صورة الآخر (دراسات نقدية)
سناء سليمان سعيد
مولده:
ولد الكاتب محمود البدوي في قرية الأكراد مركز أسيوط في الرابع من شهر ديسمبر سنة 1908، وكان والده عمدة القرية، ووالدته ابنة عبدالمنعم التوني عمدة قرية إتليدم مركز ملوي بمحافظة المنيا.
"وكانت القرية تقع في آخر حدود مديرية أسيوط"، وتوفيت والدته وهو في السابعة من عمره، وكانت هي في الثلاثين، وقضى طفولته كلها في الريف حتى حصل على شهادة الابتدائية من مدرسة أسيوط، والتحق بالمدرسة السعيدية الثانوية بالجيزة، وكان حريصًا على قضاء كل إجازاته مع الفلاحين، والتحق بكلية الآداب بالجامعة المصرية إبان عمادة الدكتور طه حسين لها، وترك الدراسة وهو في السنة الثالثة قسم اللغة الإنجليزية، وآثَر أن يثقِّف نفسه تثقيفًا ذاتيًّا، فقرأ الأدب القديم والحديث، والآداب الأجنبية بلغتها الأصلية.
ودخل الحياة الأدبية لأول مرة من خلال نقل الآداب الأجنبية إلى اللغة العربية، ونشرها في مجلة الرسالة التي كان يصدرها الأستاذ أحمد حسن الزيات منذ السنة الأولى لصدورها عام 1933.
وسافر إلى أوربا الشرقية قبل الحرب العالمية الثانية عام 1934، وعاد من هذه الرحلة متفتح المشاعر للكتابة، وكتب رواية قصيرة باسم: "الرحيل"، وأسهم إسهامًا حقيقيًّا في التعبير عن آمال الشعب في تغيير واقعه منذ صدور قصته الرحيل عام 1935.
وتناول حياة الريف والفلاحين، وصوَّر طباع أهل الصعيد وأخلاقهم، في محاولة منه للنفوذ إلى أعماق الفلاح المصري، وتبرير تخلفه وما يعانيه من قسوة الإقطاع، وبلغت قصصه التي كتبها عن الريف والفلاحين في الصعيد تسعًا وثمانين قصة.
ولقد أدى دوره الوطني بكتابة بعض القصص القصيرة في المناسبات الوطنية والكفاح ضد الاستعمار الإنجليزي، وحروب 1948 و1956 و1967 و1973.
وكتب ما يزيد على 389 قصة، نشرت جميعها بالصحف والمجلات المصرية، بالإضافة إلى المجلات المتخصصة؛ كالرسالة، والقصة، والثقافة، والأديب، والهلال، والمجلة، والعصور، والرواية، ولا يدخل في هذا الحصر القصص التي نشرها بالصحف والدوريات العربية؛ حيث لم نتمكن من حصرها، وموجودة في الببليوجرافيا الملحقة بكتاب سيرة محمود البدوي بقلم: علي عبداللطيف وليلى محمود البدوي مكتبة مصر 2002، ومحمود البدوي والقصة القصيرة بقلم: علي عبداللطيف.. مكتبة مصر 2001.
ولقد صوَّر في بعض قصصه خلال رحلاته في أوروبا، واليونان، وتركيا، ورومانيا، والمجر، والهند، والصين، وهونج كونج، واليابان، وسوريا، وبانكوك، وروسيا، والجزائر، والدنمارك، وهي البلاد التي حركت مشاعره، وأثر أهلها في عقله ووجدانه.
له كتاب واحد في أدب الرحلات، عن رحلته إلى الصين واليابان وهونج كونج: "مدينة الأحلام"؛ (الدار القومية للطباعة والنشر 1963).
ولقد كان كثير الأسفار؛ فقد طاف بأوربا وآسيا، وبعض البلاد العربية والإفريقية، في رحلات ثقافية وغير ثقافية، وانعكس أثر هذه الأسفار عليه ككاتب يؤمن بالإنسان ويهتم به في كل بقاع الأرض، وصوره في كتاباته.
