عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 31-10-2022, 09:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,033
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قصيدة عروة بن الورد "أقلي علي اللوم يا بنة منذر" قراءة في المعاني والأساليب

قصيدة عروة بن الورد "أقلي علي اللوم يا بنة منذر" قراءة في المعاني والأساليب
د. شاذلي عبد الغني إسماعيل




الشرح:
الشاعر هنا يستخدم وسيلةً أخرى لإقناع امرأته، عبر تصوير مشاهدَ لصعلوك فقيرٍ قرَّر أن يعيش عالةً على غيره، وكأنه يقول لها: هل ترضين لزوجِك أن يكون مثل هذا؟
يبدأ الشاعرُ في الحديث عن ذلك الصعلوك بسبِّه ولعنه، ليُعلِن أننا أمام إنسانٍ ذي صفات مذمومة محتقرة، فهو إذا دخل عليه الليلُ تراه في فمه العظام فهو مصافيها العاشق لها، وقد اعتاد وألِف الأماكنَ التي تذبح فيها الإبل والأغنام، في انتظار ما يجود به الآخرون من لحمها وعظامها، والغنى عنده أن يعطيه صديقه الغني ما يُشبِع به بطنه، وهو لا يشعر بفقراء قومه، فهو قلما يطلب المال إلا لنفسه، وفي الضحى تراه راقدًا كالخَيمة المنهارة، أما في عشاء، فهو ينام ليُصبِح وقد شبِع نومًا كما شبع أكلًا، وتراه يفرك الحصى الذي التصق بثيابه المتعفِّرة من نومه الطويل على الأرض، وإذا رأيته يعين أحدًا فإنه يعين نساء الحي إذا طلبن منه العون؛ حيث الرجال في مهامِّهم في الصباح، أو حين ينام الصعاليك الذي يعودون بعد الغزو، فيأتي الضحى وقد أعيا وضعف وصار كالبعير المتعب.

الأساليب:
1- استخدم الشاعر الجملةَ الدُّعائية في بداية حديثه عن الصعلوك؛ ليبيِّن لامرأته مدى احتقاره ورفضه لمن ينأى بنفسه عن معالي الأمور ويرضى أن يعيش عالةً على غيره.

2- التصويرُ الواقعيُّ واختيار المشاهد بعنايةٍ سمةٌ واضحة في تلك الأبيات، فالشاعرُ لم يلجأ إلى الوصف التقريري لذلك الرجل ووَسمه بالأنانية والكسل والطمع وذلة النفس وهوانها؛ وإنما أتى بالمشاهد التي تُجسِّد هذه الصفات، من خلال عرض ما يفعله في يومٍ كامل مع بداية الليل وفي العشاء وفي الصباح وفي الضحى.

3- لاختيار الكلمات دلالاتُه الموحية؛ مثل: مصافي وآلف، اللتين تشعران بالمحبة والاعتياد والراحة النفسية، كما أن الإتيان بهما أسماءً مما يُفِيد ثبات وديمومة هذه الأوصاف له، وكذلك قوله: "قليل التماس المال".

4- التشبيهان في البيت لم يأتيا ليصوِّرا فقط التشابه الحسي، وإنما يوحيان بالصفات المعنوية التي يشترك فيها المشبه مع المشبه به، فهو كالعرش المجور، الخيمة الساقطة التي لا يستظل بها أحد ولا تنفع أحدًا، كذلك هو لا ينتفع به أحد من قومه، وهو كالبعير المحسر، فقيمته لا تتجاوز قيمة البعير التعب.

