عرض مشاركة واحدة
  #202  
قديم 17-11-2022, 05:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,275
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله


الموافقات
أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي
الجزء الخامس
الحلقة (202)
صـ316 إلى صـ 330



وللمجيز أن يقول : إن غلبة الظن معمول بها في الأحكام ، وإذا تعين بالقرائن قصده إلى الفعل أو الترك - ولا سيما في العبادات ، ومع التكرار أيضا ، [ ص: 316 ] وهو من أهل الاقتداء بقوله - فالاقتداء بفعله كذلك .

وقد قال مالك في إفراد يوم الجمعة بالصوم : إنه جائز ، واستدل على ذلك بأنه رأى بعض أهل العلم يصومه ، قال : وأراه كان يتحراه ، فقد استند [ ص: 317 ] إلى فعل بعض الناس عند ظنه أنه كان يتحراه ، وضم إليه أنه لم يسمع أحدا من أهل العلم والفقه ومن يقتدى به ينهى عن صيامه ، وجعل ذلك عمدة مسقطة لحكم الحديث الصحيح من نهيه - عليه الصلاة والسلام - عن إفراد يوم الجمعة بالصوم .

فقد يلوح من هنا أن مالكا يعتمد هذا العمل الذي يفهم من صاحبه القصد إليه إذا كان من أهل العلم والدين ، وغلب على الظن أنه لا يفعله جهلا ولا سهوا ولا غفلة ، فإن كونه من أهل العلم المقتدى بهم يقتضي عمله به ، وتحريه إياه دليل على عدم السهو والغفلة ، وعلى هذا يجري ما اعتمد عليه من أفعال السلف ، إذا تأملتها وجدتها قد انضمت إليها قرائن عينت قصد المقتدى به ، وجهة فعله ، فصح الاقتداء .

والقسم الثالث : هو ألا يتعين فعل المقتدى به لقصد دنيوي ولا أخروي ، ولا دلت قرينة على جهة ذلك الفعل ، فإن قلنا في القسم الثاني بعدم [ ص: 318 ] صحة الاقتداء ، فها هنا أولى ، وإن قلنا بالصحة فقد ينقدح فيه احتمال ، فإن قرائن التحري للفعل هنالك موجودة ، فهي دليل يتمسك به في الصحة .

وأما هاهنا ، فلما فقدت قوي احتمال الخطأ والغفلة وغيرهما ، هذا مع اقتران الاحتياط على الدين ، فالصواب والحالة هذه منع الاقتداء إلا بعد الاستبراء بالسؤال عن حكم النازلة المقلد فيها ، ويتمكن قول من قال : لا تنظر إلى عمل الفقيه ، ولكن سله يصدقك ، ونحوه .
[ ص: 319 ] المسألة السادسة

قد تقدم أن لطالب العلم في طلبه أحوالا ثلاثة :

أما الحال الأول ، فلا يسوغ الاقتداء بأفعال صاحبه كما لا يقتدى بأقواله ؛ لأنه لم يبلغ درجة الاجتهاد بعد ، فإذا كان اجتهاده غير معتبر ، فالاقتداء به كذلك ؛ لأن أعماله إن كانت باجتهاد منه فهي ساقطة ، وإن كانت بتقليد فالواجب الرجوع في الاقتداء إلى مقلده أو إلى مجتهد آخر ، ولأنه عرضة لدخول العوارض عليه من حيث لا يعلم بها ، فيصير عمله مخالفا ، فلا يوثق بأن عمله صحيح ، فلا يمكن الاعتماد عليه .

وأما الحال الثالث ، فلا إشكال في صحة استفتائه ، ويجري الاقتداء بأفعاله على ما تقدم في المسألة قبلها .

وأما الحال الثاني ، فهو موضع إشكال بالنسبة إلى استفتائه ، وبالنسبة إلى الاقتداء بأفعاله ، فاستفتاؤه جار على النظر المتقدم في صحة اجتهاده أو عدم صحته .

وأما الاقتداء بأفعاله ، فإن قلنا بعدم صحة اجتهاده ، فلا يصح الاقتداء كصاحب الحال الأول ، وإن قلنا بصحة اجتهاده جرى الاقتداء بأفعاله على ما تقدم من التفصيل والنظر .

