
25-08-2022, 04:20 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,277
الدولة :
|
|
رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله

الموافقات
أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي
الجزء الرابع
الحلقة (165)
صـ331 إلى صـ 340
قال عبد الرحمن ابن مهدي : الزنادقة والخوارج وضعوا ذلك الحديث قالوا : وهذه الألفاظ لا تصح عنه صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم بصحيح النقل من سقيمه ، وقد عارض هذا الحديث قوم ; فقالوا : نحن نعرضه على كتاب الله قبل كل شيء ، ونعتمد على ذلك ، قالوا : فلما عرضناه على كتاب الله ; وجدناه مخالفا لكتاب الله ، لأنا لم نجد في كتاب الله أن لا نقبل من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ما وافق كتاب الله ، بل وجدنا كتاب الله يطلق التأسي به ، والأمر بطاعته ، ويحذر من المخالفة عن أمره جملة على كل حال .
هذا مما يلزم القائل : إن السنة راجعة إلى الكتاب ، ولقد ضلت بهذه الطريقة طوائف من المتأخرين ، كما كان ذلك فيمن تقدم ; فالقول بها والميل إليها ميل عن الصراط المستقيم ، أعاذنا الله من ذلك بمنه .
فالجواب : أن هذه الوجوه المذكورة لا حجة فيها على خلاف ما تقدم أما الأوجه الأول ; فلأنا إذا بنينا على أن السنة بيان للكتاب ; فلا بد أن تكون بيانا لما في الكتاب احتمال له ولغيره ، فتبين السنة أحد الاحتمالين دون الآخر ، فإذا عمل المكلف على وفق البيان ; أطاع الله فيما أراد بكلامه ، وأطاع رسوله في مقتضى بيانه ، ولو عمل على مخالفة البيان ; عصى الله تعالى في [ ص: 332 ] عمله على مخالفة البيان ; إذ صار عمله على خلاف ما أراد بكلامه ، وعصى رسوله في مقتضى بيانه ; فلم يلزم من إفراد الطاعتين تباين المطاع فيه بإطلاق ، وإذا لم يلزم ذلك ; لم يكن في الآيات دليل على أن ما في السنة ليس في الكتاب ، بل قد يجتمعان في المعنى ، ويقع العصيانان والطاعتان من جهتين ، ولا محال فيه [ ص: 333 ] ويبقى النظر في وجود ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن ، يأتي على أثر هذا بحول الله تعالى ، وقوله في السؤال : " فلا بد أن يكون زائدا عليه " مسلم ، ولكن هذا الزائد ; هل هو زيادة الشرح على المشروح إذ كان للشرح بيان ليس في المشروح وإلا لم يكن شرحا ، أم هو زيادة معنى آخر لا يوجد في الكتاب ؟ هذا محل النزاع وعلى هذا المعنى يتنزل الوجه الثاني .
وأيضا ; فإذا كان الحكم في القرآن إجماليا وهو في السنة تفصيلي ، فكأنه ليس إياه ; فقوله أقيموا الصلاة أجمل فيه معنى الصلاة ، وبينه عليه الصلاة والسلام ; فظهر من البيان ما لم يظهر من المبين ، وإن كان معنى البيان هو معنى المبين ، ولكنهما في الحكم يختلفان ، ألا ترى أن الوجه في المجمل قبل البيان التوقف ، وفي البيان العمل بمقتضاه ، فلما اختلفا حكما صار كاختلافهما معنى ; فاعتبرت السنة اعتبار المفرد عن الكتاب [ ص: 334 ] وأما الثالث ; فسيأتي الجواب عنه في المسألة بعد هذا إن شاء الله وأما الرابع ; فإنما وقع الخروج عن السنة في أولئك لمكان إعمالهم الرأي واطراحهم السنن ، لا من جهة أخرى ، وذلك أن السنة كما تبين توضح المجمل ، وتقيد المطلق ، وتخصص العموم ; فتخرج كثيرا من الصيغ القرآنية عن ظاهر مفهومها في أصل اللغة ، وتعلم بذلك أن بيان السنة هو مراد الله تعالى من تلك الصيغ ، فإذا طرحت واتبع ظاهر الصيغ بمجرد الهوى ; صار صاحب هذا النظر ضالا في نظره ، جاهلا بالكتاب خابطا في عمياء لا يهتدي إلى الصواب فيها ; إذ ليس للعقول من إدراك المنافع والمضار في التصرفات الدنيوية إلا النزر اليسير ، وهي الأخروية أبعد على الجملة والتفصيل وأما ما احتجوا به من الحديث ، فإن لم يصح في النقل ; فلا حجة به [ ص: 335 ] لأحد من الفريقين ، وإن صح أو جاء من طريق يقبل مثله ; فلا بد من النظر فيه ; فإن الحديث إما وحي من الله صرف ، وإما اجتهاد من الرسول عليه الصلاة والسلام معتبر بوحي صحيح من كتاب أو سنة ، وعلى كلا التقديرين لا يمكن فيه التناقض مع كتاب الله ; لأنه عليه الصلاة والسلام ما ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى ، وإذا فرع على القول بجواز الخطأ في حقه ; فلا يقر عليه ألبتة ; فلا بد من الرجوع إلى الصواب ، والتفريع على القول بنفي الخطأ أولى أن لا يحكم باجتهاده حكما يعارض كتاب الله تعالى ويخالفه .
