عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 13-11-2022, 11:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,332
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الخامس

سُورَةُ طَه
الحلقة (377)
صــ 267 إلى صــ 274




قوله تعالى : " سيجعل لهم الرحمن ودا " قال ابن عباس : نزلت في علي عليه السلام ، وقال : معناه : يحبهم ويحببهم إلى المؤمنين . قال قتادة : يجعل لهم ودا في قلوب المؤمنين . ومن هذا حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " إذا أحب الله عبدا قال : يا جبريل ; إني أحب فلانا فأحبوه ، فينادي جبريل في السماوات : إن الله يحب فلانا فأحبوه ، فيلقى حبه على أهل الأرض فيحب " ، وذكر في البغض مثل ذلك . وقال هرم بن حيان : ما أقبل عبد بقلبه إلى [ ص: 267 ] الله عز وجل ، إلا أقبل الله عز وجل بقلوب أهل الإيمان إليه ، حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم .

قوله تعالى : " فإنما يسرناه بلسانك " يعني : القرآن . قال ابن قتيبة : أي : سهلناه وأنزلناه بلغتك . واللد جمع ألد ، وهو الخصم الجدل .

قوله تعالى : " وكم أهلكنا قبلهم " هذا تخويف لكفار مكة ، " هل تحس منهم من أحد " قال الزجاج : أي : هل ترى ، يقال : هل أحسست صاحبك ; أي : هل رأيته ؟ والركز : الصوت الخفي ، وقال ابن قتيبة : الصوت الذي لا يفهم ، وقال أبو صالح : حركة ، [ والله تعالى أعلم ] .
[ ص: 268 ]

سُورَةُ طَه

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

طه مَا أَنْـزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى إِلا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى تَنْـزِيلا مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلا الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى .

وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا بِإِجْمَاعِهِمْ ، وَفِي سَبَبِ نُزُولِ ( طَه ) ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ :

أَحَدُهَا : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُرَاوِحُ بَيْنَ قَدَمَيَهِ ، يَقُومُ عَلَى رِجْلٍ ، حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ، قَالَهُ [ عَلِيٌّ ] عَلَيْهِ السَّلَامُ .

وَالثَّانِي : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ صَلَّى هُوَ وَأَصْحَابُهُ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ : مَا أَنْزَلَ اللَّهُ هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى مُحَمَّدٍ إِلَّا لِيَشْقَى ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ، قَالَهُ الضَّحَّاكُ . [ ص: 269 ]

وَالثَّالِثُ : أَنَّ أَبَا جَهْلٍ ، وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ ، وَالْمُطْعَمَ بْنَ عَدِيٍّ ، قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّكَ لَتَشْقَى بِتَرْكِ دِينِنَا ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ .

وَفِي " طه " قِرَاءَاتٌ . قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ : ( طَه ) بِفَتْحِ الطَّاءِ وَالْهَاءِ . وَقَرَأَ حَمْزَةُ ، وَالْكِسَائِيُّ ، وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَالْهَاءِ . وَقَرَأَ نَافِعٌ : ( طَه ) بَيْنَ الْفَتْحِ وَالْكَسْرِ ، وَهُوَ إِلَى الْفَتْحِ أَقْرَبُ ، كَذَلِكَ قَالَ خَلَفٌ عَنِ الْمُسَيِّبِيِّ . وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو بِفَتْحِ الطَّاءِ وَكَسْرِ الْهَاءِ ، وَرَوَى عَنْهُ عَبَّاسٌ مِثْلَ حَمْزَةَ . وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ ، وَأَبُو رَزِينٍ الْعُقَيْلِيُّ ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَفَتْحِ الْهَاءِ . وَقَرَأَ الْحَسَنُ : ( طَهْ ) بِفَتْحِ الطَّاءِ وَسُكُونِ الْهَاءِ . وَقَرَأَ الضَّحَّاكُ وَمُوَرِّقٌ : ( طِهْ ) بِكَسْرِ الطَّاءِ وَسُكُونِ الْهَاءِ .

وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ :

أَحَدُهَا : أَنَّ مَعْنَاهَا : يَا رَجُلُ ، رَوَاهُ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، وَمُجَاهِدٌ ، وَعَطَاءٌ ، وَعِكْرِمَةُ ، وَاخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ بِأَيِّ لُغَةٍ هِيَ ، عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ : أَحُدُهَا : بِالنَّبَطِيَّةِ ، رَوَاهُ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فِي رِوَايَةٍ ، وَالضَّحَّاكُ . وَالثَّانِي : بِلِسَانِ عَكٍّ ، رَوَاهُ أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَالثَّالِثُ : بِالسُّرْيَانِيَّةِ ، قَالَهُ عِكْرِمَةُ فِي رِوَايَةٍ ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فِي رِوَايَةٍ ، وَقَتَادَةُ . وَالرَّابِعُ : بِالْحَبَشِيَّةِ ، قَالَهُ عِكْرِمَةُ فِي رِوَايَةٍ . قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ : وَلُغَةُ قُرَيْشٍ وَافَقَتْ هَذِهِ اللُّغَةَ فِي الْمَعْنَى .

وَالثَّانِي : أَنَّهَا حُرُوفٌ مِنْ أَسْمَاءٍ . ثُمَّ فِيهَا قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى ، ثُمَّ فِيهَا قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الطَّاءَ مِنَ اللَّطِيفِ ، وَالْهَاءَ مِنَ الْهَادِي ، قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو الْعَالِيَةِ . وَالثَّانِي : أَنَّ الطَّاءَ افْتِتَاحُ اسْمِهِ ( طَاهِرٍ ) وَ( طَيِّبٍ ) ، [ ص: 270 ] وَالْهَاءَ افْتِتَاحُ اسْمِهِ ( هَادِي ) ، قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّهَا مِنْ غَيْرِ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى ، ثُمَّ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ : أَحُدُهَا : أَنَّ الطَّاءَ مِنْ طَابَةَ ، وَهِيَ مَدِينَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالْهَاءُ مِنْ مَكَّةَ ، حَكَاهُ أَبُو سُلَيْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ . وَالثَّانِي : أَنَّ الطَّاءَ طَرَبُ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَالْهَاءَ هَوَانُ أَهْلِ النَّارِ . وَالثَّالِثُ : أَنَّ الطَّاءَ فِي حِسَابِ الْجُمَلِ تِسْعَةٌ وَالْهَاءَ خَمْسَةٌ ، فَتَكُونُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ . فَالْمَعْنَى : يَا أَيُّهَا الْبَدْرُ مَا أَنْزَلَنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ، حَكَى الْقَوْلَيْنِ الثَّعْلَبِيُّ .

وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ قَسَمٌ أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ ، وَهُوَ مِنْ أَسْمَائِهِ ، رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَقَدْ شَرَحْنَا مَعْنَى كَوْنِهِ اسْمًا فِي فَاتِحَةِ ( مَرْيَمَ ) . وَقَالَ الْقُرَظِيُّ : أَقْسَمَ اللَّهُ بِطَوْلِهِ وَهِدَايَتِهِ ، وَهَذَا الْقَوْلُ قَرِيبُ الْمَعْنَى مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ .

وَالرَّابِعُ : أَنَّ مَعْنَاهُ : طَإِ الْأَرْضَ بِقَدَمَيْكَ ، قَالَهُ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ . وَمَعْنَى قَوْلِهِ : " لِتَشْقَى " : لِتَتْعَبَ وَتَبْلُغَ مِنَ الْجُهْدِ مَا قَدْ بَلَغَتَ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ اجْتَهَدَ فِي الْعِبَادَةِ وَبَالَغَ ، حَتَّى إِنَّهُ كَانَ يُرَاوِحُ بَيْنَ قَدَمَيْهِ لِطُولِ الْقِيَامِ ، فَأُمِرَ بِالتَّخْفِيفِ .

