عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 03-09-2022, 01:32 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,994
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أبيات في مدح الشيب

أبيات في مدح الشيب
محمد حمادة إمام







عطف الشاعر على معاني القرآن الكريم، والسنة الشريفة، لاستمالة من لم يقبل وعظا، ولم يسمع زجرا، فبرزت صورته في أبهى حلة، فقوله:
" داء يعز عن الطبيب دواؤه.. " من معنى قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حديث أسامة بن شريك " ما من داء إلا جعل الله له دواء غير داء واحد الهرم... " [92] أما قوله: " قد أعتقتك وحق قدر المعتق " فهو بيان بفضل المشيب على المرء عامة، والمسلم خاصة، حيث أعتقه من اللهو والمجون، أو إتيان ما يشين، وفيه إيحاء بتكريم الله -تعالى- لابن آم، فهو من قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ﴾ [الإسراء: 70] [93] وفيه حلف بغير الله -تعالى- وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " فمن كان حالفا، فليحلف بالله أو ليصمت " [94]
ومن بديع صنع الله - جل في علاه - تباين الطباع، واختلاف العقول والأهواء، فمن الناس من يفر وينفر من المشيب، ومنهم من به يعجب، ولأهله يعشق، ومن هؤلاء " الشيخ أثير الدين، أبو حيان، النفزي، الغرناطي. " [95]


وهذا " أحمد بن بلال " [96] يدعى إلى يوم أنس، فيأبي المشيب الذي أغار عليه موضحا، أن لو كان أيام الشباب، والغصن نضير ريان للبى الدعوة، وأدرك معه ما يهوى، يقول في أبيات منها: [97] [من الوافر]
تذكرني الشبابَ فَلَسْتُ أدري
أَصُبْحًا حين تذكر أم عشيا

فلو أدْركْتني، والغصنُ غضٌ
لأدْرَكْتَ الذي تَهْوَى لديّا

وَلَمْ أَتْرُكّ - وَحَقِّكَ - قَدْرَ لحظ
وَقَدْ ناديتني ذاك النديا



كان للمشيب فضل كبير، في كبح جماح الشهوات، والتصابي، والمذات، والتخلص منها.
فالمشيب نذير لمن أفنى عمره مصغيا إلى غرور الآمال والأماني، فجدير به ترك التصابي، واغتنام بقايا حياته في الطاعات، والتضرع إلى قيوم الأرض والسموات، ليجيره من عذابه، ويكرمه بثوابه، يقول ابن جلوط [98]: [99] [من الطويل]
نهاك نذيرُ الشَّيْبِ لَوْ كُنْتَ ترعوي
وهل بَعْدَ إِنْذَارِ المشيبِ نذيرُ

إلى كم تُرى عن نُصْح نفسك مُعرضا
وتُصغي إلى الآمال وَهْي غُرورُ

أرى العمرَ ولّى معرضا عنك فاغتنم
بقيّتَهُ إن البقاءَ عَسِيرُ


....... الخ الأبيات


أما ابن لؤلؤة (ت. 750 هـ) [100]، فيصور احترامه لنفسه بتقديره لشيبه إذ إنه لم يرتح للذات، ولم يمل لغرور، وقد لاح خيط المشيب المنذر بالرحيل، الذي لا محيد للبرايا عنه ولا محيص، فيقول: [101] [من الطويل]
أَمِنْ بَعْدِما لاحِ المشيب بمفرقي
أَميلُ لِزُور بالغُرُور يُصَاغُ

وأرتاحُ لِلذَّاتِ والشَّيْبُ مُنْذرٌ
بما لَيْسَ عَنْهُ للأنام مَراغُ



وللشيخ القاضي " أبي جعفر المعافري " [102] صرخات، أتى فيها على جل المعاني السابقة، كاشفا عن عصيانه الهوى، وامتثاله لداعي النصح والرشد، فلن يسعى لخضاب، تلهث خلفه نفوس البشر ويضع من وقار المرء وبهائه. فيقول، مبينا غلبة التصابي على النفوس: [103] [من الطويل]
أقولُ لَهَا مِنَ بَعْدِ ما كِدْتُ للهوى
أميلُ وأَعْصِي داعي الرُّشْدِ والنصح

إليكِ فهذا الشيبُ أوْضَح صُبْحُهُ
وقَدْ أَوْجَبَ الإمساكَ مُتَّضِحُ الصُّبح ِ

فصدَّتْ وأَغْرَتْ بالخضاب لعلها
تَسُومُ دليل الحكم يوما من القَدْح ِ

فَقُلُت كَفَى بالزُّور في الوجه شاهدا
يَحُطُّ جميلا في الوّقَارِ إلى القُبْح ِ



ولأبي بكر أحمد بن جزي [104] أبيات يصور فيها أثر المشيب الطيب، الذي سما فوق لمته، واعتلى مفرقه، فأفاد منه العظة، ولم لا؟ وقد أنار ليل شبابه، ونهاه عن غيه، ونبههه من غفلته وعمايته. [105]
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.44 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.81 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.07%)]