عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 14-10-2022, 03:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,255
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عيوب النطق في التراث العربي

عيوب النطق في التراث العربي
رشيد الاركو





ملاحظات:
العُجْمة يُقصَد بها في التعريف الأول للأصمعي وثابت غموضُ الكلام وعدم وضوحه، وهذا راجعٌ إلى عدم تمكُّن السامع سماع كلام الشخص الذي تعتريه حُكْلَة؛ لأن صوته خافتٌ جدًّا كأنه لا ينطِقُ، وهذا مَرَدُّه إلى فساد أو نقصان في آلة النطق؛ كما أشار إلى ذلك الجاحظ، وقد شبَّهوا الحُكْل بالنمل؛ لأن السامع لا يَفهَم عنهما.

الفرق بين الحُكْلة واللجلجة:
نقول ببساطة:
اللجلاج كلامه مسموع رغم الثقل الذي يعتري لسانَه عند إصداره الكلام.
أما الحُكْل، فكلامه كلام نمل لا تلتقطه أذن السامع.

خ‌. اللُّثْغَة:
قال ثابت بن أبي ثابت - وهو يتحدث عن اللُّثغة والألثغ -: "الألثغ وهو الذي في كلامِه لا يتم رفع لسانه في الكلام"[29].

وجاء في الكامل: اللُّثغة هي: "أن يعدل بحرف إلى حرف"[30].
وعدَّ الفيروزابادي في قاموسه الألثغ "مَن يرجع لسانه إلى الثاء والغين، واللثغة: ما لازق الأسناخ[31] من الشفة"[32].

نُلاحِظ أن تعريف المُبرِّد للُّثْغة شاملٌ لعدَّة حروف، أما تعريف ثابت، فهو خاص بالحروف التي تحتاج إلى رفع اللسان، ومنها الراء واللام[33].
وكذلك تعريف صاحب القاموس، فهو خاص بحرفَي الثاء والغين.
وسنُفصِّل في اللثغة بشكلٍ مُوسَّع في المحور المُعَنْوَن بالحروف التي تعرض للُّثْغَة عند اللُّغويين العرب القدماء.

د‌. الحُبْسَة:
قال الجاحظ - محاولًا تحديد معنى الحُبْسة -: "يقال: في لسانه حُبْسة، إذا كان الكلام يثقل عليه، ولم يبلُغْ حدَّ الفأفاء والتمتام"[34].
وقال أيضًا: "يقال: في لسانه حُبْسة، إذا كان في لسانه ثقل يمنعه من البيان"[35].
وقد ذكر ابن منظور في مَعرِض حديثه عن مادة : "وتحبس في الكلام: توقف"[36].
وقال صاحب القاموس: "الحُبْسَة: تعذُّر الكلام عند إرادته"[37].

ملاحظات:
نُلاحِظ مِن خلال التعريفات أن الشخصَ الذي يعاني من الحُبْسة يتميَّز بالثقل والتوقف المتكرر ، وترديد بعض الحروف، لكن هذا الترديد ليس صفةً مُلازِمةً له، كما نجدها عند الفأفاء والتمتام واللجلاج، بل يعتريه التردُّد في بعض المرات لا أكثر.

ويمكن أن نُضِيفَ ملاحظةً أخرى، لكنها تحتاج إلى تتبُّع أكثر، وهي أن الحُبْسة ترتَبِط بما هو نفسيٌّ سيكولوجي عند المتكلم أثناء كلامه في موقفٍ ما.

ذ‌. اللَّفَف:
قال الأصمعي: "الأَلَفُّ هو الثقيل اللسان"[38].
وقال ثابت: "الأَلَفُّ: الثقيلُ اللسان عند الكلام، يقال: رجل أَلَفٌّ وامرأة لَفَّاء، وهي اللفلفة"[39].
وجاء عند ابن سِيدَه: "الأَلَفُّ: العَييُّ، وقد لففت لففًا، وقيل: هو الثقيل اللسان...، فإذا ثقل لسانه في فيه، قيل: لفلف، فهو لفلاف"[40].

وقد ذكر الفيروزابادي في قاموسه: "ورَجلٌ أَلَفٌّ، بيِّن اللَّفَف: عَيي بطيء الكلام، إذا تكلم ملأ لسانُه فمَه"[41].

ملاحظات:
يتبيَّن لنا من هذه التعريفات أن أصحابها مُتَّفِقون على معنى اللَّفَف، الذي يدور حول الثقل الذي يعتري اللسان أثناء التحدُّث أو الكلام.

واللفلاف واللفلفة لا يستطيعانِ أن يُحرِّكا لسانَيْهما بخِفَّة ويُسْر؛ كالأشخاص العاديين؛ لذلك يخلطانِ في الحروف والكلام، ونطقهُم بطيء مقارنةً مع الإنسان المعفى مِن هذا العيب الذي يعتري اللسان[42].

إذًا ما الفرق بين اللجلجة واللفف؟
اللجلاج هو الآخر يعتري لسانَه ثقلٌ كالثقل الموجود عند اللفلاف، لكن اللجلاج يُردِّد الحروف قبل إخراجها، بخلاف اللفلاف، فهو لا يُردِّد.