هذا إذا لم يكن في أعماله صاحب حال ، فإن كان صاحب حال وهو [ ص: 320 ] ممن يستفتى ، فهل يصح الاقتداء به بناء على التفصيل المذكور أم لا ؟ وهل يصح استفتاؤه في كل شيء أم لا ؟

كل هذا مما ينظر فيه ، فأما الاقتداء بأفعاله حيث يصح الاقتداء بمن ليس بصاحب حال ، فإنه لا يليق إلا بمن هو ذو حال مثله ، وبيان ذلك أن أرباب الأحوال عاملون في أحوالهم على إسقاط الحظوظ ، بالغون غاية الجهد في أداء الحقوق ، إما لسائق الخوف ، أو لحادي الرجاء ، أو لحامل المحبة ، فحظوظهم العاجلة قد سقطت من أيديهم بأمر شاغل عن غير ما هم فيه ، فليس لهم عن الأعمال فترة ، ولا عن جد السير راحة ، فمن كان بهذا الوصف ، فكيف يقدر على الاقتداء به من هو طالب لحظوظه مشاح في استقصاء مباحاته ؟

وأيضا ، فإن الله تعالى سهل عليهم ما عسر على غيرهم ، وأيدهم بقوة منه على ما تحملوه من القيام بخدمته ، حتى صار الشاق على الناس غير شاق عليهم ، والثقيل على غيرهم خفيفا عليهم ، فكيف يقدر على الاقتداء بهم ضعيف المنة عن حمل تلك الأعباء ، أو مريض العزم في قطع مسافات النفس ، أو خامد الطلب لتلك المراتب العلية ، أو راض بالأوائل عن الغايات .

فكل هؤلاء لا طاقة لهم باتباع أرباب الأحوال ، وإن تطوقوا ذلك زمانا ، فعما قريب ينقطعون ، والمطلوب الدوام ، ولذلك قال النبي - عليه الصلاة والسلام - : خذوا من العمل ما تطيقون ، فإن الله لن يمل حتى تملوا .

[ ص: 321 ] وقال : أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل .

وأمر بالقصد في العمل وأنه مبلغ ، وقال : إن الله يحب الرفق في الأمر كله .

وكره العنف والتعمق والتكلف والتشديد ، خوفا من الانقطاع ، وقال : واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم [ الحجرات : 7 ] .

ورفع عنا الإصر الذي كان على الذين من قبلنا ، فإذا كان الاقتداء بأرباب الأحوال آيلا إلى مثل هذا الحال ، لم يلق أن ينتصبوا منصب الاقتداء ، وهم كذلك ، ولا أن يتخذهم غيرهم أئمة فيه ، اللهم إلا أن يكون صاحب حال مثلهم ، وغير مخوف عليه الانقطاع ، فإذ ذاك يسوغ الاقتداء بهم على ما ذكر من التفصيل ، وهذا المقام قد عرفه أهله ، وظهر لهم برهانه على أتم وجوهه .

وأما الاقتداء بأقواله إذا استفتي في المسائل ، فيحتمل تفصيلا ، وهو أنه لا يخلو إما أن يستفتى في شيء هو فيه صاحب حال أو لا ، فإن كان الأول جرى حكمه مجرى الاقتداء بأفعاله ، فإن نطقه في أحكام أحواله من جملة [ ص: 322 ] أعماله ، والغالب فيه أنه يفتي بما يقتضيه حاله ، لا بما يقتضيه حال السائل ، وإن كان الثاني ساغ ذلك ؛ لأنه إذ ذاك كأنما يتكلم من أصل العلم لا من رأس الحال ؛ إذ ليس مأخوذا فيه .
[ ص: 323 ] المسألة السابعة

يذكر فيها بعض الأوصاف التي تشهد للعامي بصحة اتباع من اتصف بها في فتواه .

قال مالك بن أنس : ربما وردت علي المسألة تمنعني من الطعام والشراب والنوم ، فقيل له : يا أبا عبد الله ، والله ما كلامك عند الناس إلا نقر في حجر ، ما تقول شيئا إلا تلقوه منك ، قال : فمن أحق أن يكون هكذا إلا من كان هكذا ؟ قال الراوي : فرأيت في النوم قائلا يقول : مالك معصوم .

وقال : إني لأفكر في مسألة منذ بضع عشرة سنة ، فما اتفق لي فيها رأي إلى الآن .