5- يستخدم الشاعرُ الفعلَ المضارع في وصف أفعال هذا الصعلوك: "يعد، ينام، يصبح، يحت، يعين"؛ مما يدلُّ على تَكرار هذه الأفعال، وتجدُّد حدوثها.
ولكنَّ صُعلُوكًا صفيحَةُ وجهِهِ
كضوءِ شهابِ القابِسِ المُتَنوِّرِ

مُطلًّا عَلى أَعْدَائِهِ يَزجُرُونَهُ
بساحتِهِمْ زجرَ المنيحِ المُشَهَّرِ

وإنْ بَعُدُوا لَا يَأمَنُونَ اقترابَهُ
تَشَوُّف أهلِ الْغَائِبِ المتنظَّرِ

فذلكَ إنْ يَلقَ المنيةَ يَلقَها
حَميدًا وإنْ يسْتَغْنِ يَوْمًا فأَجْدِرِ


معاني الكلمات:
صفيحة وجهه: بشرة جلده.
شهابِ: الشعلة من النار.
القابِسِ: الذي يحمل شعلةً مِن النار، أو الذي يُوقِدها ويشعلها، أو الذي يطلبها.
المُتَنوِّرِ: المستضيء بالنار.
المنيحِ: سهمٌ من سهام المَيْسِر، لم يكن له نصيب، ولكن كانوا يكثرون به الأقداح، فإذا خرج صاحوا: رد رد ليس هو لأحد، فهم يزجرون ذلك الصعلوك كما يزجر ذلك السهم إذا خرج.

المُشَهَّر: الشهير.
تَشَوُّف: التطلع والاشتياق.
المتنظر: الذي اقترب رجوعه إلى أهله، فهم ينتظرونه ويتطلَّعون لموضع قدومه.
أجدر: كان أحق بالغنى وأحرى.

الشرح:
يقابل الشاعرُ الصورةَ الأولى للصعلوك الذي يعيش عالةً على غيره، بصورةِ الضد أو الصعلوك الذي يجازفُ بحياته من أجلِ عشيرته، ولا شك أن التقابلَ بين الصورتين يُكثِّفُ مِن دلالات ما في كل صورة منهما؛ فالضد يُظهِرُ حسنَه أو قبحَه الضدُّ، هذا الصعلوك مشرقُ الوجه كنور القطعة من النار لمن يستضيء بها، وفي الوقت الذي يكون فيه الصعلوك الأول نائمًا أو طاعمًا أو مستطعمًا، يكون هذا الشجاعُ مشرفًا على أعدائه، يصيحون في وجهه كما يصيح أهل الميسر على ذلك السهم الذي ليس له نصيب إذا خرج ويرددون: رد رد ليس هو لأحد، حتى إذا ابتعدوا عنه فإنهم يعرفون قوةَ عزمه؛ لذلك لا يأمنونه، ويترقبون خروجه عليهم في أي وقت، ويتطلعون كما يتطلع أهل الغائب الذي حان رجوعه، فذلك الصعلوك إن مات فيكفيه أنه خلد ذكره بين قومه الذين يحمدونه، وإن أصبح غنيًّا فهو حقيقٌ بالغنى؛ لأنه لن يبخل على أهله.

الأساليب:
1- يعتمدُ الشاعر هنا على التشبيهِ في توضيح المشاهد التي قد لا يستوعِبُها السامع؛ لأنه لم يرَها، فيشبهها بصورٍ مكرَّرة في الحياة العادية، فزجرُ الأعداء له يُشبِه زجرَ أصحاب الميسر لذلك القدح، ومنظرُهم وهم يتطلَّعون للناحية التي يخشَون قدومَه منها مثلُ منظرِ تشوُّف أهل الغائب الذي حان رجوعه، وهو في التشبيه الثاني يعتمدُ على الشكل الحسيِّ، وإن كان الفارق النفسيُّ بين الحالين مختلفًا تمامًا، الأمر الذي يضعف التشبيه.

2- تشبيهُ الشاعر لوجه ذلك الصعلوك بضوء شهاب الرجلِ المستضيء بالنار، لا يعتمد وجه الشبه فيه على البهاء والضياء فقط؛ وإنما نستطيع أن نلمح من خلاله ذلك التشابهَ المعنويَّ؛ فأصحاب هذا الرجل يستضيئون برأيه وبأفعاله وبخطواته التي تسبقهم وتكشف لهم الطريق في الغزوات كما يفعل المستضيء بالقبس.