وهناك إشارةٌ لم أذكرها مِن قبلُ، هي أن عيوب النطق التي سبق أن ذكرتُها - والتي سأذكرها فيما سيأتي من الصفحات - تعتري الذكورَ والنساء والأطفال والشيوخ؛ أي: تشمل كلا الجنسينِ في جميع المراحل العمرية.

ر‌. العقدة:
قال ثابت بن أبي ثابت: "وفي اللسان العقد، وهو انعقاد فيه، يقال: رجلٌ أعقد، وامرأة عقداء اللسان"[43].

وقال الجاحظ: العقدة هي التي تصيب اللسان، فتجعل النطق بالكلام عسيرًا، ويتحول الكلام إلى تقاطيع صوتية لا تكاد تُفهَم[44].
وجاء في اللسان قوله: "وفي لسانه عقدة وعقد؛ أي: التواء".
وقيل: "في لسانه عقدة أو رتج[45]"[46].

ملاحظات:
يتبيَّن لنا من خلال التعريفات أعلاه أن العقدة أو العَقْد يعتري اللسان لسببٍ عُضويٍّ، وهذا السبب هو الذي يجعلُ النطق بالكلام عسيرًا، ونقصد بالسبب العضويِّ أن يكونَ اللسان ملتويًا أو غليظًا[47]؛ مما يُسبِّب ثقلًا في النطق وعدم الوضوح في الكلام.

ز‌. تتمة:
واكتفَيْنا في بحثنا هذا على العيوب التي ذكرناها، وهذا لا يعني أن اللُّغويين العرب القدماء تحدَّثوا عن هذه فقط، بل تحدثوا عن عيوب أخرى سنكتفي هنا بسرد الأسماء التي أطلقوها عليها: "البكم، الخرس، الغمغمة، العِيُّ، الحَصَر، التعتعة، العُقْلَة، الرُّتَّة، عصب الريق، اللوث، اللقلقة، الرطانة، اللُّكنة، الفدمة، العجلة".

لماذا لم نُدرِجها في البحث؟
مِن الأسباب التي جعلَتْنا لا نُدرِج هذه العيوب في هذا البحث الآتي:
بعض هذه الأسماء لم نعدها عيوبًا نطقية؛ ؛ لأن المصاب بالخرس أو البكم لا يستطيع أن يتكلم نهائيًّا؛ ونحن قصدنا بعيوب النطقِ النطقَ الشاذ، أو المختلف عن النطق المشترك لمجموعة بشرية تتحدث لغةً ما.

التعتعة هي الأخرى لم نعدَّها عيبًا مُستقلًّا؛ لأنها تشمل عيبينِ سبق ذكرهما؛ أقصد الفأفأة والتمتمة، ونستحضر هنا ما ورد عند الجاحظ في البيان والتبين على لسان الأصمعي، قائلًا عن التعتعة: "إذا تتعتع اللسان في التاء فهو تمتام، وإذا تتعتع في الفاء فهو فأفاء"[48].

الغمغمة هي ليست عيبًا في النطق، بل هي من اللغات المذمومة؛ كما يسمها البعض، ومنهم الجاحظ؛ حيث قال: "قال معاوية يومًا: مَن أفصح الناس؟ فقال قائل: قوم ارتفعوا عن لخلخانية الفرات، وتيامنوا عن عنعنة تميم، وتياسروا عن كسكسة بكر، ليست لهم غمغمة قضاعة، ولا طمطمانية حِمْير، قال: مَن هم؟ قال: قريش، قال: ممن أنت؟ قال: مِن جرم، قال: اجلِسْ"[49].

وقد أشار أحد الباحثين أن الغمغمة يمكن اعتبارُها عيبًا؛ لأنها لا تقتصر على قضاعة، بل هي صفة ملازمة لبعض الناس في كلامهم[50].

عيوب عامة مثل العي والحَصَر، فأي عيب من عيوب النطق هو عي أو حَصَرٌ، فنجد مثلًا تعريفات لعيوب النطق تفسَّر بالعي؛ مثلًا: "الأَلَفُّ العَييُّ"[51]، "ورجل أَلَفُّ بيِّن اللَّفَف: عيي بطيء الكلام"[52]، "الأقطع اللسان: العيي بالكلام"[53]، يقول ابن السِّكِّيت: "عييت في النطق عيًّا، فأنا عي وعيي"[54]، وقد عرف ابن سِيدَه الحصر بأنه العي في الكلام[55]، وقال ابن منظور: "الحصر: ضرب من العي"[56]؛ إذًا العي والحصر عيوب عامة تشمل كل العيوب النطقية.

أما العيوب الأخرى، فهي عيوب نطقية، لكن لم ندرجها لسبب بسيط، هو أن بحثنا مُركز ولم يأخُذْ على عاتقه الوقوفَ عند كل تلك العيوب، وسنتركها إلى بحث قادم إن شاء الله.

7) الحروف التي تَعرِض للُّثْغة عند اللُّغويين العرب القدماء:
سنقتصر في هذا المِحوَر على لُغَويَّينِ اهتمَّا باللُّثغة وفصَّلا فيها نسبيًّا مقارنةً مع اللغويِّينَ الآخرينَ.

