عيوب النطق في التراث العربي
رشيد الاركو
• كتب خلق الإنسان:
من بينها: خلق الإنسان؛ لأبي مالك عمرو بن كررة الأعرابي، خلق الإنسان؛ لأبي عُبَيدة مَعْمَر بن المُثنَّى، خلق الإنسان؛ للأصمعي، وقد ذكر صاحب معجم المعاجم خمسةً وأربعين كتابًا يحمل عنوان خلق الإنسان.
ومِن الملاحَظ أن أصحاب هذا النوع من الكتب قد تعرَّضوا لظاهرة عيوب النطق وفسَّروها عندما كانوا بصدد الكلام عن أعضاء البدن الإنساني؛ لذلك نجدهم قد ذكروا عيوب النطق في أثناء حديثهم عن اللسان وما يصيبه من آفات[5].
• كتب الأصوات:
من بينها: كتاب الأصوات؛ لقُطْرُب، كتاب الأصوات؛ للأخفش الأوسط، كتاب الأصوات؛ للأصمعي...، إلخ.
وقد قال عنها صاحب معجم المعاجم: **"وجاؤوا فيه بعيوب النطق والكلام"[6]، وجاؤوا فيه بغير ذلك، وقد ذكرنا هذا النص تدليلًا على أنهم اهتمُّوا بالموضوع الذي نحن بصدده.
• كتب أخرى:
من بينها: المُخصَّص؛ لابن سِيدَه، نظام الغريب؛ لعيسى بن إبراهيم، كفاية المتحفِّظ ونهاية المتلفِّظ؛ لأبي إسحاق إبراهيم... إلخ.
وقد تناولَتْ هذه الكتبُ بعضَ القضايا المتعلِّقة بعيوب النطق؛ من أمثلة ذلك ما نجده في المخصَّص - خاصة الجزء الأول منه - فصاحبُه يشرَحُ فيه بعض المصطلحات الخاصة بعيوب النطق؛ كـ"الفأفأة، واللثغة، واللجلجة، والرتج، والتعتعة...، إلخ".
ت. الكتب الواصفة لجهاز النطق ومخارج الأصوات وصفاتها:
مِن بينها: أسباب حدوث الحروف؛ لابن سينا، ورسالة اللثغة؛ للكندي...، إلخ.
وقد أدرجناها مع الكتب السالفة ضمنَ المصادر التي تضمَّنت عيوب النطق؛ لأنها عالجت وتعرضت تعرضًا مباشرًا للأصوات، ومعرفتُها تُعِيننا على دراسة عيوب النطق.
ث. كتب القراءات القرآنية:
مِن بينها[7]: بيان العيوب التي يجب أن يجتَنِبَها القرَّاء؛ لأبي علي الحسن بن أحمد بن البناء البغدادي، والنشر في القراءات العشر؛ للحافظ ابن الجَزَرِيِّ... إلخ.
"وتُشكِّل كتب القراءات القرآنية والكتبُ التي عُنِيَت بالقراءات القرآنية - حجرًا أساسيًّا في دراسة ظاهرة عيوب الكلام، وخاصة فيما يتصل بشكل القراءة، وعيوب النطق، فقد تعرَّضت مثل هذه الكتب للقراءة الجيدة صوتيًّا، والقراءة المكروهة؛ مثل التنطع، والهذ، وغيره"[8].
استنتاجات:
• اهتم اللُّغويون العرب القدماءُ بظاهرة عيوب النطق، كما اهتموا بباقي الظواهر اللُّغوية.
• مادة عيوب النطق متناثرة في مصادر عدَّة، ولم يُفرَد لها مُؤلَّف خاص بها يشمل جميع قضاياها، وهذا مما يزيد البحث مشقةً[9].
• معاجم المعاني أغنى مادةً، وأكثر فائدةً، من معاجم الألفاظ في موضوع عيوب النطق.
6) بعض عيوب النطق الذي رصدها اللغويين العرب القدماء:
أ. التمتمة:
نجد في كتاب خَلْق الإنسان للأصمعي الآتي: "ويقالُ: في لسانه تمتمةٌ، وهي تردد التاء، يقال: رجل تمتام، وامرأة تمتامة"[10].
قال ثابت: "وأما التمتام، فالذي في لسانه تمتمة، وهو ثقل وترديد في التاء"[11].
ونجد في المُخصَّص في "فصل ثقل اللسان واللحن وقلة البيان" أن المتكلم "إذا تردَّد في التاء قيل: تمتَم، وقيل: تمتام، وقيل: هو الذي يَعجَل في الكلام ولا يكاد يُفهِمك"[12].
والتمتمة في القاموس المحيط: "ردُّ الكلام إلى التاء، أو أن تسبق كلمته إلى حنكه الأعلى، فهو تمتام، وهي تمتامة"[13].
ملاحظات:
• نلاحظ في التعريفات السابقة اتفاقَ العلماء على أن التمتمة هي تردُّد التاء في اللسان، والمرأةُ التي تعتريها التمتمةُ سَمَّوها تمتامة، وسَمَّوا الرجل تمتامًا، وأطلقوا على العيبِ التمتمةَ.
