .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : لا بشرى يومئذ للمجرمين [ 25 \ 22 ] يدل بدليل خطابه : أي مفهوم مخالفته ، أن غير المجرمين يوم يرون الملائكة تكون لهم البشرى ، وهذا المفهوم من هذه الآية جاء مصرحا به في قوله تعالى : إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم [ 41 \ 30 - 32 ] .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة . ويقولون حجرا محجورا أظهر القولين فيه عندي أنه من كلام الكفار ، يوم يرون الملائكة . لا من كلام الملائكة ، وإيضاحه : أن الكفار الذين اقترحوا إنزال الملائكة إذا رأوا الملائكة توقعوا العذاب من قبلهم ، فيقولون حينئذ للملائكة : حجرا محجورا : أي حراما محرما عليكم أن تمسونا بسوء أي لأننا لم نرتكب ذنبا نستوجب به العذاب ، كما أوضحه تعالى بقوله عنهم : الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون [ 16 \ 28 ] فقولهم : ما كنا نعمل من سوء : أي لم نستوجب عذابا ، فتعذيبنا حرام محرم ، وقد كذبهم الله في دعواهم هذه بقوله : بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون وعادة العرب الذين نزل القرآن بلغتهم ، أنهم يقولون هذا الكلام ، أي حجرا محجورا عند لقاء عدو موتور أو هجوم نازلة أو نحو ذلك .
وقد ذكر سيبويه هذه الكلمة أعني : حجرا محجورا في باب المصادر غير المتصرفة المنصوبة بأفعال متروك إظهارها نحو : معاذ الله ، وعمرك الله ، ونحو ذلك .
[ ص: 40 ] وقوله : حجرا محجورا ، أصله من حجره بمعنى منعه ، والحجر : الحرام ، لأنه ممنوع ومنه قوله : وقالوا هذه أنعام وحرث حجر أي حرام لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم [ 6 \ 138 ] ومنه قول المتلمس :
حنت إلى النخلة القصوى فقلت لها حجر حرام ألا تلك الدهاريس
فقوله حرام تأكيد لقوله حجر لأن معناه حرام وقول الآخر :
ألا أصبحت أسماء حجرا محرما وأصبحت من أدنى حموتها حما
وقول الآخر :
قــــالت وفيها حـيرة وذعـر عـوذ بربي منكم وحجر
وقوله : محجورا توكيد لمعنى الحجر . قال الزمخشري : كقول العرب : ذيل ذائل . والذيل الهوان ، وموت مائت ، وأما على القول بأن حجرا محجورا من قول الملائكة ، فمعناه : أنهم يقولون للكفار حجرا محجورا . أي حراما محرما أن تكون للكفار اليوم بشرى ، أو أن يغفر لهم ، أو يدخلون الجنة وهذا القول اختاره ابن جرير ، وابن كثير وغير واحد .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : يوم يرون الملائكة قال الزمخشري : " يوم " منصوب بأحد شيئين ، إما بما دل عليه بلا بشرى أي يوم يرون الملائكة يمنعون البشرى ، أو يعدمونها ، ويومئذ للتكرير ، وإما بإضمار اذكر : أي اذكر يوم يرون الملائكة ، ثم قال لا بشرى يومئذ للمجرمين .
قوله تعالى : وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا . قد قدمنا الآيات الموضحة له في مواضع متعددة من هذا الكتاب المبارك في سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله تعالى : ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن الآية [ 17 \ 19 ] . وفي سورة " النحل " في الكلام على قوله تعالى : من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن الآية [ 16 \ 97 ] . وغير ذلك فأغنى ذلك عن إعادته هنا .
قوله تعالى : أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا .
[ ص: 41 ] استنبط بعض العلماء من هذه الآية الكريمة : أن حساب أهل الجنة يسير ، وأنه ينتهي في نصف نهار ، ووجه ذلك أن قوله : مقيلا : أي مكان قيلولة وهي الاستراحة في نصف النهار ، قالوا : وهذا الذي فهم من هذه الآية الكريمة ، جاء بيانه في قوله تعالى : فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا [ 84 \ 7 - 9 ] .
