يقول الإمام ابن حزم الأندلسي فى كتاب المحلى :
279 - مسألة: وأما من تعمد ترك الصلاة حتى خرج وقتها فهذا لا يقدر على قضائها ابدا، فليكثر من فعل الخير وصلاة التطوع، ليثقل ميزانه يوم القيامة، وليتب وليستغفر الله عزوجل * وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: يقضيها بعد خروج الوقت، حتى ان مالكا وأبا حنيفة قالا: من تعمد ترك صلاة أو صلوات فانه يصليها قبل التى حضر وقتها ان كانت التى تعمد تركها خمس صلوات فأقل سواء خرج وقت الحاضرة أو لم يخرج، فان كانت أكثر من خمس صلوات بدأ بالحاضرة * برهان صحة قولنا قول الله تعالى: (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) وقوله تعالى (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا) فلو كان العامد لترك الصلاة مدركا لها بعد خروج وقتها لما كان له الويل، ولا لقى الغى (2)، كما لا ويل ولا غى لمن أخرها إلى آخر وقتها الذى يكون مدركا لها (3) * وأيضا فان الله تعالى جعل لكل صلاه فرض وقتا محدود الطرفين، يدخل في حين محدود، ويبطل في وقت محدود، فلا فرق بين من صلاها قبل وقتها وبين من صلاها بعد وقتها، لان كليهما صلى في غير الوقت، وليس هذا قياسا لاحدهما على الآخر، بل هما سواء في تعدى حدود الله تعالى، وقد قال الله تعالى: (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) * وأيضا فان القضاء ايجاب شرع، والشرع لا يجوز لغير الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم * فنسأل من أوجب على العامد قضاء ما تعمد تركه من الصلاة: أخبرنا عن هذه الصلاة التي تأمره بفعلها، أهى التى أمره الله تعالى بها؟ أم هي غيرها؟ فان قالوا: هي هي، قلنا لهم: فالعامد لتركها ليس عاصيا، لانه قد فعل ما أمره الله تعالى، ولا اثم على قولكم ولا ملامة على من تعمد ترك الصلاة حتى يخرج وقتها.
وهذا لا يقوله مسلم.
وان قالوا: ليست هي التي أمره الله تعالى بها، قلنا صدقتم، وفى هذا كفاية إذ أقروا بأنهم أمروه بما لم يأمره به الله تعالى * ثم نسألهم عمن تعمد ترك الصلاة بعد الوقت: أطاعة هي أم معصية؟ فان قالوا: طاعة، خالفوا اجماع أهل الاسلام كلهم المتيقن، وخالفوا القرآن والسنن الثابتة.
وان قالوا : هو معصية، صدقوا، ومن الباطل أن تنوب المعصية عن الطاعة * وأيضا فان الله تعالى قد حد أوقات الصلاة على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وجعل لكل وقت صلاة منها أولا ليس ما قبله وقتا لتأديتها، وآخرا ليس ما بعده وقتا لتأديتها، هذا ما لا خلاف فيه من أحد من الامة، فلو جاز أداؤها بعد الوقت لما كان لتحديده عليه السلام آخر وقتها معنى، ولكان لغوا من الكلام وحاش لله من هذا * وأيضا فان كل عمل علق بوقت محدود فانه لا يصح في غير وقته، ولو صح في غير ذلك الوقت لما كان ذلك الوقت وقتا له.
وهذا بين وبالله تعالى التوفيق
ونسألهم: لم أجزتم الصلاة، بعد الوقت، ولم تجيزوها قبل الوقت؟ فان ادعوا الاجماع كذبوا، لان ابن عباس والحسن البصري يجيزان الصلاة قبل الوقت لا سيما، والحنفيون والشافعيون والمالكيون يجيزون الزكاة قبل الوقت، ويدعون أن قتال أبى بكر لاهل الردة، انما كان قياس للزكاة على الصلاة، وأنه قال: لاقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فان الزكاة حق المال وهم قد فرقوا ههنا بين حكم الزكاة والصلاة.......
ولو كان القضاء واجبا علي العامد لترك الصلاة حتى يخرج وقتها لما أغفل الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ذلك، ولاآ نسياه، ولا تعمدا اعناتنا بترك بيانه (وما كان ربك نسيا).
وكل شريعة لم يأت بها القرآن ولا السنة فهى باطل * وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله).
فصح ان ما فات فلا سبيل إلى ادراكه، ولو أدرك أو أمكن أن يدرك لما فات، كما لا تفوت المنسية أبدا، وهذا لا إشكال فيه.
والامة أيضا كلها مجمعة على القول والحكم بأن الصلاة قد فاتت إذا خرج وقتها، فصح فوتها باجماع متيقن، ولو أمكن قضاؤها وتأديتها لكان القول بأنها فاتت كذلك وباطلا.
فثبت يقينا أنه لا يمكن القضاء فيها أبدا * وممن قال بقولنا في هذا عمر بن الخطاب وابنه عبد الله، وسعد بن أبى وقاص وسليمان، وابن مسعود، والقاسم بن محمد بن أبى بكر، وبديل العقيلى، ومحمد ابن سيرين، ومطرف بن عبد الله، وعمر بن عبد العزيز، وغيرهم
|