وأطلق عليه بعض النقاد والدارسين لقب: "تشيكوف العرب"، ولقب: "راهب القصة القصيرة"، ولقب: "فارس القصة القصيرة"، وآخر من لقبه بلقب: "تشيكوف القصة المصرية" هو الأديب العالمي نجيب محفوظ في الحوار الذي أجري معه بصحيفة القدس العربي، بعددها الصادر في 3/1/2004.
وهو الكاتب العربي الوحيد الذي تقابل مع العالم النفسي الشهير: "سيجموند فرويد" في النمسا أثناء زيارته لها في سنة 1934، والتصق به فترة غير قصيرة؛ "من كتاب محمود البدوي والقصة القصيرة.. للكاتب علي عبداللطيف.. الناشر مكتبة مصر 2001"، ومن كتاب: "سيرة محمود البدوي للكاتبين علي عبداللطيف وليلى محمود البدوي، ومن تقديم الدكتور عبدالحميد إبراهيم.. الناشر مكتبة مصر 2002".
جوائز الدولة:
• منح ميدالية الإنتاج الأدبي والفني من المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب؛ لمساهمته بقلمه في معركة بور سعيد عام 1956.
• منح جائزة الجدارة في الفنون عام 1978.
• منح جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1986.
• منح اسمه بعد وفاته وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1988.
مبررات منحه جائزة الدولة التقديرية في الآداب سنة 1986 وفقًا لما ورد بالكتاب التذكاري الذي يتضمن تاريخًا شاملاً للجائزة منذ إنشائها سنة 1958 "مطبعة هيئة الآثار المصرية 1991 ص 101 و102".
أوجه النشاط:
• أصدر عشرين مجموعة قصص قصيرة، "حاليًّا خمس وعشرون مجموعة".
• عضو مجلس إدارة نادي القصة، عضو دائم بلجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة.
• عضو شُعبة الأدب بالمجالس القومية المتخصصة، وعضو لجنة القصة بها.
• مارس الإبداع في القصة القصيرة منذ عام 1935 حتى كاد يصبح المتخصص الوحيد فيها.
أهم ما يميز قصصه القصيرة:
• عبَّرت قصصه القصيرة عن الواقع المصري تعبيرًا صادقًا من خلال رؤيته غير المتحزبة أو المتعصبة التي تشوبها التطلعات وتفسدها الأهواء والمطامع؛ فقد تناول الواقع تناولاً عاطفيًّا شاعريًّا.
• لا يركن في قصصه إلى أحداث لها خصوصيتها، ولا إلى صور لها طرافتها، وقد اختار معظم أحداث قصصه من الريف المصري في إقليم الصعيد بتقاليده وأخلاقيات الناس فيه، والعلاقات السائدة بينهم.
• كان دائم المقارنة بين حياة الفلاح المصري وبين حياة الفلاح في كل بلد يزورها؛ كرحلاته إلى اليونان، وتركيا، ورومانيا، والمجر، والهند، والصين، وهونج كونج، وروسيا.
• أول كاتب قصة قصيرة عبر عن حياة عمال التراحيل ومعاناتهم من أجل الحصول على لقمة العيش.
• صوَّر جانبًا من الحياة في اللوكاندات والبنسيونات، وهو لون من الحياة لم يشاهده المصريون، ولم يقرؤوا عنه كثيرًا، فقد وجد مجالاً خصبًا لتصوير قطاع من الحياة المستترة والغريبة على مجتمعنا، وما يدور فيها بعيدًا عن أعين العاديين من الناس، وخاصة الطبقات الكادحة التي لا تعلم عن هذه الأشياء شيئًا.
• في بعض قصصه نزوع نحو النقد الاجتماعي، ونقد الواقع، بواسطة اختيار بعض الأحداث الجزئية التي تكشف عن عيوب أو قصور.
• يساير في قصصه القصيرة المجتمع في تطوره، فلا يقف جامدًا عند حد تصور الماضي، وإنما هو يصور المجتمع الجديد في قصصه، ويكشف عن مدى إحساسه بما حدث فيه من تحوُّل، ويلاحظ هذا في قصصه التي كتبها بعد عام 1956 وهو يركز على القيم الجديدة والعلاقات الجديدة.
يتبع