عرض مشاركة واحدة
  #184  
قديم 17-10-2022, 04:56 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,430
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله


الموافقات
أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي
الجزء الخامس
الحلقة (184)
صـ101 إلى صـ 110




فانظر كيف لم يستجز - وهو المتفق على إمامته - الفتوى بغير مشهور المذهب ، ولا بغير ما يعرف منه بناء على قاعدة مصلحية ضرورية; إذ قل الورع والديانة من كثير ممن ينتصب لبث العلم والفتوى كما تقدم تمثيله ، فلو فتح لهم هذا الباب لانحلت عرى المذهب ، بل جميع المذاهب; لأن ما وجب [ ص: 102 ] للشيء وجب لمثله ، وظهر أن تلك الضرورة التي ادعيت في السؤال ليست بضرورة .
فصل

وقد أذكر هذا المعنى جملة مما في اتباع رخص المذاهب من المفاسد سوى ما تقدم ذكره في تضاعيف المسألة; كالانسلاخ من الدين بترك اتباع الدليل إلى اتباع الخلاف ، وكالاستهانة بالدين إذ يصير بهذا الاعتبار سيالا لا ينضبط ، وكترك ما هو معلوم إلى ما ليس بمعلوم; لأن المذاهب [ ص: 103 ] الخارجة عن مذهب مالك في هذه الأمصار مجهولة ، وكانخرام قانون السياسة الشرعية بترك الانضباط إلى أمر معروف ، وكإفضائه إلى القول بتلفيق المذاهب على وجه يخرق إجماعهم ، وغير ذلك من المفاسد التي يكثر تعدادها ، ولولا خوف الإطالة والخروج عن الغرض لبسطت من ذلك ، ولكن فيما تقدم منه كاف ، والحمد لله .
[ ص: 104 ] فصل

وقد بنوا أيضا على هذا المعنى مسألة أخرى ، وهي : هل يجب الأخذ بأخف القولين ، أم بأثقلهما ؟ واستدل لمن قال بالأخف بقوله تعالى : يريد الله بكم اليسر الآية [ البقرة : 185 ] وقوله : وما جعل عليكم في الدين من حرج [ الحج : 78 ] وقوله عليه الصلاة والسلام : لا ضرر ، ولا ضرار وقوله : بعثت بالحنيفية السمحة وكل ذلك ينافي شرع الشاق الثقيل ، ومن جهة القياس أن الله غني [ ص: 105 ] كريم ، والعبد محتاج فقير ، وإذا وقع التعارض بين الجانبين كان الحمل على جانب الغني أولى .

والجواب عن هذا ما تقدم ، وهو أيضا مؤد إلى إيجاب إسقاط التكليف جملة; فإن التكاليف كلها شاقة ثقيلة ، ولذلك سميت تكليفا من الكلفة وهي المشقة ، فإذا كانت المشقة حيث لحقت في التكليف تقتضي الرفع بهذه الدلائل; لزم ذلك في الطهارات والصلوات والزكوات والحج والجهاد وغير ذلك ، ولا يقف عند حد إلا إذا لم يبق على العبد تكليف ، وهذا محال فما أدى إليه مثله; فإن رفع الشريعة مع فرض وضعها محال ، ثم قال المنتصر لهذا الرأي : إنه يرجع حاصله إلى أن الأصل في الملاذ الإذن ، وفي المضار الحرمة ، وهو أصل قرره في موضع آخر ، وقد تقدم التنبيه على ما فيه في كتاب المقاصد .
وإذا حكمنا ذلك الأصل هنا لزم منه أن الأصل رفع التكليف بعد وضعه على المكلف ، وهذا كله إنما جره عدم الالتفات إلى ما تقدم .
[ ص: 106 ] فصل

فإن قيل : فما معنى مراعاة الخلاف المذكورة في المذهب المالكي ؟ فإن الظاهر فيها أنها اعتبار للخلاف; فلذلك نجد المسائل المتفق عليها لا يراعى فيها غير دليلها; فإن كانت مختلفا فيها روعي فيها قول المخالف ، وإن كان على خلاف الدليل الراجح عند المالكي فلم يعامل المسائل المختلف فيها معاملة المتفق عليها ، ألا تراهم يقولون : كل نكاح فاسد اختلف فيه فإنه يثبت به الميراث ، ويفتقر في فسخه إلى الطلاق ، وإذا دخل مع الإمام في الركوع وكبر للركوع ناسيا تكبيرة الإحرام; فإنه يتمادى مع الإمام مراعاة لقول [ ص: 107 ] من قال : إن تكبيرة الركوع تجزئ عن تكبيرة الإحرام ، وكذلك من قام إلى ثالثة في النافلة وعقدها يضيف إليها رابعة مراعاة لقول من يجيز التنفل بأربع بخلاف المسائل المتفق عليها; فإنه لا يراعي فيها غير دلائلها ، ومثله جار في عقود البيع وغيرها ، فلا يعاملون الفاسد المختلف في فساده معاملة المتفق على فساده ، ويعللون التفرقة بالخلاف; فأنت تراهم يعتبرون الخلاف ، وهو مضاد لما تقرر في المسألة .