3- الإتيان بالاسم (مطلًّا) يدل على الإصرار والثبات، فهو لا يطل ويعود، لكنه ثابت على إطلاله عليهم، يأتي بالمكان "بساحتهم"؛ ليرينا أنه رغم كونِه في مكانهم لكنهم لم يجرُؤُوا على مواجهته، وغاية ما فعلوا أنهم يزجرونه عنهم بألسنتهم، بل قد يبتعدون عن ساحتهم خوفًا منه.

3- الغرضُ الأساسي للنصِّ هو مناقشة امرأته في خوفها عليه من الموت، ومن ثَم جاء هنا بالصورة الخاتمة لحديثه عن ذلك الصعلوك بتخيُّله في حالة موته وفي حالة بقائه، ليُكرِّر فكرة الخلود بعد الموت من خلال بقاء الذِّكر والثناء الحسن، وهو في حياته حقيقٌ بالغنى الذي تعب من أجله، والذي لم يبخَلْ به على قومه.
أَتَهْلِكُ مُعتَمٌّ وزيدٌ ولمْ أقُمْ
عَلَى نَدَبٍ يَوْمًا ولي نفس مخطرِ

سيُفزِعُ بعدَ اليَأْسِ مَن لَا يخافُنا
كواسِعُ فِي أُخْرَى السوام المنفَّرِ

نُطاعِنُ عَنْها أوَّلَ القومِ بالقَنَا
وبيضٍ خِفافٍ وقعُهنَّ مشهرِ

وَيَوْمًا على غاراتِ نجدٍ وَأَهلِهِ
ويَومًا بأرضٍ ذاتِ شثٍّ وعَرْعَرِ

يُنَاقِلنَ بالشُّمطِ الكِرَام أولي النُّهى
نقاب الحجازِ فِي السريحِ الميسَّرِ

يُريحُ علَيَّ الَّليلُ أضيافَ ماجِدٍ
كريِمٍ ومَالي سارحًا مَالُ مُقْترٍ


معاني الكلمات:
معتم وزيد: بطنانِ من عبس، وهما جدَّاه.
نَدَبٍ: خطر.
مخطر: من يخاطر بنفسه.
كواسع: تسير وراء الإبل تطردها.
السوام: جمع سائمة، السَّائمَةُ: كلُّ إبل أَو ماشيةٍ ترسلُ للرَّعي ولا تُعْلَف.
المنفر: المذعور.
القَنَا: جمع قناة، وهي الرمح الأجوف.
وبيضٍ خِفافٍ: سيوف.
النجد من الأرض: قفافها وصلابتها، وما غلظ منها وأشرف وارتفع واستوى.
شثٍّ وعَرْعَرِ: الشث والعرعر: نوعانِ من أشجار الجبال.

يُنَاقِلنَ: المناقلة: حسن نقل القوائم في سرعة السير، أو المناقلة اتِّقاء النقل وهي حجارةٌ صغيرة في الطرق في هذا المكان "نقاب الحجاز".
النقاب: الطرق في الجبال والأشراف.
الشُّمطِ: جمع أشمط، وهو الذي خالط سواد شعره بياض.
النُّهى: العقول.
السريح: السَّريح شِبْهُ النَّعْل تُلْبَسُه أَخْفافُ الإِبل والخيل.
المسير: الذي جعل سيرًا وهو قطعة مستطيلة من الجلد تُشدُّ بها النعال.
يُريحُ علَيَّ الَّليلُ: يرد.
سارحًا: سرَحتِ الماشيةُ: رعَت حيث شاءت.
المقتر: المُقِل.