وقال : ربما وردت علي المسألة فأفكر فيها ليالي .

وكان إذا سئل عن المسألة قال للسائل : انصرف حتى أنظر فيها ، فينصرف ويردد فيها ، فقيل له في ذلك ، فبكى وقال : إني أخاف أن يكون لي من المسائل يوم وأي يوم .

وكان إذا جلس نكس رأسه ، وحرك شفتيه يذكر الله ، ولم يلتفت يمينا [ ص: 324 ] ولا شمالا ، فإذا سئل عن مسألة تغير لونه - وكان أحمر - فيصفر ، وينكس رأسه ، ويحرك شفتيه ثم يقول : ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله ، فربما سئل عن خمسين مسألة ، فلا يجيب منها في واحدة ، وكان يقول : من أحب أن يجيب عن مسألة فليعرض نفسه قبل أن يجيب على الجنة والنار ، وكيف يكون خلاصه في الآخرة ثم يجيب .

وقال بعضهم : لكأنما مالك والله إذا سئل عن مسألة واقف بين الجنة والنار .

وقال : ما شيء أشد علي من أن أسأل عن مسألة من الحلال والحرام ؛ لأن هذا هو القطع في حكم الله ، ولقد أدركت أهل العلم والفقه ببلدنا وإن أحدهم إذا سئل عن مسألة كأن الموت أشرف عليه ، ورأيت أهل زماننا هذا يشتهون الكلام فيه والفتيا ، ولو وقفوا على ما يصيرون إليه غدا لقللوا من هذا ، وإن عمر بن الخطاب وعليا وعامة خيار الصحابة كانت ترد عليهم المسائل وهم خير القرن الذي بعث فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وكانوا يجمعون أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ويسألون ، ثم حينئذ يفتون فيها ، وأهل زماننا هذا قد صار فخرهم الفتيا ، فبقدر ذلك يفتح لهم من العلم .

قال : ولم يكن من أمر الناس ولا من مضى من سلفنا الذين يقتدى بهم [ ص: 325 ] ومعول الإسلام عليهم أن يقولوا : هذا حلال ، وهذا حرام ، ولكن يقول : أنا أكره كذا ، وأرى كذا ، وأما حلال وحرام فهذا الافتراء على الله ، أما سمعت قول الله تعالى : قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق الآية [ يونس : 59 ] ؛ لأن الحلال ما حلله الله ورسوله ، والحرام ما حرماه .

قال موسى بن داود : ما رأيت أحدا من العلماء أكثر أن يقول : " لا أحسن " من مالك ، وربما سمعته يقول : ليس نبتلى بهذا الأمر ، ليس هذا ببلدنا ، وكان يقول للرجل يسأله : اذهب حتى أنظر في أمرك ، قال الراوي : فقلت : إن الفقه من باله وما رفعه الله إلا بالتقوى .

وسأل رجل مالكا عن مسألة ، وذكر أنه أرسل فيها من مسيرة ستة أشهر من المغرب ، فقال له : أخبر الذي أرسلك أنه لا علم لي بها ، قال : ومن يعلمها ؟ قال : من علمه الله ، وسأله رجل عن مسألة استودعه إياها أهل المغرب ، فقال : ما أدري ، ما ابتلينا بهذه المسألة ببلدنا ، ولا سمعنا أحدا من [ ص: 326 ] أشياخنا تكلم فيها ، ولكن تعود ، فلما كان من الغد جاء وقد حمل ثقله على بغله يقوده ، فقال : مسألتي ، فقال : ما أدري ما هي ، فقال الرجل : يا أبا عبد الله تركت خلفي من يقول : ليس على وجه الأرض أعلم منك ، فقال مالك غير مستوحش : إذا رجعت فأخبرهم أني لا أحسن .

وسأله آخر فلم يجبه ، فقال له : يا أبا عبد الله أجبني ، فقال ويحك ، تريد أن تجعلني حجة بينك وبين الله ؟ فأحتاج أنا أولا أن أنظر كيف خلاصي ثم أخلصك .

وسئل عن ثمان وأربعين مسألة ، فقال في اثنتين وثلاثين منها : لا أدري .

وسئل من العراق عن أربعين مسألة ، فما أجاب منها إلا في خمس .

وقد قال ابن عجلان : إذا أخطأ العالم لا أدري أصيبت مقاتله .

