عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 16-11-2022, 06:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,935
الدولة : Egypt
افتراضي النجاة من الخسران المبين بالإيمان والعمل: في رحاب سورة العصر (3)

النجاة من الخسران المبين بالإيمان والعمل: في رحاب سورة العصر (3)
وضاح سيف الجبزي


الحمدُ لله ربِّ العَالَمِين، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحبُّ ربنا ويرضاه، وأشهد أن لا إله إلا الله، لا ربَّ غيره ولا معبودَ بحقٍّ سواه، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبده ورسوله، أفضل نبي وأشرفه وأزكاه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومَن اقتفى أثره، واتَّبَع هُداه.

صلَّتْ عليك ملائكُ الرَّحمنِ
وسرى الضياءُ بِسَائر الأكوانِ


اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه.
...................
صَلاةً تُبَارِي الرِّيحَ مِسْكًا وَمَنْدَلا
وَتُبْدِي عَلَى أَصْحابِهِ نَفَحَاتِها
بِغَيْرِ تَنَاهٍ زَرْنَبًا وَقَرَنْفُلَا


وبعد: أيها المسلمون، ومع الدرس الثالث من دروس سورة العصر.


عباد الله، لما ذَكَر الله أنَّ جِنْس الإنسان في خسرٍ وتباب، استثنى منه مَن اتَّصف بصفاتٍ أربعٍ، تُعَدُّ أصولَ النجاة والفوزِ من العذاب والخسران، وهذه الصفات هي التي وردت في قوله تعالى: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 3]، فأوَّلُ أصلٍ من هذه الأصول: هو الإيمان، فهو أصل الأصول، والأساس الذي تقوم عليه أعمِدةُ الدين، وبدونه لا ينتفع العبد من عمل ولا قول؛ إذ الأعمالُ قُيِّد الانتفاعُ بها بتحقُّق الإيمان، قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ﴾ [النساء: 124]، وقال: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]، وقال: ﴿ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ﴾ [الإسراء: 19]، وقال: ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا ﴾ [طه: 112]، وقال: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ ﴾ [الأنبياء: 94]، وقال: ﴿ مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [غافر: 40].

وقد ورد ذِكرُ جُلِّ هذه الأركان في كتاب الله في قوله سبحانه: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 177]، وقال جل جلاله: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء: 136]، كما جاء ذلك مبيَّنًا في حديث جبريل الطويل، وفيه: قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ، قَالَ: ((أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ))[1].

اعْلم أُخَيَّ أنَّ للإيمَانِ
سِتَّةَ أرْكَانٍ بِلا نُكْرَانِ



عباد الله، الإيمان بالله أفضلُ الأعمال؛ سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: ((إِيمَانٌ بِاللهِ))[2].

إذا الإيمانُ ضاعَ فلا أمانٌ
ولا دُنْيا لمن لم يُحْيِ دِينا


عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: ((رَجُلٌ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ بِمَالِهِ وَنَفْسِهِ))، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ((مُؤْمِنٌ فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ يَعْبُدُ اللهَ رَبَّهُ، وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ))[3].

وقال الله جلَّ ذِكْرُه: ﴿ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 19].

عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قُلْ لِي فِي الْإِسْلَامِ قَوْلًا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ، قال: ((قُلْ: آمَنْتُ بِاللهِ، فَاسْتَقِمْ))[4].

وفي روايةٍأَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مُرْنِي فِي الْإِسْلَامِ بِأَمْرٍ لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ، قَالَ: ((قُلْ: آمَنْتُ بِاللَّهِ، ثُمَّ اسْتَقِمْ))[5].

قال الله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [فصلت: 30].

ومما يبين أن النجاة من الخسران لا تكون إلا بتحقُّقِ الإيمان قولُه: ﴿ يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [الحديد: 12]، وقوله: ﴿ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [التحريم: 8].

عباد الله، إن الجنة لا تطلب إلا قلبًا مؤمنًا؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا))[6].

يقول شيخ الإسلام: الإنسان إذا كان مُقِيمًا على طاعة الله باطنًا وظاهرًا؛ كان في نعيم الإيمان والعلم، واردًا عليه من جهاته، وهو في جنة الدنيا[7].

وقال: إن في الدنيا جنةً من لم يدخلها لن يدخل جنة الآخرة[8].

قال مالك بن دينار: خرج أهل الدنيا من الدنيا ولم يذوقوا أطيب شيء فيها، قيل: وما هو؟ قال: معرفة الله تعالى[9].

وقال بعض العارفين: مساكين أهل الدنيا، خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها، قيل: وما أطيبُ ما فيها؟ قال: محبة الله، والأنس به، والشوق إلى لقائه، والتنعُّم بذكره وطاعته[10].

فَلَوْ شَاهَدَتْ عيناكَ مِن حُسنِنا الذي
رأوه لمَا ولَّيتَ عنَّا لغيرِنا
ولوْ سمِعَتْ أُذناك حُسنَ خطابِنا
خَلَعْتَ ثيابَ العُجبِ عنك وجئتَنا



قلت ما سمعتم، وأستغفر الله.

الخطبة الثانية
الحمد لله، نحمدُه على النعمِ الغامرة، حمدًا يُعيد قِفارَ القلوبِ عامرة، ونقرُّ له بالتوحيد على عقيدة ظاهرة، وأصلي وأسلم على عبده ورسوله محمدٍ صلاةً تجلب لنا صلاةً إلى صلاةٍ إلى عاشرة، وعلى آله أُولي المناقب الفاخرة، وصحبه ذوي الفضائل المتكاثرة.

عباد الله، وثاني أصلٍ من أصول النجاة من الخسران -بعد الإيمان-: العمل الصالح، فالعمل الصالح جزءٌ لا يتجزَّأ من الإيمان.
اعْلَمْ بِأَنَّ الدِّينَ قَوْلٌ وَعَمَلْ
فَاحْفَظْهُ وَافْهَمْ مَا عَلَيْهِ ذَا اشْتَمَلْ


والمراد بالعمل الصالح -كما ذكر الإمام الطبري عند قوله تعالى: ﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ [العصر: 3]؛ أي: أَدَّوا مَا لَزِمَهُمْ مِنْ فَرَائِضِهِ، وَاجْتَنبُوا مَا نَهَاهُمْ عَنْهُ مِنْ مَعَاصِيهِ[11].

ولأهمية العمل الصالح؛ فقد ذُكر في القرآن في مواطن كثيرة، وبعدة وجوه، مقرونًا بالإيمان، قال جل جلاله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 277]، وقال: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [هود: 23]، ولقبول العمل شروط:
شَرْطُ قَبُولِ السَّعْي أنْ يَجْتَمِعَا
فِيهِ إصَابَةٌ وإخْلاصٌ مَعَا
للهِ رَبِّ العَرْشِ لا سِوَاهُ
مُوَافِقَ الشَّرْعِ الَّذِي ارْتَضَاهُ


يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.18 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.55 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.40%)]