نعم ، يجوز أن تأتي السنة بما ليس فيه مخالفة ولا موافقة ، بل بما يكون مسكوتا عنه في القرآن ; إلا إذا قام البرهان على خلاف هذا الجائز ، وهو الذي ترجم له في هذه المسألة ; فحينئذ لا بد في كل حديث من الموافقة لكتاب الله كما صرح به الحديث المذكور ; فمعناه صحيح صح سنده أو لا .
وقد خرج في معنى هذا الحديث الطحاوي في كتابه في بيان مشكل الحديث عن عبد الملك بن سعيد بن سويد الأنصاري عن أبي حميد وأبي أسيد ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم ، وتلين له أشعاركم وأبشاركم ، وترون أنه منكم قريب ; فأنا أولاكم به ، وإذا سمعتم بحديث عني تنكره قلوبكم ، وتند منه أشعاركم وأبشاركم ، وترون أنه منكر ; فأنا أبعدكم منه [ ص: 336 ] وروي أيضا عن عبد الملك المذكور عن عباس بن سهل ; أن أبي بن كعب كان في مجلس ، فجعلوا يتحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمرخص والمشدد وأبي بن كعب ساكت ، فلما فرغوا ; قال أي هؤلاء ! ما حديث بلغكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرفه القلب ، ويلين له الجلد ، وترجون عنده ; فصدقوا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن رسول الله لا يقول إلا الخير .
وبين وجه ذلك الطحاوي أن الله تعالى قال في كتابه : إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم الآية [ الأنفال : 2 ] وقال : مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم الآية [ الزمر : 23 ] [ ص: 337 ] وقال : وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع الآية [ المائدة : 83 ] فأخبر عن أهل الإيمان بما هم عليه عند سماع كلامه ، وكان ما يحدثون به عن النبي صلى الله عليه وسلم من جنس ذلك لأنه كله من عند الله ; ففي كونهم عند الحديث على ما يكونون عليه عند سماع القرآن دليل على صدق ذلك الحديث ، وإن كانوا بخلاف ذلك وجب التوقف لمخالفته ما سواه وما قاله يلزم منه أن يكون الحديث موافقا لا مخالفا في المعنى ; إذ لو خالف لما اقشعرت الجلود ، ولا لانت القلوب ; لأن الضد لا يلائم الضد ولا يوافقه .
وخرج الطحاوي أيضا عن أبي هريرة عنه عليه الصلاة والسلام : إذا حدثتم عني حديثا تعرفونه ولا تنكرونه فصدقوا به قلته أو لم أقله ; فإني أقول [ ص: 338 ] ما يعرف ولا ينكر ، وإذا حدثتم عني حديثا تنكرونه ولا تعرفونه فكذبوا به ؛ فإني لا أقول ما ينكر ولا يعرف .
ووجه ذلك أن المروي إذا وافق كتاب الله وسنة نبيه لوجود معناه في [ ص: 339 ] ذلك ; وجب قبوله لأنه إن لم يثبت أنه قاله بذلك اللفظ ; فقد قال معناه بغير ذلك من الألفاظ ، إذ يصح تفسير كلامه عليه الصلاة والسلام للأعجمي بكلامه ، وإذا كان الحديث مخالفا يكذبه القرآن والسنة ; وجب أن يدفع ، ويعلم أنه لم يقله ، وهذا مثل ما تقدم أيضا .
والحاصل من الجميع صحة اعتبار الحديث بموافقة القرآن وعدم مخالفته ، وهو المطلوب على فرض صحة هذه المنقولات ، وأما إن لم تصح فلا علينا إذ المعنى المقصود صحيح ، ويحقق ذلك ما تقدم في المسألة الثانية من الطرف الأول من كتاب الأدلة ; ففي ذلك الموضع من أمثلة هذا الأصل في الموافقة والمخالفة جملة كافية ، وبالله التوفيق ، وإذا ثبت هذا بقي النظر في الوجه الذي دل الكتاب به على السنة ; حتى صار متضمنا لكليتها في الجملة وإن كانت بيانا له في التفصيل وهي :
[ ص: 340 ] المسألة الرابعة
فنقول وبالله التوفيق : إن للناس في هذا المعنى مآخذ :
منها : ما هو عام جدا ، وكأنه جار مجرى أخذ الدليل من الكتاب على صحة العمل بالسنة ولزوم الاتباع لها ، وهو في معنى أخذ الإجماع من معنى قوله تعالى : ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين الآية [ النساء : 115 ] وممن أخذ به عبد الله بن مسعود ; فروي أن امرأة من بني أسد أتته ، فقالت له : بلغني أنك لعنت ذيت وذيت والواشمة والمستوشمة ، وإنني قد قرأت ما بين اللوحين فلم أجد الذي تقول ! فقال لها عبد الله : أما قرأت وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله [ الحشر : 7 ] ؟ قالت : بلى قال : فهو ذاك .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|