قَوْلُهُ تَعَالَى : " إِلا تَذْكِرَةً " قَالَ الْأَخْفَشُ : هُوَ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ : " لِتَشْقَى " ، مَا أَنْزَلْنَاهُ إِلَّا تَذْكِرَةً ; أَيْ : عِظَةً .

قَوْلُهُ تَعَالَى : " تَنْزِيلا " قَالَ الزَّجَّاجُ : الْمَعْنَى : أَنْزَلْنَاهُ تَنْزِيلًا ، و " الْعُلا " جَمْعُ الْعُلْيَا ، تَقُولُ : سَمَاءٌ عُلْيَا وَسَمَاوَاتٌ عُلَى ، مِثْلَ : الْكُبْرَى وَالْكُبَرِ ، فَأَمَّا " الثَّرَى " فَهُوَ التُّرَابُ النَّدِيُّ ، وَالْمُفَسِّرُونَ يَقُولُونَ : أَرَادَ : الثَّرَى الَّذِي تَحْتَ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ .

قَوْلُهُ تَعَالَى : " وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ " ; أَيْ : تَرْفَعْ صَوْتَكَ ، " فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ " وَالْمَعْنَى : لَا تُجْهِدْ نَفْسَكَ بِرَفْعِ الصَّوْتِ ، فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ السِّرَّ . [ ص: 271 ]

وَفِي الْمُرَادِ بِـ " السِّرَّ وَأَخْفَى " خَمْسَةُ أَقْوَالٍ :

أَحَدُهَا : أَنَّ السِّرَّ : مَا أَسَرَّهُ الْإِنْسَانُ فِي نَفْسِهِ ، وَأَخْفَى : مَا لَمْ يَكُنْ بَعْدُ وَسَيَكُونُ ، رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَبِهِ قَالَ الضَّحَّاكُ .

وَالثَّانِي : أَنَّ السِّرَّ : مَا حَدَّثَتْ بِهِ نَفْسَكَ ، وَأَخْفَى : مَا لَمْ تَلْفِظْ بِهِ ، قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ .

وَالثَّالِثُ : أَنَّ السِّرَّ : الْعَمَلُ الَّذِي يُسِرُّهُ الْإِنْسَانُ مِنَ النَّاسِ ، وَأَخْفَى مِنْهُ : الْوَسْوَسَةُ ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ .

وَالرَّابِعُ : أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ : يَعْلَمُ إِسْرَارَ عِبَادِهِ ، وَقَدْ أَخْفَى سِرَّهُ عَنْهُمْ فَلَا يُعْلَمُ ، قَالَهُ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَابْنُهُ .

وَالْخَامِسُ : يَعْلَمُ مَا أَسَرَّهُ الْإِنْسَانُ إِلَى غَيْرِهِ ، وَمَا أَخَفَاهُ فِي نَفْسِهِ ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ .

قَوْلُهُ تَعَالَى : " لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى " قَدْ شَرَحْنَاهُ فِي ( الْأَعْرَافِ : 180 ) .
وهل أتاك حديث موسى إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى فلما أتاها نودي يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى .

قوله تعالى : " وهل أتاك حديث موسى " هذا استفهام تقرير ، ومعناه : قد أتاك . قال ابن الأنباري : وهذا معروف عند اللغويين أن تأتي " هل " [ ص: 272 ] معبرة عن ( قد ) ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو أفصح العرب : " اللهم هل بلغت " ، يريد : قد بلغت .

