عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 03-09-2022, 01:26 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,047
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أبيات في مدح الشيب

أبيات في مدح الشيب
محمد حمادة إمام






ويتضح من ذلك استملاح بعض الشعراء للمشيب، بعد طلبهم من بدره التمهل في الطلوع، فإبل الشباب - لا محالة - راحلة، وكواكب الشيب، بعد ذلك طالعة مطلقين لخيالهم العنان، في التشبيه والاستعارة والكناية، ومن هؤلاء الوزير أبو القاسم بن عبد الغفور [37]، وعلي بن رجابن مُرَجَّى أبو الحسن [38]، والوزير أبو الفضل محمد بن عبد الواحد [39]، فصورهم تكشف عن غلبة المشيب، وجنوده التي لا تبارى، وقيام الشعراء بأداء حقوقه، وواجباته، فقد أكرموه وبجلوه، فامتنعوا عن التصابي، وطاعة الغواني بعد حلول أوانه.

ويتضح - أيضًا - استملاح سهل بن علي بن عثمان [40] للمشيب، المنذر برحيل أعز حبيب - الشباب - ناهيا نفسه عن دعوات اللهو التي فات وقتها، آمرا إياها بالجد في دفع الباطل، ومحاباة داعي الرزانة، والحقائق، فيقول: [41] [من الطويل ]:



ولمّا رَأَيْتُ الشَّيبَ حَلَّ مفارقي

نذيرا بِترحالِ الشَّبابِ المُفَارِقِ




رَجَعْتُ إِلى نَفْسي فَقُلْتُ لَهَا انظري

إلى ما أَتَى، هذا ابتداء الحقائقِ




دعي دعواتِ اللهو قَدْ فَاتْ وَقْتُها

كما قد أفات الليلَ نُورُ المشارقِ [42]







لقد روع الشاعر ظهور المشيب، فطلب من نفسه ترك ما يشين، من لهو ومجون، والسعي في نور الحق المبين.

ترسم هذه الأبيات، وما شاكلها مشاهد، ومواقف نفسيه عانى منها أصحابها - رسما يكشف عما تعرض له الشعراء في شبابهم ومشيبهم.

و" هذه الأنواع من الصور نصادفها كثيرا في الشعر القديم، ذلك أنها تعتمد في تكوينها على عناصر يكون الإيحاء فيها مباشرا، وبمجرد أن يكتمل تكوين الصورة، يكون الشعور الذي تنقله قد مثل لمداركنا في طواعية. " [43]




وما أعظم، وأحسن، وأشد وعظ وزجر الوزير، أبي الوليد بن حزم [44]، للشيب، وإرشادهم إلى طريق الرشاد، مذكرا بالموت وسكرته، وصعوبة كأسه ومرارته، ومروعا من النار، ومرغبا في الجنة. فيقول: [45] [من المتقارب]



ثَلاثٌ وسِتُّون قَدْ جُزْتَها

فمَاذا تُؤَمِّلُ أو تنتظرْ




وحلَّ عليكَ نَذيرُ المشيب

فَمَا تَرْعِوي بَلْ وَمَاَ تَزْدَجِرْ [46]




تَمُرُّ لَياليك مَرًّا حثيثاَ

وأَنْتَ عَلَى مَا أَرَى مُسْتَمِرْ




فلو كُنْتَ تعقل ما يَنْقَضِي

مِنَ العُمْرِ لاعتضتَ خَيرًا بِشرْ




فمالكَ لا تستعدُ إذن

لِدارِ المَقَامِ ودَارِ المَقَرْ




أترغبُ عَنْ فَجْأَةٍ لِلْمَنُونِ

وتَعْلمُ أَنْ لَيْس مِنْها مَفَرْ




فإمَّا إِلى جَنَّةٍ أُزْلفَتْ

وإمّا إلى سَقَرٍ تَسْتَعِر







يخاطب الشاعر نفسه، أو قرنه، وهو في خريف العمر، بعيدا عن الوقار، مغلقا باب الادكار والاعتبار، فذكر بالموت الذي يفجأ المرء، وما ينتظره بعد من جنة أزلفت للمتقين، أو جحيم برزت للغاوين، لعله يرعوي ويتوب، وإلى الصراط المستقيم يعود، لذا فقد رماه بالطيش والغفلة والسفه في قوله: فلو كنت تعقل..

عدل الشاعر إلى اسلوب التقريع، والتهديد، والترويع، وخاصة أسلوب الاستفهام الإنكاري التوبيخي، ومنه: " فماذا تؤمل..، فلو كنت تعقل..، فما لك لا تستعد إذا...، أترغب عن فجأة للمنون... " مقتبسا من القرآن الكريم، فالبيت الأخير من معنى قوله تعالى: ï´؟ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ ï´¾ [الشعراء: 90، 91] [47]

واليبت الأول يذكر بقول النبي صلى الله علية وسلم -: [48] " أعمار أمتي مابين الستين والسبعين، وأقلهم من يجوز ذلك "

صرخات كأنها الحميم؛ للصب فوق رؤس الشيب اللاهين، وصدق الله العظيم،

إذ يقول: ï´؟ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ï´¾ [البقرة: 251]" [49]

ينقشع ظل الشباب، ويحل مشيب، يقل في ركابه ذكرى الوهن والبلى فيثوب - عندئذ - العاقل إلى رشده، ويرجع عن ضلاله وغيه، وقد روعه وميض برقه، وظهور خيطه في أفق رأسه.




يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.71 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.08 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.03%)]