عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 31-10-2022, 04:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,301
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التشاكل والتناص في نماذج من شعر أبي العباس الجراوي

ومشابه الآساد في الأشبالِ

وعلو همَات وحلم راجع
لا تدَعيه شوامخ الأجبالِ

لو كان منتسبا إليه البدر لم
يترك لكيوان المكان العالي[2]

من خلال هذا النموذج الشعري "لأبي العباس الجراوي" نستحضر عدة تشاكلات تكون لنا هذه القصيدة. ومن بينها:
1- التشاكل الصوتي:
لا يمكن في هذا التشاكل أن نغفل ما للأصوات من قيمة تعبيرية تأتيها من مظهرها الفيزيائي أو الأكوستيكي السمعي، ومن التداعيات المشابهة، وقد كان لهذه الظاهرة حيزا جلياً في قصيدة "أبي العباس الجراوي". فمن قبيل التمثيل نأخذ البيتين الأولين:
سر في ظلال السعد والإقبال
معطى المراد مبلَغ الآمال

مستصحبا لسلامة وكرامة
موصولة في الحل والترحال


فنجد فيهما تكرار لبعض الأصوات أو الحروف في البيتين نحو:
تكرار حرف اللام في الكلمات: (ظلال، الإقبال، مبلغ، الآمال، لسلامة، موصولة، الحل، الترحال).
وتكرار حرف السين في الكلمات: (سر، السعد، مستصحبا، لسلامة).
فإذا تدبرتا إيحاءات هذا التشاكل الصوتي نجده يولد انسيابية مزدوجة على مستوى المبنى الصوتي والمعنى، هذه الانسيابية المزدوجة هي التي زاوجت الصوت بالمعنى والمعنى بالحرف، فهذا التشاكل الصوتي يسهل على القارئ المتلقي للقصيدة فهم محتوياتها، ويقرب المعاني للأذهان.

2- التشاكل في التعبير
إن مضمون القصيدة هو المركز الذي تدور حوله التراكمات الصوتية من تكرار للحروف، والكلمات، والصيغ النحوية، والتفعلة والنبر، ولذا نجد تشاكل المعنى أساسا من خلال مدح "الجراوي" لأبي الربيع بن أمير المؤمنين.
نلاحظ مثلا تجانس بعض الكلمات واختلافها في المعنى كقول الشاعر الجراوي:
وابهر بفضلك كل فضل باهر ♦♦♦ واستغرق الأفضال بالإفضال

في هذا البيت هناك تجانس بين (الأفضال الإفضال).
هذا التجانس حدده "ابن جني" في خصائصه بأنه "أن يتفق اللفظان ويختلف أو يتقارب المعنيان".
ومن الملاحظ أن هذا النوع من التشاكل لا يجعل المتلقي يعيش صعوبات كبيرة أثناء وجوده في عمل إبداعي ما.

وهناك بيت شعري في القصيدة نفسها للجراوي يقول:
فليس نظيره إيوان كسرى ♦♦♦ وليس له نظير في أوان [3]

هذا البيت يضيف لنا تشاكلا من نوع آخر، وهو تشاكل تركيبي نحوي لا يجب أن نفهمه على أنه صناعة، بل هو تبليغ لرسالة اعتمادا على تعادل التراكيب النحوية، التي تأخذ الطابع التأثيري الجمالي إلى جانب الطابع المعنوي العلائقي.

3- تشاكل المعنى
هذا النوع من التشاكل يتجاوز تشاكل التعبير، حيث إن المضمون يبقى قطب العملية التواصلية وليس بواسطة تراكم الأصوات، وتبقى وظيفة هذا التشاكل أنه يجعل المتلقي يفهم الخطاب أو الرسالة انطلاقا من تكرار المقولات السياقية.
ولكي يتضح الأمر أكثر سنعمد إلى تحليل مثال: (ترنو العيون).
ترنو : (+فعل)، (محمول إلى فاعل حي أو مجرد)، (دال على التأثير).
العيون : (+اسم)، (+مجرد)، (+دال على الإبصار)، (+معتقد تأثيره).
فالموضوع المحمول بين "ترنو" و "العيون" مقوم مشترك وهو (+دال على التأثير).