ويفهم من قوله تعالى في هذه الآية الكريمة أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا الآية ، أن أصحاب النار ليسوا كذلك وأن حسابهم غير يسير .
وهذا المفهوم دلت عليه آيات أخر كقوله تعالى قريبا من هذه الآية : الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا [ 25 \ 26 ] فقوله : ( على الكافرين ) يدل على أنه على المؤمنين غير عسير ، كما قال تعالى : لا يحزنهم الفزع الأكبر الآية [ 21 \ 103 ] . وقوله تعالى : مهطعين إلى الداعي يقول الكافرون هذا يوم عسر [ 54 \ 8 ] وإذا علمت مما ذكرنا ما جاء من الآيات فيه بيان لقوله : أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا ، فهذه أقوال بعض المفسرين في المعنى الذي ذكرنا في الآية .
قال صاحب الدر المنثور : وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : خير مستقرا وأحسن مقيلا قال في الغرف من الجنة ، وكان حسابهم أن عرضوا على ربهم عرضة واحدة ، وذلك الحساب اليسير ، وذلك مثل قوله : فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا [ 84 \ 7 - 9 ] وأخرج ابن المبارك في الزهد وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم ، وصححه عن ابن مسعود . قال : لا ينتصف النهار من يوم القيامة حتى يقيل هؤلاء وهؤلاء ثم قرأ : أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا وقرأ : ثم إن مقيلهم لإلى الجحيم وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : إنما هي ضحوة . فيقيل أولياء الله على الأسرة مع الحور العين ، ويقيل أعداء الله مع الشياطين مقرنين .
وأخرج ابن المبارك وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر ، وأبو نعيم في [ ص: 42 ] الحلية ، عن إبراهيم النخعي : كانوا يرون أنه يفرغ من حساب الناس يوم القيامة ، نصف النهار . فيقيل أهل الجنة في الجنة ، وأهل النار في النار ، فذلك قوله : أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا .
وأخرج ابن جرير ، عن سعيد بن الصواف قال : بلغني أن يوم القيامة يقصر على المؤمن ، حتى يكون كما بين العصر إلى غروب الشمس ، وإنهم ليقيلون في رياض الجنة ، حين يفرغ الناس من الحساب ، وذلك قوله : أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا إلى أن قال : وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال : إني لأعرف الساعة التي يدخل فيها أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، الساعة التي يكون فيها ارتفاع الضحى الأكبر ، إذا انقلب الناس إلى أهليهم للقيلولة ، فينصرف أهل النار إلى النار ، وأما أهل الجنة فينطلق بهم إلى الجنة ، فكانت قيلولتهم في الجنة ، وأطعموا كبد الحوت فأشبعهم كلهم فذلك قوله . أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا .
وذكر نحوه القرطبي مرفوعا وقال : ذكره المهدوي . والظاهر أنه لا يصح مرفوعا ، وقال القرطبي أيضا : " وذكر قاسم بن أصبغ من حديث أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة [ 70 \ 4 ] فقلت ما أطول هذا اليوم . فقال - صلى الله عليه وسلم - : والذي نفسي بيده ، إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة المكتوبة " وهو ضعيف أيضا ، وما ذكره عن ابن مسعود من أنه قرأ ثم إن مقيلهم لإلى الجحيم معلوم أن ذلك شاذ لا تجوز القراءة به ، وأن القراءة الحق ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم [ 37 \ 68 ] .
واعلم أن قول قتادة في هذه الآية معروف مشهور ، وعليه فلا دليل في الآية لما ذكرنا ، وقول قتادة هو أن معنى قوله : وأحسن مقيلا أي منزلا ومأوى ، وهذا التفسير لا دليل فيه على القيلولة في نصف النهار كما ترى .
وقد بينا في كتابنا ( دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب ) وجه الجمع بين ما دل عليه قوله هنا وأحسن مقيلا من انقضاء الحساب في نصف نهار ، وبين ما دل عليه قوله تعالى : في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة وذكرنا الآيات المشيرة إلى الجمع ، وبعض الشواهد العربية .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|