
25-08-2022, 04:13 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,077
الدولة :
|
|
رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله

الموافقات
أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي
الجزء الرابع
الحلقة (163)
صـ281 إلى صـ 310
وعن عمر أيضا : ما أخاف على هذه الأمة من مؤمن ينهاه إيمانه ، ولا من [ ص: 281 ] فاسق بين فسقه ، ولكني أخاف عليها رجلا قد قرأ القرآن حتى أذلقه بلسانه ، ثم تأوله على غير تأويله .
والذي ذكر عن أبي بكر الصديق أنه سئل عن قوله : وفاكهة وأبا [ عبس : 31 ] فقال : أي سماء تظلني الحديث .
وسأل رجل ابن عباس عن يوم كان مقداره خمسين ألف سنة [ المعارج : 4 ] فقال له ابن عباس : فما يوم كان مقداره ألف سنة [ السجدة : 5 ] ؟ فقال الرجل : إنما سألتك لتحدثني فقال ابن عباس : هما يومان ذكرهما الله في كتابه ، الله أعلم بهما ، نكره أن نقول في كتاب الله ما لا نعلم .
وعن سعيد بن المسيب أنه كان إذا سئل عن شيء من القرآن ; قال أنا [ ص: 282 ] لا أقول في القرآن شيئا وسأله رجل عن آية ; فقال : لا تسألني عن القرآن ، وسل عنه من يزعم أنه لا يخفى عليه شيء منه يعني عكرمة وكأن هذا الكلام مشعر بالإنكار على من يزعم ذلك .
وقال ابن سيرين : سألت عبيدة عن شيء من القرآن ; فقال اتق الله ، وعليك بالسداد ; فقد ذهب الذين يعلمون فيم أنزل القرآن ؟ وعن مسروق ; قال : اتقوا التفسير ; فإنما هو الرواية عن الله وعن إبراهيم ; قال : كان أصحابنا يتقون التفسير ويهابونه وعن هشام بن عروة ; قال : ما سمعت أبي تأول آية من كتاب الله [ ص: 283 ] وإنما هذا كله توق وتحرز أن يقع الناظر فيه في الرأي المذموم ، والقول فيه من غير تثبت ، وقد نقل عن الأصمعي وجلالته في معرفة كلام العرب معلومة أنه لم يفسر قط آية من كتاب الله ، وإذا سئل عن ذلك لم يجب ، انظر الحكاية عنه في الكامل للمبرد .
فصل
فالذي يستفاد من هذا الموضع أشياء : منها : التحفظ من القول في كتاب الله تعالى إلا على بينة ; فإن الناس في العلم بالأدوات المحتاج إليها في التفسير على ثلاث طبقات : [ ص: 284 ] إحداها : من بلغ في ذلك مبلغ الراسخين كالصحابة والتابعين ومن يليهم وهؤلاء قالوا مع التوقي والتحفظ ، والهيبة والخوف من الهجوم ; فنحن أولى بذلك منهم إن ظننا بأنفسنا أنا في العلم والفهم مثلهم ، وهيهات .
والثانية : من علم من نفسه أنه لم يبلغ مبالغهم ولا داناهم ; فهذا طرف لا إشكال في تحريم ذلك عليه .
والثالثة : من شك في بلوغه مبلغ أهل الاجتهاد ، أو ظن ذلك في بعض علومه دون بعض ; فهذا أيضا داخل تحت حكم المنع من القول فيه ; لأن الأصل عدم العلم ، فعندما يبقى له شك أو تردد في الدخول مدخل العلماء الراسخين ; فانسحاب الحكم الأول عليه باق بلا إشكال ، وكل أحد فقيه نفسه في هذا المجال ، وربما تعدى بعض أصحاب هذه الطبقة طوره ; فحسن ظنه بنفسه ، ودخل في الكلام فيه مع الراسخين ، ومن هنا افترقت الفرق ، وتباينت النحل ، وظهر في تفسير القرآن الخلل .