4 - تشاكل الكلمة
أي تلك الكلمات المركبة من أصوات تكون متقاربة مما يجعل من معانيها أيضا متقاربة، سواء الكلمات التي تكرر فيها حرف واحد، أو حرفين، أو ثلاثة حروف، أو بأكملها. من قبيل: (الهجر، الوفر)، (مردود، مهدود)، (بخائب، براغب)، (سلامة، كرامة)، (مواعيد، مواعيد).

5- تشاكل القافية
إن كل هذه الأنواع التي سبق ذكرها سواء ذلك التشاكل حول تكرار لبعض الأصوات والكلمات في النص ليس خاضعا لقانون يضبطه، فإننا الآن أمام التكرار المقنن، وذلك اعتمادا على بعض المقاييس كالمقياس الجمالي، الذي كان يفرض على الشعراء القدامى ضرورة التناسب على المستوى الصوتي؛ أي تكرار حرف الروي أو حركة ما قبله، وإن لم يحصل هذا التكرار المقنن هناك عيب في القافية كالإقواء والإصراف والإشباع...
فقد اعتمد الجراوي في هذه القصيدة على روي اللام (الآمال، الترحال)، حيث جعله موحدا. والقافية أيضا موحدة نحو(مال، حال، عال، شال...).

6- تشاكل النبر
هناك تنوع وقع النبر، وقد ولَد تراوحا أكسب القصيدة نفسا شعرياً زاوج بين مسار المعنى وانسياب الموسيقى الشعرية.
نأخذ على سبيل التمثيل هذا البيت الشعري من بحرالكامل:
وردت بحار نوالكم آمالنا
ولطالما حامت على الأوشال

///0 //0///0///0/0/0//0
///0//0/0/0//0/0/0/0

متفاعلن متفاعلن متفاعلن
متفاعلن متفاعلن متفاعلن


لا نجد في هذا البيت الشعري توازنا بين النبر الخفيف والنبر القوي، لكن يظهر طغيان النبر الخفيف على البيت، وهذه الخفة تتوازى مع معاني القصيدة المدحية لأبي العباس الجراوي.

7 - التشاكل والتباين على مستوى المعجم
إذا قمنا بقراءة مسحية لمعجمية أبي العباس الجراوي نجد تشاكلا واضحا في قاموسه اللغوي من خلال بعض الحقول المعجمية حيث نجد معجم الصفات والأخلاق الحميدة نحو: (مكارم، الأفضال، الإجلال، الحسن، علو الهمات، حلم...).
فهذه البنيات المعجمية تشكل النواة الحقيقية التي ينبثق منها معنى القصيدة الشعرية.

8- التشاكل على مستوى التركيب :
إن هذا التشاكل التركيبي يجب النظر إليه كونه تراكيب تؤدي نوعا من معنى القصيدة الشعرية وجماليتها، وليس اعتبارها تراكيب لا تؤدي أية معنى داخل القصيدة. ويمثل هذا فيما يسمى بالترصيع والموازنة من قبيل قول الشاعر:
سر في ظلال السعد والإقبال ♦♦♦ معطى المراد ومبلغ الآمال

وقال أيضا:
وابهر بفضلك كل فضل باهر
واستغرق الأفضال بالإفضال

ترنو العيون إليك وهي حديدة
فتعود مغضية من الإجلال

ففي البيت الأول نجد الترصيع من مثل: (الإقبال، الآمال).
أما في البيتين نجد الموازنة نحو: (الإفضال، الإجلال).
وهذا يوضح أن هذا التشاكل سواء الجزئي من خلال تكرار الحرف الأخير من الكلمة، أو التكرار الكلي من خلال تكرار الصيغة الصرفية، ليعرف هذا التشاكل التركيبي عدة أنواع كالتشاكل في الزمن والنفي والمكان والضمائر...

وللتوضيح أكثر نمثل بيت شعري. وهو كالآتي:
على ما طرقتها الظنون ولا جرت ♦♦♦ على فكر ذي فكر ولا وهم واهم[4]
فمقولة النفي تتمثل في: "ولا جرت"، "ولا وهم".
مقولة المطابقة في كل شيء نحو: "فكر"، "فكر".
مقولة المطابقة في الصيغة الصرفية نحو: "فكر"، "وهم".
وبالرجوع إلى ما أشرنا إليه في بداية التطبيق حول الآليات والتقنيات للتناص، سواء المظهر الداخلي أو الخارجي، الأول يمتص من نصوصه أو يحاورها أو يتجاوزها، في حين الثاني فهو يقوم بهذه المهمة مع نصوص غيره.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.51 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.88 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.79%)]