• وقد زاد ثابتٌ في تعريفه الثقل، ويقصد به أن التمتام يردد في فيه التاء عدة مرات، لكن بثقل وببُطْء.
• ونجد في المُخصَّص زيادة على ما قيل: أن التمتام هو الذي يعجل في الكلام ولا يكاد يفهمك، ويمكن أن نستخلص من هذا أن للتمتمة تعريفينِ:
• الأشهر هو: التردد في التاء.
• والتعريف الآخر أقل شهرة، وهو: الذي يَعجَل في الكلام ولا يكاد يُفهِمك.
ب. الفأفأة:
قال الأصمعي: "وفي اللسان الفأفأة، وهو أن يردد صاحبها في الفم الفاءَ"[14].
وقال ثابت في الصدد نفسه: "والفأفأة أن تسبق الرجلَ كلمتُه إلى شفتَيْه فيَرُدَّها بشفتَيْه مرارًا لا يُفصِح بها"[15].
نلاحظ أن ثابتًا لم يُصرِّح بالصامت[16] الذي تقع فيه الفأفأة، بخلاف الأصمعي الذي صرح بصامت الفاء في تعريفه أعلاه، ومع ذلك فثابتٌ يقصد ؛ "لأن ترديد النَّفَس بين الشفة العليا والأسنان العليا يُولِّد الفاء"[17].
وقد جاء في مُخصَّص ابن سِيدَه: "وقيل: الفأفأ الذي يعسر عليه خروج الكلام"[18].
أما الفيروزابادي، فالفأفأ عنده "هو مُردِّد الفاء، ومُكثِره في كلامه"[19].
نستنتج من كل ما قيل أن الفأفأ هو الذي يجد صعوبةً في نطق الفاء، فيضطر إلى تَكرارِها عدة مرات قبل إتمام كلامه.
والفرق بين التمتمة والفأفأة فقط في الصامت الذي يتردَّد؛ فالتمتام لا يخرج من فيه التاء حتى يُردِّدها عدة مرات في فيه، وهذا راجع إلى الثقل الذي يعتري لسانَه حين ينطق التاء، وكذلك الفأفأ يمرُّ بالعملية نفسها، فهو أيضًا يعتريه ثقل في الفاء، فيُردِّدها عدة مرات قبل إخراجها.
ج. اللجلجة:
لقد اتَّفَق الأصمعي وثابت على تعريف اللجلجة؛ حيث ذكرا "أن اللَّجلاج هو الذي سجية لسانه ثقل الكلام ونقصه"[20].
وقد قالا في حديثهما عن الجلجال إنه هو "الذي يردد الكلمة في فيه، فلا يخرجها من ثقل لسانه"[21].
قال ابن سِيدَه: "فإذا تَعْتَع ومضغ الكلام ولم يُخرِجه بعضه في إثر بعض، قيل: لجلج، ومنه سمي الرجل لجلاجًا"[22].
قال الفيروزابادي: "اللجلجة والتلجلج: التردد في الكلام"[23].
ملاحظات:
• نرى أنه وقع بين كلمةِ اللجلاج والجلجال قلبٌ مكاني؛ لهذا أدخلناه هنا ولم نعتبره عيبًا مستقلًّا.
• إن الفرق بين التمتمة والفأفأة، بمقارنتِهما مع اللجلجة، يكمُنُ في أن العيبينِ الأوَّلين خاصَّانِ بصامت واحد؛ أي: إن الثقل يعتري اللسان فقط في صامت الفاء بالنسبة للفأفأ، وصامت التاء بالنسبة للتمتام، أما بخصوص اللجلاج، فالثقل يعتري اللسان في الكلمة بكل مُكوِّنتها الصامتية والصائتية، ولا يتعلَّق الأمر بصامت مُحدَّد.
• ونُلاحِظ على التعريف الأول للأصمعي وثابتٍ أنهما قالا: إن اللجلاج هو الذي سجية لسانه ثقل الكلام ونقصه؛ أي: إن هذا الثقل والنقص صفةٌ ملازمة للجلاج في كل كلامه.
ح. الحكلة:
اتفق الأصمعي وثابت على تعريف الحُكْلَة؛ إذ قالا: "وفي اللسان الحُكْلَة، وهي كالعُجْمَة تكون فيه لا يُبِين صاحبُها الكلامَ"[24].
وقد قال الجاحظ في تعريفه للحُكْلَة: "إذا قالوا في لسانه: حُكْلَة، فإنما يذهبون إلى نقصان آلة النطق، وعجز أداة اللفظ؛ حتى لا تُعرف معانيه إلا بالاستدلال"[25].
وذكر ابن سِيدَه في المُخصَّص "الحُكْل من الحيوان ما لا يُسمَع له صوت"[26]، وقد مثل بالنمل والذَّرِّ[27]، وقد عزَّز هذه الفكرةَ صاحبُ القاموس المحيط بقوله: الحُكْل "ما لا يُسمع صوته"[28].
يتبع