عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 05-11-2022, 06:02 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,970
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الليل في التراث

الليل في التراث
د. أحمد إسماعيل عبدالكريم





الليل في الشعر:
حظِي الليل في التراث الشعري بنصيب وافر، وقد أخذ في خيال الشعراء صورًا متنوعة، واستُخدِم رمزًا للدلالة على ما رسمتْه مُخيلة الشعراء؛ حيث يُطوعون بملكتهم الشعرية اللغة، فيصورون الليل بما يحلو لخيالاتهم وعقولهم، فمنهم من صور الليل بؤرة الهموم ومفتاحًا للمعاناة، ومنهم من جعل الليل عنوان الشباب ورمزًا للفتوة والحيوية والنشاط، ومنهم من رآه خزينة الأسرار وملتقى الأحباب والعشاق.


الليل مبعث الهموم:
كُتب على الإنسان أن يعيش في كبد ومعاناة، وأن يشقى في النعيم بعقله، فتزداد همومُه، وحين يركَن إلى الراحة في الليل بعد رحلة معاناة الجسد في الكد والتعب، يترك لخياله الجموح في عالم لا حدود له في الكون، فيعيد شريطًا من الذكريات التي مرت به في يومه وماضيه، والتفكر فيما يَجلُبه له حاضره ومستقبله، وما يمكن أن يفعله في غده، ومِن ثم تزداد الآلام، وتَجثُم على صدره الهموم، وقد صور امرؤ القيس تلك الهموم التي سدلت على صدره[22]:
وليلٍ كموج البحر أرخى سدولَه
عليَّ بألوان الهمومِ ليَبتلي

فقلت له لَمَّا تمطَّى بصُلبه
وأردَف أعجازًا وناءَ بكَلكلِ

ألا أيها الليلُ الطويلُ ألا انْجَلِ
بصُبحٍ وما الإصباحُ منك بأمثلِ



وقد صوَّرت هذه الأبيات مدى المرارة التي يُحس بها الشاعر ومعاناته العميقة، أثناء ليل من الهموم لا ينتهي، وكأنه أرخى أستاره الملبدة بالغيوم المليئة بالهموم التي تَحجُب عن الشاعر فجرَ الخلاص.


وجعل النابغة ما ينشأ من الهم بالليل كالنعم العازبة، تريحها الرعاة مع الليل إلى أماكنها، وفيه يمر الزمن ببطء وقد تطاوَلت ساعاته وامتدَّت، حتى خُيِّل للشاعر بأنه لن ينقضي، وقد طغت فيه الهموم على خيالات الشاعر، حتى حرَمت عيناه طعمَ النوم، فلم يَذُق الراحة من طول السهر والتأمل في النجوم[23]:
كِليني لهمٍّ يا أُميمة ناصبِ
وليلٍ أُقاسيه بطيءِ الكواكبِ

تطاوَل حتى قلتُ ليس بمنقضٍ
وليس الذي يَرعى النجوم بآيبِ

وصدرٍ أراحَ الليلُ عازبَ همِّه
تضاعَف فيه الحزنُ من كلِّ جانبِ



وجعل ابن الدُّمينة الهمَّ مرادفًا لليل، فالهمُّ والليل صنوان، قال[24]:
أظلُّ نهاري فيكم متعللًا ♦♦♦ ويَجمعني والهمُّ بالليل جامعُ


وقال إسحاق الموصلي في معنى النابغة[25]:
إنَّ في الصبحِ راحةً لِمُحبٍّ ♦♦♦ ومع الليلِ ناشئاتُ الهمومِ


وكأني أرى الشاعر قد ضمن بيته معنى قول الله تعالى: ﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا ﴾ [المزمل: 6]، وقال طاهر بن علي بن سليمان[26]:
إذا لاح لي صبحٌ فهَمِّي مُقسَّمٌ ♦♦♦ وفي الليل هَمِّي بالتفرُّد أطْولُ


وقال ابن شرف القيرواني في طول ليل ذوي الهموم والأشجان، حتى كأنه لا يبزغ منه فجرٌ، ولا يطلُع له صبحٌ[27]:
مطَل الليلُ بوعد الفلق
وتشكَّى النجمُ طولَ الأرَق

وألاحَ الفجر خدًّا خجلًا
جال مِن رشحِ الندى في عرَق

جاوَز الليل إلى أنْجُمِه
فتساقطنَ سقوطَ الورَق

واستفاضَ الصبحُ فيها فيضةً
أيقنَ النجمُ لها بالغرَق



يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 07-11-2022 الساعة 04:38 AM.
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.78 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.12 كيلو بايت... تم توفير 0.66 كيلو بايت...بمعدل (3.17%)]