الشرح:
يُؤكِّد عروةُ أنه لن يسمح بأن يَهلِكَ هذان الحيَّان من عبس من الجوع والحاجة، بينما يعيش مطمئنًّا ولا يقف على حافَّةِ الخطر من أجلهم، وهو صاحب النفس الجريئة المخاطرة، بل سيستمرُّ في الغزو، وستفزع خيولهم أولئك الذين أمِنوا مِن غزوهم لقوتهم أو لتحصنهم أو لبُعْدهم، وستجر إبلهم أمامها، وسيُطاعنون عنها بالقنا وبسيوفهم البِيض الخفاف المعروفة بلونها.
وفي رواية "وقعُهنُّ مُشهَّر"، ويكون في البيت إقواءٌ؛ لأن مشهر ستكون هنا مرفوعة؛ لأنها خبر، ورويت الأبيات بالكسرة.

وسيغزو كلَّ الأماكن التي يصعب الوصول إليها لارتفاعها، لن يترك نجدًا أو جبلًا، ثم يعطينا صورة لتلك الخيل وهي تحمل الفرسان الكبار الذين ابيضَّ شعرُهم، وتتقي تلك الحجارة الصغيرة المنتشرة في جبال الحجاز، وهي في النعال التي تحميها.
ثم يختم أبياتَه بالحديث عن نفسه؛ ليعيد ويؤكد أن همَّه من الغزو ليس جمعَ المال لنفسه؛ وإنما لإسعاد فقراء قومه، فما يأتيه من إبل في الغزو يأتي الضيفان ليلًا، فتكون طعامًا لهم، فإذا جاء الصباح وعادت لمرعاها لا يبقى منها إلا القليل.

الأساليب:
1- هنا خاتمةُ النص وفصلُ الخطاب الذي يُؤكِّد فيه أنه لا تراجع، وأنه سيستمرُّ في الغزو من أجل فقراء قبيلتِه، ومِن ثَم يبدأ بالتوجُّه إليها بالسؤال الاستنكاري الذي لا يمكن الموافقة على حدوثه؛ ليلزمها الصمت، فهو لا يمكنه أن يترك قومه يَهلِكُون ولا يخاطر من أجلهم، وله نَفْس مخطر لا تخشى العواقب.

2- استخدام حرف الجر على في قوله: (على ندب؛ أي على خطر) يُشعِرنا أنه يستعلي على ذلك الخطر، فهو لا يخشاه، أو كأن الخطر هنا هو الدابَّة التي يستعلي عليها للدفاع عن قومه؛ كذلك قوله: "على غارات نجد".

3 - تقديم الظرف والمفعول على الفاعلِ في قوله: (سيفزع بعد اليأس مَن لا يخافنا)؛ لبيان الحالة التي عليها الطرفان؛ فالصعاليك وصلوا لحالة اليأس من الوصول إلى هؤلاء القوم الذين يتمتعون بقوة ومنعة نزعت عنهم الخوف؛ مما يصوِّر مدى الصعوبة التي سيواجهها الصعاليك في غزوهم، ثم تأتي المفاجأة لنرى بعد ذلك خيولَ الصعاليك تسوق إبل القومِ وتطردها أمامها، وكأن التشويق لمعرفة الفاعل كان سببًا أيضًا لهذا التأخير.

4 - عروة يُعطِينا مشاهد حيَّة ومتعددةً للغزوات التي يقودها، فهو يُطاعن عن خيله وكأنه يحميها بالرماح وبالسيوف، وغزواته متعدِّدة في أماكن مختلفة، والخيل من صعوبة الأماكن التي تسير فيها تحاولُ أن تتَّقِي تلك الحجارة، فهي صور تستحق الفخر.

5 - في الصورةِ الأخيرة التي يُظهِر فيها عروةُ كرمَه يلجأ إلى المقابلة بين الليل؛ حيث الضيوف الذين يلجؤون إليه ليلًا فيَنْحَر لهم من إبله الكثيرة، وبين النهار؛ حيث يقلُّ عدد الإبل في مراعيها بعد أن نحر منها ما نحر لضيوفه.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.29 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.67 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.39%)]