- ومنها : أن من ترك النظر في القرآن ، واعتمد في ذلك على من تقدمه ، ووكل إليه النظر فيه غير ملوم ، وله في ذلك سعة إلا فيما لا بد له منه ، وعلى حكم الضرورة ; فإن النظر فيه يشبه النظر في القياس كما هو مذكور في بابه ، وما زال السلف الصالح يتحرجون من القياس فيما لا نص فيه ، وكذلك وجدناهم في القول في القرآن ; فإن المحظور فيهما واحد ، وهو خوف التقول على الله ، بل القول في القرآن أشد ; فإن القياس يرجع إلى نظر الناظر ، والقول في القرآن يرجع إلى أن الله أراد كذا ، أو عنى كذا بكلامه المنزل ، وهذا عظيم الخطر .
- ومنها : أن يكون على بال من الناظر والمفسر والمتكلم عليه أن ما يقوله تقصيد منه للمتكلم ، والقرآن كلام الله ; فهو يقول بلسان بيانه : هذا مراد الله [ ص: 285 ] من هذا الكلام ; فليتثبت أن يسأله الله تعالى : من أين قلت عني هذا ؟ فلا يصح له ذلك إلا ببيان الشواهد ، وإلا ; فمجرد الاحتمال يكفي بأن يقول يحتمل أن يكون المعنى كذا وكذا ، بناء أيضا على صحة تلك الاحتمالات في صلب العلم ، وإلا ; فالاحتمالات التي لا ترجع إلى أصل غير معتبرة ; فعلى كل تقدير لا بد في كل قول يجزم به أو يحمل من شاهد يشهد لأصله ، وإلا كان باطلا ، ودخل صاحبه تحت أهل الرأي المذموم ، والله أعلم .
[ ص: 286 ] [ ص: 287 ] الدليل الثاني : السنة
ويتعلق بها النظر في مسائل :
[ ص: 288 ] [ ص: 289 ] المسألة الأولى
يطلق لفظ السنة على ما جاء منقولا عن النبي صلى الله عليه وسلم على الخصوص ، مما لم ينص عليه في الكتاب العزيز ، بل إنما نص عليه من جهته عليه الصلاة [ ص: 290 ] والسلام ، كان بيانا لما في الكتاب أو لا .
ويطلق أيضا في مقابلة البدعة ; فيقال : فلان على سنة إذا عمل على وفق ما عمل عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، كان ذلك مما نص عليه في الكتاب أو لا ، ويقال : فلان على بدعة إذا عمل على خلاف ذلك ، وكأن هذا الإطلاق إنما اعتبر فيه عمل صاحب الشريعة ; فأطلق عليه لفظ السنة من تلك الجهة ، وإن كان العمل بمقتضى الكتاب .
ويطلق أيضا لفظ السنة على ما عمل عليه الصحابة ، وجد ذلك في الكتاب أو السنة أو لم يوجد ; لكونه اتباعا لسنة ثبتت عندهم لم تنقل إلينا ، أو اجتهادا مجتمعا عليه منهم أو من خلفائهم ; فإن إجماعهم إجماع ، وعمل خلفائهم راجع أيضا إلى حقيقة الإجماع من جهة حمل الناس عليه حسبما [ ص: 291 ] اقتضاه النظر المصلحي عندهم ; فيدخل تحت هذا الإطلاق المصالح المرسلة والاستحسان ، كما فعلوا في حد الخمر وتضمين الصناع [ ص: 292 ] وجمع المصحف ، وحمل الناس على القراءة بحرف واحد من الحروف السبعة ، وتدوين الدواوين ، وما أشبه ذلك .
[ ص: 293 ] ويدل على هذا الإطلاق قوله عليه الصلاة والسلام : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين .
وإذا جمع ما تقدم ; تحصل منه في الإطلاق أربعة أوجه : قوله عليه الصلاة والسلام ، وفعله ، وإقراره وكل ذلك إما متلقى بالوحي أو بالاجتهاد ، بناء على صحة الاجتهاد في حقه ، وهذه ثلاثة ، والرابع ما جاء عن الصحابة أو الخلفاء ، وهو وإن كان ينقسم إلى القول والفعل والإقرار ، ولكن عد وجها واحدا ; إذ لم يتفصل الأمر فيما جاء عن الصحابة تفصيل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم
[ ص: 294 ] المسألة الثانية
رتبة السنة التأخر عن الكتاب في الاعتبار والدليل على ذلك أمور : أحدها : أن الكتاب مقطوع به ، والسنة مظنونة ، والقطع فيها إنما يصح في الجملة لا في التفصيل ، بخلاف الكتاب ; فإنه مقطوع به في الجملة والتفصيل ، والمقطوع به مقدم على المظنون ; فلزم من ذلك تقديم الكتاب على السنة .