فاعلم أن المسألة قد أشكلت على طائفة ، منهم ابن عبد البر فإنه قال : الخلاف لا يكون حجة في الشريعة ، وما قاله ظاهر; فإن دليلي القولين لا بد أن يكونا متعارضين ، كل واحد منهما يقتضي ضد ما يقتضيه الآخر ، وإعطاء كل واحد منهما ما يقتضيه الآخر أو بعض ما يقتضيه هو معنى مراعاة الخلاف ، وهو جمع بين متنافيين كما تقدم .

وقد سألت عنها جماعة من الشيوخ الذين أدركتهم; فمنهم من تأول [ ص: 108 ] العبارة ولم يحملها على ظاهرها ، بل أنكر مقتضاها بناء على أنها لا أصل لها ، وذلك بأن يكون دليل المسألة يقتضي المنع ابتداء ، ويكون هو الراجح ، ثم بعد الوقوع يصير الراجح مرجوحا لمعارضة دليل آخر يقتضي رجحان دليل المخالف; فيكون القول بأحدهما في غير الوجه الذي يقول فيه بالقول الآخر; فالأول فيما بعد الوقوع; والآخر فيما قبله ، وهما مسألتان مختلفتان; فليس جمعا بين متنافيين ، ولا قولا بهما معا ، هذا حاصل ما أجاب به من سألته عن المسألة من أهل فاس وتونس ، وحكى لي بعضهم أنه قول بعض من لقي من الأشياخ ، وأنه قد أشار إليه أبو عمران الفاسي ، وبه يندفع سؤال اعتبار الخلاف ، وسيأتي للمسألة تقرير آخر بعد إن شاء الله .

[ ص: 109 ] على أن الباجي حكى خلافا في اعتبار الخلاف في الأحكام ، وذكر اعتباره عن الشيرازي ، واستدل على ذلك بأن ما جاز أن يكون علة بالنطق جاز أن يكون علة بالاستنباط ، ولو قال الشارع : إن كل ما لم تجتمع أمتي على تحريمه واختلفوا في جواز أكله; فإن جلده يطهر بالدباغ ، لكان ذلك صحيحا ، فكذلك إذا علق هذا الحكم عليه بالاستنباط .

وما قاله غير ظاهر لأمرين :

أحدهما : أن هذا الدليل مشترك الإلزام ، ومنقلب على المستدل به; إذ لقائل أن يسلم أن ما جاز أن يكون علة بالنطق جاز أن يكون علة بالاستنباط ، ثم يقول : لو قال الشارع : إن كل ما لم تجتمع أمتي على تحليله واختلفوا في جواز أكله; فإن جلده لا يطهر بالدباغ; لكان ذلك صحيحا ، فكذلك إذا علق [ ص: 110 ] الحكم عليه بالاستنباط ، ويكون هذا القلب أرجح; لأنه مائل إلى جانب الاحتياط ، وهكذا كل مسألة تفرض على هذا الوجه .

والثاني : أنه ليس كل جائز واقعا ، بل الوقوع محتاج إلى دليل ، ألا ترى أنا نقول : يجوز أن ينص الشارع على أن مس الحائط ينقض الوضوء ، وأن شرب الماء السخن يفسد الحج ، وأن المشي من غير نعل يفرق بين الزوجين ، وما أشبه ذلك ، ولا يكون هذا التجويز سببا في وضع الأشياء المذكورة عللا شرعية بالاستنباط; فلما لم يصح ذلك دل على أن نفس التجويز ليس بمسوغ لما قال .

فإن قال : إنما أعني ما يصح أن يكون علة لمعنى فيه من مناسبة أو شبه ، والأمثلة المذكورة لا معنى فيها يستند إليه في التعليل .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.92 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.29 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.87%)]