قال وهب بن منبه : استأذن موسى شعيبا عليهما السلام في الرجوع إلى والدته ، فأذن له ، فخرج بأهله ، فولد له في الطريق في ليلة شاتية ، فقدح فلم يور الزناد ، فبينا هو في مزاولة ذلك أبصر نارا من بعيد عن يسار الطريق ، وقد ذكرنا هذا الحديث بطوله في كتاب " الحدائق " ، فكرهنا إطالة التفسير بالقصص ; لأن غرضنا الاقتصار على التفسير ليسهل حفظه . قال المفسرون : رأى نورا ، ولكن أخبر بما كان في ظن موسى . " فقال لأهله " يعني : امرأته ، " امكثوا " ; أي : أقيموا مكانكم . وقرأ حمزة : ( لأهله امكثوا ) بضم الهاء هاهنا وفي ( القصص : 29 ) . " إني آنست نارا " قال الفراء : إني وجدت ، يقال : هل آنست أحدا ; أي : وجدت ؟ وقال ابن قتيبة : " آنست " بمعنى : أبصرت . فأما القبس ، فقال الزجاج : هو ما أخذته من النار في رأس عود ، أو في رأس فتيلة .

قوله تعالى : " أو أجد على النار هدى " قال الفراء : أراد : هاديا ، فذكره بلفظ المصدر . قال ابن الأنباري : يجوز أن تكون " على " هاهنا بمعنى ( عند ) ، [ ص: 273 ] وبمعنى ( مع ) ، وبمعنى الباء . وذكر أهل التفسير أنه كان قد ضل الطريق ، فعلم أن النار لا تخلو من موقد . وحكى الزجاج : أنه ضل عن الماء ، فرجا أن يجد من يهديه الطريق أو يدله على الماء .

قوله تعالى : " فلما أتاها " يعني : النار ، " نودي يا موسى إني أنا ربك " إنما كرر الكناية ; لتوكيد الدلالة ، وتحقيق المعرفة ، وإزالة الشبهة ، ومثله : إني أنا النذير المبين [ الحجر : 89 ] . قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وأبو جعفر : ( أني ) بفتح الألف والياء . وقرأ نافع ، وعاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي : ( إني ) بكسر الألف ، إلا أن نافعا فتح الياء . قال الزجاج : من قرأ : ( أني أنا ) بالفتح ، فالمعنى : نودي [ بأني أنا ربك ، ومن قرأ بالكسر ، فالمعنى : نودي ] يا موسى ، فقال الله : إني أنا ربك .

قوله تعالى : " فاخلع نعليك " في سبب أمره بخلعهما قولان :

أحدهما : أنهما كانا من جلد حمار ميت ، رواه ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبه قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، وعكرمة .

والثاني : أنهما كانا من جلد بقرة ذكيت ، ولكنه أمر بخلعهما ليباشر تراب الأرض المقدسة ، فتناله بركتها ، قاله الحسن ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وقتادة .

قوله تعالى : " إنك بالواد المقدس " فيه قولان قد ذكرناهما في ( المائدة : 21 ) عند قوله : الأرض المقدسة . [ ص: 274 ]

قوله تعالى : " طوى " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو : ( طوى وأنا ) غير مجراة . وقرأ عاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي : ( طوى ) مجراة ، وكلهم ضم الطاء . وقرأ الحسن وأبو حيوة : ( طوى ) بكسر الطاء مع التنوين . وقرأ علي بن نصر عن أبي عمرو : ( طوى ) بكسر الطاء من غير تنوين . قال الزجاج في " طوى " أربعة أوجه : ( طوى ) بضم أوله من غير تنوين وبتنوين ; فمن نونه فهو اسم للوادي ، وهو مذكر ، سمي بمذكر على فعل ، نحو : حطم وصرد ، ومن لم ينونه ترك صرفه من جهتين :

إحداهما : أن يكون معدولا عن طاو ، فيصير مثل ( عمر ) المعدول عن عامر ، فلا ينصرف كما لا ينصرف ( عمر ) .

والجهة الثانية : أن يكون اسما للبقعة ، كقوله : في البقعة المباركة [ القصص : 30 ] ، وإذا كسر ونون فهو مثل معى ، والمعنى : المقدس مرة بعد مرة ، كما قال عدي بن زيد :


أعاذل إن اللوم في غير كنهه علي طوى من غيك المتردد


أي : اللوم المكرر علي ، ومن لم ينون جعله اسما للبقعة .

[ وللمفسرين في معنى " طوى " ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه اسم الوادي ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 45.06 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 44.43 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.39%)]