[ ص: 295 ] [ ص: 296 ] والثاني : أن السنة إما بيان للكتاب ، أو زيادة على ذلك ، فإن كان بيانا ; فهو ثان على المبين في الاعتبار ، إذ يلزم من سقوط المبين سقوط البيان ، ولا يلزم من سقوط البيان سقوط المبين ، وما شأنه هذا ; فهو أولى في التقدم ، وإن لم يكن بيانا ; فلا يعتبر إلا بعد أن لا يوجد في الكتاب ، وذلك دليل على تقدم اعتبار الكتاب .
[ ص: 297 ] [ ص: 298 ] والثالث : ما دل على ذلك من الأخبار والآثار ; كحديث معاذ : بم تحكم ؟ قال : بكتاب الله قال : فإن لم تجد ؟ قال : بسنة رسول الله قال فإن لم تجد ؟ قال : أجتهد رأيي ، الحديث [ ص: 299 ] [ ص: 300 ] [ ص: 301 ] [ ص: 302 ] [ ص: 303 ] [ ص: 304 ] [ ص: 305 ] [ ص: 306 ] وعن عمر بن الخطاب أنه كتب إلى شريح : إذا أتاك أمر ; فاقض بما في كتاب الله ، فإن أتاك ما ليس في كتاب الله ; فاقض بما سن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلخ [ ص: 307 ] وفي رواية عنه : إذا وجدت شيئا في كتاب الله ; فاقض فيه ولا تلتفت إلى غيره .
وقد بين معنى هذا في رواية أخرى أنه قال له : انظر ما تبين لك في كتاب الله ; فلا تسأل عنه أحدا ، وما لم يتبين لك في كتاب الله ; فاتبع فيه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومثل هذا عن ابن مسعود : من عرض له منكم قضاء ; فليقض بما في كتاب الله ، فإن جاءه ما ليس في كتاب الله ; فليقض بما قضى به نبيه صلى الله عليه وسلم [ ص: 308 ] الحديث وعن ابن عباس أنه كان إذا سئل عن شيء ; فإن كان في كتاب الله قال به ، وإن لم يكن في كتاب الله ، وكان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال به وهو كثير في كلام السلف والعلماء .
وما فرق به الحنفية بين الفرض والواجب راجع إلى تقدم اعتبار الكتاب [ ص: 309 ] على اعتبار السنة ، وأن اعتبار الكتاب أقوى من اعتبار السنة ، وقد لا يخالف غيرهم في معنى تلك التفرقة ، والمقطوع به في المسألة أن السنة ليست كالكتاب في مراتب الاعتبار .
فإن قيل : هذا مخالف لما عليه المحققون : أما أولا ; فإن السنة عند العلماء قاضية على الكتاب ، وليس الكتاب بقاض على السنة ; لأن الكتاب يكون محتملا لأمرين فأكثر ، فتأتي السنة بتعيين أحدهما ; فيرجع إلى السنة ، ويترك مقتضى الكتاب .
وأيضا ; فقد يكون ظاهر الكتاب أمرا فتأتي السنة فتخرجه عن ظاهره ، وهذا دليل على تقديم السنة ، وحسبك أنها تقيد مطلقه ، وتخص عمومه ، وتحمله على غير ظاهره ، حسبما هو مذكور في الأصول ; فالقرآن آت بقطع كل سارق ; فخصت السنة من ذلك سارق النصاب المحرز ، وأتى بأخذ الزكاة من [ ص: 310 ] جميع الأموال ظاهرا ; فخصته بأموال مخصوصة ، وقال تعالى : وأحل لكم ما وراء ذلكم [ النساء : 24 ] ; فأخرجت من ذلك نكاح المرأة على عمتها أو خالتها ; فكل هذا ترك لظواهر الكتاب وتقديم السنة عليه ، ومثل ذلك لا يحصى كثرة .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|