[ ص: 327 ] ويروى هذا الكلام عن ابن عباس ، وقال : سمعت ابن هرمز يقول : ينبغي أن يورث العالم جلساءه قول لا أدري ، وكان يقول في أكثر ما يسأل عنه : لا أدري ، قال عمر بن يزيد : فقلت لمالك في ذلك ، فقال : يرجع أهل الشام إلى شامهم ، وأهل العراق إلى عراقهم ، وأهل مصر إلى مصرهم ، ثم لعلي أرجع عما أرجع أفتيهم به ، قال : فأخبرت الليث بذلك ، فبكى وقال : مالك والله أقوى من الليث أو نحو هذا .

وسئل مرة عن نيف وعشرين مسألة ، فما أجاب منها إلا في واحدة .

[ ص: 328 ] وربما سئل عن مائة مسألة فيجيب منها في خمس أو عشر ، ويقول في الباقي : لا أدري .

قال أبو مصعب : قال لنا المغيرة : تعالوا نجمع [ ونستذكر ] كل ما بقي علينا مما نريد أن نسأل عنه مالكا ، فمكثنا نجمع ذلك ، وكتبناه في قنداق ، ووجه به المغيرة إليه ، وسأله الجواب ، فأجابه في بعضه ، وكتب في الكثير منه : لا أدري ، فقال المغيرة : يا قوم لا والله ما رفع الله هذا الرجل إلا بالتقوى ، من كان منكم يسأل عن هذا فيرضى أن يقول : لا أدري ؟ .

والروايات عنه في " لا أدري " و " لا أحسن " كثيرة حتى قيل : لو شاء رجل أن يملأ صحيفته من قول مالك " لا أدري " لفعل قبل أن يجيب في مسألة .

وقيل : إذا قلت أنت يا أبا عبد الله لا أدري ، فمن يدري ؟ قال : ويحك أعرفتني ، ومن أنا ، وإيش منزلتي حتى أدري ما لا تدرون ؟ ثم أخذ يحتج بحديث ابن عمر ، وقال : هذا ابن عمر يقول : لا أدري ، فمن أنا ؟ وإنما [ ص: 329 ] أهلك الناس العجب ، وطلب الرياسة ، وهذا يضمحل عن قليل .

وقال مرة أخرى : قد ابتلي عمر بن الخطاب بهذه الأشياء ، فلم يجب فيها ، وقال ابن الزبير : لا أدري ، وابن عمر : لا أدري .

وسئل مالك عن مسألة ، فقال : لا أدري ، فقال له السائل : إنها مسألة خفيفة سهلة ، وإنما أردت أن أعلم بها الأمير ، وكان السائل ذا قدر ، فغضب مالك وقال : مسألة خفيفة سهلة ليس في العلم شيء خفيف ، أما سمعت قول الله تعالى : إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا [ المزمل : 5 ] فالعلم كله ثقيل ، وبخاصة ما يسأل عنه يوم القيامة .

قال بعضهم : ما سمعت قط أكثر قولا من مالك : لا حول ولا قوة إلا بالله ، ولو نشاء أن ننصرف بألواحنا مملوءة بقوله : لا أدري : إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين [ الجاثية : 32 ] لفعلنا .

[ ص: 330 ] وقال له ابن القاسم : ليس بعد أهل المدينة أعلم بالبيوع من أهل مصر ، فقال مالك : ومن أين علموها ؟ قال : منك ، فقال مالك : ما أعلمها أنا ، فكيف يعلمونها .

وقال ابن وهب : قال مالك : سمعت من ابن شهاب أحاديث كثيرة ما حدثت بها قط ، ولا أحدث بها ، قال الفروي : فقلت له : لم ؟ قال : ليس عليها العمل .

وقال رجل لمالك : إن الثوري حدثنا عنك في كذا ، فقال : إني لأحدث في كذا وكذا حديثا ما أظهرتها بالمدينة .

وقيل له : عند ابن عيينة أحاديث ليست عندك ، فقال : أنا أحدث الناس بكل ما سمعت ؟ إني إذا أحمق ، وفي رواية : إني أريد أن أضلهم إذا ، ولقد خرجت مني أحاديث لوددت أني ضربت بكل حديث منها سوطا ولم أحدث بها ، وإن كنت أجزع الناس من السياط .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 29.34 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 28.71 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.14%)]