وسنبدأ بالجاحظ، خصوصًا فيما كتبه عن اللثغة في كتابه البيان والتبين، ثم نختم بفيلسوف العرب يعقوب بن إسحاق الكندي في رسالة له في اللثغة، وقد حقق هذه الرسالة الأستاذ محمد حسان الطيان، وقد قال في مقدمة تحقيقه: "ولا أعلم أحدًا خص هذا الفن برسالة سوى الكندي"[57].

أ‌. الحروف التي تعرض للثغة عند الجاحظ:
وصف الجاحظ اللُّثغة تحت بابٍ عنوانُه: "ذكر الحروف التي تدخلها اللثغة وما يحضرني منها"، وقد اقتصر الجاحظ في كلامه عن اللثغة على أربعة أحرفٍ؛ هي: القاف، والسين، واللام، والراء.

لثغة السين:
قال الجاحظ: "فاللثغة التي تعرض للسين تكون ثاءً؛ كقولهم لأبي يكسوم: أبي يكثوم، وكما يقولون: بثرة، إذا أرادوا بسرة، وبثم الله، إذا أرادوا بسم الله"[58].

لثغة القاف:
قال الجاحظ: "اللُّثغة التي تعرض للقاف، فإن صاحبها يجعل القاف طاءً، فإذا أراد أن يقول: قلت له، قال: طلت له؛ وإذا أراد أن يقول: قال لي، قال: طال لي"[59].

لثغة اللام:
قال الجاحظ: "اللثغة التي تقع في اللام، فإن مِن أهلها مَن يجعل اللام ياءً، فيقول: بدل قوله: اعتللت: اعتييت، وبدل جمَل: جمي، وآخرون يجعلون اللام كافًا؛ كالذي وقع لعمر أخي هلال، فإنه إذا أراد أن يقول: ما العلة في هذا؟ قال: مكعكة في هذا؟"[60].

لثغة الراء:
قال الجاحظ: "اللثغة التي تقع في الراء، فإن عددها يضعف على عدد لثغة اللام؛ لأن الذي يعرض لها أربعة أحرف:
فمنهم مَن إذا أراد أن يقول: عمرو، قال: عَمْي، فيجعل الراء ياء.

ومنهم من إذا أراد أن يقول: عمرو، قال: عمغ، فيجعل الراء غينًا، ومنهم مَن إذا أراد أن يقول: عمرو، قال: عمذ، فيجعل الراء ذالًا...، ومنهم مَن يجعل الراء ظاء معجمة"[61]، فإذا أراد أن يقول: مرة، قال: مظة.

وقد زاد الجاحظ لُثغة خامسة، وهي عبارة عن لثغة لا تُصوَّر ولا ترى بالعين؛ أي: لا يمكن كتابتها خطيًّا، وإنما تعيها بالسمع فقط، قال: "أما اللُّثغة الخامسة التي كانت تعرض لواصل بن عطاء، ولسليمان بن يزيد... الشاعر، فليس إلى تصويرها سبيل، وكذلك اللثغة التي تعرض للسين؛ كنحو ما كان يعرض لمحمد بن الحجاج كاتب داود بن محمد كاتب أم جعفر، فإن تلك أيضًا ليست لها صورة في الخط تُرى بالعين، وإنما يصورها اللسان، وتتأدَّى إلى السمع"[62].

والجاحظ قد لَفَت الانتباه إلى أن شخصًا واحدًا يمكن أن تعتريه لثغتان أو أكثر، قال: "وربما اجتمعت في الواحد لثغتانِ في حرفين؛ كنحو لثغة شوشي صاحب عبدالله بن خالد الأموي، فإنه كان يجعل اللام ياء، والراء ياء، قال مرة: موياي وييُّ اييِّ؛ يريد: مولاي وليُّ الري"[63].

ب‌. الحروف التي تعرض للُّثغة عند الكندي:
وصف الكندي اللُّثغة تحت باب عنوانه: "ونحن بادون في عَرْضنا مِن تبيان عِلل اللُّثغة"[64].
وقد جعل الكندي اللُّثْغة في عشرةِ أحرفٍ حين قال: "اعلم يا أخي - فدَتْك نفسي - أن اللُّثغة تظهر في لغة العرب في عشرة أحرف للمسنين والأصاغر أكثر من ذلك"[65].

وقد قال مُعدِّدًا هذه الحروف: "فأما العشرة الحروف، فهو هذا الذي أنا ذاكرها؛ منها: العين، والسين، والشين، والكاف، والصاد، والجيم، والحاء، والراء، والقاف، والزاي"[66].

والحقيقة لم يعطِ الكندي في هذه الرسالة أمثلةً لهذه الأحرف كما فعل الجاحظ، وقد ذكر الكنديُّ سببَ اللُّثْغة حين قال: "واعلم يا أخي أن اللُّثغة إنما تعرض لسببينِ: إما لنقصان آلة النطق، أو لزيادتها"[67].




يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.75 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.13 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.54%)]